وقفت أمي لتأٌمنا في الصلاة وأنا وأكرم بجانب، وصافي بالجانب الآخر. كان صوت أمي عذبًا، تقرأ بهدوء يتيح لنا أن نردد خلفها. كانت أمي تقرأ بالسور التي نحفظها، مما أسعدنا وأشعرنا بأننا كبار؛ فنحن نصلي مثلهم. أنهت أمي صلاة العشاء، وأعطتنا خمس دقائق قبل أن نصلي التراويح. استغل (أكرم) الراحة وسألها: "أمي، لماذا تصلين بهدوء وتقرئين السور التي نحفظها ببطء!؟ فنحن نحفظها حفظًا جيدًا"
ابتسمت أمي واحتضنته، وقالت: "عندما نصلي يجب أن نخشع، أي نشعر بأننا بحضرة رب العالمين، ويسمى أيضًا بـ(الاطمئنان)، وهو أحد أركان الصلاة كما قال الإمام الشافعي -رضي الله عنه- وبدونه لا تصح الصلاة. هذا يعني أننا وإن كنا نحفظ تلك السور والأيات، فيجب علينا أن نقرأها بهدوء، ونعطي لكل حرف منها حقه في التلاوة، والهدوء ليس في القراءة فقط، بل في كل حركات الصلاة، وفي الركوع والسجود. هل فهمت يا كيرو؟"
ثم داعبت شعره، وهو يجيبها: "أجل فهمت يا أمي"
ثم قامت أمي لتصلي بنا التراويح ركعتين ركعتين، وبين كل أربع ركعات استراحة، ندعو فيها لأبي بأن يحميه الله، ويعيده إلينا سالمًا غانمًا قريبًا. قبل أن نصل إلى الركعة السادسة نامت (صافي) على سجادتها الصغيرة، انتبهت لها أمي بعد التسليم، فحملتها، ووضعتها بفراشها، وعادت لنكمل الصلاة. كان النعاس يحاوطني أنا وأخي بعد أن أنهينا الثماني ركعات، فقالت لنا أمي: "يمكنكما الذهاب إلى فراشكما؛ فأنا سأصلي الشفع، وألحق بكما"
سألتها: "ما هو الشفع؟"
ابتسمت أمي وقبلت جبيني، وهي تحتضني وقالت: "لكل صلاة مفروضة صلاة سنة، والصلاة المفروضة هي التي يجب أن نصليها بوقتها، وإن تركناها عوقبنا من الله، وغضب منا، وهي صلاة الصبح، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء. أما الصلاة السنة فهي التي كان يصليها النبي ﷺ تقربًا لله، وإذا قمنا بأدائها أعطانا الله ثوابًا، وإن تركناها لم نُعاقَب، ولكننا نصليها كما كان يصلي النبي المصطفى، والشفع هو ركعات زوجية أقلها اثنين. وهناك أيضا الوتر، وهو مثل الشفع ولكنه ركعات فردية أقلها ركعة، وأنا أؤخرها لآخر الليل لتكون آخر صلاة في الليلة كما قال رسول الله ﷺ"
قبّلتُ أمي واعتدلت لأصلي معها، ووقف بجانبي أكرم. نظرتْ لنا أمي متسائلة، فقلت لها: "سنصلي الشفع كما كان يصلي سيدنا محمد ﷺ"
ابتسمت لنا أمي ابتسامة واسعة شعرنا بها بأننا بين أحضانها، وأنها فخورة بنا. أعدك يا أمي أن أجعلك فخورة بي، وأن أرضي ربي، وأفعل كما فعل سيدنا محمد ﷺ.
ما إن انتهينا من صلاتنا، حتى رفعت أمي يدها بالدعاء لله، ونحن نردد وراءها.. "آمين"، ثم جلست لتختم الصلاة، وتُسبِّح ونحن معها. وقبل أن نرفع سجاد الصلاة، إذا بطرقات مميزة على باب منزلنا، هذه الدقات يحفظها قلبنا جيدا، حتى أن (صافي) استيقظت، وأخذت تركض تجاه الباب، وهي تقول: "أبي، لقد عدتَ أخيرا!"، ونحن من ورائها.
