المشهد الأخير
خالد ناجي
سطوع لخدمات النشر
جميع الحقوق محفوظة ويحظر طبع أو تصوير أو تخزين أي جزء من الكتاب بأية وسيلة من وسائل تخزين المعلومات إلا بأذن كتابي صريح من الناشر
إهداء..
إلى المعذبين بين الحلم والواقع، لا تقنطوا من الرحمة، لعلكم تمسكون بزمام العذاب يومًا ما
إهداء
إلى أمي عزيزة قلبي و ربيعة عمري، أتذكر رسالتك التي كتبتها لي منذ خمسة أعوام، كانت تلك الفترة فارقة في حياتي لترفعني للأعلى أو أنها ستودي بي إلى الجحيم، أحتفظ برسالتكِ حتى الأن حينما كتبتِ فيها..
الرشد/ أعظم مطلب
"اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا"
أدعوا يا بني بهذا الدعاء، فإن الله إذا هيأ لك أسباب الرشد فإنه قد هيأ لك أسباب الوصول للنجاح الدُنيوي و الفلاح الأخروي.
الرشد هو/ الرشد هو إصابة وجه الحقيقة- هو السداد- هو السير في الإتجاه الصحيح، فإذا ملكت الرشد فقد ملكت النصر و لو بعد حين
و بهذا أدعوا حبيبك الله أن تردد
" و قل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا"
يا بني:
من إعتمد على ماله/ قل
من إعتمد على عزه/ ذل
من إعتمد على الناس/ مل
من إعتمد على عقله/ إختل
( و من إعتمد على الله) فما قل و لا ذل و لا مل و لا إختل.
لم تبدأ الحكاية بعد..
ربما لحظات و تستيقظ على دموع الفراق، الآلم الصامت، حسراتُ الشوق الممزوجة بالحزن أشياءٌ أخرى لم يقدر لنا أن نكتبها فعشناها في أحلامنا، قصص الحب التي عشناها و لم نرد بأن تنتهي أبدًا ، تلك هي أصل الحكاية، و قصصٌ لم نرويها بعد؛ لقد خشينا على أنفسنا من الذكريات..
بين الصيف و المطر علاقة عكسية لا تتصف بها أكثر المواسم، فنظرًا لقراءتنا اليومية عندما نحتسي فنجان من القهوة ونستمع لبعض الأغاني الكلاسيكية التي تجعلنا نشعر كأننا واقعين في حالة من الحب الذي لم نشاهده إلا في التلفاز أو نقرأه في الكتب الرومانسية؛ عادة ما يصدمنا الواقع، فنبحث ونبحث عن شيءٍ نكمل به هذا الطريق لأجله فلا نجد سوى الصحبة،فور إكتمال غاية المطلوب و حالما نصل للمنتصف، تفترق الصحبة لتنتهي كما انتهى كل شيء فلا يبقى بداخلنا سوى الذكريات المطموسة بالآلم؛ أوجاع الحب المزيف، لحظات السعادة الفارقة..
اعتدت دومًا النظر في وجوه البشر؛ كلماتهم الفلسفية؛ ضحكاتهم في المزاح فلم أجد سوى الزيف! نعم... لقد خيم الزيف على حياتنا؛ نتعامل بما لا نكنه في صدورنا ونخدر أنفسنا بالضحكات والإيماءات؛فنهرب من الواقع إلى أحلامنا - لقد أصبح الحلم واقعنا- .
حلمت يومًا أن تمطر صيفًا ولم تمطر، لكنني رأيتها في أحلامي، عاودتها مرارًا وتكرارًا، هذا ما أصبحنا عليه الآن، يسود تفاصيلنا التشويش بين الواقع و الحلم، نعيش على آمال المستقبل الزائل، و أؤمن أن النصر، كل النصر لأولئك الذين ماتوا وهم يحلمون، لأنهم وجدوا السكينة نازحين بأجسادهم نحو الربيع، فرأوا المطر والصيف، غير أبهين بتفاصيل الحياة و من يحكموها ليفرضوا الجوع و الشهوة، الحروب القاتلة، فلسفتهم الرنانة في قاعتهم المضيئة بدماء البشر، إنها القوة لتتحكم بغرائزك البشرية و لا شئ بعدها..
أتدري أن جميع البشر يجمهم شيءٌ واحد! هو البحث، فالجميع يبحث ويبحث عن غرائزه اليومية، ولكن إلى أين؟!
