العلاقة بين الشرك والكفر والإلحاد
في هذا الفصل نوضح الفرق بين الشرك والكفر والإلحاد، حيث إن ليس بالضرورة أن يكون الكافر مشركًا، لأنه يقر بوجود الله ولا يُشرك به ولكنه لا يُقره بالعبادة، أما المشرك فهو كافر لأنه لا يُفرد الله بالعبادة بل يُشرك معه أحدًا، ورغم هذا فإن الإلحاد أشدهم كفرًا، وذلك لنفي وجود الله وتعطيله بالكلية.
ويشتمل على ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الشرك، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: مفهوم الشرك.
المطلب الثاني:أقسام الشرك، وبيان أخطاره.
المبحث الثاني: الكفر، وفيه مطلبان:
المطلب الأول:مفهوم الكفر.
المطلب الثاني: بيان أقسامه، وأنواع كل قسم.
المبحث الثالث: الإلحاد وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: مفهوم الإلحاد في القرآن الكريم والسنّة النبوية.
المطلب الثاني: نشأة الإلحاد، ومراحل تطوره.
المطلب الثالث: أسباب الإلحاد، وأقسامه.
المبحث الأول
الشرك
المطلب الأول
مفهوم الشرك
• الشرك لغة:
الشِّرك في اللُّغة هو: اتِّخاذ الشَّريك والنِّد، ويكون ذلك بأن يُجعل أحدٌ شريكًا لأحدٍ آخر إمّا من الناس أو غيرهم، ومنه الشركة: حيث إن الشركة تقوم على تشارُك مجموعة من الأشخاص بملك عقارٍ واحد، أو مؤسّسةٍ واحدة، ويُقال: أشرك بينهما إذا جعلهما اثنين، أو أشرك في أمره غيره إذا جعل ذلك الأمر لاثنين.
جاء في معجم مقاييس اللغة: مادة الشرك المكونة من حروف (الشين والراء والكاف) أصلان:
أحدهما: يدل على مقارنة وخلاف انفراد، والآخر: يدل على امتداد واستقامة( ).
• الأصل الأول:
فهو الشرك، بالتخفيف أي بإسكان الراء، أغلب في الاستعمال، يكون مصدرًا واسمًا، تقول: شاركته في الأمر وشركته فيه أشركه شركًا، بكسر الأول وسكون الثاني، ويأتي: شركة، بفتح الأول وكسر الثاني فيها. ويقال: أشركته: أي جعلته شريكًا ( ).
فهذه اشتقاقات لفظ الشرك في اللغة على الأصل الأول. ويطلق حينئذ على المعاني الآتية:
1 - المحافظة، والمصاحبة، والمشاركة:
جاء في لسان العرب: (الشَّركة والشَّرِكة سواء؛ مخالطة الشريكين، يقال: اشتركنا بمعنى تشاركنا، وقد اشترك الرجلان وتشاركا، وشارك أحدهما الآخر والشريك: المشارك، والشرك كالشريك، والجمع أشراك وشركاء)( ).
وفي مفردات غريب القرآن: (الشركة والمشاركة: خلط الملكين، وقيل: هو أن يوجد شيء لاثنين فصاعدا عينًا كان ذلك الشيء أو معنى، كمشاركة الإنسان والفرس في الحيوانية (( ).
2 - النصيب والحظ والحصة:
وفي تهذيب اللغة: (يقال: شريك وأشراك، كما قالوا: يتيم وأيتام، ونصير وأنصار، والأشراك أيضًا جمع الشرك وهو النصيب، كما قال: قسم وأقسام)( )
3 - ويُطلق أيضًا على التسوية: كما في لسان العرب (يقال: طريق مشترك: أي يستوي فيه الناس، واسم مشترك: تستوي فيه معانٍ كثيرة)( ).
4 - ويُطلق على الكفر أيضًا، جاء في تاج العروس: (والشرك أيضًا: الكفر( ).
• الأصل الثاني:
وهو الذي يدل على الامتداد والاستقامة، فأيضًا يطلق على معانٍ:
1 - الشِرَاك ككتاب، سير النعل على ظهر القدم، يقال: أشركت نعلي وشركتها تشريكًا: إذا جعلت لها الشراك( ).
2- الشرك -بفتحتين- حبالة الصائد، الواحدة منها: شَرَكه، ومنه قيل: (أعوذُ بك من شرِّ نفسي ومن شرِّ الشَّيطانِ وشَرَكِه)( ).
3 - الشرْكه -بسكون الراء: بمعنى معظم الطريق ووسطه، جمعها: شرك- بفتحتين( ).
فهذه هي المعاني لكلمة الشرك، والكلمات ذات المادة الواحدة غالبًا يكون فيما بينها ترابط في المعنى، فإذا تأملنا مدلولات المادة السابقة نجد الترابط واضحًا بينها، فالمشرك يجعل غير الله مشاركًا له في حقه، فله نصيب مما هو مستحق لله تعالى، فهو سوّى بين الله وبين من أشركه في حق الله، بمعنى أنه جعل مَن تألُّهِه من دون الله مقصودًا بشيء من العبادة، ولا يلزم أن يساوي بين الربّ جل وعلا، وبين من أشركه معه في القصد والتعبّد من كل وجه، بل يكفي أن يكون في وجه من الوجوه. وهو -أي الشرك- حبائل الشيطان؛ به يصيد أهله، وهو شبكة إبليس، أدخل أهله فيها، والذي يوجد فيه هذا الشرك لا يُعتبر مسلمًا.
وهنا ندرك أن مرجع مادة الشرك إلى الخلط والضم، فإذا كان بمعنى الحصة من الشيء يكون لواحد وباقيه لآخر أو آخرين، كما في قوله تعالى }قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ۖ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{ [الأحقاف:4].
فالشريك مخالط لشريكه، وحصته منضمة لنصيب الآخر( ).
• الشرك اصطلاحًا:
وترى الباحثة اختلافًا في عبارات العلماء في بيان معنى الشرك في الدين، وإن كانت هذه العبارات تكمل بعضها الآخر، وفيما يلي بيان لبعض أقوالهم:
قيل هو (تشبيه للمخلوق بالخالق تعالى وتقدس في خصائص الألوهية، من ملك الضر والنفع، والعطاء والمنع الذي يوجب تعلق الدعاء والخوف والرجاء والتوكل وأنواع العبادة كلها بالله وحده)( ) وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: (هو صرف نوع من العبادة إلى غير الله، أو: هو أن يدعو مع الله غيره، أو يقصده بغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها)( )، وقيل: (هو كل ما ناقض التوحيد أو قدح فيه، مما ورد في الكتاب والسنة تسميته شركًا)( )، وقيل: هو (أن يثبت لغير الله -سبحانه وتعالى- شيئًا من صفاته المختصة به؛ كالتصرف في العالم بالإرادة الذي يُعبر عنه بكن فيكون، أو العلم الذي هو من غير اكتساب بالحواس... أو الإيجاد لشفاء المريض واللعنة لشخص والسخط عليه حتى يقدر عليه الرزق أو يمرض أو يشفى لذلك السخط، أو الرحمة لشخص حتى يبسط له الرزق أو يصح بدنه ويسعد)( )، وقيل: (الشرك هو أن يعتقد المرء في غير الله صفة من صفات الله؛ كأن يقول: إن فلانًا يعلم كل شيء، أو يعتقد أن فلانًا يفعل ما يشاء، أو يدعي أن فلانًا بيده خيري وشري، أو يصرف لغير الله من التعظيم ما لا يليق إلا بالله -تعالى-، كأن يسجد للشخص أو يطلب منه حاجة أو يعتقد التصرف في غير الله)( )، وقيل: هو (إشراك غير الله مع الله في اعتقاد الألوهية، وفي العبادة)( )، وقال الشوكاني: (إن الشرك هو دعاء غير الله في الأشياء التي تختص به، أو اعتقاد القدرة لغيره فيما لا يقدر عليه سواه، أو التقرب إلى غيره بشيء مما لا يتقرب به إلا إليه)( )، وقيل: (الشرك: إسناد الأمر المختص بواحد إلى من ليس معه أمره)( ).
والذي يظهر للباحثة من هذه الأقوال: أن الشرك حقيقته في اتخاذ الند مع الله، سواء كان هذا الند في الربوبية أو الألوهية.
وبهذا يتفق قول العلماء المحققين في حقيقة الشرك مع قول أصحاب المعاجم بأن أصل الشرك اتخاذ الأنداد مع الله.
فأصل الشرك -كما علمنا من البيان السابق- ما هو إلا اتخاذ الند مع الله، وهذا ما سيتضح لنا أكثر عند بيان حقيقة الشرك في نصوص القرآن والسنة.
إذا نظرنا إلى حقيقة الشرك في القرآن نرى: أن الله -عز وجل- بينها في كتابه بيانًا شافيًا واضحًا لا لبس فيه ولا غموض. فقال تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَﱠ [البقرة: 22].
معنى الآية: النهي عن اتخاذ الأنداد مع الله بأي وجه من الوجوه، وقد نقل عن السلف في تفسير الآية مثل هذا القول، فمثلًا:
قال ابن عباس: (الأنداد: الأشباه)( )، وكل شيء كان نظيرًا لشيء وشبيهًا فهو له ند( )، وقال ابن كثير: كيف يكون له من خلقه نظير يساميه أو قريب يدانيه، تعالى وتقدس وتنزه، وهو الواحد الأحد، لا نظير له ولا وزير ولا نديد، ولا شبيه ولا عديل( ) وهكذا بيّن الله في كتابه حقيقة الشرك بالله بيانًا واضحًا.
كما أن هذا المعنى هو المستفاد من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي فيها بيان حقيقة الشرك، والدليل عليه:
عن ابن مسعود قال):سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك، وأنْ تُزاني بحَليلةِ جارِكَ، وأن تَقتل ولدك؛ أجْلَ أنْ يَأكُلَ معك. أو يَأكُلَ طَعامَكَ).( ) كذلك ما رواه مسلم قال: قال رجل: (يا رسول الله، أي الذنب أكبر عند الله؟ قال: أن تدعو لله ندًّا وهو خلقك)( ) -وفي آخره- فأنزل الله عز وجل تصديقها: ﱡ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا [الفرقان:68].
ومن هنا يتضح للقارئ حقيقة الشرك بلسان الرسول صلى الله عليه وسلم حيث فسر اتخاذ الند بالشرك، بأن الشرك أكبر المعاصي وأكبر الكبائر، وهو أن تجعل لله ندًّا ومثيلًا وشبيهًا في العبادة وكفئًا في الطاعة، فمن جعل لله ندًّا وشبيهًا فقد أشرك.
كما يظهر من خلال ما ذكرتُ: أن الشرك إنما هو اتخاذ الند والشبيه لله من خلقه فيما يستحقه عز وجل من الألوهية والربوبية، فمن صرف شيئًا من هذه الخصائص لغيره فهو مشرك، فأصل الشرك وحقيقته إنما هو في التشبيه والتشبه.
قال ابن القيم: (حقيقة الشرك: هو التشبه بالخالق والتشبيه للمخلوق به،...)( ).
فالمشرك مشبه للمخلوق في خصائص الألوهية( ).
ولهذا يرفض الإسلام الشرك ويحاربه؛ لأنه يمهِّد لمخلوقٍ يعادي ربه ويدعي أنه ندٌّ له.
المطلب الثاني
أقسام الشرك
أقسام الشرك:
يقول الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله بأن الشرك ينقسم إلى قسمين شرك أكبر وشرك أصغر( ).
أ - الشرك الأكبر:
وهو صرف العبادة لغير الله أو بعضها كدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والنذر لهم أو للجن أو للملائكة أو غيرهم من الأموات والغائبين، هذا يقال له: شرك أكبر، كما كانت قريش وغيرها من العرب يفعلون ذلك عند أصنامهم وأوثانهم.
ومن ذلك أيضًا إذا جحد الإنسان أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة وجوبًا أو تحريمًا، من جحده كان كافرًا ومشركًا شركًا أكبر، كمن قال: إن الصلاة لا تجب على المكلفين من المسلمين، أو قال: إن الزكاة لا تجب على من عنده أموال الزكاة، أو قال: صوم رمضان لا يجب على المسلم المكلف، فهذا يكون كافرًا ومشركًا شركًا أكبر، أو أحل ما حرمه الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة مما أجمع عليه المسلمون كأن يقول: الزنا حلال، أو شرب المسكر حلال، أو العقوق للوالدين حلال، أو السحر حلال، أو ما أشبه ذلك، فهذا يكون كافرًا ومشركًا شركًا أكبر.
والقاعدة: أن من صرف العبادة أو بعضها لغير الله من أصنام أو أشجار أو أموات أو جن أو غيرهم من الغائبين فهذا شرك أكبر، وهكذا من جحد ما أوجب الله أو ما حرم الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة قد أجمع عليه المسلمون فهذا يكون كافرًا كفرًا أكبر ومشركًا شركًا أكبر، كل من أتى ناقضًا من نواقض الإسلام يكون مشركًا شركًا أكبر.