فتحنا الباب، فإذا بأبي يترك حقائبه، ويضمنا بذراعيه، ويقبلنا ونقبله بحب وشوق شديدين. وقفت أمي تشاهدنا، وهي تبكي فرحًا وتحمد الله. تركَنا أبي وركض إلى أمي ليقبل جبينها ويسلم عليها.
حمل أبي حقائبه بيد، وبالأخرى يحمل (صافي) التي تعلقت برقبته، ورفضت ترك أبي. كان أبي يضحك ويخبرها أن تنتظر حتى يضع الحقائب بمكانها فرفضت، حاول إغراءها بأن تتركه يُخرج لها هديته دون جدوى، وهي تقول: "كلا؛ فأنا اشتقت إليك كثيرًا. أنت هديتي، لن أتركك"
قبّلها أبي، وضمها بقوة، وظل ينقل الحقائب، وهي على كتفه، ثم جلس على الأريكة، وهو يضمنا بين ذراعيه، ويقبلنا وهو يقول: "كانت مفاجأة من قائد الكتيبة؛ فقد أعطاني إجازة استثنائية لمدة اثنتين وسبعين ساعة كاملة"، ثم التفت لي أنا وأكرم وقال لنا: "أحضرا الحقيبة السوداء؛ فقد أحضرت لكم هدايا"
ركضنا أنا وأكرم إلى حيث الحقيبة، وحملناها وإن كانت ثقيلة بعض الشيء. أمرَنا أبي بفتحها، فإذا بها فوانيس خشبية جميلة كُتِبت عليها أسماؤنا، حتى أمي أحضر لها فانوسًا خاصا بها، كُتِب عليه"إلى رفيقة العمر، وملكة القلب". فرحنا كثيرا، وإن كانت أمي خجِلة بعض الشيء، ولكنها كانت فرِحة.
سارعنا بتقبيل أبي، واللعب بالفوانيس، حتى أن (صافي) أخذت فانوسها لتلعب معنا. تأملنا أبي بحب، ثم ذهب ليغسل عن نفسه عناء السفر، ثم يصلي.
انتظرنا أن ينهي أبي صلاته حتى نجلس معه، غير أنه أصر علينا أن ننام جميعًا، ووضعنا بنفسه في فراشنا، وقبلنا وهو يقول: "لننام سريعًا حتى نستطيع الاستيقاظ للسحور"
بعد أن تركنا أبي قلتُ لأكرم: "الحمد لله؛ لقد استجاب الله لدعائنا، وحضر أبي"
فرد أكرم: "وهل نسيت ما قالته أمي؟ (لا تؤخر الصلاة فيتأخر عليك كل ما تحب)"
فأكملتُ: "(اِدعُ الله وأنت متأكد من الإجابة؛ فالله وعدنا بالإجابة)"
لم يجبني أكرم؛ فقد غلبه النوم، وأنا كذلك.
استيقظت على صوت المنبه فزعًا؛ خفت أن يكون ما مر بي حلم، وأبي لازال بسيناء. قفزت من الفراش لأجد بجانبي الفانوس المنقوش باسمي، هذا يعني أن أبي هنا. التفتُّ فوجدت (أكرم) مثلي يمسك بالفانوس، كأنه يتأكد بأنه لا يحلم. انتبه (أكرم) لي ونظر لي نظرة أعرفها جيدًا، فركضت تجاهه ثم اتجهنا معًا إلى حيث أبي. كنا نركض بلهفة حتى أننا لم ننتبه إلا عندما اصطدمنا بأمي، التي نظرت لنا بحب وداعبت شعرنا، ثم أشارت إلى غرفة المعيشة. ركضنا سريعًا فوجدنا أبي يمسك بسجادة الصلاة. ابتسم لنا أبي، فركضنا إلى ذراعيه الممدودين لنغوص في حنانه، ودفء قلبه، والأمان بين ذراعيه. اشتقنا إلى أحضانه، وإلى قبلاته، وإلى مداعباته لنا. نظر أبي إلى عينينا، وقال بحماس: "هيا يا رجال إلى الوضوء"، ثم نظر إلى ساعته وقال: "هيا الآن"
ركضنا لنتوضأ حتى نعود سريعًا. عدنا ليبتسم لنا أبي وهو يرفع عينيه عن الساعة ويقول: "رائع! سبع دقائق يا رجال"
ضحكنا جميعًا، وأسرعنا بالوقوف بجانب أمي خلف أبي. كان صوت أبي دافئ وعذب، وهو يقرأ القرآن ونحن خلفه، كم افتقدنا الصلاة خلفك يا أبي! انتهينا من ركعتي القيام والوتر. فنظر لنا أبي وقال بصوت قوي حماسي: "هيا يا رجال لنرفع سجاد الصلاة، ولننطلق لمساعدة أمكم في إعداد السحور! هيا لا مكان للكسل!"
