ماذا إن كُنْتَ تَعْدُو في السباق ، وتَكْتَشِفَ قُرْبَ انتهائه أنَّكَ تعدُو في الاتجاه الخاطِئ ، سَتُغير الاتجاه بشكلٍ مفاجئ و تَرْكُض في الاتجاه الصحيح ، لكِنْ دُونَ فائدة ، لأنَّ الوقتَ سَينتهِي قبل أن تَصِلْ ، وإنْ كُنْتَ قد أصلحتَ الاتِجاه ، ولكنْ ماذا إن لم يَنْتَهِ الوقت واسْتَنْفَذْتَ ما بداخلك أنتَ ؟! كأنْ يكون الوقت المُحَبَبْ إليك حين تَغْفُو ، أو الَّلون المُحَبب إليك وأنْتَ تُغْمِض عَينك ، ورَائِحتُكَ المُفضلَة وأَنْتَ تَغْرقْ في المياه ، ماذا إن انتهى كل ما بداخلك أنت ؟ و ماذا إن كان كونك في أن لا تكون ؟ وهانت عليك العيون ، فأصبحتْ تُبَلل الوسائد ونزل الدمع إلى التَابُوت ، ولم يبقَ في عينيك سوى الغيوم ؟
ماذا إِنْ كانت من سيئاتك أنَّكَ رجل لا تفعل إلا ما تَشْعَر به ، فلن تَفْعَل لأنَّ شُعُورك قد مات مبكرًا .
هل يستطيع الإنسان أن يحب شيئًا واحدًا في شخصين اثنين ، كأن يُشْغَفَ قلبك بعين امرأة ، وتَسْتَوقِفَك عين أخرى ، ما تُحِبَه بصدق بأحدهم يُحَرم عليك في الجميع ، فماذا إن أحببت شخصًا وأُشْغِفْتَ بكل ما خلق فيه ، فَحَرمَتْ الأرض عليك كل ما فيها .
الخيباتُ والصدمات التي تتعرض لها إما أن تُشْفِقَ على نفسك كثيرًا أو تكرهها ، ولكِنِّنِي كُنْتُ أُشْفِقُ عليها حتى أنَّنِي قررت المغادرة ، لا أدري أي طريق سأسلك ؟ و أي بلدة سآوي بها؟، وربما وأنا في طريقي أكره نفسي وأقتلها ، في الحقيقة لم أُخَطِطْ لأي خِطَه مُسْتَقبيلة سأقوم بها .
الموتُ للأشقياء والبُؤسَاُء حالنا ، الموتُ لنا ، أعي الموت الحقيقي ، ليس أن يموت كل ما فينا ويبقى الألم ، لا ، أن يموت الألم بكل ما فينا .
تجاوزتُ سهول ظهران ، الطبيعةُ مُوحِشَةُ للغاية ، حتى الزهور مُغْلَقة يبدو أنَّهَا ماتت ، وحين زاد ظَمَئِي رُحْتُ أبحثُ عن ماء ، السهل جاف ، مع أن الماء بلل ثيابي ، فيبدو أن رُؤْيتُنَا للأشياء من حولنا ، هي انعكاس لما نَحْمِلُهُ بقلوبنا .
كيف علينا أن نبدأ من جديد ؟ بل كيف تكون البدايات ؟ بل السؤال الأمثل ، كيف علينا أن نتجاوز ما يحدث لنا ، مع العلم أن التجاوز لا يكون بالنسيان ، تلك الخُدْعه التي نرتكبها مع عقولنا ، ننتظر مرور الوقت كي ننسى ، لأنَّنَا ما استطعنا أن نتجاوز .
ولكن ما يُؤلِمُنا لا يزول ، بل يترسب بداخلنا مُتَيقِظًا مع كل وقت يَعْصِفُ بنا ، كيف يمكننا أن نُنْهِي الأشياء بشكل منطقي ، بشكل نهائي ، بلا مجال لعودتها أو وجودها بشكل مخفي بنا ، كيف يمكن القضاء عليها بشكل نهائي ؟ دائماً الوقت هو الحل الأمثل ، أن ننسى ، أن نتجاهل ، أن لا نُفَكْر لأن التفكير سَيُظْهِر لنا كم خسرنا ، الوقت هو الحيلة الأفضل لفعل ذلك .
