بنت في منتصف العشرينيَّات من عائلة عالية المستوى، تتزوج من شاب في مثل عمرها تقريبًا ومثل مستواها الاجتماعي أيضًا. والأهل رأوا أن الزواج مناسب للعائلتين بسبب المصالح المشتركة بينهما.
حياة البنت عبارة عن ذل وإهانة، وتخاف أن تحكي لوالدها عما يحدث معها.
تمر السنوات عليها وتنجب ولدًا وبنتًا، تعيش مع أهل زوجها في نفس العمارة وكانوا يرون ضرب ابنهم لها دون أن يَنبِسوا ببنت شَفَة!، وكانوا يصعدون إليها ليأخذوا أولادها عقابًا لها؛ لتتعلم كيف تسعد أخاهم وتحترمه.
واستمرت حياتها كهذا إلى أن قالت لأبيها: "أنا لست سعيدة، ولا أستطيع أن أستمر في هذا الوضع"، وكان رده عليها: لا يوجد في عائلتنا بنات تُطَلَّق، هذا قَدَرك واقبلي به.. وابقي عندي فترة ترفهين فيها عن نفسكِ، وما رأيك في أن تأتي معي عزومة؟ صاحبتها سيدة من سيدات المجتمع الراقي، ومعظم أصدقائها لهم عَلاقات مع كبار المسؤولين، ومنهم أمراء من دول الخليج.
وافقت البنت وذهبت البنت مع أبيها، ورآها صديق مُقرب للسيدة صاحبة العزومة وسألها عن البنت وعرّفته من تكون وذكرت له أنها متزوجة.
رد قائلًا: "يا خُسارة"، وسكت.
تعود البنت إلى بيت زوجها مرة أخرى، وتتشاجر مع زوجها شِجارًا كبيرًا، وكانت أول مرة تخرج عن سكوتها، جرت منه إلى الشارع بملابس البيت حافيةً إلى بيت أهلها؛ وفي الوقت نفسه يراها الرجل الذي رآها في العزومة وهو راكب سيارته ونزل لها، فخافت منه لكنه طمأنها وعرفها بنفسه وأخبرها أنه كان في الحفلة التي حضرتها هي ووالدها، وعرض عليها المساعدة، فقالت: "أريد أن أذهب لأبي"، فقال لها: تفضلي في السيارة، وأعطاها العباءة التي كان يرتديها لتداري بها جسدها، وركبا وسارا إلى بيت أهلها. وظل قريبًا منها ومتابعًا لها، بل إنه ساعدها عن طريق أصدقاء له ضغطوا على زوجها وأبيه كي يطلقها.. وبالفعل وافق زوجها، لكنه اشترط أن تتنازل له عن كل شيء حتى أولادها.
طُلِّقَتْ بالفعل، وفي اليوم نفسه عرفت أن زوجها سافر وأخذ أولادها معه ولا يعرف أحد أين سافر!، كانت تشعر بحسرة على عيالها. وبعد ثالث يوم ذهب ذلك الرجل إلى والدها وأعطاه شبكة ابنته، وقال له أنه يريد أن يتزوجها، ولا أريد ردًا الآن؛ فأنا مسافر إلى بلدي وسأعود آخر يوم في العدة لو وافقتْ سأتزوجها وستسافر لتعيش معي، ولو لم توافق ستكون شبكتي هذه هدية لها تبيعها وتبدأ بها حياتها وعملها الخاص من جديد، وأنا سأكون بجانبها كأخ وصديق، وقام وتركه.
أعلمَ الأب ابنته بما حدث، وقال لها إنه لن يظلمها مرة أخرى، ولن يقرر شيئًا في حياتها.. لكنه أخبرها أن هذا الشخص قد أرسله الله لها ليعوضها عن أيامها الماضية معهم ومع زوجها السابق، ولو تزوجته سيموت وهو مرتاح وأنها في أيد أمينة وقام وتركها.
كانت البنت شبه ميّتة؛ فقد ضاع منها كل شيء، ولن ترى أولادها مرة أخرى وستعيش وحيدة.
ومرت الأيام ورجع ذلك الشخص إلى مصر، وذهب إليهم وكانت المفاجأة أنها وافقت!، وتزوجته بعد العدة بأسبوع بالضبط، وسافرت معه إلى بلده؛ بلد غريب لا تعرف فيها أحدًا، لكنه كان صديقًا وأخًا وزوجًا وشريكًا، وكذلك جعلها شريكةً معه في عمله، وأكملا عمرهما على هذا الوضع إلى أن تُوفي زوجها؛ فقررت أن تُصفِّي عملها بالكامل وترجع وتعيش ما تبقى من عمرها في مصر، ورجعت بالفعل وهنا كانت المفجأة...
اشتد المرض على والد زوجها السابق وطلب أن يراه هو وأحفاده، وبالفعل جاء، واعترف الجد لأحفاده أنهم ظلموا أمهم، وأنها تركتهم بسبب الظلم والإهانة وأنها تحملت كثيرًا، لكن لم يكن أحد يستطيع أن يدافع عنها خوفًا من أبيهم؛ فهو الولد الوحيد وكنا نخاف أن نخسره.
رفض الأحفاد أن يسافروا مع أبيهم مرة أخرى، وظلوا في مصر مع عمتهم، وأكملوا دراستهم هنا؛ إلى أن عرفوا أن والدتهم رجعت إلى مصر، وفي اليوم التالي صباحًا دَقَّ بابها، ففتحت ووجدت شابًا يرتدي زي الشرطة وتقف بجانبه بنت، وكانا يشبهان القمر!
قالت: تريدان من؟، قالا: نريدك أنتِ يا (ماما)... كانت مصدومة؛ هل يُعقل أنهما ولداها؟ لم تصدق أن ابنها تخرج من كلية الشرطة وابنتها طبيبة!، ولم يأسلا عن أي شيء قديم حدث في الماضي، وأخبراها أنهما علما كل شيء، وأن هذا حقها طالما أنها لم تكن سعيدة ومن حقها أن تغير حياتها. وأنهما معها الآن وبجانبها وأنهما لن يتخليا عنها أبدًا.
ربنا عوضها برجل احترمها وأعطاها قدرها وعاشت معه حياة كريمة، وعوضها بأولادها وحنية قلبهم وحكمتهم، وأنها تتباهى بهم وتسند عليهم الباقي من عمرها.
لا يوجد من سيظل ساكتًا عن حقه طوال عمره، بل سيأتي وقت وسيتكلم ويطلب حقه، وسيرجع الحق لأصحابه يوما ما ولو بعد حين.. فاتعظوا واتقوا الله؛ إنه على كل شيء قدير.
حكايتي هذه المرة مختلفة تمامًا، لكن عندما علمت بها أحببت أن أكتبها لكم.. عن قصة حقيقة أتحدث.