• أنواع الشرك الأكبر:
أولًا: الشرك في الربوبية.
هو اعتقاد متصرف مع الله عز وجل في أي شيء من تدبير الكون، من إيجاد أو إعدام، أو إحياء أو إماتة، جلب خير أو دفع شر، أو غير ذلك من معاني الربوبية، أو اعتقاد منازع له في شيء من مقتضيات أسمائه وصفاته كعلم الغيب وكالعظمة والكبرياء ونحو ذلك( ) وقال الله تعالى:
﴿ مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ﱠ، } يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُون {[فاطر: 2-3]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (... إن الرب سبحانه هو الملك المدبر، المعطي المانع، الضار النافع، الخافض الرافع، المعز المذل، فمن شهد أن المعطي أو المانع، أو الضار أو النافع، أو المعز أو المذل غيره، فقد أشرك بربوبيته)( ).
وقال في موضع آخر: (فأما الأول -الشرك في الربوبية- فهو إثبات فاعل مستقل غير الله، كمن يجعل الحيوان مستقلًّا بإحداث فعله، ويجعل الكواكب، أو الأجسام الطبيعية، أو العقول، أو النفوس، أو الملائكة، أو غير ذلك مستقلًّا بشيء من الأحداث، فهؤلاء حقيقة قولهم: تعطيل الحوادث عن الفاعل...)( ).
أو بعبارة مختصرة يقال: من أشرك مع الله غيره في خصائص الربوبية أو أنكر شيئًا منها، أو شبهه بغيره، أو شبه غيره به، يُعد مشركًا بالله، سواء كان في ذاته، أو أفعاله، أو أوصافه( )، هذا الشرك ينقسم إلى كبير وأكبر، وليس شيء منه مغفورًا.
أنواع شرك الربوبية:
النوع الأول: شرك التعطيل: ﱡ} قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ{الشعراء: ٢٣
وهو أقبح أنواع الشرك، كشرك فرعون إذ قال:} وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَﱠ{ [غافر: 36].
وإنما قلنا لهذا التعطيل بأنه شرك؛ لأن الشرك والتعطيل متلازمان، فكل معطل مشرك، وكل مشرك معطل( )، لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل، بل قد يكون المشرك مقرًّا بالخالق سبحانه وصفاته، ولكنه عطل حق التوحيد. وأصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها هو التعطيل، وهو على ثلاثة أقسام:
1 - تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه، ومنه شرك الملاحدة القائلين بقدم العالم وأبديته، وأنه لم يكن معدومًا أصلًا، بل لم يزل ولا يزال، والحوادث بأسرها مستندة عندهم إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها يسمونها بالعقول والنفوس( )، ومنه الإلحاد بإنكار الخالق للكون.
2 - تعطيل الصانع –سبحانه- عن كماله المقدس بتعطيل أسمائه، وأوصافه، وأفعاله، ومن هذا الشرك من عطل أسماء الرب تعالى، وأوصافه، وأفعاله من غلاة الجهمية، والقرامطة، فلم يثبتوا له اسمًا ولا صفة، بل جعلوا المخلوق أكمل منه؛ إذ كمال الذات بأسمائه وصفاته.
ويدخل في ذلك شرك منكري الرسالة للرسل، وشرك منكري القدر، وشرك التشريع والتحليل والتحريم من غير الله.
3 - تعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد، ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود الذين يقولون: ما ثم خالق ومخلوق، ولا هاهنا شيئان، بل الحق المنزه هو عين الخلق المشبه.
النوع الثاني: شرك الأنداد من غير تعطيل:
وهو من جعل مع الله إلهًا آخر، ولم يعطل أسماءه وصفاته وربوبيته، ومن ذلك:
1 - شرك النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة، فجعلوا المسيح إلهًا، وأمه إلهًا.
2 - شرك المجوس:القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور، وحوادث الشر إلى الظلمة( ).
3 - شرك القدرية: القائلين بأن الحيوان هو الذي يخلق أفعال نفسه، وأنها تحدث بدون مشيئة الله وقدرته، ولهذا كانوا أشباه المجوس( ).
4 - شرك الذي حاج إبراهيم في ربه:
ﱡﭐ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﱠ [البقرة: 258]، فهذا جعل نفسه ندًّا لله تعالى، يُحيي ويميت بزعمه، كما يحيي الله ويميت، فألزمه إبراهيم أن طرد قولك أن تقدر على الإتيان بالشمس من غير الجهة التي يأتي بها الله منها، وليس هذا انتقالًا كما زعم بعض أهل الجدل، بل إلزامًا على طرد الدليل إن كان حقًا.
5 - شرك فرعون حينما قال:
} وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ{[القصص: 38].
6 - وأيضًا من هذا النوع شرك كثير ممن يشرك بالكواكب العلويات، ويجعلها أربابًا مدبرة لأمر هذا العالم، كما هو مذهب مشركي الصابئة وغيرهم.
7 - ومن هذا النوع: شرك من أسند النعمة إلى غير الله، قال تعالى }وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَٰذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَىٰ رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَىٰ ۚ فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ{ﱠ[فصلت: 50]
8 -ومن هذا شرك عباد الشمس، وعباد النار، وغيرهم، فمن هؤلاء من يزعم أن معبوده هو الإله على الحقيقة، ومنهم من يزعم أنه أكبر الآلهة، ومنهم من يزعم أنه إله من جملة الآلهة، وأنه إذا خصه بعبادته، والتبتل إليه، والانقطاع إليه أقبل عليه واعتنى به، ومنهم من يزعم أن معبوده الأدنى يقربه إلى المعبود الذي هو فوقه، والفوقاني يقربه إلى من هو فوقه حتى تقربه تلك الآلهة إلى الله سبحانه وتعالى!! فتارة تكثر الآلهة والوسائط وتارة تقل( ).
ثانيًا: الشرك في الألوهية:
وهو شرك في عبادة الله، وإن كان صاحبه يعتقد أنه –سبحانه- لا شريك له في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وهو الذي يسمى بالشرك في العبادة، وهو أكثر وأوسع انتشارًا ووقوعًا من الذي قبله، فإنه يصدر ممن يعتقد أنه لا إله إلا الله، وأنه لا يضر ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع إلا الله، وأنه لا إله غيره، ولا رب سواه، ولكن لا يخلص لله في معاملته وعبوديته، بل يعمل لحظ نفسه تارة، ولطلب الدنيا تارة، ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة أخرى، فلله من عمله وسعيه نصيب، ولنفسه وحظه وهواه نصيب، وللشيطان نصيب، وللخلق نصيب.
وهذا حال أكثر الناس، ومعلوم أن من لم يخلص لله في عبادته لم يفعل ما أمر به، بل الذي أتى به شيء غير الذي أمر به، فلا يصح، ولا يُقبل منه( ).
• أنواع شرك الألوهية:
أ - النوع الأول: اعتقاد شريك لله تعالى في الألوهية( )
فمن اعتقد أن غير الله تعالى يستحق العبادة مع الله، أو يستحق أن يصرف له أي نوع من أنواع العبادة فهو مشرك في الألوهية، ويدخل في هذا النوع من يسمي ولده أو يتسمى باسم يدل على التعبد لغير الله تعالى( )، كمن يتسمى بـ (عبد الرسول)، أو (عبد الحسين)، أو غير ذلك، فمن سمى ولده أو تسمى بشيء من هذه الأسماء التي فيها التعبد للمخلوق معتقدًا أن هذا المخلوق يستحق أن يعبد فهو مشرك بالله تعالى( ).
ب - النوع الثاني: صرف شيء من العبادات لغير الله تعالى:
فالعبادات بأنواعها القلبية، والقولية، والعملية، والمالية حق لله تعالى لا يجوز أن تُصرف لغيره، فمن صرف شيئًا منها لغير الله فقد وقع في الشرك الأكبر.
ثالثًا: الشرك في الأسماء والصفات:
وهو: أن يجعل لله تعالى مماثلًا في شيء من الأسماء أو الصفات، أو يصفه تعالى بشيء من صفات خلقه، فمن سمى غير الله باسم من أسماء الله تعالى معتقدًا اتصاف هذا المخلوق بما دل عليه هذا الاسم مما اختص الله تعالى به، أو وصفه بصفة من صفات الله تعالى الخاصة به فهو مشرك في الأسماء والصفات، وكذلك من وصف الله تعالى بشيء من صفات المخلوقين فهو مشرك في الصفات( ).
صور الشرك في الأسماء والصفات:
1 - اشتقاق أسماء للآلهة الباطلة من أسماء الله تعالى، كاشتقاق اسم (اللات من الإله، والعزى من العزيز)( ).
2 - اعتقاد بعض الرافضة وبعض الصوفية أن بعض الأحياء أو الأموات يسمعون من دعاهم في أي مكان وفي أي وقت( ).
3 - شرك المشبهة: وهو تشبيه الخالق بالمخلوق، كمن يقول: (يد الله كيدي) أو (سمعه كسمعي)، أو (استواؤه كاستوائي)( ).
4 - الشرك بدعوى علم الغيب، أو باعتقاد أن غير الله تعالى يعلم الغيب، فكل ما لم يطلع عليه الخلق ولم يعلموا به بأحد الحواس الخمس فهو من علم الغيب، كالاعتقاد بالكهانة والتنجيم ومعرفة السحرة بالغيب أو الاعتقاد بأن الأنبياء والرسل والصالحين يعلمون الغيب.
ب - الشرك الأصغر:
فهو أنواع أيضًا مثل الحلف بغير الله بالنبي بالأمانة برأس فلان هذا شرك أصغر، لقوله صلى الله عليه وسلم: من حلف بشيء دون الله فقد أشرك، وهكذا الرياء كونه يقرأ يرائي أو يتصدق يرائي هذا من الشرك الأصغر، عن محمود بن لبيد رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر قال: الرياء. إن الله تبارك وتعالى يقول يوم تجازى العباد بأعمالهم: اذهبوا الى الذين كنتم تراءون بأعمالكم في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء)( ).
ومَنشأ هذا الشرك أنه اعتقاد النفع في مخلوقات أو أشخاص بعينهم، وأن منهم الضر والنفع، والخير والشر، والتصرف في الكون، وأن لهم إرادة كإرادة الله، ناهيكم عن المبالغة في حب الصالحين فيتحول -بفعل هؤلاء الغلاةـ إلى ندٍّ لله تعالى؛ ولذا كان الشرك في ديننا من أكبر الكبائر.
المبحث الثاني
الكفر
المطلب الأول
مفهوم الكفر
• الكُفر لغة:
الستر والتغطية، قال ابن فارس: "الكاف والفاء والراء أصلٌ صحيحٌ يدل على معنى واحد، وهو الستر والتغطية، يقال لمن غطّى دِرْعَهُ بثوبٍ: قد كَفَرَ دِرْعَهُ. والمكَفِّرُ: الرجل المتغطي بسلاحه... ويقال للزارع كافر، لأنه يغطي الحب بتراب الأرض( )، قال الله تعالى: }اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ {[الحديد:20].
وقال الأزهري: "والكفّارات سميت كفارات، لأنها تكفر الذنوب أي تسترها، مثل كفارة الأيمان، وكفارة الظهار، والقتل الخطأ"(2).
والكفر نقيض الإيمان، وهذا المعنى مأخوذ من الستر والتغطية وراجع إليه، قال ابن فارس: "والكفر: ضد الإيمان، سمّي لأنه تغطية الحق"( ) وقال ابن منظور: "الكفر: نقيض الإيمان"( ).
وعلى المعنى اللغوي جاء قوله تعالى: }لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{ [البقرة: 256].
فالكفر بالطاغوت: إنكاره ورفضه والتبرؤ منه( )، قال ابن كثير: "أي: مَنْ خلع الأنداد والأوثان وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يُعبد من دون الله، ووحّد الله فعبده وحده، وشهد أن لا إله إلا هو..."( ).
ويطلق الكفر على: الجحود، وهذا المعنى -أيضًا- مأخوذ من الستر والتغطية وراجع إليه.
وقال ابن فارس: "كفران النعمة: جحودها وسترها"( ).
وقال ابن منظور: "والكفر: جحود النعمة، وهو ضد الشكر، وقوله تعالى: {إِنّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} [القصص: 48] أي جاحدون"( ).
وعلى هذا المعنى قوله تعالى: }فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ{ [البقرة152]، قال القرطبي( ): "أي لا تكفروا نعمتي وَأَيَادِيَّ، فالكفر هنا ستر النعمة، لا التكذيب" ( ).
وقوله تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: 112]، أي: "جحدت آلاء الله عليها ونِعَمه، فقابلوها بالكفر بدل الشكر، وبالمعصية بدل الطاعة.
وقال تعالى يحكي خطبة إبليس في النار: }وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ۖ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ [إبراهيم: 22]، والمعنى: "إني جَحدْت أن أكون شريكًا لله فيما أشركتموني فيه من عبادتكم"( )، وفيه معنى البراءة من طاعته واتباع ما أمرهم به من الكفر( ).