ركضنا جميعًا لننفذ الأمر. كانت أمي تبتسم لنا، ونحن نأخذ منها الصحون، ونضعها على مائدة الطعام، أما أبي فكان يساعدنا، ويحمسنا لنسرع، ولكن على أن نؤدي العمل على الوجه الأكمل.
التفتت أمي إلينا لتسألنا عما إذا كنا نريد بيضًا أم شيئًا آخر. أخذنا أنا وأكرم نفكر بصوت عال، كنا مترددين، ابتسم أبي، وأجاب أمي: "سيكون البيض رائعًا، شكرًا يا حبيبتي"
أسرعت أمي تعد البيض، وأبي يقول لنا بهدوء: "لا تحيرا أمكما هكذا.. كونا حاسمين، وتحملا نتيجة اختياركما"
نظرت لأبي وسألته: "وهل تختار ما تأكله في الجيش يا أبي؟ ماذا تأكل هناك؟"
ضحك أبي بقلب صافٍ، وربت على كتفي، وأجاب: "في الجيش لا نملك رفاهية الاختيار. إننا نأكل ما يصرف لنا، ونحن نحمد الله على ما وهبنا إياه"
أحضرت أمي البيض، وأخذت توزع علينا الخبز. أمسك أبي برغيف الخبز -والذي اعتدنا التذمر لأنه قديم بعض الشيء- وقال لنا: "هل تريان هذا الرغيف؟ نحن لا نراه في الجيش؛ فهذا أكثر من أحلامنا. هناك يُصرَف لنا خبز يسمى (جراية)، وهو خبز جامد نأكل منه ما نستطيع، ثم ندفنه بالرمال حتى لا يفسد، ولتحمصه الشمس لنأكله عندما لا نجد ما نأكله. والحمد لله أننا نجده"
ثم التفت إلى أطباق الطعام، وقال لأمي بحب: "سلمت يداكِ، لم تنسي شيئًا أحبه"، ثم نظر لنا وأكمل: "في الجيش نأكل أي شيء وكل شيء. هذا الجبن الذي ترونه لا نراه؛ فما يصرف لنا جبن معلب مطبوخ يشبه البلاستيك، وهذه المربى لا نعرفها؛ فما يصرف لنا علبة صغيرة لا يمت طعمها لأي مربى معروفة، بل هي مجرد شيء حلو فقط. حتى الفول الذي يصرف لنا معلب لا يقترب طعمه من الفول من الأصل، ولكننا نحمد الله على توفرهم، ونأكلهم برضى"
أنهى أبي الكلام وشرع في تناول طعام السحور، فأخذنا نأكل كل ما وُضِع أمامنا دون تذمر، كعادتنا في غياب أبي.
أنهينا طعام السحور، وشرعنا نساعد أمي، ووقف أبي بجانبها يده بيدها ليساعدها. سألَنا أبي وهو يأخذ من أيدينا الصحون الفارغة: "هل يعرف أحدكما لما نتسحر؟"
رفعتُ يدي أنا وأكرم، فأشار لي أبي أن أجيب، فقلت: "قال رسول الله ﷺ: ﴿تسحروا فإن في السحور بركة﴾. صدق رسول الله ﷺ"
ابتسم أبي، وقبَّل جبيني وهو يقول لي: "أحسنت"
همَّ أبي بسؤال أكرم، غير أن الجامع المجاور لنا رفع أذان الفجر، لنذهب جميعًا إلى الصلاة في الجامع كما اعتدنا مع أبي.
دخلنا إلى المسجد لنجد لنا مكانًا بالصف الأول. كان أبي يقف بيننا. أمرنا أن نصلي ركعتين تحية للمسجد، ثم ركعتين سنة الفجر. ما إن انتهينا من الصلاة حتى ارتفع صوت إمام المسجد بإقامة صلاة الصبح.