بعد خروجي بعدة أيام من زهران ، اَرْتَحِلُ إلى أرضٍ لا أعرفها ، ارتحل تاركًا همي لَيلحقنِي ، ويبدو أنَّ الارتحال هو الحيلة الأخرى التي ارتكبها ، كَأنْ يكون الألمَ أشد من أن تشعر به ، سَكَنْتُ الصحراء وحدي ، لم أعد أَصْلُح للتعايش مع الآخرين ، ولَكِنْ آبى العالم أن يتركني ، رجل مثلي يَرْتَحِل في الصحراء ، اعتقد أنَّه يبحث عن شيء ما ، اهتدى إلَيَّ بالشعلة الصغيرة التي اُشْعِلُهَا أمام خيمتي ، اقترب من خيمتي :
- سلام الله عليك
- وعليك السلام
- سيدي ، خيماتنا تبعد عنك ساعات ، اقترح سيدي أن تُمْضِي الليل معنا
ذهبت مع الرجل إلى خيامهم ، كَأَنَّهُم قافلة ، يَبِيتُون في الصحراء ، ولكن مُكُوثِهِم في هذا المكان يَبْدُو طويلًا ، سَيدهم رَحَّب بقدومي إليهم وسألني :
- آمار بالصحراء ؟ أم مَاكِث بها ؟ سيد ....
- زغفري ، اسمي زغفري ، أَرْتَحِل لا وُجْهَة تُرِيحُنِي ، ابحث عن طريق للسير فيه
- نَمْكُثْ هنا مُنْذُ أسبوع ، مِنْ بلدة أيرين ، أضللت الطريق ؟
- لا ، كان الطريق واضحًا فَتُوهْتَ عنه
كان الرجل شديد الذكاء ، حتى أنَّهُ فَهِمَ ما أُخْفِيته من حديثي
- إِنْ ضَيعكَ الطريق ، سَيجِدُكَ آخر
فقاطعته :
- وكيف إنْ أُدْمِيت قدمي ، وعَجَزْتُ أَنْ أسير
- تجاوز
- كيف يمكن أن نتجاوز؟
- يجب أن نتجاوز الأشخاص أولًا ، وإذا كان علينا تَجَاوزَهُم وَجَبَ أنْ نَضَعَهُمْ في الإناء الذي يَلِقُ بهم ، وَجَبَ أنْ نَنْظُرَ إليهم مُتَفردِين بهيئاتهم دون ذلك الانعكاس الذي نُضِيفُهُ لَهُمْ ، أنْ نَراهُمْ كما هم و ليس كما اعتقدنا كَوْنَهم ، الوضع يَتَطلبْ أَنْ تَكُون أقوى من أي وقت مضى
- و كيف تكون القوة في موضع الضعف ؟
- تحزن كأنك لنْ تفرح مرة أخرى ، تحزن على الوقت المهدر ، احزن على السراب الذي كنت تختزن مَاؤُه لوقت الجفاف ، احزن على النظره الصادقة التي أُهْدِرَت ، اِحْزن على الخداع الذي اُسْتُنْزِفْتَ به ، في الوقت الذي تتجاوز فيه لن تجد للحزن معنى
- ماذا إن كان يجب أن يَتَجاوزك الآخرون ، وجودي في غير مَوضِعِه ، كَأنْ تُشْرِقَ الشمس ولم تَسْتَيقظ ويأتي الليل وأنت مُتَيقظ
- لا تُحَمِل نفسك أخطاء غيرك
- كأن تفتح لك الحياة بابها ، هي مَنْ أقْسُوعليها فَتحِنْ عليَّ ، أُخْطِئ فترحم ، أُعْرِض فتأتي ، كانت تَتَبع خطايا ، فلما أظلم الكون تَتَبعتْ نبض فؤادي واتْبَعَتْنِي ، ما تركتني وما خَلَفَتْنِي .
ظَهر الغضب بعينيه ، ثم قال :
- عليها أنْ تَتَجاوزك
نظرتُ إليه أتسائل فأكمل :
- أتدري عن سبب تَواجُدنَا ، ابحث عن ( فرات ) ، ضاعت في الصحراء مِنْي ، كانت جوادي ، ولأنَّهَا حَمَلَتْنِي فوق ظهرها ، ولأنِّي أعلم بصدق حُبِهَا ، ما فَرَتُ بها
صمدتُ قليلًا ، ثُمَّ سألته :
- فإنْ لمْ تَجِدُهَا ؟ أو وجدتَ جُسْمَانهَا ؟
- إن وَجدُتهَا حية ، لِتَعْلَم أنَّها حملت فارسًا وإنْ لمْ تَكُنْ ، أَكْرمْتَ جسدها ، هي تستحق ذلك ، تستحق أنْ أُحبُهَا ، عليك أن تَسْتَعيد ما تريد ، آمن بحُلْمِكَ وإنْ جحد به البشر .
