عشقي زاد
شيماء جابر
مؤسسة سطوع
جميع الحقوق محفوظة ويحظر طبع أو تصوير أو تخزين أي جزء من الكتاب بأية وسيلة من وسائل تخزين المعلومات إلا بأذن كتابي صريح من الناشر
الإهـــــــداء
أيجوزُ لنا أن نُهدي ما نكتبه لهم؟!
أم أنَّ هذا ذنبٌ علينا التوبة منه؟!
مُفْــتتح:
- "أتدري.. إنني أشتاقُ للذهابِ إلى ذاك المكان الذي تتحدثون عنه كثيرًا..
أرضُ الفردوسِ الفريدة..
تلك البقعة المختلفة من الكون..
والأرضُ الصادقة..
فيها الجمالُ جمال، والنورُ نور..
أريد الذهابَ إليها، ولا أدري كيف؟".
= "إن روحك الطاهرة هي من ستأخذكِ إلى هناك".
(1)
"العشقُ.. وما أدراكَ ما العشقُ؟.. هل ذقته يومًا؟.. هل مر على قلبكَ مرةً؟..
فإن من ذاق عرف.. وإن ذُقتَ؛ فستعرف..
ستعرف كم هو حلوٌ.. دافئٌ.. خفيفٌ كريشةٍ تحوم حولك وتداعبُكَ؛ إن رست على كفِكَ؛ فهي ناعمة، وإن مرت؛ فهي من أثرِ نسمةٍ لطيفةٍ آنستكَ..
جميلٌ.. به كثيرٌ من نعيمِ الدنيا.. لا يأتي مع نظرةِ إعجابٍ، ولا مع أيامِ الشغفِ الأولى..
لكنه يبدأ بطرقِ أبوابه الأولى بالوجدِ بينهما.. فينمو حتى يصيرَ عشقًا مكتملًا؛ فتنجرفُ أمواجِ الشوقِ إليهما؛ فتغمرهما وتفيض".
"العشقُ كالبحرِ؛ كبيرٌ، واسعٌ، عميق.. نلوذُ إليه إن قست علينا الدنيا ومن فيها.. فإذا ما حل بالناسِ ألمٌ التفوا وساروا إليه؛ يُخرِجون زفيرَ أنفاسهم فيه.. يشرعون بالشكوى، ثم النظرِ إلى السماءِ وطلبِ الشفاءِ من كلِ آلامِ الدنيا وأوجاعها من ربِ الكونِ وربِ البحرِ".
والعاشقُ غارقٌ في حبهِ؛ لا مفر له منه، يتقلب بين جانبي الولعِ بين الحينِ والآخر.. عشقهُ كبيرٌ واسعٌ عميق.. جاءه ليأخذه من أرضِ الألمِ إلى سماءِ النعيم؛ ليخطو به من طريقِ الشوكِ إلى حقول الخضرةِ الناعمة.
وما كان من طريقٍ أصعب وأقسى من تلك الحياةُ التي يحياها الناسُ هنا؛ فالحياةُ يملؤها الخوف، وهواؤها يخالطه النفاق، والظلم استوطنَ في أرجائها واستكان؛ فكيف ستكونُ حياةُ أهلِها؟!
من استطاع أن يطغى؛طغى، ومن جال في رأسه السوء؛ فعله، ومن ظلم لا يخشى من العاقبة، حتى سلب الروحِ كان سهلًا هنا.
لذا كلُ من وجدَ حبيبًا؛ هانت عليه الحياة، وكلُ من سكن لأنيسهِ؛ لانت له الدنيا.
وتلك الشمسُ نادرة الشروقِ قد أشرقت معها أنوار الولهِ الأولى في قلب زاد، ووصلت إليها تلك الأنوار التي خرجت من قلب فِراس ولمعت بها عيناه حين رآها أول مرةٍ عند البُحيرة.
فبدون أن تلحظه التفتت زاد ووجدته يقف تائهًا هائمًا فيها.. وكأنه هنا بتلك الهيئة منذ وقتٍ طويلٍ؛ لدرجة أنه لم يتحرك له ساكنًا بعد أن التفتت باتجاهه.. حتى ارتبكت هي من قوةِ نظراتهِ الموجهة إليها.. ولم يستفق إلا عندما تحركت من مكانها وذهبت مسرعةً.
* * *
- "جميلُ الطلةِ يا رفيق.. وما أدراكَ ما طلته! تجذبُكَ عيناهُ الواسعتان السوداويتان.. وكأن الكحلَ قد لامسهما توًا.. شعراتُ لحيته السوداء تزيده جمالًا استثنائيًا، وتُضفي على وجههِ الضي.. حقًا سبحان من زيَّن الرِجالَ باللحى".
= "كلُ هذا لاحظتهِ من ثوانٍ معدودة تسمرتِ فيها أمامه؟!".
- "هي دقيقة واحدة صدقني".
= "يبدو أن دقيقتكِ غير الدقيقة التي نعرفها".
- "أتستهزأُ بي.. ألا تصدقني؟".
= "لستُ أنا من يفعل، ولستِ أنتِ من يُفعلُ بك.. أنا دومًا أصدَّقكِ ولا يمكن في أي يومٍ ولا في أي حديثٍ ألا أصدقكِ أو حتى ينتابني شكٌ في حديثكِ".
- "أعلمُ هذا يا رفيق.. لكن صدقني هي فعلًا كانت دقيقة واحدة وليس أكثر، وربما كانت أقل.. لكنني شعرتُ أن الستينً ثانيةً كانت تمر ببطءٍ شديدٍ لم أعهده من قبل؛ لقد وجدتُ نفسي أستصعبُ الحركة بعد أن استفقت من غيبوبتي الصغيرة تلك.. لقد حاربت قدماي كي تتحركَ من مكانها لأسير وأهرب".
= "تهربين!.. ولما تهربين؟!.. أنتِ لم تفعلي شيئًا خاطئًا لتهربي".
- "أجل.. لكنني شعرتُ بأن عيناه قد أعلنت حربًا عليَّ حين نظرتُ إليه.. لكنها حربٌ مختلفةٌ تمامًا.. تلك الحربُ التي تحمل من اللين واللذة والسعادة والرهبة أيضًا في نفسِ الوقتِ؛ لذا ارتبكتُ وهربتُ".
= "يا زاد، هل تحدث معكِ بأي كلمة أزعجبتك؟".
- "لا.. لكنني ارتبكتُ مما أصابني وليس مما فعله؛ فلأولِ مرةٍ أشعرُ بتلك الرجفة المختلفة تصيبني".
= "حسنًا يا زاد.. يكفي حديثٌ عنه كل ذاك الوقت".
- "لما انزعجت هكذا؟.. هل أخطأتُ حين تحدثتُ عن الأمرِ معك؟".
= "بالطبعِ لا.. ولكن نحنُ لا نعلم من هو، والحديثُ قد استغرق من الوقتِ الكثير عن شخصٍ مجهول".
- "حسنًا.. كما تريد".
= "ولكن أخبريني إذن، أين ومتى حدثَ كلُ هذا؟".
- "اليوم عند البُحيرة.. حين ذهبتُ كعادتي أجلس وأقرأ".
ثم تُفزعُ زاد وتقف وتقول:
- "يا إلهي؟".
ويرد رفيقُ قائلًا:
= "ما الأمر؟".
- "لقد تركتُ كتابي هناك".
* * *
يتبع...