mohamedibrahim

Share to Social Media

..أخذت مقعدا بأقصى عربه القطار..تحت مصباح تنتابه الرعشة..يضئ.ويغلق إضاءته..بين الثانية والأخرى..أنامت الإبن الأكبر على فخذها الأيمن..والابنه على الأيسر..والصغير أخذ مكانه على حجرها..ناموا ترتسم على وجوههم علامات الألم والخوف..تتساءل قسماتهم عن ما يحدث وعن سببه..القطار يسرع..واضاءات أعمدة الاضاءة التى يمر بها سريعا تلقى بصيصا من الضوء عليهم..أطرقت رأسها للأرض..تذكرت بعضا من أيامها..وجدت نفسها إبنه لرجل طاعن بالعمر..دوما يسير بإنحناءة ظهر..كثيرا من الأيام تصحو لا تجده..ولكنها تشعر بذهابه باكرا كل يوم حينما يميل عليها ..يمرر يده على شعرها..ويقبل جبينها..ويدها..وتراه أتيا بعد مغيب الشمس أشد انحناءا..أيضا يأخذها بحضنه..يربت عليها بحنانه..يقبلها..هو يعمل بكل انواع العمل الذى يناسب عمره..بالحقول..بأعمال البناء..ياتى حاملا جوالا به صنوف من الطعام يتحصل عليه من النقود التى عمل بها..او بعضا من تصدقات الآخرين..يغتسل..يصلى..يقرأ قليلا من القرآن ..يجلس بين زوجته والابنة..يتناولان الطعام بين ضحكات وحكايات يومه..ينهض مهرولا ..إلى المسجد المجاور لتنظيفه كما اعتاد طوال عمره منذ الصغر وهو.يفعل هذا ..لعل الله يفتح له بابا..يعود والسعادة تضئ وجهه..أخذ باعداد كوب الشراب اليومى..مجموعة من البرطمانات مليئة بأعشاب متعددة..هكذا أخبرتها الأم حينما أخذها الفضول نحو السؤال..يضع هذه الأعشاب ببعض الماء..يغليه على النار ..يضعه بكوب كبير من المعدن..يضيف اليه ملعقة كبيرة من العسل..يقلب المحتوى جيدا..عندما تبرد لحد ما يتجرعها دفعة واحدة..ثم يقبل جبين الزوجة والابنة ثم يدخل إلى فراشه..يتمدد..لحظات ويكون قد استغرق بالنوم ..الوجه مضئ بفعل الرضا والقناعة..الأم مازالت فتيه .عفيه..مؤكد تصغره بعقود من الزمن..نشطه..دؤؤب..قبل استيقاظة..تنهض..تعد له ماء الاغتسال... قبلها تكون قد اعدت له قطعة جبن وبعضا من الخضار والمخلل..يتناولها على عجل..يسرع لصلاة الفجر بالمسجد..يؤدى صلاته..يسرع بعدها للعمل المحدد سلفا له..تسرع هى لتنظيف البيت الصغير..وغسيل الملابس.وإعداد ما تنتاوية من طعام اليوم...ثم الخروج إلى حيث جلستها اليوميه على مصطبة اسمنتية صنعها الزوج وكل فترة يعاود ترميمها ودهانها.. مجاورة تماما لباب البيت ..كل من يمر بها يلقى عليها السلام والتحية..وبعض النسوة يسرعن لتقبيل جبينها....والبعض ياتين يشاركنها الجلسة..المصطبة لا يغادرها الظل مطلقا..هى من تعطى النصيحة لهذه وتلك لكى تستمر الحياة..الحياة عندها محطات..محطة بها بهجة والاخرى بها الم..واخرى تجمع الاثنين معا..لا يخلو يومها من قدوم كثير من النساء يحملن طواجن اللبن..والزبد.والجبن.وبعضا من الأرز.القمح.الاذرة.الدقيق.السمن..البيت مبروك كما يصفه أهل القرية..البركة تنادى المار بها..الإشراق الدائم يعلو وجهها..صوت خفيض هادئ عذب..إبتسامة رضا وتقبل لا تغادرها..هى أيضا اكتسبت صفاتها..الكل يحبها يناديها الأطفال كل لحظة لمشاركتهم العابهم وطعامهم..حتى الكبار الذين يصادفونها يربتن على كتفيها بحنان بالغ ..البعض يناولها نقودا..أو قطعا من الحلو..نشيطة تساعد هذه وتلك بلا شكوى..وصفتها إحدى النساء..الإسم صبيحة..وهى مضيئة..تدخل البهجة معها لأى مكان تدخله..وصل الأمر إلى تنافس النساء على من يدعوها لقضاء اليوم عندها..