"إن أغلى مكان على الحياة هي المقبرة"
تختلف البدايات باختلاف الأشخاص، واختلاف ظروفهم وحالاتهم النفسية الناتجة عن ضغوط الحياة، فعندما نتعرض لصدمة ما تفقدنا توازننا، وتجعلنا نمر بحالات يكون من الصعب تفسيرها عند البعض مثل، الإنكار، التبلد، اللامبالاة وتجعل الحياة أمام أعيننا شبيهة بالسجن، ونحن المساجين نقترب من حكم الإعدام أو نحاول البحث عن ثغرة تجعلنا نطلب الاستئناف، والعودة للحياة الطبيعية، وفي بعض الأحيان نصل لمرحلة الاستسلام، ونرضى بالواقع كأنه لا يتغير، وذلك يرجع لمدى قوة الصدمة ومدى رد الفعل "يقول الكاتب جيم رون: ليس ما يحدث لك من أحداث هو الذي يقرر مستقبلك إنما كيف تستجيب له" هكذا يوضح جيم رون أن رد فعلك اتجاه ما يحدث هو البداية للخروج من السجن، ويكون ناتجًا عن الخبرات والتجارب الحياتية السابقة، ومدى ثقتنا بأنفسنا والإيمان بأن ما يحدث هو مجرد اختبار وتحدٍ، لكي نستمر على طريق الصواب، فما يحدث من مواقف انكسار ويأس وفراق، وخذلان وقسوة تجعلنا نموت نفسيًا، تحدث لكي لا نتأثر في المستقبل بمواقف شبيهة ونتعلم كيفية الخروج من الأزمات بأقل الخسائر الممكنة، والاعتماد على أنفسنا وإدراك أن كل شيء سيزول، وتفتح لنا الأبواب المغلقة في الوقت المناسب، ولذلك علينا معرفة قانون ومعادلة الحياة.
يقال إن حياتنا عبارة عن 10% من الأحداث، و90% تتشكل من رد الفعل، لذلك أكد فيكتور فرانكل صاحب مدرسة العلاج بالمعنى، على قوة رد الفعل، أو بمعنى آخر المعنى للأحداث في حياتنا، فعندما نخلق معنى للمعاناة نخلق حياة، أتذكر عندما توفى أبي كنت في الصف الخامس الابتدائي، لم أدرك كثيرًا معنى أن تفقد شخصًا، أو بمعنى أن تفقد حياة، لكن عندما نصل لمستوى نضوج عقلي نستطيع فهم معنى ما يحدث، والوعي بمشاعرنا، وهنا النضوج العقلي ليس مرتبطًا بالعمر، إنما مرتبط بالخبرات والأزمات، والصدمات في الحياة، لذا نحن عبارة عن خليط من الأفكار والمشاعر تنتج السلوك، وهذا ما حدث بعد مرور أشهر بسيطة، أدركت معنى أن تكون وحيدًا في الحياة، إما أن نتقبل ونتكيف أو نرفض، في تلك الحالات يبنى بداخلنا معنى وبحسب ما يبنى يكون السلوك، أو بمعنى رد الفعل، لذلك كان يجب عليَّ أن أختار الاستمرار، وخلق معنى لحياتي، أو الاستمرار وإعلان شهادة وفاتي، فكثيرًا يموت قبل أن يعيش، وقليل يعيش على الرغم من الموت، فعندما ندرك المعنى الحقيقي لكلمة محنة، سوف نكتشف أنها مجرد حروف تصف ما نحن عليه الآن، ويرجع ذلك لتفسيرنا المحدود، وإذا أعدنا ترتيب الحروف، سوف نجد نفس الحروف تعطينا هدية عظيمة، وهذا ما سنكتشفه خلال رحلتنا القادمة، سندرك كم من عظيم ليس بمشهور، وكم من مؤثر عظيم، لكن هذا ليس كل شيءٍ، ما أود أن أقوله هو المعنى الحقيقي للمحنة، وكيف تكون شعلة تنير الحياة، غالبًا أيضًا ليس كل شيء، ما أود أن أقوله ماذا سنفعل عندما يضعنا القدر أمام قرارات مصيرية، هل سينتهي بنا الحال داخل جدران الوهم، أم نبدل أحرفها لنجعل من الوهم حقيقة، ومن المحنة خطوة، ومن التحديات طريق، أيضًا هذا ليس ما أود أن أقوله، فقط أريد أن ندرك المعنى في الطريق.
الآن كل ما عليك أن تجلس في مكان تحبه، لكي تستمتع بالطريق مهما كان عمرك، ستجد الطريق إلى ما تبحث عنه، سنجد في الطريق ألف محنة ومحنة، وتلبسنا اللعنات والأوهام لنقفد كل عزيز وبهدوء نودع أحلامنا ونفارق ما نفارق، فلا تعتقد أن الحياة تعطينا ما نريد لا.. بل ستأخذ أحلامك وأصدقاءك وأحبابك، وكأنك منحوس ومصاب بلعنة الفراق، وتحتاج للسحر لتفك نحسك، هل هذا كل شيء؟ أما ما زالت الصدمات والتحديات تجهز من أجلك، أعلم أنك ما زلت صغيرًا على ذلك، واكتفيت من الألم والصدمات، وتبحث عن فرصة تبث الأمل من جديد لروحك، أو تحتاج لمن يرد فيك الروح، يمكنك الهروب من الحقيقة الصادمة بحضورك ندوات عن الإيجابية، والسفر، والنوم لفترات كثيرة، والخروج مع أصدقائك، والجلوس وحيدًا، أو يمكنك الانتحار وتعتقد أنك فعلت ما بوسعك أو بإمكانك سماع نصائح مفرطة، لا حصر لها وغير واقعية، مجرد آمال إيجابية ومسكنات لما أنت عليه: كن أكثر إيجابية، كن أكثر سعادة، كن أفضل من الآخرين، كن بشوشًا في بداية يومك وتفاءل لتجذب كنوزك من العالم الخفي، أو أغمض عينيك وتخيل نفسك الثري العربي الذي يملك بين يديه العالم، وكأن حياتك ستكون أفضل، عندما تفعل ذلك لتصبح بطلًا خارقًا ينقذ البشرية من خطر اليورانيوم.