والكافر إذا أطلق يراد به من لا يؤمن بالله، قال الليث( ): "يقال: إنه سُمّي الكافر كافرًا لأن الكفر غطى قلبه كله"، قال الأزهري: "وإيضاحه: أن الكفر في اللغة معناه التغطية، والكافر ذو كفر أي ذو تغطية لقلبه بكفره، كما يقال للابس السلاح: كافر، وهو الذي غطّاه السلاح... وفيه قول آخر، وهو أحسن مما ذهب إليه الليث: وذلك أن الكافر لما دعاه الله -جلّ وعزّ- إلى توحيده فقد دعاه إلى نعمة ينعم بها عليه إذا قبلها، فلما ردّ ما دعاه إليه من توحيده كان كافرًا نعمة الله، أي مغطيًا لها بإبائه، حاجبًا لها عنه"( ).
وجاء في غريب الحديث: "أما الكافر فهو من قولك كفرت الشيء إذا غطّيته، ومنه يقال: تكفّر فلان في السلاح إذا لبسه"( ).
إذًا، فالمادة كلها تدور حول معنى الستر والإخفاء، وهو إخفاء التوحيد وفطرة الإسلام، وإبداء جحود نعم الله، وربما إنكار وجوده بالكلية.
• الكفر اصطلاحًا:
هو نقيض الإيمان، سواء كان بالقلب أو اللسان أو الأعمال فعلًا وتركًا.
والمتفق عليه عند أهل السنّة: أن الإيمان اعتقادٌ بالقلب، وقولٌ باللسان، وعملٌ بالجوارح، والكفرُ نقيضُه، فيكون: بالقلب، كاعتقاد إله مع الله، أو جحد وحدانية الله، أو بغض النبي صلى الله عليه وسلم أو دين الإسلام، والحكم بغير ما أنزل الله معتقدًا أنه أفضل مِن حكم الشريعة أو مساوٍ لها أو أنه مباح. وبقول اللسان، كالتلفظ بألفاظ الكفر كسبّ الله ورسوله أو الاستهزاء بالدين، أو بترك الشهادتين. وبالأعمال، كالسجود للصنم، أو ترك العبادات والواجبات بالكليّة.
قال ابن تيمية( ): "والكفر لا يختص بالتكذيب، بل لو قال: أنا أعلم أنك صادق ولكن لا أتبعك، بل أعاديك وأبغضك وأخالفك، لكان كفرًا أعظم، فعُلِم أن الإيمانَ ليس التصديق فقط، ولا الكفر هو التكذيب فقط"( ).
وقال سفيان بن عيينة( ): "ترك الفرائض جحودًا كفر مثل كفر إبليس، وتركها عن معرفةٍ من غير جحود كفر مثل كفر علماء اليهود"( ).
وقد تعددت ألفاظ العلماء في تعريف الكفر، فقال ابن حزم رحمه الله: هو "جحد الربوبية، وجحد نبوة نبي من الأنبياء صحت نبوته في القرآن، أو جحد شيء مما أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم مما صح عند جاحده بنقل الكافة، أو عمل شيء قام البرهان بأن العمل به كفر"( ).
وقال القرافي( ): "وأصل الكفر إنما هو انتهاك خاص لحرمة الربوبية إما بالجهل بوجود الصانع أو صفاته العلى، ويكون الكفر بفعل كرمي المصحف في القاذورات أو السجود للصنم أو التردد للكنائس في أعيادهم بزي النصارى، ومباشرة أحوالهم، أو جحد ما علم من الدين بالضرورة"( ).
وعرّفه ابن تيمية بأنه: "عدم الإيمان بالله ورسله سواء كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب، بل شك وريب أو إعراض عن هذا كله، حسدًا أو كبرًا أو اتبّاعًا لبعض الأهواء الصّارفة عن اتباع الرسالة" ( ).
والكافر في الاصطلاح هو: من لا يؤمن بالله ورسله وشريعته، قال الراغب الأصفهاني: "والكَافِرُ على الإطلاق متعارفٌ فيمن يجحد الوحدانيّة، أو النّبوّة، أو الشريعة، أو ثلاثتها"( ).
وقال ابن القيم: "الكافر من جحد توحيد الله وكذّب رسوله، إما عنادًا، وإما جهلًا وتقليدًا لأهل العناد" ( ).
إذًا، فالكافر هو من ينكر وجود الإله الحق وهو الله سبحانه وتعالى من الأساس، ولا يؤمن بإله آخر، فهو لا يؤمن إلا بقوانين الطبيعة أو الصدفة، وهنا يتشابه الكافر مع الملحد.
وأحب هنا أن أشير إلى أن إطلاق لفظ الكفر ينصرف إلى المعنى الاصطلاحي الذي هو ضدّ الإيمان بالله ورسله؛ بدليل أن الصحابة رضي الله عنهم لمّا أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن أكثر أهل النار من النساء، وبنى ذلك على أنهن يكفرن، قالوا: يكفرن بالله؟ لأن هذا هو المتبادر إلى الذهن عند الإطلاق، فبيّن لهم النبي صلى الله عليه وسلم أنّ المراد جحد نعمة الزوج وإحسانه، وليس جحد وحدانية الله ورسله وشريعته. عن ابن عبَّاس قال: قال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: (اُريتُ النَّارَ، فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ! قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شيئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ)( ).
وهنا يؤكد لهم رسول الله أن الكفر له معنى آخر، وهو جحود النعم ونسيان الفضل.
المطلب الثاني
بيان أقسام الكفر، وأنواع كل قسم
• أقسام الكفر:
دلّت النصوص الشرعية على أنّ الكفر قسمان: كفر أكبر، وكفر أصغر، فأما الكفر الأكبر فهو مُخرج من الإسلام، موجب للخلود في النار، وأما الأصغر فلا يُخرج من الإسلام، لكنّه موجب لاستحقاق الوعيد، دون الخلود في النار.
قال محمد بن نصر المروزي( ): "الكفر كفران: أحدهما ينقل عن الملة، والآخر لا ينقل عنها"( ).
وقال ابن القيم: "فأما الكفر فقسمان: كفر أكبر، وكفر أصغر، فالكفر الأكبر هو الموجب للخلود في النار، والأصغر موجب لاستحقاق الوعيد دون الخلود، كما في قوله تعالى -وكان مما يتلى فنسخ لفظه- (لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم) وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (اثنتان في أمتي، هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة)..." ( ).
• القسم الأول ـ الكفر الأكبر:
وهو الذي ينصرف إليه لفظ الكفر عند الإطلاق، وهو يناقض الإيمان، ويخرج صاحبه من الإسلام، ويوجب الخلود في النار، ولا تناله شفاعة الشافعين. ويكون بالاعتقاد وبالقول وبالفعل، ويحصل بالتكذيب والجحود والاستكبار والإعراض والشك والنفاق.
قال البغوي( ): "والكفر على أربعة أنحاء: كفر إنكار، وكفر جحود، وكفر عناد، وكفر نفاق"( ).
وقال ابن تيمية: "كل من لم يقر بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر، سواء اعتقد كذبه، أو استكبر عن الإيمان به، أو أعرض عنه اتباعًا لما يهواه، أو ارتاب فيما جاء به، فكل مكذّب بما جاء به فهو كافر"( ).
وبيّن ابن القيّم في مدارج السالكين أنواع الكفر( )وبيان هذه الأنواع كما يلي:
أولًا: كفر إنكار:
ويسمى كفر التكذيب: وهو أن يكفر بقلبه ولسانه ولا يعرف ما يذكر له من التوحيد والإيمان، وهو كفر الملحدين المنكرين لوجود الله تعالى أصلًا والمكذبين برسله، قال تعالى: }وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ{ﱠ [العنكبوت:68].
قال السمعاني( ): "فكفر الإنكار وهو ألا يعرف الله أصلًا ولا يعترف به"( ).
يقول ابن القيّم: "فأما كفر التكذيب: فهو اعتقاد كذب الرسل، وهذا القسم قليل في الكفار، فإن الله تعالى أيّد رسله وأعطاهم من البراهين والآيات على صدقهم ما أقام به الحجة وأزال به المعذرة"( ).
ثانيًا: كفر جحود:
وهو أن يعترف بقلبه ولا يقرّ بلسانه، ككفر فرعون بموسى، وكفر اليهود بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا يعلمون الحق لكنهم لم يُقرّوا به، قال تعالى مبيّنًا حال الجاحدين من الكافرين: } وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ{ﱠ [النمل: 14].
ويقول تعالى في حق اليهود: }وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ{ [البقرة: 89].
وقال تعالى: }الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَﱠ{ [البقرة: 146].
• أنواع كفر الجحود:
أ - كفر مطلق عام:
وهو أن يجحد جملة ما أنزله الله، وإرساله الرسول.
ب - كفر مقيد خاص:
وهو أن يجحد فرضًا من فروض الإسلام، أو تحريم محرّم من محرماته، أو صفة وصف الله بها نفسه، أو خبرًا أخبر الله به، عمدًا، أو تقديمًا لقول من خالفه عليه لغرض من الأغراض.
وأما جحد ذلك جهلًا، أو تأويلًا يعذر فيه صاحبه فلا يكفر صاحبه به، كحديث الذي جحد قدرة الله عليه وأمر أهله أن يحرقوه ويذروه في الريح، ومع هذا فقد غفر الله له ورحمه لجهله، إذ كان ذلك الذي فعله مبلغ علمه، ولم يجحد قدرة الله على إعادته عنادًا أو تكذيبًا"( ).
ثالثًا: كفر إباء واستكبار:
وهو أن يعرف صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه جاء بالحق من عند الله، ولم ينقد له إباءً واستكبارًا( ).
وهذا الكفر ككفر إبليس، فإنه لم يجحد أمر الله أو ينكره، لكنه استكبر وأبى الانقياد له، قال تعالى: }وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ{ﱠ [البقرة: 34].
ويضاف إلى هذا النوع: الكفر حسدًا أو عنادًا: ككفر أبي جهل وغيره، فإنهم حسدوا النبي صلى الله عليه وسلم على الرسالة فلم يؤمنوا به، قال تعالى:
}وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ{، } أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ {[الزخرف: 31-32].
وفي قوله تعالى: }قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَﱠ {[الأنعام: 33]... التقى الأخنس بن شريق وأبو جهل بن هشام، فقال الأخنس لأبي جهل: يا أبا الحكم أخبرني عن محمد بن عبد الله أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس هاهنا أحد يسمع كلامك غيري، فقال أبو جهل: والله إنّ محمدًا لصادق وما كذب محمدٌ قط، ولكنْ إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبّوة، فماذا يكون لسائر قريش؟( ).
ومثال الكفر عنادًا: كفر أبي طالب، فإنه صدّق الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يشك في صدقه، ولكن أخذته الحمية وتعظيم آبائه أن يرغب عن ملتهم، ويشهد عليهم بالكفر.
رابعا ـ كفر إعراض:
قال ابن القيم: "وأما كفر الإعراض فأن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول، لا يصدّقه ولا يكذّبه، ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يصغي إلى ما جاء به البتة، كما قال أحد بني عبد ياليل للنبي صلى الله عليه وسلم: (والله أقول لك كلمة، إن كنتَ صادقًا فأنت أجلّ في عيني مِن أن أرد عليك، وإن كنتَ كاذبًا، فأنت أحقر مِن أن أكلمك)"( ).
قال تعالى:} كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ{، }بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ{ [فصلت: 3-4]، وقال واصفًا حال الكافرين: }مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى ۚ وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ{ [الأحقاف:3]
خامسًا: كفر الشك:
ويسمى كفر الظنّ، وهو التردد وعدم الجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، كمن يشكّ في البعث بعد الموت، قال تعالى: }وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا ( 35 ) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ( 36 )ﱠ قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا ( 37 ) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا(38 ) {[الكهف: 35-38].
قال ابن القيم: "وهذا لا يستمر شكه إلا إذا ألزم نفسه الإعراض عن النظر في آيات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم جملة، فلا يسمعها ولا يلتفت إليها، وأمّا مع التفاته إليها ونظره فيها فإنه لا يبقى معه شك، لأنها مستلزمة للصدق، ولا سيّما بمجموعها، فإنّ دلالتها على الصدق كدلالة الشمس على النهار"( ).
والمطلوب أن لا يشك المؤمن -ولو للحظة- بقدرة ربه، وأن يؤمن بقدرته ويرضى بقضائه في سرائه وضرائه على الدوام.
سادسًا: كفر نفاق:
وهو إظهار الإسلام وإبطان الكفر، فيظهر بلسانه الإيمان، ولا يعتقد بقلبه، فهذا هو النفاق الأكبر، لأنه يستر كفره ويغيِّبه وهو من أشدّ أنواع الكفر خطرًا، لأن المنافق يتظاهر بالإسلام وهو يكفر به ويكيد له، لذلك جعلهم القرآن في الدرك الأسفل من النار قال تعالى:} إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا{[النساء:145].
• القسم الثاني: الكفر الأصغر:
وهو الذنوب التي وردت تسميتها في الكتاب والسنة كفرًا، وهي لا تصل إلى حد الكفر الأكبر، وهو موجب لاستحقاق الوعيد في النار دون الخلود به( ).