تعددت وسائل الإغراء..ولكن هى كانت تستجيب لخطوات قلبها وعقلها..هى مزيج من والأم..جاء لهم إبنة بعد أكتر من عشرين عاما من عدم الإنجاب..كانت حياتهما صحراء قاحلة عاشوها الما يسكنهم..وجاءت فاضاءت وإخضرت أيامهم..عندما وصلت لسن الإدراك صارت تعمل بالحقول ..لتاتى بما يزيد من وفاء متطلبات حياتهم بلا عناء..السنون كلما مرت إزداد انحناء الأب وصار المرض رفيقا له..ولكن لم يشكو يوما..والأم راضية بأيامها..حين بدأت انوثتها بالازهار..طرق بابها العشرات..ولكن الأب كان يرفض..فهو.يراها صغيرة..هذا سبب ظاهرى..أما مكنونه..فهو يريد أن يستمتع بوجودها معه إلى أقصى مدى من عمره..بدأت رحلة العمل خارج قريتها مع عمال التراحيل..يتنقلون من قرية إلى اخرى..المقابل أكتر..والشقاء أكبر.. بيوم كانت تعمل بتوزيع شتلات الارز بأحد الحقول..فتيات وشباب..شعرت بشئ يداعب قدمها..صرخت وهرولت وتعثرت..وجدت نفسها بلا وعى ولا إرادة ملقاه بين ذراعى شاب..للحقيقة..تعامل معها بنقاء..تلقاها..ربت على ظهرها بود..ثم أجلسها..وأتى لها بشربه ماء..وعندما هدأت داعبها..ضفدع صغير يرعبك بهذا الشكل..لم تجبه..ولكن أجابت عيناها حينما زادت بريقا..هى بطبيعتها كانت تخاف من الزواحف..ولكن من يوم حادثة الضفدع أحبت الضفادع..تقاربا يوما بعد يوم..تشاركا بالطعام مرات..صار ملازما لها..تستمع له..ويستمع لها..حكت له..وحكى لها..هو من قرية بعيدة عن قريتهم ..يعمل للوفاء بسداد ديون ابية ورهنه للارض ..هذا ما عرفه هو.واخوته بعد وفاة الأب..بجلسة بين الاخوة الاربعة..هو.اصغرهم وغير متزوج وغير مسئولا عن أسرةأو أولاد.استقروا على ان يعمل هو ما يمكن عمله..وياتى على فترات حاملا ما تم إدخاره لسداد الدين على دفعات..تقبل عملا بوصية الاب الذى دعاه ذات يوم..منفردا به..خاطبه..
=أسمع يا مجاهد يا ابنى..الكلام الذى سوف أقوله لك تعدنى بعدم معرفة أحد به إلا بعد وفاتى..أنا اعرف كل واحد منكم جيدا..أرى انك الوحيد الذى يحمل قلبا نقيا طاهرا لا يهدف باستغلال أو طمع..او لأهداف تسلب بعض الحقوق..ومن هنا حماية لك من أخوتك الذين يحملون بين ضلوعهم أنانية لا أعرف كيف جاءت لهم..لا علينا..انا كتبت لك نصيبك من الميراث حال وفاتى ولكنى استبقت الايام حرصا عليك..هذه الأوراق مستوفاة وموثقة..طلبى هو.عند وفاتى تكتفى بما أعطيتك وتنازل أمام الجميع عن اى ميراث لك..عاهدنى..عاهد الأب الذى غادر مهرولا الحياة بعد شهور قليلة لاحقا بزوجته التى غادرته من سنوات بعيدة.. حكى لها كل تفصيلاته.رافقته بكل رحلات العمل..لم ترى منه أى شئ مشين..كان الخوف عليها واضحا بكل تصرفاته..حتى حين الصلاة ..كان يقف امامها حاجبا عنها العيون..تقاربا ..عرفته على الأب والأم...الأب أرتاح له وكذلك الأم..أصبحا فى أعين الجميع خطبين..منعا للقيل والقال..تعاهدا على تدبير أمورهم دون أى اعباء على أخريين..استمرا أكثر من خمس سنوات..حتى احسا بأن الوقت قد حان للزواج..طلبها من الأب الذى رحب وتهلل بشرا لتحققه على مدار السنوات والزيارات المتباعدة أنه رجل يعتمد عليه ويؤتمن عليها..كانت تشاكسة وتمازحه..أنا طالبه منك ان يكون أحد الشهود..ضفدع..لك ان تشكر أى ضفدع فهو.أساس حبنا..اختارا إن يتزوجا ببيت صغير قريب من أماكن عملهم..لم يهتم بأخبار إخوته..الأمر لا يعينهم..تزوجها ..عاشا معا سعادة غامرة..