في إحدى الثانويات اجتمعت ثلاثة صديقات مقربات، و أردن التدريب و التخطيط لعمل شيء مميز في حفلة تخرجهن من الثانوية، ليبقى ذكرى غالية لصداقتهن، وللأيام الخوالي، التي قضينها مع بعضهن، سارة ونورة وسعاد مقربات جدًا، و يكن لبعضهن الحب و الاحترام، وهن دائمًا يتشاركن أفكارهن، وهمومهن، وأفراحهن، و يزرن بعضهن البعض، لكنَّ صديقتهن سعاد ترفض زيارتهن لبيتها متحججة بعدّة أسباب، وسارة ونورة لا يضايقاها، و لم يهتما يوماً بهذا الموضوع، بل كان كلّ اهتمامهما مُنْصبًا على الدراسة و التخرج والتحضير لليوم النهائي، وهو حلمهن الكبير المشترك .
ومنذ بداية العام اهتمت الصديقات بالبحث والكتابة والتفكير في النشاط الذي سيقدمونه، حتى اتفقوا على أداء مسرحية في الحفل، فقاموا بكتابة النص، واختيار الموضوع، وتوزيع الأدوار وتنظيم مواعيد التدريب.
ومرت الأيام. وجاء حفل الافتتاح والتخرج، وصعدت الفتيات إلى المنصة، وبدأن أداء المسرحية كل فتاة حسب دورها، وكان كلّ شيء يسير كما خططن له تماماً.
غير أنّ ما عكر صفو ذلك الاستعراض الجميل، ووضع الجميع في حالة من الاستغراب، وغيّر مَنْحى البهجة والسرور إلى التعجب و الاستهزاء هو أنّ سعاد أخذت تحرك يديها، وجسمها، وأصابعها، وملامح وجهها بطريقة غريبة، و بعيدة كلّ البعد عن ما تم التخطيط له، و التدرب عليه تدريبات عديدة و متقنة طوال عام كامل من الكدّ و الاجتهاد، إلى درجة أنّها كادت تعيق حركات سارة ونورة بحركاتها الغريبة المستهجنة، وتجعلهما يفقدان قدراتهما على متابعة الأداء، كما هو متفق عليه !
حاولت سارة إيقافها، ولكنّها أصرت على الاستمرار فيما تفعله، وحاولت نورة دفعها إلى الانضباط، لكنْ، دون جدوى، إلى درجة أنّ نورة من شدّة الغضب كادت تسحبها عنوةً، و تسقطها أرضاً، وسعاد لا تكترث لأحد، وتتمادى في حركاتها، التي لفتت أنظار الجميع، وأخذت تتعالى ضحكات وقهقهات الحاضرات المندهشات ممّا يحصُل، فشابة جميلة وطالبة ناجحة من النادر، أو المستحيل أن تفعل هذا، وما كان من سارة و نورة إلا الانسحاب من الخشبة تاركتان سعاد وحدها تكمل أداء حركاتها .
حاولت نورة إلهاء المديرة، التي سال عرق وجهها من شدة الخجل، وتركت مقعدها، واتجهت نحو معلماتها، وهي تقول: ستحرم سعاد من شهادتها، فتصرّفها هذا سَبّبَ لي الإحراج أمام الحضور، وما كان من نورة إلا الصمت في خيبة أمل كبيرة.
ووسط كل هذا الذهول انتبهت سارة و نورة إلى أم سعاد، التي كانت طوال الوقت واقفة تصفّق لابنتها بحرارة، وفخورة بفعلتها، وكأنّها تحثها على الاستمرار بعبثها غير المفهوم هذا !
وما إن انتهت المسرحية التي أصبحت مهزلة كارثية حتى اندفعت سارة و نورة إلى خشبة المسرح، وسحبتا سعاد من ذراعها بكل قوّة، وسألتاها : "ما هذه الحركات الغبية التي لم تكن مكتوبة في نص المسرحية؟"
فقالت : بكل برودة "لأن أمي كانت موجودة .."، فتعجّبا الصديقتان من الرد، وواصلت بكل ثقة : "إن أمي لا تسمع ولا تتكلّم، وأردت أن أقوم لها بالترجمة على طريقة الصم البكم، كي تعرف كلمات المسرحية، وتفهمها، لأنّي أريدها أن تفرح، وتستمتع كبقية الأمهات الموجودات، مثل أمك و أمها، ولا أريد أن تحس أنها مختلفة عنهنّ..
حينها انهارت الصديقتان بالبكاء، وحضنتاها باكيتين، وعرفتا أخيراً سبب عدم قبولها للزيارة في بيتها، ثُمَّ توجه الثلاثة بكل قوّة و ثقة، توجهن إلى مكتب المديرة، ليقفن مع صديقتهن حتى لا تحرم من شهادتها، وشرحن الموقف لها، ولقد تفاجئت سعاد واستغربت من المديرة، وهي تعتذر منها، وتطلب منها أن تبلغ اعتذارها لأمها، فلقد ذهبت المديرة إلى أمها، ووبختها، وعاملتها أسوأ معاملة، وهي لا تعلم بوضعها.