وهذا النوع من الكفر يسميه بعض العلماء: الكفر العملي، الذي يقابل الكفر الاعتقادي، وهو أيضًا: كفر النعمة، فهو كفر مقيَّد بأحدهما وليس كفرًا مطلقًا( ).
وسبب تسميته كفرًا: أنه ثبت في كتاب الله تعالى، وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم: تسمية بعض الكبائر والمعاصي كفرًا، أو نفي وصف الإيمان عمّن ارتكبها، أو الحكم بدخوله النار أو تحريم الجنة عليه.
وسبب اعتباره كفرًا أصغر، أو كفرًا دون كفر: أنّ نصوص القرآن والسنّة دلّت على أن فاعل تلك الأعمال لا يخرج عن دائرة الإسلام، فهذه الذنوب لا تناقض أصل الدين وجملة الشريعة، ولا تتضمن إنكارًا لأصل مِن أصول الإسلام.
• أمثلة على الكفر الأصغر:
1 - الحكم بغير ما أنزل الله في بعض القضايا لرشوة أو لمصلحة أو محبة أحد الخصمين أو بُغضه، قال تعالى: }إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَﱠ{[المائدة: 44].
قال ابن القيم بعد أن ذكر التأويلات في الآية: "والصحيح: أنّ الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم، فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة وعدل عنه عصيانًا، لأنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة فهذا كفر أصغر، وإن اعتقد أنه غير واجب وأنه مخير فيه مع تيقنه أنه حكم الله تعالى فهذا كفر أكبر، وإن جهله وأخطأه: فهذا مخطئ له حكم المخطئين" ( ).
وقال القرطبي: "قوله تعالى: }إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَﱠ{ﱠ[المائدة: 44].
وقال تعالى: }وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{ [المائدة:45 ].
وقال تعالى: }وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{ﱠ ﱠ[المائدة: 47].
وقد نزلت هذه الآيات كلها في الكفار، ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث البراء، وقد تقدّم. وعلى هذا المعظم. فأما المسلم فلا يكفر وإن ارتكب كبيرة. وقيل: فيه إضمار، أي ومن لم يحكم بما أنزل الله ردًا للقرآن، وجحدا لقول الرسول عليه الصلاة والسلام فهو كافر، قاله ابن عباس ومجاهد، فالآية عامة على هذا. قال ابن مسعود والحسن: هي عامة في كل من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين واليهود والكفار أي معتقدًا ذلك ومستحلًا له، فأمّا من فعل ذلك وهو معتقد أنه راكب محرم فهو من فساق المسلمين، وأمره إلى الله تعالى إن شاء عذّبه، وإن شاء غفر له. وقال ابن عباس في رواية: ومن لم يحكم بما أنزل الله فقد فعل فعلًا يضاهي أفعال الكفار. وقيل: أي ومن لم يحكم بجميع ما أنزل الله فهو كافر، فأما من حكم بالتوحيد ولم يحكم ببعض الشرائع فلا يدخل في هذه الآية" ( ).
2 - قتال المسلمين: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ)( ).
قال النووي( ): "وأما قتاله بغير حق فلا يكفر به عند أهل الحق كفرًا يخرج به من الملة كما قدمناه في مواضع كثيرة، إلا إذا استحلّه، فإذا تقرّر هذا فقيل في تأويل الحديث أقوال، أحدها: أنه في المستحل، والثاني: أن المراد كفر الإحسان والنعمة وأخوة الإسلام لا كفر الجحود، والثالث: أنه يؤول إلى الكفر بشؤمه، والرابع: أنه كفعل الكفار"( ).
3 - النفاق الأصغر: ويكون بفعل شيء مِن علامات النفاق وخصاله، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آيَةُ الـمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)( ).
قال البغوي: "والنفاق ضربان:
أحدهما: أن يُظهر صاحبه الإيمان وهو مسرّ للكفر كالمنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: ترك المحافظة على حدود أمور الدين سرا، ومراعاتها علنًا، فهذا يسمى منافقا، ولكنّه نفاق دون نفاق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)، وإنما هو كفر دون كفر"( ).
وقال النووي: "وقد أجمع العلماء على أن من كان مصدّقًا بقلبه ولسانه وفعل هذه الخصال لا يحكم عليه بكفر، ولا هو منافق يخلّد في النار"( ).
4 - انتساب الرجل إلى غير أبيه: عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليسَ مِن رَجُلٍ ادَّعى لِغَيْرِ أبِيهِ - وهو يَعْلَمُهُ - إلّا كَفَرَ، ومَنِ ادَّعى قَوْمًا ليسَ له فيهم، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ، ومَن دَعا رَجُلًا بالكُفْرِ، أوْ قالَ: عَدُوُّ اللهِ وليسَ كَذلكَ إلّا حارَ عليه.) َ( ).
قال النووي: "فيه التأويلان اللذان قدمناهما في نظائره، أحدهما: أنه محمول على من فعله مستحلًا له، والثاني: أن جزاءه أنها محرمة عليه أولًا عند دخول الفائزين وأهل السلامة، ثم إنه قد يجازى فيمنعها عند دخولهم ثم يدخلها بعد ذلك، وقد لا يجازى بل يعفو الله -سبحانه وتعالى- عنه"( ).
وبعد ما قاله العلماء السابقون والمعاصرون يتضح لنا أن الشرك والكفر مصطلحان واعتقادان يأتي كل واحد منهما بمعنى الآخر؛ فكل كافر مشرك وكل مشرك أيضًا يطلق عليه كافر وهذا ما نراه واضحًا في كتاب الله تعالى ولكني فطنت إلى استنباط من كتاب الله عز وجل وهو استنباط دقيق من سورة البينة قال تعالى: }لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ{ [البينة: 1].
ويتبين من الآية أن مصطلح الكافر على من أقر بوجود الله ولكنه أخطأ في الطريق التي توصله إليه مع علمه بفساد منهجه وطريقته.
أما المشرك فقد أقر بوجود الله تعالى كما فعل مشركو مكة، ولكنه رفض إتباع أي منهج يوصله إلى الله فعبد مع الله غيره أو عبد غير الله متوهمًا بأنه أداة توصله إلى الله كما قال تعالى في شأنهم لما عبدوا الأصنام: } أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ{ [الزمر:3].
ولكننا نطلق على الكافر مشركا، والعكس فيطلق كل منهما على الأخر بخلاف الملحد فلا نطلق على الكافر أو المشرك مصطلح "ملحد"، ولكننا نصف الملحد بالشرك والكفر فيظهر لنا من ذلك أن الإلحاد أشد أنواع الكفر مطلقا.
المبحث الثالث
الإلحاد
المطلب الأول
مفهوم الإلحاد في القرآن الكريم والسنّة النبوية
• الإلحاد لغة:
مصدر قولهم ألحد يلحد وهو مأخوذ من مادة (ل ح د) التي تدل على ميل عن الاستقامة، يقال ألحد الرجل إذا مال عن طريق الحق والإيمان، وتسمى اللحد لحدا لأنه مائل في إحدى جنبي القبر، وقال الراغب والملتحد هو الملجأ وسُمّي بذلك لأن اللاجئ يميل إليه، ويقال لحد بلسانه إذا مال( )، وفي معجم الصحاح: "ألحد فلان أي مال عن الحق وألحد في دين الله( )، وقال بن السكيت( ) الملحد هو العادل عن الحق المدخل فيه ما ليس منه، يقال ألحد في الدين ولحد أي حاد عنه( )، وجاء في المعجم الوسيط ألحد السهم عن الهدف أي عدل عنه، وألحد فلان أي عدل عن الحق وأدخل فيه ما ليس منه( ).
فخلاصة الكلام في بيان معنى الإلحاد بعد مراجعة كتب أهل اللغة، مثل كتاب المعاني الجامع والقاموس المحيط والمعجم الوسيط ومختار الصحاح ولسان العرب، نجد أن أقوالهم تدور حول معنى واحد ألا وهو أن الإلحاد في اللغة هو الميل عن القصد والعدول عنه أو العدول عن الحق إلى الباطل، إذًا فالملحد مال عن قصد الطريق الصحيح إلى الطريق الخطأ فيتضح لنا مما سبق أن الإلحاد مرادف للاعوجاج الذي هو ضد الاستقامة، فالملحد معوج منحرف غير مستقيم ولا معتدل.
• الإلحاد اصطلاحًا:
كما تعددت تعريفات الإلحاد في اللغة فإنها أيضًا تعددت في اصطلاح العلماء فتنقل بعضًا منها مختصرًا دون تقصير مُخِلْ أو تطويل مُمِلْ والغاية أن نصل إلى المعنى لأن تحرير المعنى هو نصف الفهم كما يقول علماء الأصول.
من هذه التعريفات يظهر أن: الإلحاد هو الميل عن الحق( ).
وقد اعتبر العلماء أن هذا التعريف أقرب ما يكون إلى التعريف اللغوي وليس الاصطلاحي، وقد اقتبس العلماء من كتب التفسير تعريفًا اصطلاحيًا فقالوا: الإلحاد هو الميل عن الحق والعدول عنه فيما يتعلق بأسماء الله تعالى أو بيته الحرام أو بآياته الكرام في دلالتها أو فيمن تنزلت عليه( ).
وقال آخرون الإلحاد: مذهب فلسفي يقوم على إنكار وجود الله سبحانه وتعالى وأن الكون بلا خالق ولا حياة آخرة ولا قيامة وأن المادة أزلية أبدية وهي الخالق المخلوق في نفس الوقت( ).
فالإلحاد هو إنكار وجود الله تبارك وتعالى، والملحد هو الذي لا يوقن بوجود الله أصلًا، وبالتبعية لا يقر بوحدانيته.
فالإلحاد يراه علماء اللغة أنه الميل عن الطريق الصحيح ولكن الإلحاد في المفهوم الغربي هو "لا إله" فيكون حالة من القصور في التفكير والإدراك تطرأ على المرء فتجعله ينكر وجود خالقه.
ولهذا التعريف معنى ومغزى، ولتوضيح ذلك يتبين لنا أنها حالة من القصور في التفكير والإدراك تطرأ على المرء أي أنها دخيلة على طبيعته التي فطره الله عليها وتغير حالة التفكير والإدراك التي تعتريه؛ تكون بسبب مؤثر خارجي بتعليم أو تلقين من شخص آخر وقد تكون بسبب تفكير ذاتي للفرد في لحظة خلوة مع نفسه تطرق إليه الشيطان فجعله يجر بتفكيره في المنطقة المحظورة، ألا وهي التفكير في ذات الله عز وجل التي نُهينا عنها فقد أُمرنا بالتفكير في آلاء الله وصفاته ونُهينا عن التفكر في ذاته.
وذلك لحديث بن عمر رضي الله عنه عن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله عز وجل)( ).
أما إنكار الملحد لوجود خالق فيدل على الحقيقة الواقعية التي لا ريب فيها ولا محيد عنها، وهي أن الملحد مهما أنكر وجود خالقه فإن الله هو ربه وخالقه ورازقه ومدبر كل شؤونه.
• الإلحاد في القرآن الكريم:
عندما نتأمل كتاب الله عز وجل نجد أنه ذكر الإلحاد في أكثر من آية إما باللفظ وإما بالمعنى، كذلك ذكر حجج الملحدين الباطلة وبين زيفها وأرقام الحجة الدافعة عليهم، فمن هذه الآيات التي ذكرت الإلحاد باللفظ قوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف:180]
جاء في القاموس المحيط: ذلك يكون على وجهين أحدهم أن يوصف الله بما لا يصلح وصفه والثاني أن يتأول أوصافه على مالا يليق به( ).
• الإلحاد في أسماء الله أنواع منها:
أولًا: أن تسمي شيئًا باسمه كتسمية الكفار اللات من الإله والعزى من العزيز.
ثانيًا: تسميته بما لا يليق بجلاله كتسمية النصارى له أبًا أو تسمية الفلاسفة له موجبًا بذاته أو علة فاعلة.
ثالثًا: وصفه تعالى بما يتقدس ويتنزه عنه كقول اليهود إنه فقير ويد الله مغلولة.
رابعًا: تعطيل أسمائه عن معانيها كفعل الجهمية وأتباعهم.
خامسًا: تشبيه صفات الله تعالى بصفات خلقه وهم المشبهة( ).
كذلك ورد الإلحاد بلفظه في قوله تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ۚ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ{ ﱠ [الحج:25].
وخلاصة الكلام في تفسيرها أن الإلحاد في الحرم يكون بالكثير من الأشياء إما بالقتل أو الشرك أو الظلم أو الصيد أو أي فعل ينافي حرمة بيت الله الحرام.
ومن الآيات التي ذكر فيها الإلحاد وقوله تعالى: :} إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ۗ أَفَمَنْ يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{ [فصلت:40]
قال القرطبي: الإلحاد في آيات الله هو الميل عن الحق في أدلته كمن يقول القرآن ليس من عند الله أو هو سحر أو شعر.
كذلك من الإلحاد في الآيات تحريفها وتأويلها على غير مراد الله تعالى }وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ{ [فصلت:26].