وعندما وضعت حملها قرر أن يذهب بها إلى إخوته ليعرفهم بها..بمجرد أن طرق بيته وبيت إخوته..فتح الباب..لم يعنيهم أخيهم والسؤال عن.غيبته التى طالت..إنصب همهم الأول عن السؤال عن المال..ثم السؤال عن من تكون..أخبرهم بقصتهم..الامتعاض كسا وجوههم..شعرت بأنهم لا يرغبون بها ولا أخيهم..وأن مجاهد مجرد سبيل للمال..لم يطل بهم المقام..ثلاثة أيام وعادوا سريعا..وكل زيارة كان نفس الفتور حتى لا ترحيب بما أنجبت..زيارات على فترات متباعدة..لم تتغير مشاعرهم..حينما كان الهم من تصرفات اخوته معهم تثقل نفسها تسرع إلى بلدتها ليوم او بعض يوم تفضفض مع الأب والأم..تزيح همها ..وتستمع لحكمتهم..وتعود مرتدية ثوبا جديدا من الطمانية والسكينة وراحة البال..المرة الأخيرة أتى بها..جلس معها ...اخبرها انه بطريقه للسفر وربما تطول غيبته ..مشروع.كبير فى قلب الصحراء ..سوف يمتد العمل لسنوات..وهو.عندما يجد فرصة سوف يأتيها..وهو لا يأمن على وجودها إلا هنا حتى لوكانوا سيئين..وعليها التحمل..لأنه مقابل عمله رح يكون كبيرا سوف يشترى.بيتا وأرضا ببلد آخر بعيدا عن بلده..وأعطاها شنطة أوراق طالبا.منها إخفائها جيدا..فهى حق أولاده..طالبها بأن تعلم الأولاد لأقصى مدى..لا تجعلهم يعيشون حياتهم..غادرها باكرا تاركا الإبن والأبنة..وحمل ببداياته..أكثر.من ثلاث سنوات ولم يجئ لها أى خبر عنه..عملت بالحقول لتعول أبناؤها..لم تلن أفئدة وضمائر إخوته..بل زادوا قسوة وجفاءا ولم يتحرك أى ساكن من مشاعر الانسانية.تعاملوا معها كأنها وباءا هبط عليهم..الأقوال تناثرت بشأن غياب زوجها..هناك من قال أنه مات بموقع العمل الذى لا تعرف أين هو..وهناك من قال أن اخوته قتلوة يوم مغادرته..واخفوا جثته..هى تميل للقول الأخير..إنتبهت من شرودها الذى طال..فكرت أن تعود إلى قريتها..نعيش بين ناس يعرفونها وتعرفهم..تراجعت عن هذا التفكير..بعد وفاة الأب والأم خلال شهور مصرين على إستمرار وجودهم معا حتى بالموت..وهى زهدت قريتها تماما رغم اهلها الطيبين ..ولكنها بالنهاية رأت انه من الافضل الابتعاد تماما ..بمكان لا تعرف أحدا ولا يعرفها أحد..ولكن إلى أين تذهب..احتارت ولكن بالاخير اختارت أن تسير وفق قلبها وعقلها ...سوف تنزل بالمحطة التى تجد قدماها تنهض وتنزل بها..ولتكن مشيئة الله...ساعات طويلة وهى بجلستها تنتظر المجهول الذى لا تدرى كنيته..اليوم خبيئة الغد..أخذها النوم لوقت لا تدرى كم مداه..على حين بغته وجدت نفسها تنهض ..توقظ أولادها..الذين انتفضوا بخوف..أخذت مكانا بالقرب من باب العربة..عند أول محطة انزلقت هى واولادها..توقفت على الرصيف تتأمل ما حولها..تشخص برأسها للسماء.. الفجر أخذ بالانبثاق..نسماته تداعب الوجوه..الرصيف شديد الإهمال..كثير الحفر..سارت بأولادها..على غير هدى..على بعد تظهر بيوت طينية متجاورة..بصيص أضواء خافته يتصاعد من خصاص النوافذ..الحركة قليلة..بعضا من الرجال والفتيان يهرولون بطريقهم إلى المسجد لصلاة الفجر..لا أحد يلتفت إليها..فنداء الله هو الأهم..سارت لبعض الوقت..وجدت بيتا به بعض التهدم..ارتكنت هى وأولادها إلى الجدار..أخرجت من الصرة التى تحملها بعض من الطعام الذى حملته سريعا..واخذت تطعم الاولاد.انسالت الدموع بغزارة محاولة غسل ألمها.وهى تتمتم ..يارب أنت من تعلم بحالنا..كن عونا وسندا وحاميا لنا يارب العالمين..
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.