عُدْتُ إلى ظهران خجولًا من نفسي ، أعلم لو أنَّ زمرده ما تَركتْنِي وذهبت ، أَدْرَكْتُ أنَّنِي أُفَكِرُ بنفسي دائمًا ، كان عليَّ أَنْ أُفَكِرَ بها مُتَفَرِدَة ، رَحلْتُ إلى ظهران وكل ما بي مُتَرِقْب .
ما وصلت زهران التقيتُ صفوان حاملًا رسالتها
أمسكت بالمظروف خائفاً ، أأفتحه ؟ سيثور قلبي عليَّ إنْ طلبت مُسامَحةً منِّي بعد زواجها ، أتعبث بي ؟! رُبٌ فهمي لم يُصِبْ ، وفتحتُ رِسَالتها
( سلاماً على زغفري
يُقَالُ أنَّنَا إذا أحببنا نرى كل الوجُوهِ تُشْبِه من نُحِبْ ، وكأنَّ عينانا لا تُبْصِرُ إلا وجه من أحببنا وتَبْقَى على العهد ، ولكنْ مَنْ هذا الذي يُشبِهُك ، أَجُولُ في الأرض أبحث بين الوجوه عن وجهك ، لا أراك ولا أراهم ، وكأنَّ عهدي كان أوثق فعيني لا ترى سِواكَ ، فِعْلَتُكَ الأخيرة شَعرتُ بالخزي تِجَاهُهَا ، أَشْعُر أنَّكَ تخليت عنِّي بالرغم أنِّي أقسمتُ بحبي لك من قبل ، خَلَفْتنِي بالدُجيلة وحدي لأنَّكَ لمْ تستطع تحمل العتمة ، فأدنتك ودافعت عنك أمامي فكان لا سبيل لتبرئتك ألسنا مأمرون بالتسامح ؟! أخبرتُك أنَّهُ يجب عليك أنْ تُبَالِي بالأشياء التي لا تعلمها ، أتمنى عودتك بل توجب عليك ذلك . المخلصة زمرده )
بعد قرائتي للمظروف ، أَسْرَعتُ بالعودة بل انْطلقتُ بجيادي تاركًا لجامه ، شَعرتُ بِكُل شيئ من حولي ، يبدو أنَّنِي ما كنتُ أتنفس ، مجرد انقباضة وانبساط في صدري ، وهذه اللحظة الهواء يتخللني ويذوب بداخلي ، حتى بَدَتْ الأزهار لي تحمل ألوانًا رائعة ، مع أنَّني اعتقدتُ أنَّ بلدة ظهران لا تَزْرعُ الورود ، يبدو أنَّ نظري كان مُنْطوي لا يرى الكثير من الأشياء ، رأيتُ ينابيع المياه المُنْهمرة ، المياه كَانتْ رائعة ، منذ عامً تمنيتُ رؤية المياه والشرب منها في الواقع أنَّنِي لم أكن أشعر ولا أرى ولا أحيى الحمد لله أنَّنِي حَييتُ من جديد .