وكما حرف اليهود قوله تعالى:ﱠ }وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ ۚ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ{ﱠ الأعراف: ١٦١ بحنطة( )
وكذلك ذكر الإلحاد في قوله تعالى: }وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ{ [النحل:103].
ومعنى يلحدون إليه أي يميلون أليه وذلك أنهم زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم يتعلم القرآن من راهب نصراني.
كذلك تعددت الآيات التي تناولت موضوع الإلحاد تارة بمناقشة الملحدين وتارة بإقامة الحجة الدافعة عليهم، وتارة بذكر عاقبتهم إن هم أصروا على إلحادهم، وتارة بالأمر بالإعراض عنهم لأنهم لن يؤمنوا مهما جاءتهم الآيات والبراهين القاطعة، حتى يروا العذاب الأليم.
فمن الآيات التي استخدمت أسلوب الحوار والنقاش ثم أسلوب الصدمة في إقامة الحجة قوله تعالى: }أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَﱠ{ [البقرة:258].
فانظر كيف أقام إبراهيم عليه السلام الحجة على النمرود من كنعان فبهت أي خرص ولم يعدله حجة، كذلك رد القرآن على من نفوا قدرة الله على الخلق فقال تعالى: }أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ 35 أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَلْ لَا يُوقِنُونَ36ﱠ { [الطور:35-36]
ورد القرآن أيضًا على من نفوا قدرة الله على البعث فقال تعالى:
﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِىَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْىِ الْعِظَـمَ وَهِىَ رَمِيمٌ(78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَلِيمٌ (79)﴾ﱠ [يس:78-79].
وكذلك ورد هذا الأمر مفصلًا في سورتي الإسراء والعنكبوت ومما ورد في القرآن أيضًا الأمر بالإعراض عن الجاهلين بعد إقامة الحجة عليهم فقال تعالى: }فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَﱠ{ [السجدة:30].
هذه كلها معانٍ متعددة للإلحاد وردت في القرآن الكريم، وكلها تتفق وتتلاقى عند معنى واحد وهو الإنكار والجحود.
• الإلحاد في السنة النبوية الشريفة:
عنيت السنة النبوية المطهرة بحفظ عقيدة المسلم بكل ما يشوبها من شك وظن يؤدي إلى الإلحاد، فقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم تحذيرنا من خطورة الأولى التي تؤدي إلى الإلحاد، ألا وهي التفكر في ذات الله عز وجل والتي تأتي بإتّباع خطوات الشيطان التدرج في التفكير في المخلوقات، ومن خلقها حتى يصل إلى التفكير بالخالق، فيقول في نفسه من خلق الله( ).
فقد روى البخاري عن أنس بن مالك قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: (لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا هذا الله خالق كل شيء فمن خلق الله)، وجاء هذا الحديث أيضًا بلفظ آخر من رواية أبي هريرة في الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا؟ حتى يقول من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته)( )
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من أن يسلك المرء أي سبيل أو طريق معوج وأن يلتزم سبيل الله صراطه المستقيم، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًّا ثم قال: هذا سبيل الله ثم خط خطوطًا عن يمينه وعن شماله ثم قال: هذه سُبل متفرقة على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ قوله تعالى: }وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{ [الأنعام:153]، وقال في اللفظ الآخر هذه سبيل الله مستقيمًا( ).
وقد روى أبو داود في سننه من حديث بن عباس جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال يا رسولَ اللهِ إنَّ أحدَنا يجدُ في نفسِه، يعرضُ بالشيء، لأن يكونُ حممةٌ أحبَّ إليه من أن يتكلَّم به، فقال: اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، اللهُ أكبرُ، الحمدُ للهِ الذي ردَّ كيدَه إلى الوسوسةِ ( )، وقال بن قدامة: رد أمره مكان رد كيده.
وجاء أيضًا في صحيح مسلم من رواية أبي هريرة قال جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن نتكلم به، قال: (وقد وجدتموه؟ قالوا نعم، قال ذاك صريح الإيمان)( ).
وخلاصة معنى الحديثين أن الصحابة وهم أخشى الناس وأتقاهم لله بعد الأنبياء، شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجدونه من وسوسة وخواطر شيطانية تخطر ببالهم في ذات الله تعالى، فأعلمهم أنها وسوسة ونزع للشيطان، وحمدًا لله تعالى أن قوة إيمانهم ردت هذه الوسوسة ولم تؤثر في إيمانهم قال تعالى: }وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۚ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ { [الأعراف:200]
إنكار السُّنة آفة مُسرطنة تنتشر أسرع من النار في الهشيم بين أوساط شبابنا المسلم؛ خصوصًا الطلبة الجامعيون، فما أكثر أن تسمع بأن فلانا أصبح مِمّن يطعنون في البخاري وآخر يُشكك في حِجِيّة السُّنة أو في نَقلها وثُبوتِها... وهذه يا للأسف ظاهرة خطيرة؛ عادة ما تكون بداية طريق يفضِي إلى عواقب جِد وخيمة.
تُعتبر أسباب موجة إنكار السُّنة هذه كثيرة ومتنوعة، ترجع جميعها إلى أصل واحد؛ وهو أصل كل الانحرافات والتشكيك اليوم عند المسلمين، وهو إعطاء المركزية الموضوعية المطلقة للغرب في تقييم الأمور، أو بصيغة أبسط “جعل عقل الرجل الغربي المقياس الموضوعي للصحيح والغلط والخير والشر”؛ فما يُقِرُّه الغرب نُقِرُّه وما لا يُقرُّه ويَرفُضه نرفُضه بدورنا، وبشكل قطعي.
إن منكري السنة لم يعتمدوا في إنكارهم على مسائل علمية تأصيلية في علوم الشريعة مع تجرد تام من الأهواء، بل الأغلبية ليس لهم علم ولا سعة اطلاع على العلم الشرعي، ولا حتى فكرة عن أبسط مقدمات وقواعد علم الحديث، ثم يرفض البعض الأحاديث أو قد يُنكر السُّنة كاملةً، ويصير في مصافِّ ما يصطلح عليهم بالقرآنيين، بسبب بضعة أحاديث تُخالف المزاج الغربي الذي يغزو العالم (كالرجم مثلًا وحد الردة …). ويُطلق على هذا المزاج الغربي اسم "العقلانية( ) والإنسانية( )"، ويتم دائما التحجج بأن هذه الأحاديث تخالف العقل أو الإنسانية، وهذه دعوى جد متهافتة، وبمجرد التعمق في تفاصيل هذه الدعاوي يكشف عن مدى هشاشتها، لما شاعت رواية الحديث بين الأقطار الإسلامية، ظهرت الفرق والأحزاب كالشيعة والخوارج بعد مقتل سيدنا عثمان وأخذوا يكذبون على الصحابة، لكن الصحابة والتابعين منذ البداية أغلقوا عليهم المسالك وسدوا المنافذ وشردوا بهم من خلفهم( ).
يقول الأستاذ/ أنور الجندى في نقد المذهب العقلي:
"إن العقل وحده لا يستطيع أن يستبين النافع والضار من الأفعال والأقوال والعقائد إلا بهدى من وحي، ولكن إذا عرف، فهِم وصدّق؛ فالعقل خادم للحقيقة، ولا يمكن للعقل بدون توجيه صادق أن يصل إلى الحقيقة.... ومن هنا فإن فكرة (العقلانية) في الإسلام، عليها تحفظات؛ لأن الإسلام يجمع بين العقلانية والوحدانية معًا، ولا يقرُّ استعلاء عنصر على عنصر"( ).
إن كل متخصص أو حتى مجرد مطّلع على حوارات الإسلام والإلحاد أو قصص بعض المرتدين الجدد أو العائدين بفضل الله من ضلال الإلحاد إلى نور الإسلام من جديد، يعلم تمامًا أن إنكار السُّنة هو قنطرة الإلحاد الأولى في عالمنا العربي؛ وأن أغلب من انتهى به الحال إلى الإلحاد والمروق من الدين، سواء تاب منه أو لم يتب كانت بداية قصته أنه طعن وأنكر بعض الأحاديث الصحيحة، فانتهى به الحال إلى الطعن في السُّنة، وكتب الفقهاء، ثم تحول إلى مذهب القرآنية ومن أبرزها محاولة إعطاء تفاسير جديدة للقرآن الكريم، بعد التخلص من كل التراث الإسلامي عبر القرون الماضية، ثم في الأخير الإلحاد أو اللا أدرية.
بل إن العديد ممن يشتغل في صفحات الرد على الملاحدة وشبهات غير المسلمين، يعلم تمامًا أن هناك فرقة من الملحدين لا ينكرون السنة بالكلية، لكنهم يشككون في بعضها من ناحية العقلانية المزعومة مع إضافته لبعض بهارات شرعية؛ مثل الطعن في بعض الرواة والحديث عن الإسرائيليات والتشكيك في عدالة الصحابة (أبو هريرة على سبيل المثال).
ويمكن حصر علاقة إنكار السنة بالمروق من الدين في ثلاث نقاط رئيسة وهي:
أولًا: نزع القدسية من نصوص الوحي:
لقد تضافرت جهود العلماء المسلمين على الحفاظ على الأحاديث القدسية والأحاديث النبوية جيلًا بعد جيل، حتى دونت المدونات وكتبت الكتب بأسانيدها الصحيحة التي لا يرقى لها الشك( )، إن مجرد السماح للنفس بالتطاول أو بإنكار خبر أو حديث منسوب إلى أعظم الخلق وخير البرية صلى الله عليه وسلم، أجمع المسلمون عبر قرون عديدة على قبوله والعمل به، هو في الحقيقة تمرد لا مباشر على قداسة وعظم قدر أوامر ونصائح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالتالي مع تسلسل الإنكار والطعن في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، تفقد نصوص الوحي سلطانها وهيبتها على المسلم ويتجرّأ الدهماء على القول والتعقيب على ربّ العالمين، ويتجرّأ السفهاء على السنّة ومحفوظاتها، فيصير من لا يميّز الصحيح من الضعيف، ولا المسند من المعضل، يردّ الحديث بكِبْر ويجعل ذوقه الذي صنعه واقِعنا الفاسد حكمًا على منصوص الشرع الذي سلّم له العلماء منذ قرون، خصوصًا مع غياب أي منهجية صحيحة لهذا الطعن، سوى عدم موافقته الهوى المنتشر كما سلف الذكر؛ فيصبح أمر التطاول على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو حتى على الله عز وجل سهلًا يسيرًا. والوحي بصفة عامة سواء قرآنًا كريمًا كان أو سنة نبوية فإنه بداية لتشكيك الملحدين، لأن أغلب من يبدأ في التشكيك في السُّنة ينتقل بالضرورة إلى التفسير التجديدي الحداثي( ) لكتاب الله، لأن أصول الشبهات التي تثار حول السنة تتشابه كثيرًا مع ما يثار حول القرآن الكريم من طرف أهل الافتراء، وحين يصبح كتاب الله محلًّا لهذه الثلة من التفاسير الغريبة العجيبة من أدعياء التنوير التي أصبحنا نراها اليوم، والتي يضرب بعضها بعضًا بل ومعظمها مجرد محاولات بائسة لصرف المعنى الظاهر من النص، بدعوى عدم موافقته العقلانية المزعومة (مثل ادعاء أن قطع يد السارق في القرآن الكريم ليس معناه البتر) يضعف شأن كتاب الله العظيم كثيرًا في نفس الطاعن فما يلبث أن يساويه بأي مجهود بشري آخر فينسلخ من الدين.
ثانيًا: تسفيه العلماء وأعلام الأمة:
وهذه من أعظم الآفات التي نعيشها في عصرنا يا للأسف الشديد، حتى من أكثر العامة جهلًا بالدين، وهي رمي العلماء الربانيين والشيوخ المربين بتهم شديدة كالنفاق والجهل والجمود والدروشة… وهي من كبرى استراتيجيات زراعة الشك التي يستعملها أعداء الإسلام لتنفير المسلمين من دينهم، فلقد تم في الآونة الأخيرة رسم صورة ذهنية عن الفقهاء والعلماء المسلمين في الإعلام بوصفهم كهانًا أو آباءً لهم سلطة دينية معينة، يغيرون ويعدلون ويضعون الأحكام بحسب رؤيتهم الفلسفية الخاصة.. وتم محو صورة العالم الفقيه الذي يتبع منهجًا علميًّا ثابتًا ويبحث عن الحق بدليله.. فصارت هناك دعوات تطالب بعدم اتباع أقوالهم أو بحق الاجتهاد، كما تم تضخيم مسائل الخلاف الفقهي حتى ليظن المتلقي أنهم لم يتفقوا على شيء قط؛ فأي مطلق وأي إسلام يسعون لتطبيقه كما يدعون. كما يتم أحيانًا التركيز على بعض الأقوال المرجوحة دون عرض الردود عليها من قبل العلماء أيضًا.. ويصاحب هذا الطرح دعوة خبيثة مشبوهة ألا وهي "تنقية كتب التراث"( ) وطبعًا فعلماء أهل السُّنة والجماعة يعظمون من أمر الأحاديث ويحثون على تعلمها والاستشهاد بها والاقتداء بمواقف النبي صلى الله عليه وسلم.