انتهينا من الصلاة، ثم جلسنا بجوار أحد الأعمدة البعيدة عن الناس، وأمسك أبي بالمصحف، وأخذ يقرأ بصوت خفيض، وببطء حتى نردد خلفه. ظللنا هكذا حتى أشرقت الشمس، فقام أبي ووضع المصحف بجيبه، وغادرنا المسجد.
في أثناء عودتنا إلى المنزل، قال لنا أبي: "هل تريدان أن تعرفا قصة هذا المصحف؟"
أجبنا أبي بحماس بالموافقة، فهز رأسه وقال لنا، وهو يُخرجه من جيبه، ويرينا أثر الرصاص على غلافه، وقطرات الدم التي تغطي أول ثلاث ورقات. دققنا النظر فإذا بالدم ينتهي عند صفحة كتب عليها (أهدي إليك)، قال أبي: "هذا المصحف له شقيق توأم، هل تعلمان مع من هذا التوأم؟"
هززنا رأسينا بالنفي، فأشار إلى الاسم الذي انتهى به الإهداء، فإذا به اسم أمي! ضحكنا، فأكمل أبي: "قبل أن أخطب أمكما، اشترتْ مصحفين، وسبحتين، وعاهدت نفسها أن يكون أحدهما لها والآخر لزوجها. وعندما تمت الخطبة أعطتني المصحف والسبحة. كنتُ دائما أضع المصحف في جيب قميصي بجانب قلبي، والسبحة ملتفة دائمًا على يدي اليمنى"
ومد لنا يده لنراها، وهو يقول: "كنت دائمًا أقرأ في المصحف قبل النوم، وعندما أستيقظ وبعد الصلاة، أما السبحة فكنت أسبِّح بها طول الوقت. وفي إحدى مهامنا على الحدود هاجَمَنا بعض المسلحين، وتبادلنا إطلاق النيران، وانتصرنا عليهم وأسرناهم. غير أني لم أصَب بأي خدش، ولكن صديقي المقرب يوسف قد أصيب، وحملته على كتفي، وأسرعت به إلى المشفى. وهناك سألني الطبيب إذا كنتُ أصبت فنفيت. جلست أنتظر في المشفى لأطمئن على المصابين، فقررت أن أقرأ لهم بعضًا من آيات القرآن، فأخرجت المصحف من جيبي، فوجدت آثار الرصاص على غلافه، ودماء يوسف قد ملأت أول ثلاث صفحات حتى الإهداء، الذي قرأته وكأنه لأول مرة، هيا لنقرأه سويًا"
ثم أخرج المصحف، وقرأ الإهداء وكان:
"إلى خطيبي الغالي، وزوج المستقبل (محمد)..
أهديك أغلى ما يمكن إهداؤه لبشر، ألا وهو كتاب الله؛ عسى الله أن يحميك بفضله، ولتعلم أني أملك توأمًا لهذا المصحف، والذي سيكون مصحفي الدائم منذ اللحظة التي أعطيك فيها مصحفك، سيكون معي أينما كنت، وعندما أشتاق إليك، وأفتقد صوتك، سأخرجه لأقرأ بعض من آيات الله فيه، وأدعو لك، لتكون هديتي لك في غيابك قراءة للقرآن، ودعوة بأن يحميك الله، ويحفظك ويعيدك إليّ سالمًا.
خطيبتك صفاء"
كان أبي يقرأ، وصوته يرتعش بالبكاء، ودموعه تملأ وجنتيه. قال لنا: "لقد كنتُ دائمًا ما أقرأ الإهداء قبل أن أقرأ في مصحفي، ولكني لم أشعر بمعانيه إلا وقتها. لقد حماني الله بفضل ذلك المصحف، وتلاوتي القرآن منه، ومن يومها لا يفارقني ولا أفارقه، أقرأ فيه دائمًا"
انتبه أبي لبكائنا معه، فمسح دموعنا ودموعه، وقال لنا بمرح: "هيا بنا لنُسرع إلى المنزل قبل أن تعلن أمكما عنا في برامج المفقودين"
ضحكنا وركضنا إلى المنزل، فإذا بأمي واقفة أمام الباب غاضبة من تأخرنا، ابتسم لها أبي معتذرًا ونحن أيضًا، فتناست غضبها، وأدخلتنا معاتبة لجعلنا إياها تقلق. ما إن التفت أبي إلى المنضدة إلا ووجد مصحف أمي ذاك الذي كان يحكي لنا عنه، وسألها بحب: "ألازلتِ تقرئين به؟"
فأجابت بحب أكبر: "أجل، وسأظل كذلك لآخر العمر"
وقبل أن يجيبها أبي، وجدنا (صافي) تدخل علينا غاضبة، وهي تقول: "حسنًا.. تركتموني جميعا نائمة، ولم تهتموا بي.. لن أحادثكم جميعًا"
وتركتنا عائدة إلى غرفتها، ونحن جميعًا نركض وراءها لنسترضيها.