لمْ أَصِلَ إلى بيت السيد عمران ، اْلتَقيتُها بالطريق ، حسناءٌ فائقةُ الجمال تجَّملتْ ، لمَّا رأْتْنِي بالجوار تَبسمتْ عيناها سماءً لما التقيتُهَا أَمْطرتْ ، سُبْحان مَنْ خلق الجمال وخلقها ، ولمَّا طال عنِّي غيابَها أَعْرضَتْ ، عيني أَنْ ترى غيرها ، نَظرتُ إليها حتى اتَّسعتْ عيني عَلَّنِي ، أستطيع رؤية جمالها ، ثُمَّ خاطبتُهَا
- أيتها الجميلة ، كيف حالك ؟
- إذا كُنْتَ تسألُ عن حالي قبل لُقْياكِ ، كحالُكَ تمامًا ، أبحثُ عن شيئًاً يبحثُ عنِي ، أمَّا إنْ كان سؤالك عن حالي حين التقيتُ بك في السوق فلن أغفر لذاكرتي ، لن أغفر لها مطلقًا ، أمَّا إنْ كان سُؤالك عن حالي بعد ما أنْ غَادرتَ ظهران ، كان جسدي ينتفض خوفًا ، شعرتُ بالخزي كونَكَ خلفتني ، ولمْ تكن تعلم أنَّ حُبِي لك يفوق حُبكَ حبًا ، أمَّا إنْ كان سؤالك عن حالي الآن فهذا سؤال غير منطقي سيد زغفري
- وما هو السؤال المنطقي يا زمردة ؟
- لماذا ذهبتَ بعيدًا ؟ لماذا لم تأتِ إليَّ وتسألني ؟ لماذا تُفضِل الابتعاد مع أن الاقتراب يُمَكِنُكَ من رؤية الأمور بشكل جيد ؟
- لا أُريد أَنْ أقتَرِبَ ، أخافُ أَنْ أرى ما لا أُطِيقه ، فعلتُ ما فَعلتِ فلا تُحاكمينِي بذنبٍ اقترفتِيه مِنْ قَبْلِي ، لماذا فررتِ من تميم ؟
- سُكِبَ الماءُ على الأرض
- أيُّ ماءٍ تقصدينه يا زمردة ؟
- زغفري ، كلًا منَّا يَحْمِلُ إناءً به ماء ، هذا الماءُ أشبهُ بطاقتك ، بما تستطيعُ أَنْ تُقَاوِمْ ، بما تستطيع أنْ تُعطِي ، كان إناؤكَ فارغًا ، ولما أردتُ مِلْئَهُ ، زحزحتَه ، فسُكِبَ الماءُ على الأرض ، وما انتبهتُ وإلا وقدْ فَرُغَ إنائي
- أكنتِ باحثةً عن مَنْ يملؤه ؟
- لا ، رَفعتُهُ علَّ السماء تُمْطِر
أمْسَكْتُ يدها وقبلتُها ، ودَّدتُ لو أسْتطعَ في تِلْكَ اللحظة أنْ أَمْتزِجَ بَها ، وقفتُ ناظِرًا إليها حتى ضحكتْ متسائلة :
- أمشتاق زغفري ؟
- نعم ، بِي لكِ شُعور لم يستطع البشر ذكره بعد ، وكأنَّ روحي ونفسي وطيفي مُشْتَاقون إليكِ
- النفسُ يا زغفري روحُ العقلِ ، تُفَكِرُ ، تُدبر؛ وقد تمكر؛ تَحْكُمُهَا ضمائرُنا ، والطَّيف هو انعِكاسٌ للروح ، لا يراه إلا مَن أحبك ، فعندما تُحِبُ الأرواحُ تتلاقى أطيافَها ، والروح هي التي تُحِي هذا الجسد
قَبَّلْتُ رَأسهَا وأَرَاحتها على كَتِفي فسألتني :
- بماذا تُفكِر يا زغفري ؟
- أتَمنَى أنْ لا تنتهِي هذه الَّلحظة ، وأنتِ ؟
- أُفكِرْ كيف أُمكنُك مِنْ أَنْ تحصل على عمرٍ أجمل
فقاطعتها قائلًا :
- أنْ تَبْقِي
***
كان السيد عمرآن وصفوان الذي تعلَّق به كثيرًا ناظران إلى النجوم فسألتُ السيد عمرآن :
- سيدي ، أذكُرْ يوم أنْ نَاولتنَا غطاءً في تلك اللّيلة البارده ، كيف لاحظتَ وجودنا ؟ كيف تنبهتَ إلى بردنا رغم أنِي لم أنتبه ؟ كيف أمكنك تجاوز ما مرَّ بك ، وانتبهتَ لنا ؟
فأجابنِي :
- اُنْظُرُوا إلى السماءِ ، ماذا ترون ؟
فأجبتُه :
- سماءٌ ، ليلٌ ، نجماتٌ ، ليلةٌ هادئة
- لا ، هذه النجوم ما هي إلا انفجارات وأصوات هائلة ، ما يصل إلينا إلا نُورُهَا ، أي لا تُحاول معرفة كُّلَّ شيءٍ عَنْ أمرٍ ما ، وراء كل أمر ما ، أمر مخيف ، لا تَكْتَشِفَه ، تحلى بالتخطي والتجاوز ، المخيف أنَّ لكل عملة وجهان مختلفان ، كل وجه لا يشبه الآخر ، مختلف تمامًا عنه ، حتى أنت لم تكتشف الوجه الآخر لك
- ومتى قد أكتشفه سيد عمرآن ؟
- خذ قطعة معدنية ، واعرف أي وجه هي عليه ، و اقْذِفْهَا لأعلى حين تسقط على الأرض أي وجه قد تكون ؟
- قد يكون الوجه الذي رأيته وقد يكون الوجه الذي لم أره
- نعم ، قد ترى وجهك الثاني عندما تسقط ، قد يُظْهِر السقوط وجهٌ جيد ، وقد يُظهِرْ الوجه السيء منك
فسأله صفوان :
- كيف نتمكنُ من البقاء جيدين ؟
- لا تسقط ، وإنْ سقطت احرص أنْ لا ترتطم بالأرض
فسأله صفوان بتعجب :
- أنستطيع الوقوف باستمرار ؟!