فمنكر السنة دائمًا يراهم كما سبق الوصف مجرد شياطين جهال يريدون تضليل الأمة وإعاقتها عن التقدم، خصوصًا وأن أغلب رواد الخطاب التنويري لا يكفون عن جلد أبرز علماء وشخصيات التاريخ الإسلامي الحديثة والقديمة، حتى وصل الأمر للصحابة أنفسهم بل ويبحثون عن أي نقيصة لهم ويضخمونها في مقابل التعظيم والإجلال الشديد الذين يظهرونه لمفكري الغرب وفلاسفته وعلمائه الطبيعيين مثلما يفعل بعض جهلة العلم، حتى قال أحد الفضلاء ذات يوم إنه يحس من خلال هؤلاء أن جهنم مُلئت بالصحابة والشيوخ والجنًّة بالفلاسفة والملاحدة المساكين الذين خدموا البشرية! وهذا يكرس بشكل أكبر صنم المركزية الغربية ويضخم من عقدة النقص التي يعيشها شباب العالم الإسلامي، فيصير أكثر تبعية لهذا الغرب ورموزه من رموز أمته. وماذا يبقى من الإسلام إذا صار الإنسان يرى الشرع عند قدمه، والواسطة العلميّة بينه وبين الشرع (العلماء) تحت قدمه؟ لا شيء.. وفي مرحلة الخلاء.. حيث اللا شيء كلّ شيء.. لا يبقى في القلب شيء غير غرور الإلحاد( ) ، فالإلحاد في الأخير يبقى قرارًا عاطفيًّا نفسيًّا لا عقلانيًّا.
ثالثًا: الإغراق في النسبية:
تُعتبر السُّنة النبوية شارحة للقرآن الكريم ومُبيّنة له وموضحة، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم نفسه في العديد من الآيات }ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ{ [القيامة، 19]، }بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{ ﱠ ]النحل،44].
وهي بالتالي تمثل فهم وتطبيق النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم لكتاب الله، وهو الفهم الذي يجب على كل المسلمين اتباعه وسلوكه.
من هنا يتبين أن إنكار السنة هو بداية الطريق نحو عدة مزالق في هدر نصوص الوحي؛ فنفي وجود فهم خاص مطلق للإسلام يجب على المسلمين اتباعه هو فتح لباب النسبية والسفسطة في آيات الله وأحكامه، وهذا ساهمت فيه وسائل الإعلام بشكل كبير وبأساليب في غاية الخبث والمكر باعتماد شعارات براقة مثل “لا أحد يحتكر الحقيقة، الدين ملك للجميع، الحق نسبي ورأيك ليس دائمُا صوابًا ورأيي ليس دائمًا خاطئًا…” وهكذا تبدأ عملية خلخلة الأفكار فلا حق ثابت ولا باطل، فكثيرات ممن خلعن الحجاب كانت حجتهن “المسألة وجهة نظر فهناك من يقول بالفرضية ومن لا يقول بها” وتوجد أشكال عديدة لترويج هذا الفيروس العقلي، فمثلًا حين يتم عرض مناظرة حول موضوع الشذوذ الجنسي على قنوات تلفزيونية يشاهدها العامة بين مؤيد ومعارض، فسواء اتخذ المذيع موقفًا محايدًا أم لا، فإنه في جميع الأحوال ارتكب ما هو أسوأ وهو نقل الثابت إلى النسبي وعرضه كمادة تقبل الآراء المختلفة للعوام لا كحوار بين حق وباطل! لا وربما أجرى استطلاعًا للرأي بعنوان “هل تؤيد أو تعارض”، فإن كنت معارضًا فلا بأس، لكن احترم رأي المؤيد، رغم أنه يدافع عن جريمة!... وهكذا يختلط الحق بالباطل ويصير الكَذُوب صاحبَ رأي والمنتقدُ له متعصبًا ضيق الفهم، ما يؤدي إلى تحول الدين بأكمله إلى مجرد وجهة نظر لا يحق فرضها على أي كيان، وهذا يميت في قلوب الناس الغيرة على الإسلام ويشكل لهم مناعة ضد أي سبيل للنصح أو بيان الحق( ).
فلا عجب أن تفضي كل هذه السفسطائية( ) إلى اللا أدرية أو الإلحاد، فجذور الشك السفسطائي تم زرعها بامتياز في نفسية المنكر.
لهذا يجب على كل مسلم أن ينظر بعين الشك لكل داعية لنقد التراث أو تجديده، فها نحن اليوم نرى النتائج المأساوية لمن سلك هذا الطريق، ويجب الحرص على التفقه في الدين والاعتماد على العلماء الفقهاء العارفين بالشريعة والوحي ليوضّحوا ما استشكل، فحين يصيب المريض عارض ما يجب عليه زيارة الطبيب والأخذ بنصائحه احترامًا لتخصصه وثقةً في علمه، فكذلك علماء الشريعة.
ولكنَّ قليلًا من العلم الشرعي عند البعض يجعلهم يستصغرون عقول وشبهات المنكرين، فالجهل بالدين وعدم تعلمه سبب رئيسي فيما نراه اليوم من انحرافات لدى المسلمين، وكما يقال فالإنسان عدو ما يجهل.
هناك فئة تمثل الغالبية العظمى ممن نراهم ينسلخون من الدين، فالبعض منهم يرد على الفكر الإلحادي، بل إن البعض عاد إلى الإسلام بفضله وهو في نفس الوقت ينكر بعض الأحاديث من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعية.. فالحالات القليلة لا يُقاس عليها، ولنا أن نتساءل حول من يعود إلى الإسلام عبر هؤلاء إلى أي دين عادوا تحديدًا؟ فلقد أسلم فئة لا بأس بها عبر التاريخ عن طريق الكثير من الفرق الضالة، ومن بينها "فرقة الأحمدية"( ) وهي فرقة لا يقول أحد من المسلمين بإسلامها ثم أخلدوا إلى بدعهم؟
العودة إلى الإسلام هي أن تعود إلى الإسلام المُنجي الذي يدخلك الجنّة مع أهل السبق والطاعة.. لا أن تعود إليه وأنت تَرُد من الإسلام أُصولًا، وتجعل طوائف من النصارى واليهود من أهل الإيمان المنجي، وتجحد المتواتر من الحديث، وتحتقر أهل العلم الذين باعوا للدين كل نفيس.. أن تعود إلى الإسلام هي أن تحقق الاستسلام، لا متابعة لشيخ أو جماعة، وإنما أن تستسلم لمنصوص الوحي( ).
المطلب الثاني
نشأة الإلحاد، وتطوره
نشأة الإلحاد:
لم يعرف العالم الإلحاد إلا في الآونة الأخيرة؛ فكل الأزمنة الغابرة كانوا يعلمون أن للكون خالقًا رازقًا مدبرًا، يتصرَّف في ملكه كيف شاء، حتى كفار قريش ما كانوا ينكرون ذلك، ولا كانوا يثبتون مع الله ربًّا غيره؛ }وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ{ (العنكبوت: ٦١).
وإنما أشركوا معه آلهة في العبادة والمحبة.
والإلحاد من حيث هو إنكار لوجود الإله الخالق، وكل ما يتعلق بذلك من خلق وإيجاد، ورسل ورسالات، وحساب وجزاء، لا يُعرف له تاريخ محدد يدل على نشأته، وإن وجدت بعض الإشارات لحالات معدودة ونادرة، تعتبر ظاهرة الإلحاد ظاهرة ضرورية النشأة في كل حضارة، لا سيما حين تكون تلك الحضارة في طور المدنية؛ فنجد أن الأفكار الإلحادية لا تظهر إلا في أوج نشأة وازدهار حضارة ما نتيجة لما يصاحب ذلك الازدهار من حركة واسعة في تطور المعرفة والعلوم الدينية والدنيوية معًا؛ وما يثيره ذلك من الرغبة في مزيد من المعرفة يقودها أحيانًا الشك( ).
فهو مذهب فلسفي يقوم على فكرة عدمية، أساسها إنكار وجود الله الخالق سبحانه وتعالى، فيدَّعي الملحدون بأن الكون وُجد بلا خالق، وأن المادة أزلية أبدية، وأن الطبيعة هي من تُسَيِّر نظامها بذاتها، ويترتب على ذلك إنكار البعث والحشر والحساب، فلا يوجد تاريخ محدد يمكن من خلاله إثبات بداية زمنية للإلحاد، فهو ظاهرة طفيلية عبر الزمان لا توجد لها جذور، فالإلحاد كفلسفة مُستقلة لا توجد له جذور عبر كل التاريخ ولذا يقول المؤرخ الإغريقي بلوتارك( ): "لقد وجدت في التاريخ مدن بلا حصون، ومدن بلا قصور، ومدن بلا مدارس، ولكن لم توجد أبدًا مدن بلا معابد"( ).
وأول الملاحدة الذين عرفوا وسجلت آراءهم أو كتاباتهم الإلحادية، كانوا في العصر الإغريقي، وهم الذين كانت لهم آراء ظاهرة، حاولوا فيها تفسير الوجود، والكون، وظاهراته، والتغيرات التي تجري فيه، تفسيرات تستبعد استبعادًا كليًّا فكرة وجود خالق، فمنهم من كان قبل الميلاد، والبعض الآخر في العصر الميلادي إلى المحدثين منهم، فقد ظهر في اليونان وغيرها كتاب ملاحدة، وهم أول من نقلت عنهم عبارات ومؤلفات.
وقد ظهر الإلحاد في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلادي حين اكتشف رجال العلم خارج الكنيسة معلومات جديدةً عن الأرض والكون والحياة، وبالتالي توصلوا إلى علوم حديثة لم تكن معروفة مِن قبلُ، وكانت المصيبة أن ما وصلوا إليه يخالف ما عليه رجال الدين في الكنيسة في كتبهم المحرفة؛ مما أدى إلى حدوث صراع شديد بين رجال الدين المحرَّف في الكنيسة ورجال العلم في خارجها؛ مما جعل غيرهم ممن بقي حيًّا منهم أن يُصيبه الشك في صحة ما جاء في دين الكنيسة وكُتبها المحرَّفة، ولكن الأمر تجاوز كل الحدود حتى وصل إلى الإلحاد، من خلال إنكار النبوة، وجعل العقل البشري يحكم في كل شيء، ونسبة الخلق والتدبير إلى الطبيعة.
قال الفيلسوف الفرنسي هنري برغسون( ) كما نقل عنه الدكتور دراز( ): لقد وُجِدت وتوجد جماعات إنسانية من غير علومٍ وفنون وفلسفات، ولكنه لم توجد قط جماعة بغير دِيانة، إذًا فلم يكن لهذه الفكرة أي رواج في تواريخ العالم القديم، وهذا يدحض قولَ فولتير من أن الإنسانية لا بد أنها عاشت قرونًا متطاولة في حياة مادية خالصة، ثم اخترع الدهاةُ الماكرون فكرة الألوهية لخداع البسطاء والسذَّج( ).
وأكثر فلاسفة العالم القديم كانوا يقرون بألوهية الله، ومنهم أشهر فلاسفة اليونان، ولم يكن الإلحاد إلا مذهبَ قلةٍ من المدرسة الأيونية المادية، وأعلامها طاليس( ) الذي ردَّ العالم إلى أصل الماء، أو إنكسمانس( ) الذي ردَّه إلى الهواء( ).
وهذا يدل على أن الإلحاد موجود في الغرب منذ عصور قديمة قبل الميلاد بقرون، فقد سجّل التاريخ وجوده في عهد الإغريق، مع اختلاف معنى الإلحاد بين الماضي والحاضر.
في عام (1574 م) نفّذ حكم الإعدام بأحد النبلاء الفرنسيّين هو "جيوفروى فاليه"( ) وأحرق جسده مع ما نشره حول إنكار وجود الله، وكان غريب الأطوار مريضًا تنتابه النوبات( ).
استنادًا إلى "كارين أرمسترونغ"( ) في كتابها (تاريخ الخالق الأعظم)( ): منذ نهايات القرن السابع عشر بدأت بوادر تيّار أخذ يعلن الاستقلال عن فكرة وجود الخالق الأعظم، وفي هذا العصر وما بعده كان عصر كارل ماركس وتشارلز داروين وفريدريك نيتشه وسيغموند فرويد الذين بدءوا بتحليل الظواهر العلميّة والنفسيّة والاقتصادية والاجتماعيّة بطريقة لم يكن لفكرة الخالق الأعظم أيّ دور فيها، ولم يقف الأمر عند العلماء، فحتّى الأدباء أعلنوا أُفول فكرة الدين والخالق، ومن أبرز الشعراء في هذه الفترة (وليم بلاك 1757- 1827 م( حيث قال: إنّ الدين أبعد الإنسان عن إنسانيّته، بفرضه قوانين تعارض طبيعة البشر من ناحية الحرّيّة والسعادة، وإنّ الدين جعل الإنسان يفقد حرّيّته واعتماده على نفسه في تغيير واقعه.