لكن عندما نتوقف عن أحلام اليقظة والتفكير في الأمر، سنجد كل ما سبق مجرد مسكنات لما نحن عليه، من فقر اتجاه أنفسنا، كل ما نفعله نغلف ما ينقصنا من احتياج، بأن نكرر عبارات سخيفة وكأن نجاحك معادلة طردية لنظرات الآخرين واحترامهم، حقًا إنها تمرينات غبية وحمقاء، تجعلك تغفل عن الحقيقة "أنك لست بحاجة لمن يبرهن على جمالك أو نجاحك، فأنتِ كفتاة لا تحتاجين إلى من يتغزل في جمالك لكي تكتشفي نفسك وجمالك، حقًا وأنتَ أيضًا لست بحاجة إلى من يقول لك إنك جذاب، إلا إذا كنت تملك الملايين، الحقيقة هي أننا جميعًا بحاجة لتقبل الواقع كما هو، فنحن لسنا بحاجة لترك المزيد من الوظائف لنكون أكثر نجاحًا، لسنا بحاجة لمنزل كبير لنبدو أكثرعظمة، لسنا بحاجة لشهرة لنبدو أكثر تأثيرًا، ولسنا بحاجة لسحر يجعل حياتنا أفضل، إنما بحاجة لأنفسنا لنصبح أجمل "كن أنتَ يا صديقي" وعش حياة المتمردين، ولا تبحث عن السعادة ولا تحاول أن تتمسك بالأشياء، فكثير مما تمسكت به رحل عنك، وكثير مما أهملته وقل اهتمامك جاء إليك.
يقول الفليسوف الوجودي ألبير "لن تكون سعيدًا أبدًا إذا واصلت البحث عن السعادة، ولن تعيش حياتك إذا كنت من الباحثين عن معنى الحياة".
ليس من الضروري أن تصبح أكثر إيجابية، أو أكثر نجاحًا ولا أكثر جمالًا، كل ذلك لا جدوى منه، إلا إذا كنت تريد السعادة وما زلت تبحث عنها، وتعتقد أنها موجودة عندما تقابل شخصًا تحبه، عندما تحصل على ترقية في عملك، عندما تحصل على درجات مرتفعة، أعلم ما يدور بداخلك من شكوك حول وجودها، أم أصبحت كمكسب اليناصيب، وماذا عن ذلك الشعور المرتبط بحدوث الأشياء التي تجعلنا سعداء، هكذا ندرك السعادة، هي ارتباط بين الحدوث وعدم الحدوث، يجعلنا نختلف على وجودها.
دعني أخبرك سرًا، طالما أردت في يومٍ ما، أن أخبر شخصًا ما لا أعرف مكانه في العالم، عن مدى الألم بداخلي تجاه ذلك السر الذي عندما قررت أن أخبرك عنه، أصبحت وحيدًا فعندها أدركت معنى الحياة لا تساوي شيئًا، عندما تصبح أنت مصدر الألم لذاتك، اعلم جيدًا أننا لسنا لدينا أدنى مسؤولية عن كيف خلقنا وكيف أصبحت ملامحنا، لون بشرتنا..إلخ، اعلم كل ذلك لكن عندما يسوء الوضع، ولا تستطيع غير أن تقول لماذا أنا ؟، لماذا يحدث معي ذلك؟، عندما تعلن تمردك على طبيعتك، وتثور وتغضب وكأنك في انتفاضة داخل أرض المقدس، تحارب لتثبت للعالم أن ليس لديك يد فيما أنت عليه الآن.
أتذكر ما حدث جيدًا، فدعني بكل صدق وأنا أريد من كل قلبي أن أخبرك بذلك السر، ولك أن تتخيل كيف كان يرجف القلم، خوفًا وتتركني وحيدًا كما فعلوا، لأني أعلم مدى الألم عندما تحدثت سابقًا، مدى الرفض والإهانة، عندما كنت أتقدم للحصول على وظيفة، تخيل ما تتخيله لك كل شيء، لكني قررت التحدث معك، فأنت لا تعرفني ولا أنا، لكن لدي يقين، مهما تحدثت لم تتغير مثلهم وسوف تقرأ رسالتي بعناية، وكأنها آخر رسالة في حياتي فقط كتبتها من أجلك، لأني أحببتك ولا أريد غير أن تتذكرني في دعائك يا صديقي القريب في مكان ما بالعالم، لكن قبل ذلك تمسك بيدي ولا تخذلني، مهما حصل فأنا أثق بك، أعلم جيدًا ما يدور بذهنك تجاهي الآن، بصرف النظر عما يمكننا أن نفعله بعد ذلك، تقبلني وأنا أتحدث معك الآن بلغة عامية وبسيطة، لكي تتفهم ما بداخلي هيا نذهب رحلة قصيرة، ومن ثم أخبرك سري العظيم.
ميثاق اتفاق
هذا بمثابة تعهد بيننا، أن نسير في ذلك الطريق معًا، ولا تتركني حتى أخبرك السر، الذي سبق وأخبرتك أنني أريد أن تعرفه، وإنني أحبك، يا صديقي القريب في مكان ما بالعالم البعيد.
مع تحياتي بالسعادة
صديقك