فأجبته :
- تمسك بيد لاتُفْلتك فإن سَقطت قلَّ ارتطامك بالأرض
***
أخذتُ الجميع : السيدة صالحة ؛ والسيد عمرآن ؛ وصفوان ؛ وحبيبتي إلى تميم ، الأرضُ الَّتِي وُلِد بها مَوطِنِي ، والأرضُ التي يسْكُنُهَا أوطاني ، فَكُل مَنْ يُؤْمِنْ بك مهما بلغتْ من الخسارة هو وطن ، كُل من يُوقِظ أحلامك عندما تسقط هو وطن ، كل من يُؤمِن بحلمك هو سيد الأوطان ، و أمسكتُ بيد زمردة ، ثُمَّ نظرتُ إليها غاضبًا منِي ، سائماً ظنِي ، ثائرًا لها على نفسي ، أيُّ جحيم قد خُلقتْ منه زمردة !
أرحيلُ كُنْتُ أبغيه حقًا ، أم كان قهرًا ، خِفْتُ وقوفًا أمامها ، ونظرةً أَهْلَكُ بعدها ، لو نَظَرتْ لي غاضبة ، واحْتَكمتْ للصخرة يوم تَرَكْتها ، انقذتُ مَنْ بالوادِ وضَيعَتَها ، خَشِيتُ السماع وما كانت هي بقائلة . وسئمتُ سماحًا قد تكون طالبه ، لو أنَّهَا اتَّخذتْ غيري زوجًا ، حين ضَاقتْ بالغياب ذرعًا ، كما كان الناس لي ناصحين ، وبي سائمين ، لما تَواريتُ عنهم ، حين شقَّ الأمر علي أنْ اتخذَ دُونَها صاحبة ، أيْ أنِّي بقولهم كُنْتُ مفكرًا ، ولا يشفعُ لي خوفِي أنْ أظلَّ بالحياة باحثًا ، وينقضي بي العمر ضائعًا ، خِفْتُ أنا ولم أخافها هي ، خفتُ مخاوفي وظنِي بها كان أحسنُ .
فعليك أن تكون قويًا مصمتًا حتى تَحْمِلَ ذلك الشيء بداخلكِ ، واحذر الثقوبَ وإنْ صَغَر حجمُها ، ثُقْبُ صغير قد يُضَيع ما ظَلَلْتَ بالعمر جامعًا ، تَذكر أنَّك لا تَخافُهم ، أنْتَ تخافُ أفعالك ، أنتَ ترهب الإساءاتِ التي تعرضتَ لها ، أنتَ لا تخاف إلا ما بداخلك أنت .
خُلِقْتَ مُمَيزًا ، مُختلفًا ، خَارقًا ، ولكنْ على أحدهم اكتشافَ ذلك ، ستقابل نفسك بأحدهم ، أكان حبيبًا ، أوخليلًا ، وقد تَكُون نبتة ، لا ترضى بكونك تحيى ، لأنك ما خُلِقْتَ عاديًا ، لا تتنازل بالخوف عن مَطامِحك ، لديك الكثير من المغامراتِ لم تخضها بعد ، آمن بنفسك ؛ بحلمك ؛ بتلك الفرحة التي تنتظرُ حدوثها ، و انتبه أنَّ الكثير من البشرِ يُمْتِعَهُم سقوطك ، لأنَّ شُعُورُهم بالنجاح مُرْتَبِط بفشل الأخرين من حولهم ، من المُؤسِفْ أنَّ هؤلاء على مَقْرِبةٍ منك ، فاحذر ، وتذكر أن حزنك سَينبتُ منه فرجهُ ذات يوم ،
ابْحثْ عن الحبِ ولا تخف ، أمَّا عن خيباتك ، حدثنِي عن السلام ما لم تخض معركة .