وكان من أهمّ أسباب ظهور هذا التيّار الحروب والجرائم التي ارتكبت في أوروبا باسم الدين، نتيجة تعامل الكنيسة الكاثوليكيّة بما اعتبرته هرطقة أو خروجًا على مبادئ الكنيسة، فقامت الكنيسة بتشكيل اللجنة الخاصّة لمحاربة الهرطقة في عام (1184 م)، حيث قامت هذه اللجنة بشنّ الحرب على من خرج على مبادئ الكنيسة، واستمرّت هذه الحملة من (1209 م) إلى (1229 م) وكانت الأساليب الأخرى المستعملة متطرّفة وشديدة، حتّى شملت حرق المهرطقين وهم أحياء، وتلا هذه الحادثة الخسائر البشريّة الكبيرة التي وقعت في أثناء الحملات الصليبيّة( ).
ويقول "وُل ديورانت"( ) في كتابه قصة الحضارة "ولا يزال الاعتقاد القديم بأن الدين ظاهرة تعم البشر جميعًا اعتقادًا سليمًا، وهذه في رأي
الفيلسوف حقيقة من الحقائق التاريخية والنفسية"( ).
وقال الدكتور عبدالرحمن بدوي( ) (إن ظاهرة الإلحاد من أخطر الظواهر في تطور الحياة الروحية وهي ظاهرة ضرورية النشأة في كل حضارة حيثما تكون في دور المدنية وإنما تختلف وفقًا لروح الحضارة التي انبثقت منها، ذلك أن الإلحاد نتيجة لازمة لحالة النفس التي استنفذت كل إمكانياتها الدينية فلم يعد في وسعها بعد أن تؤمن)( ).
ولقد عاش أبيقورمؤسس مذهب المُتعة ومؤسس المدرسة الأبيقورية المُنحلة عيشة متقشفة، وكان رواقيًا ساميًا في أخلاقه، عاش ومات على مذهب أهل الأديان في تبني الأخلاق، وترك الانغماس في الملذات واتخذ زوجة ومزرعة وعاش بما تُدره عليه دروس العلم التي كان يُلقيها لتلامذته، وحتى فولتير أول المُلحدين والأب الروحي للإلحاد كان يشرح فلسفته الإلحادية لزملائه، وفي نفس الوقت كان يشرح الأخلاق في إطار الدين لخدامه ويخشى على خدامه من الإلحاد، وكان يدفعهم إلى الإيمان بالأخلاق في إطار ديني، وكان يقول كلمته الشهيرة: "لو لم يكن هناك إله لخانتني زوجتي وسرقني خادمي"، بل وقام فولتير( ) الملحد في أواخر حياته ببناء كنيسة بالقرب من قصره نقش على مدخلها "يا رب اذكر عبدك فولتير"، وادعى أنها الكنيسة الوحيدة المخصصة لله وحده على هذه الأرض، أما الكنائس الأخرى فهي مخصصة للقديسين وكان يرسل خدمه إلى الكنيسة بانتظام ويدفع أجور تعليم أبنائهم قواعد الديانة( ).
وترى الباحثة أن دوافع الإلحاد في الجاهلية كانت الجهل بحقيقة الخالق والتي توارثوها عن آبائهم، بينما الإلحاد في الغرب تعددت دوافعه ما بين العثرة، والحروب الدينية، والكوارث، واكتشاف نظريات علمية جديدة، وقيام الثورات، وتزاوج الدين بالسياسة، وظهور أفكار تناصر الإلحاد، كفكرة اللا أدرية، والإنسانية، وفكر الربوبية الحديثة، وفكرة أن الكون هو الله، والتحاكم إلى قوانين الطبيعة وردّ كل شيء إلى الصدفة.
المطلب الثالث
أسباب الإلحاد، وأقسامه
• أسباب الإلحاد:
ونلاحظ من كل ما سبق أن الإلحاد بكل أشكاله له أسباب تختلف بحسب اختلاف المجتمعات، فظاهرة الإلحاد تختلف في المجتمعات الغربية عنها في مجتمعاتنا الإسلامية، وذلك حسب الاختلاف العرقي والسياسي والحضاري والتاريخي.
يعاني العالم المعاصر من مشكلات كثيرة فبالرغم من التقدم المادي الهائل الذي نعيش فيه، والخيرات العظيمة التي وفرها العلم لحياة الإنسان ورفاهيته، إلا أننا نعيش في ظل مشكلات رهيبة يتولد بعضها عن بعض، وأعظم هذه المشكلات وأكبرها أثرًا في ظهور الفساد والاضطراب والقلق هي مشكلة الإلحاد( ).
أولًا: أسباب الإلحاد في المجتمعات الأوروبية:
1 - ظهور الشبهات العلمية المرتبطة ببعض نظريات العلم الحديث كالداروينية.
2 - تأثر كثير من المفكرين بعدد من الفلاسفة المتشكّكين والملحدين، أمثال جورج سنتيانا( )وسبينوزا( )، وجون ديوي( )، وكارل ماركس، كما تركت الفلسفة التحليلية المعاصرة بصماتها الواضحة على تفكيرهم، من أنّ الإيمان بوجود الله إهانة للعقل البشري.
3 - لقد كانت الكنيسة الأوروبية سببًا غير مباشر أحيانًا وسببًا مباشرًا أحيانًا أخرى في نشر الإلحاد والزندقة والكفر الكامل بوجود الله، وذلك لأن القائمين على هذه الكنيسة من الرهبان والقساوسة أدخلوا في دينهم كثيرًا من الخرافات والخزعبلات، وجعلوها عقائد دينية، وتكذيب رجال الكنيسة للنظريات العلمية واتهام العلماء بالزندقة، والاضطهاد الكنيسي للناس بفرض الضرائب والإتاوات، وانكشاف الفساد الأخلاقي بين الرهبان والراهبات، مما جعل الناس ترفض المعتقدات الدينية، وتتهم الرسل جميعًا بالكذب والتدليس وهكذا برزت الموجة الأولى من موجات الإلحاد العالمي( ).
4 - انتشرت المظالم الهائلة بسبب النظام الرأسمالي وظهرت الطبقات المتفاوتة من رأسماليين، يغلبهم الجشع في الاستحواذ على مقدرات العامة إلى عمال فقراء مظلومين، وكان رؤية هذا الظلم الجديد، ومساندة رجال الدين الكنسيين أو سكوتهم عنه سببًا جديدًا في انتشار الإلحاد والشك في وجود الله، واتهام الدين بمساندة الظلم أو عجزه عن تقديم حل ناجح لمشكلات الإنسان على الأرض.
5 - ظهور المذاهب الاقتصادية الإلحادية ساعد على انتشار موجة الإلحاد وخاصة الشيوعية، حيث إن الشيوعية تبنت الدفاع عن المظلومين والفقراء وهذه قضية عادلة وإنسانية في ذاتها، ولذلك تبنى هؤلاء الفقراء والمظلومون وهم أغلبية الناس دائمًا هذه العقيدة الجديدة والدين الجديد؛ لأنه يدافع عن مصالحهم ويتبنى قضاياهم وبالطبع أخذوا هذا الدين بفلسفته العقائدية وليس بفكره الاقتصادي فقط( ).
6 - اقتران الإلحادية بالقوة المادية شجع الناس على الكفر بالله والانطلاق نحو الإلحاد الكامل، وذلك أن الناس رأوا أن أوربا لم تتقدم وتمتلك القوى المادية وتكتشف أسرار الحياة إلا بعد أن تركت أفكار الكنيسة وعقائدها( ).
7 - الأزمات النفسية بسبب وقوع الابتلاءات الخاصة، والتي تجعل لدى بعض الناس قابلية للإلحاد، بسبب الجهل بطبيعة العلاقة بين الرب والعبد، وبمعاني الابتلاء والحكمة منوجود الشرور في الكون.
8 - كان من الملاحظ اجتماعيًا أن أوروبا في العصر الفيكتوري وهي منبت الإلحاد أن الأطفال كانوا يعاقبون بشدة على أخطاء تافهة، وكان يتم عقابهم من والديهم ومعلميهم وكان الأطفال يُلقنون بأن الكتاب المقدس يأمر بمعاقبتهم، فتولدت نتيجة لذلك كراهية شديدة دفينة تجاه الوالدين وامتدت هذه الكراهية تجاه كل شيء، وحتى الإله الذي يرمز له الوالدون والمعلمون، وقد كان كبار مؤسسي الإلحاد المادي:
دارون( )ونيتشه( )وفرويد( )وشوبنهاور( )، من أعيان هذا العصر ثم كان كبار الملاحدة من تلاميذهم فيما بعد..
8 - التحرر من القيود الدينية للوصول للشهوات النفسية، وعدم التقيد بأي نوع من القيود أو العبادات الدينية، فكان الإلحاد هو وسيلة الهروب من التكاليف الدينية والتحرر من كل أنواع القيود المفروضة للتخلص من عقدة الذنب تجاه الرب( ).
ثانيًا: أسباب الإلحاد في مجتمعات الشرق:
1 - بدأت في الشرق حياة تأملية لم تركزعلى فكرة الآلهة في القرن السادس قبل الميلاد مع ظهورالديانة الجاينية والبوذية واليوغا والويكي والكارما، وكذلك مختلف طوائف الهندوسية في الهند والطاوية في الصين.
2 - اقترحت هذه الأديان طريقًا فلسفيًا وخلقيًا لا يشمل عبادة الإله، لم تنظر إلى الآلهة كضرورة لهدف الخلاص مثل التقاليد البوذية الأولية، إذ شككت في الواقع بشكل صريح وغالبًا ما رفضته. وجد خلاف بين مفهوم الآلهة والمبادئ البوذية الأساسية في بعض التفسيرات على الأقل. لم تقبل مدارس الفلسفة الهندوسية مثل وجود إله خالق في نظمها.
3 – الإيمان بثنائية العقل والجسد فقد كتب النص الرئيسي لمدرسة السامخيا إيشفارا كريشنا في القرن الرابع الميلادي، وكانت خلال ذلك الوقت مدرسة هندوسية ذات شعبية كبيرة، وأصول المدرسة أقدم من ذلك بكثير، وكانت المدرسة إلحادية تؤمن بثنائية العقل والجسد، وقد آمنوا بالوجود الثنائي للبراكريتي (الطبيعة) والبوروشا (الروح) ولم يكن لديهم أي مكان للإيشفارا (الإله)، بحجة أنه لا يمكن إثبات وجود الإله وبالتالي لا يمكن الاعتراف به. سيطرت المدرسة على الفلسفة الهندوسية في يومها، لكن شعبيتها انخفضت بعد القرن العاشر( ).
ثالثًا: أسباب الإلحاد في المجتمعات الإسلامية:
من وجهة نظر شخصية وجدت أن الالحاد في الأصل مشكلة نفسية عند الملحد وذلك لخلل عقدي عنده، ونحن نتحدث هنا عن الملحدين في عالمنا الإسلامي، فالفطرة السويّة للبشر هي توحيد الله سبحانه وتعالى وإفراده بالعبودية فكيف بمن لا يؤمن بالله؟ فلا تستقيم الفطرة عن، وقد قال تعالى: }وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ{ ( الأعراف: ١٧٢).
وقد يكون من أسباب الإلحاد انكسار الأمة الإسلامية أمام الغرب وهذا ما نشاهده اليوم من ضعف ووهن، وتبعيتنا للغرب المطلقة في كل شيء، حتى لو دخلوا جُحر ضب لدخلناه، عن أب سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِراعًا بذِراعٍ، حتّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ، قُلْنا يا رَسُولَ اللَّهِ: اليَهُودَ، والنَّصارى قالَ: فَمَنْ (( ) وكذلك انعدام لغة الحوار وضعف الإيمان والكبت النفسي والديني وضعف الثقافة الإسلامية وعدم وجود قدوة تستحق أن يقتدي بها عند الشخص الملحد ممن حوله، كذلك الميل للشهوات والرغبة في الانفلات من الرابط الديني، ناهيك عن الاضطرابات النفسية التي تُدمّر الملحد وتؤدي به إلى الانتحار، والأسباب كثير سنتناولها لاحقًا بشيء من التفصيل، حيث لا يمكن فصل الإلحاد بالعموم عن المشكلة النفسية لشخص مضطرب، فهي تدور في حلَقة واحدة.
ويتضح مِن ذلك أن الإلحاد غريب عن البشرية ودخيل عليها، وغريب عن طبيعة النفس الإنسانية، ومع هذا فإن المرءَ يعجَبُ من ظهوره في هذا العصر بصورة لافتة للنظر، حتى أصبح سمة بارزة وظاهرة تحتاج إلى دراسات، بل أصبح يتصدر نسبًا عالية في بعض البلدان، وصلت في أمريكا إلى 25%، وبعضها وصل إلى 45%.
وبدأ ظهور موجات الإلحاد الفعلية عقب الثورة الفرنسية، وتحرُّر دول أوروبا من سلطة البابوية وهيمنة الكنيسة على عقول الناس، حتى الطبقة الحاكمة منهم.