ركضنا جميعا خلف (صافي) الغاضبة. وجدناها في فراشها تحتضن الباندا وهي تبكي. حاولتُ أن أقترب منها فرفضت، وكذلك فعلت مع أكرم. نظرت إلينا بعيون محمرة من البكاء ممتلئة بالغضب، وهي تقول: "أنا غاضبة منكما (دودو) وكيرو، لا تكلماني، أنتما لا تحباني"
حاولنا أن ننفي الاتهام الباطل دون جدوى؛ كان ترفض حتى أن نقترب من فراشها. حاولت أمي أن تقترب منها، فوضعت (صافي) الباندا في مواجهتها، فتوقفت أمي حزينة، ونظرت إلى أبي تطلب منه النجدة. فربت على كتفها، وتقدم من صافي، وهو يقول: "أميرتي الحلوة، (صافي) الجميلة، هل تسمحين لوالدك أن يتحدث معك قليلًا؟"
وضعت (صافي) الباندا بجانبها، وقالت بتحدٍ: "أنا غاضبة منك كثيرًا يا أبي، أنت لا تحبني، جميعكم لا تحبونني"، ثم أخذت تبكي.
اختطفها أبي محتضنًا إياها، وأخذ يقبلها، وهو يقول: "كلا يا حبيبتي وأميرتي، أنتِ ابنتي الحلوة"
هدأت (صافي) قليلًا، ثم عاودت الهجوم قائلة: "ولكنك تركتني نائمة. الجميع تركني، وتسحرتم من دوني، وخرجت مع (دودو) وكيرو"
قبَّلها، وهو يمسح على شعرها بحنان: "لقد كنتِ متعبة جدًا، ونمتِ بعمق فخفتُ أن أوقظك. أردتُ أن تنامي وترتاحي. أما (دودو) وكيرو فلقد استيقظا على صوت المنبه، وخرجنا للصلاة فقط يا صافي. كيف أخرج دون أميرتي الحلوة!؟"
صاحت (صافي) بفرح، وهي تقبل أبي: "أحبك أبي، وأحبكم جميعًا، لكن لا تتركوني نائمة وحدي، أريد أن أكون معكم، كما أني أفتقدك كثيرًا يا أبي"
ثم ركضت نحو أمي ونحونا لتقبلنا، ونحن نعدها بألا نفعل ذلك مجددًا.
يا ربي كان غضبها كبيرًا! هذه أول مرة تغضب هكذا. كم شعرنا بالحزن وبكينا عندما رفضت أن نقترب منها!
احتضنتها أمي، وقالت لها: "هيا لتغتسلي وتتناولي طعامك"
نظرت لها (صافي) وقالت: "أريد طعامًا مثل ما تسحرتم به، وأن يطعمني أبي، وأن يجلس معي (كيرو) ودودو"
ضحكنا وانطلقنا جميعًا إلى حيث المطبخ لنحضر لها الطعام. كنا نضحك ونقص عليها الحكايات، وأبي يمازحنا، وأمي تستمع إلينا بحب.
مر الوقت وأصبحت العاشرة صباحًا. جميعنا يتثائب بقوة، حتى أن (صافي) قد أصيبت بالعدوى وشعرت بالنعاس، فركضت إلى حضن أبي لتنام، بينما ارتمينا أنا وأكرم بحضن أمي متعبين.
قال لنا أبي بصوت ناعس: "هيا بنا جميعا لننام؛ حتى يمكننا الذهاب إلى جدكم، فنحن يجب ألا نتأخر"
ثم حمل (صافي) النائمة إلى فراشها، ثم عاد إلينا ليحملنا كذلك إلى فراشنا، وقبّلنا جميعًا ليذهب كل منا إلى عالم أحلامه.