سيلفيا ومدن السحاب
بيتر أشرف
سيلفيا وسحب أطلس 1
أنا لا أفهم علوم الطبيعة لكن يعتقد البعض منَّا أو معظمنا أن السحاب الموجود في السماء مجرد نوعٍ من أنواع الهواء، بالطبع لا أتفق معهم؛ فالسحاب هذا عبارة عن قواعد لمدن كبيرة جدًّا يطلق عليها (سحب أطلس) ولكن، من يعيش بها؟ أو من الموجود فيها؟ ولمَ هي مرتفعة عن الأرض؟
- الكون دائمًا يحمل الأسرار.
أسئلة كثيرة طرحها آدم الباحث فيما وراء الطبيعة، كلُّ ما يتمناه أن يذهب إلى هناك لكنه يدرك أنَّ أحدًا لن يصدقه أو يساعده لتحقيق ما يريد إلا صديق واحد فقط، وللأسف ليس لديه الكثير ليقدمه له، إنه خياله.
ذات يوم سمع صوت طرقٍ على الباب، ولما فتحه وجد شخصًا يرتدي بذلة بيضاء، بل ناصعه البياض.
- لو عايز تيجي معايا سحابة من سحب أطلس دلوقتي، يلا.
كأن برقًا أصاب عقل آدم، لم يدرك ماذا يفعل فانطلق مع ذي البذلة البيضاء، لوهلة شعر بالنعاس، ازداد النعاس رويدًا كأحجار تثقل جفنيه وغاب آدم في شبه غيبوبة، لم يستيقظ إلا هناك في مدينة سحب أطلس، فخرج من المكان الذي قضى فيه وقتًا ليس بالقليل ليجد ما لا تصدقه عين ولا أذن.
- سحب أطلس موجودة بالفعل!
تنقسم لشوارع ومدن كالحال في الأرض لكن ما يضع قدمه عليه ليس أرضًا بشكلها المعهود وإنما هو بلون السحاب الذي نراه في السماء، ملمسه كملمس أطراف الزهور الغارقة في ندى الفجر، كل الموجودين يبتسمون، تُظهر ملامحهم جانبًا واحدًا فقط، الجانب الملائكي.
كانوا في غايه السعادة، وبينما كان يسير في الطرق قابل ذا البذلة البيضاء.
- استمتع بالأيام اللي هتعيشها هنا، متسألش كتير واوعى تصدق أي كلمة من أي بنت هنا؟
كانت صيغة الحديث مبهمة نوعًا ما لكنه لم يبال، كان مستمتعًا بأيامه التي لا يعرف كم مضى منها بسبب كثرة الأشياء التي أراد أن يعرفها، وذات مساء سمع طرقًا على الباب، حين فتحه رأى ضوءًا أبيض يستحيل النظر إليه لدرجة أنه كاد يصيبه بالعمى.
إنها فتاة لكنها ليست طبيعية، تكادُ تُوصف بأنها مصدرٌ للطاقة الإيجابية، ابتسامتُها تجعلك تشعر أنك امتلكت كل ما تريد، شروقُ الشمس ينحني لوجهها خجلًا واحترامًا، إنها حياة يمكن أن تعيش وتهبك في كل لحظة أعمارًا فوق عمرك لتعيشها.
اختفت الكلمات كلها من عقل آدم، وما إن بدأت الحروف تتجمع مرةً أخرى في عقلِه نطق:
- اسمك إيه؟
ردت بابتسامةٍ خجِلة:
- سيلفيا.
رنَّ صوتها داخل أذنه ليمحو كل ما قاله ذو البذلة البيضاء
- أنا عارفة إنك قابلته وقال لك متسمعش كلام حد.
رد آدم:
- أنا عايز أعرف الحكاية بتاعة السحابة أو المدينة دي.
ردت عليه:
- السحب دي عايشة على الطاقة الإيجابية اللي خارجة من واحد بس، وبيديها للمدينة كلها. كل سحابة لها شخص معين.
قالتها بصوت هادىء، ثم طلبت أن تنصرف.
- هشوفِك تاني؟
سألها بعينيه قبل أن يتفوه لسانه بها، فردت بنظرة ممزوجة ببراءة الأطفال وأنوثة العذراء:
- أكيد يا آدم.
شعور القلق يحضُر دائمًا في أكثر اللحظات فرحة، ليس ما يشعُر به حبًّا، الأمر فقط أنه يريد أن يبقى معها، يتحدث إليها، يستمد منها حياةً افتقدها. تحدثا عدة مرات عن جميع الأشياء، وفي كل مرة لم يُحب أن يضغط عليها عندما كانت تريد الانصراف.
اتفقا آخر مرة تقابلا فيها أن يجتمعا سويًّا بوقت شروق شمس اليوم التالي، تحرك لمكان اللقاء بحماس وعندما وصل هُنا وجد ذا البذلة البيضاء غاضبًا جدًّا.
- أنا خايف عليك، أنا مش قلت لك اوعى تتناقش مع حد!
لم يتردد آدم في الرد بانفعال،وقال:
- طب وفيها إيه؟ أنا بسمع وبسكت.
أصدر صوت ذي البذلة البيضاء رعدًا مخيفًا في السماء وهو يصرخ:
- إلا سيلفيا، سيلفيا لو طلعت اللي جواها كلنا هنبقى في خطر.
- الحب دائمًا يحمل الخطر بين طياته.
هنا أيقن آدم أن سيلفيا هي مصدر تلك السحابة التى يتواجد فيها، فشعر بقلق شديد، ترك المكان وذهب إلى البيت الذي يقيم فيه.
مرَّ اليوم دون أن يراها، وفي صباح اليوم التالي كانت هناك اهتزازات شديدة في المكان، وتراكمت المياه بكل الطرقات كجنود على استعداد لخوض الحرب العالمية الأخيرة، كل ذلك استعدادًا لخراب السحابة ونزولها مطرًا على الأرض، وبالتالي فناء سكانها.
خرج مسرعًا للشوارع يبحث عنها كالمجنون الذي لا يبالي بأي شيء، فوجدها ملقاةً على الأرض، إنها مريضة لكن الغريب أنها ما زالت تحتفظُ بنفس الابتسامة الحيوية رغم ما يبدو عليها من ضعفٍ شديد.
سألها:
- مالك؟
- الحياة ليست دائمًا كما نعتقد.
بعد ذلك لا توجد أسطر، فقط صفحات بيضاء، أردت أن أعرف النهاية لكن يبدو أن آدم قد احتفظ بالنهايه لنفسه ولم يُكمِل الكتاب، نعم؛ فكل هذا قرأته في آخر كتاب من تأليف آدم لكنه لم يُنشر، لم تكن النهايةُ مكتوبة ولا أحد يعرف أين هو آدم غير أني تمنيتُ بشدة أن يكتُب نهايةً لكتاب (سيلفيا وسحب أطلس).
"حتى تعثر على ذاتك، ابدأ بالتفكير في نفسك"
سقراط