ومما يؤسَفُ له ظهورُ هذه الموجات الإلحادية في البلاد العربية، فهذا أغرب مِن سابقه، لأن الدِّين كان -وما زال- جزءًا من هُوية العربي المسلم لا تنفكُّ عنه بحال.
وكما نشرت النيوز جنكي بوست( ): إن الفترة بين عامي 1789 م و1989م يمكن اعتبارها العصر الذهبي للإلحاد، إذن الإلحاد في الأصل نظرية فلسفية طفيلية بلا جذور أغلب أبعاده سياسية مجردة، ولذا فالملحدون إلى الآن يتم تصنيفهم في أمريكا على أنهم أكثر الطوائف تعرضًا للاضطهاد، وبحسب بحث استقصائي على مدار عامين قامت به جامعة مينيسوتا الأمريكية فإن الملحدين هم الأكثر اضطهادًا في أمريكا، ويفوقون في ذلك الشواذ جنسيًّا والمسلمين المتطرفين.
وأمريكا أقوى دولة علمية في العالم ما زالت تصنف الملاحدة على أنهم غير مقبولين في المجتمع الأمريكي، وكان هذا واضحًا جدًا في الكلمة التي قالها "جورج بوش الأب" حين سأله صحفي أمريكي في عام 1987 هل يمكن اعتبار الملحد الأمريكي متساويًا في الجنسية والمواطنة مع غيره من الأمريكان، وأصبح رد السيد بوش مشهورًا حين قال: "لا أعرف إذا كان من الممكن اعتبار أن الملحدين مواطنين أو حتى اعتبارهم محبين للوطن هذه أمة موحدة تحت راية الله ".
وطبقًا للواشنطن بوست في بحث آخر مستقل: "فإنه على الرغم من حصول الشواذ جنسيًا على بعض الحقوق، ونالوا بعض الاحترام من المجتمع الأمريكي ما زال الملحدون الأمريكيون يمثلون أكثر فئات أمريكا احتقارًا وكراهية بسبب ما يبدونه من انعدام للأخلاق، وعدم الثقة ورعونة في مبادئهم فإن المجتمع الأمريكي سريعًا ما يلفظهم، ويتردد كثيرًا الأمريكيون في إقامة علاقة مع ملحد أو مجرد تولي منصب وظيفي أو حتى المشاركة في فرق الكشافة الشبابية خاصًة لما يبدونه من صفات عدم تحمل الأمانة في اختبارات التأهيل العسكري، الذي تُجريه المؤسسات النفسية العسكرية بأمريكا" ( ).
كانت هذه أبرز وأهم الأسباب التي وقفنا عليه، وذكرها الباحثون في ظهور وانتشار الإلحاد في العالم.
أقسام الإلحاد( ):
إن الإلحاد بمعنى إنكار وجود الله تعالى أصلًا لم يكن معروفًا ولم يكن ظاهرة منتشرة في القدم، وإنما كان شائعًا الشرك مع الله تعالى تحت مسميات مختلفة، مع اعترافهم بوجود الله تعالى، وأنه الخالق المدبر.
وأما الدهريون الذين أسندوا كل شيء إلى الدهر فهم قلة قليلة جدًّا بالنسبة لغيرهم ممن يؤمنون بالله تعالى.
أما الإلحاد الحديث فقد قام على إنكار وجود الله أصلًا، وقد زعم متبعوه أنهم توصّلوا إليه عن طريق العلم والبحث والتجربة والدراسة، وزعموا أن الدين لا علاقة له بذلك، فهو لديهم فقط لسد جانب الفراغ العاطفي.
ويمكن القول بأن أقسام الإلحاد تختلف بحسب التوجه الذي يتتبعه الباحث، فيمكن تقسيم الإلحاد حسب الدوافع إليه أو حسب قوة الاعتقاد أو حسب التوجه الفكري لمعتنقيه؛ وهذا ما سأتناوله في الصفحات القادمة.
أولًا: أقسام الإلحاد من حيث الدوافع:
وينقسم الإلحاد بحسب الدوافع إليه، إلى ثلاثة أقسام:
أ - الإلحاد العاطفي أو الانفعالي:
وهو ما لا يكون مستندًا إلى برهان (ولا إلى شبهة برهان) عقلي، وإنما إلى مجموعة من الانطباعات الشعورية، أو الانفعالات النفسية، المتعلقة بفهم الكون والحياة، أو بالنظرة إلى الدين وأثره في المجتمع، أو بالضعف الذاتي أمام التيار المادي الجارف، أو نحو ذلك.
ب - الإلحاد المادي النفعي:
وهو أن ينكر الشخص وجود الإله في سبيل مصلحة مادية يرى أنها تتحقق له بذلك أو إذا شعر أن وجود الإله عقبة أمام إحدى غاياته، أو أمام غايات متعددة يرى أن أقصر طريق لحلها هو الإلحاد، وذلك كموقف الملحد من الحاجة المادية وتوزيع الثروة إذا كانت له غايات مالية، وموقفه من التشريعات الاجتماعية المتعلقة بالزواج إذا كانت له غايات إباحية، وموقفه الرافض لعبادة أي شيء إذا كان لديه كبرياء ذاتيه تمنعه الركوع والسجود.
ج - الإلحاد العقلي العلمي:
وهو الإلحاد الناشئ عن قناعة علمية معينة تتناقض مع معتقدات دين من الأديان، والتي يبني عليها عقيدته وتشريعاته ونظرته للكون، وقد تقدمت الإشارة إليه( ).
ومن هنا يظهر لي أن الملحدين لهم دوافع ومنافع من وراء إلحادهم وما يحققون منه من مكاب مادية واقتصادية واجتماعية ونفسية.
ثانيًا: أقسام الإلحاد من حيث قوة اعتقاده:
ويقسم بعض الباحثين الإلحاد من حيث قوة اعتقاده إلى موجب وسالب أو قوي وضعيف، الفرق بين الملحد الموجب والسالب هو أن الملحد الموجب ينفي وجود الله وقد يستعين بنظريات علمية وفلسفية لإثبات ذلك، بينما الملحد السالب يكتفي فقط بعدم الاعتقاد بالله نظرًا لعدم قناعته بالأدلة التي يقدمها المؤمنون.
هذان التعريفان كانا نتاج سنين طويلة من الجدل بين الملحدين أنفسهم، فأحدهم يذكر أن عدم الإيمان ليس إلحادًا فالطفل الصغير لا يؤمن لأنه ليس قادرًا على الإدراك، بعضهم يقول إن الملحد القوي هو شخص يعتبر فكرة الإله فكرة غير منطقية وغير موضوعية، بينما يقول آخر إنه: "ليس هناك ملحدون بمعنى الكلمة".
وبعضهم يفرق بين رجل الشارع البسيط الذي ينكر فكرة الإله لأسباب شخصية أو نفسية أو اجتماعية أو سياسية، وبين الملحد الحقيقي الذي يعتمد على الموضوعية والبحث العلمي( ).
ونفهم من ذلك أن هناك إلحادًا للعوام وإلحادًا للمثقفين، فإلحاد العوام قائم على التقليد وتحقيق المصلحة، وإلحاد المثقفين قائم على القناعة بمبادئ الإلحاد.
وبغض النظر عن هذه التقسيمات، فإن الجامع المشترك بينها هو الإلحاد: وهو عدم الإيمان بوجود إله خالق، أو التنصل من ذلك.
ثالثًا: أقسام الإلحاد بحسب التوجه الفكري لمعتنقيه:
بينما يقسم البعض الإلحاد بحسب التوجه الفكري لمعتنقيه، إلى أربعة أقسام وهي كما يلي:
1 - الربوبية: هي فلسفة يؤمن أصحابها بوجود إله خالق للكون ولكنه لا يتدخل أبدًا في شؤون الكون الذي خلقه، هم لا دينيون يرفضون الأديان قاطبة هم يؤمنون فقط بوجود إله للكون ولا يؤمنون بأي شيء آخر، ولا بكون هذا الخالق يحتاج لأن يُعبد.
2 - الشكوكية: هم أشخاص أقل منزلة من الربوبيين من ناحية الإيمان بخالق للكون فهم بين الإلحاد والإيمان، يسعون للتفكير والتشكيك في وجود الله من أجل الوصول للحقيقة حسب اعتقاده.
3 – اللا أدرية: بمعنى "لا أدري" ويمكن القول إنه اتجاه فلسفي عكس الشكوكية قد حسم مسألة الإيمان بالله بعبارة "لا أدري" حسب اعتقادهم لا يمكن إثبات أو نفي وجود إله ولا سبيل لتأكيد وجوده أو نفي وجوده وبالتالي فالإنسان لا يدري، وحسب اعتقادهم أيضًا أنه لربما قد يتوصل الإنسان لإجابة بالمستقبل ويثبت أو ينفي وجود إله.
4 - الإلحاد: وهو المستوى الأعلى من اللا دينية، هم الأشخاص الذين ينكرون وجود خالق للكون بالمطلق، ولا يؤمنون بوجود إله، ولا أديان سماوية، وينكرون كل ما له علاقة بالدين كما سبق توضيحه.
أنواع الملحدين( ):
قد يعتقد البعض أن الإلحاد وغير المؤمنين بالله يندرجون تحت عنوان واحد مشترك، وأن طريقة تفكير الملحدين هي واحدة وتتمحور حول عدم وجود الله واعتبار الديانات أساطير وخرافات، إلا أن مجلة التايم نشرت تقريرًا أظهر اختلافًا في نمط تفكير الملحدين ودوافع عدم إيمانهم.
النوع الأول: الملحدون المثقفون:
وهم يستندون على المعلومات والدلائل التي يجمعونها حول الديانات ويقتنعون بها لتكون أساسًا لجدالهم ومناظراتهم.
النوع الثاني: الملحدون النشطاء:
وهم أشخاص ينشطون بالدعوة إلى الإلحاد ويؤكدون أن العالم سيكون مكانًا أفضل إذا كان العالم كله ملحدًا.
النوع الثالث: الملحدون الطلاب:
وهم مجموعة لا تتمسك بمعتقدها الإلحادي بشكل كامل ولا يملكون موقفًا محددًا من قضية وجود الله.
النوع الرابع: الملحدون المعادون للمؤمنين:
وهم مجموعة تحارب الإيمان وتصنف الاعتقاد بوجود الأديان جهلًا، ويرون أنفسهم أكثر الناس فهما بخطورة الأديان على العالم.
النوع الخامس: الملحدون المسالمون:
مجموعة من الملحدين تعتبر أقلية بالنسبة لأنواع الملحدين الستة، وهم ببساطة لا يخوضون بأمور وجود الدين من عدمه.
النوع السادس: الملحدون المتتبعون لبعض طقوس الديانات:
وهم مجموعة لا تؤمن بالديانات أو وجود حياة بعد الموت، إلا أنهم يتتبعون بعض العادات التي لها أصول دينية مثل التأمل أو ممارسة اليوغا، وما شابهه من الشكرات والاعتقادات والعبادات التأملية والوثنية إلى جانب احتفالهم بالأعياد الدينية( ).
خُلاصة الفصل الأول
من خلال دراستي وتتبعي للإلحاد في مفهومه المعاصر، فهو يعني تعطيل الخالق بالإطلاق، وإنكار وجوده، وعدم الاعتراف به سبحانه وتعالى، وإنما العالم وما فيه قد جاء ـ على حسب زعمهمـ بمحض الصدفة، وهو مذهب غريب مناف للفطرة والعقل والمنطق السليم، ومناقض لبديهيات العقل ومسلَّمات الفكر.
أما الشرك فهو يتضمن الإيمان بالله عز وجل والإقرار به، ولكن يشمل أيضًا الإيمان بشريك لله في خلقه، يخلق، أو يرزق، أو ينفع، أو يضر، وهذا شرك الربوبية، أو بشريكٍ يُصرَف له شيء من العبادة محبة وتعظيمًا، كما تصرف لله سبحانه وتعالى، وهذا شرك العبادة.
أما الكفر فهو جحد الحق وستره إما بالتكذيب أو بالاستكبار أو بالإنكار أو الشك، حيث إن الكافر مؤمن بوجود الله لكنه لا يريد أن يصرف العبادة له عز وجل مثل إبليس لعنه الله، لم يطع الله حين أمره سبحانه وتعالى السجود لآدم فاستكبر فعصى وغوى وأغوى ولم يتب ويرجع فاستحق الطرد من رحمة الله لكفره.
وبالتأمل في هذه الانحرافات نجد أنَّ في كلٍّ منها مِن الإثم والسوء ما يدلنا على سوء حالهم، وكيف أن الله جل جلاله وصفهم بأنهم كالبهائم:
{أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)}ﱠ سورة الفرقان:43،٤٤
}وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَﱠ{الأعراف:.١٧٩
ورغم ذلك كله فالملحد الجاحد المكذِّبُ بوجود الله ورسله واليوم الآخر أعظمُ كفرًا، وأشنعُ مقالةً من الذي آمن بالله، وأقر بالمعاد، ولكنه عصى الله ولم يصرف العبادة له أو أشرك معه شيئًا من خلقه.