حتمًا سنتعثر في النهاية، ونذكر رحلتنا نحو الآلم الجميل، الذي صنعه لنا أحدهم.
مشهد تمهيدي
لم يراودنِ النوم حتى الأن..
جلست على طرف سريري في أقصى الجهة الشمالية، كان السرير في منتصف الحجرة، أنتظرت قرابة النصف ساعة وأنا أسند كفي الأيمن مكوعًا أسفل ذقني، بينما مرفقي يغرس في فخذي، عيناي لم يتحركا من ثباتهما بإتجاه خزانة ملابسي ربما أرادت شيئًا ما...
بعد كثيرًا من هذا الوضع الممل، أدركت ما أنوي فعله، حركت قدمي الثقيلة نحو الحمام ببطء،دخلت، مددت كفي الأيمن بتردد لملامسة صنبور المياه، فالطقس بارد إلى حدٍ ما، لكن بعد ملامسة المياة المتدفقة أحببت برودتها فوجدت فيها متعتي، أو رُبما شعوري بدغدغة المياة جسدي حين تتساقط ببطء، بإنها أعادتني من شرودي المقلق، أو غُسلي عما حدث ليلة الأمس من ثورةٍ جامحة.
فلقد خرج كلاً منا أنا و هي متعادليين، ولكن حتمًا سأعطيها نقطة الفوز؛ لأنها قامت بحركة أشعلت ثورتي لم تنطفئ حتى الأن.
أستفقت بعد فترة من ترك المياة لتتساقط على رأسي لعلها تعيد تركيزي كاملًا، تذكرت فيها ليلة أمس الجامحة، خرجت عاريًا من تحت المياة، أبحث عن المنشفة ولكني تذكرت أنني قد نسيتها بالغرفة، فخرجت اتحسس الطريق بجسد مبلل ناحية الغرفة أرتجف، وصلتُ أمام خزانة ملابسي أتفحصها، ارتبها بعيناي لابدأ بالإختيار،رأيت المنشفه فسحبتها بسرعة ألتحف وأجفف جسدي المبتل، وبعيني أتفحص الأدراج وملابسي لأختار بنطال كلاسيكي أسود، لطالما أحببت ملمس قماشه المريح، أيضًا هذا القميص الأسود المصنوع من القطن ذا الأساور المحدبة، ولتكتمل اللوحة يجب أن أرتدي هذه الساعة الذهبية من ماركة (audemars piguet)، في الجانب الأيمن من غرفة المعيشة هنا تجتمع أحذيتي حذائي البني الذهبي أو كما يقال "الهافان" المرصع من الجوانب باللون الأسود، هذا ما تعتليه قدماي، لهذه اللحظة متعة ينقصها عطري المفضل حتمًا سأضع عطر هذه الليلة الحزينة، عطرًا يليق بها "توباكوا فانيليا" التابع لبيت أزياء(Tom ford)، تبدأ قصة هذا العطر مع أول رشة منه على قميصي الأسود ليعبر بي لعوالم أخرى، حيث تكون هناك مشاجرة بين الفانيليا الناعمة و التونكا ذات الطابع الذكوري الذي يميزني وسط ضغط شديد من نوتة التبغ لفك الشجار بينهم، بعد هذا السجال تأتي نوته لاذعه من التوابل لتهديْ الوضع و تقوم بتغير السياق من شجار إلى أعلى ثورات الحميمية، لتطل الفانيليا ببهائها في أجمل حِلة، تتجانس معها التونكا أرتياحها فتنشر سحرها ورونقها، وسط نفحات واثقة من التبغ .
الآن سأودع حطامي في هذا المنزل باحثًا عن موقد لأشعل فيه كل شئ يؤرقني، تركت المنزل ثم ذهبت إلىَّ حانتي المفضلة أضع ذكرياتي على طاولة الحزن الذي تعودت مجالسته كل ليلة بجوار النافذة، طلبت من الساقي كأس جان دروسا مع تيكيلا و هي تمثل القاعدة و حامض "عصير الليمون" ليمثل الحزن في قلبي مع مكعبات الثلج لتثير ثورتي الجامحة، أما الملح على حافة الكأس، ليذكرني بدموع حنين الماضي، و لا بأس أيضًا من إشعال سيجارة كي يكتمل المشهد.
****
يتبع...