هولوجرام
محمد تاج
( 6 )
جلست على كرسى داخل الصيدلية منافسة لاكبر المسنات سنا فى المكان على الرغم مما يعانونه هن من امراض واوجاع ولكنها الان الاولى فى المنافسة على انهاك الجسد وزيغ العين ، ولا تعلم لماذا كل ذلك حدث فى دقائق قليلة للغايه
حتى انها بالكاد ترى من حولها فى الصيدلية من موظفين ومرضى حتى تلاشى الضوء شيئا فشيئا ً الى ان تحول ما حولها الى ظلام دامس سحيق
حينما علمت بالخبر من (نولا) والذي يشير إلى إصابة خطيرة ل(عز) أودعته فى المستشفى .
لا تعلم ما هى التفاصيل او الظروف المتصلة مع الاقدار المتسببة فيما حدث لها من حالة الحب والوله والولع احيانا اخرى بذلك الشاب فى ذلك النهار بالصدفه ، فلا تتذكر الكثير عن ذلك اليوم سوى ان سيارتها اعلنت الحداد منذ الصباح قبل ان تذهب الى الكلية بعد ان ارتدت افضل ملابسها المشتراه حديثاً و وضعت كما بسيطاً من مستحضرات التجميل الغالية والتى بالرغم من غلو سعرها لكنها بلا اى قيمة بجوار جمالها الطبيعي ففى كثير من الاحيان تجد نفسها خارج اطار المنافسة مع زميلات الدراسة فى دفعتها بالرغم مما ينفقونه ببذخ جم على مراكز التجميل المختلفة لجعل ملامحهن جميلة ، بإختلاف ما تفعله (قمر) فما تضعه من مساحيق للتجميل لم يكن سوى تمويها للأعين الحاسدة بلغة الحريم من زميلاتها لأنها كانت الاجمل دوما وعلى الإطلاق بينهن ، تسابق الكثير من الذكور حولها متفانين بكل الاساليب المشروعه والغير مشروعه حتى يفوزوا بقلبها الغالى والعالى والمستحيل الفوز به ، إلا أن تلك الخواطر بدأت فى الاندثار بعض الشىء وهى تضع اللمسات الاخيرة من مساحيق التجميل قبل ان تخرج من منزلها الى سيارتها ، وهى بيتها الثانى فبالرغم من صغر سيارتها إلا أن (قمر) مرتبطة بتلك السيارة بشكل كبير لأنها على حد تعبيرها (شيالة حمول) فكثيرا ما كانت المسعف والملاذ الآمن طيلة ايام الشتاء القارصة البرودة وايام الصيف الجحيمية
ادارات مفتاح السيارة وسارت بها الى حيث الطريق للكلية وهو ما يستغرق فى اسوا الاحوال ساعه كاملة ولكن اليوم كان مختلفا لأن السيارة اصدرت صوتا غريبا على مسامعها اثناء حركتها وهو ما كذبته اذنيها عن عمد حتى لا تدخل فى حسابات كثيرة هى فى غنى عنها الان.
لا تعلم لماذا تذكرت احد التعبيرات لصديقتها (فاتن جويلى) او (ضرتها) ان صح التعبير فتلك الصديقة مجازا لا تترك يوما حتى ترمى بسهامها السامه فى جسد (قمر) بدون اى تردد او مقدمات تذكر، كان اخرها ما قالته لها بالأمس حينما تحدث مع (قمر) شابين من الفرقة الأولى بالكلية لعلمهما بالرغم من حداثه التحاقهم بالكليه بدور (قمر) فى الكلية منذ فترة كبيرة كعضوه فى اللجنه العلمية بإتحاد الطلاب بالكلية وصلتها الوطيدة بجميع اعضاء هيئة التدريس بالكلية بالدرجة الخبيرة فى تقيمهم من حيث التمكن من المادة العلمية وتوصيل المعلومه بسرعه وثقه للطلاب فى رأيها من ناحية اخرى وكانت الغاية من الحديث مع الشابين سؤالهم عن افضل المعيدين لبعض المواد الصعبة بالنسبة لهم ، وما كان منها الا ان تحدثت معهم محادثه قصيرة لم تتعدى الدقائق الخمسة وقد بدا على وجههم علامات التقدير والاحترام المترجم لعبارة شكر قالها احدهم بصوت عالى : شكرا يا دكتورة .. ربنا يخليكى.. كلك ذوق والله
كانت الجملة الاخيرة كفيلة بإحداث حريق ناهش شرس للغاية بقلب (فاتن)التى استشاطت غضبا حاولت ان تداريه مستعينه بأدوات (كيد النسا) وهو ما تتمكن من ادواته بأسرها إلى أن حانت اللحظة الحاسمة بالنسبة لها وكانت (قمر) تتناول نوعا من البسكويت المغطى بالشيكولاته حتى ارادت (فاتن) ان تعكر صفو تلك اللحظة السعيدة بالنسبة لها ، فقد اقتربت منها رافعه احدى حاجبيها المرسومين بعناية شديدة قائلة : فرحانه اوى انتى بلمة الشباب حواليكى .. المفروض انك قدوه وكدا .. سيبى شغل البنات المراهقين دا لحد تانى .. يا حلوة !!
بالرغم من ان (قمر) هادئة بشكل اقرب للأموات فى بعض الأحيان إلا انها لا تنكر ان تلك الكلمات اثارت غضبها الخفى دوما ولا يستطيع احد ان يكتشفه مهما فعل
وكادت ان تقترب منها ويكون الرد لفظيا ويدوياً إلا انها وجدت الرد المناسب فى اللحظة الأخيرة
: بالظبط يا (فاتن) .. . سيبى شغل البنات المراهقين دا لحد تانى .. يا حلوة !!
حتى كلمه (يا حلوة) ارادت (قمر) ان تعيدها مع الجملة لإستشاطة غضب فاتن وهو ما اعتبرته (قمر) إنتصارا مدويا وساحقا بدون نقطة دم واحده
ولكنها لا تعلم لماذا تذكرت ذلك الموقف الموتر لها بذات القدر الموجود بالسيارة الأن وقد اعلنت النداء الاعلى صوتا لكل الاجزاء الموجودة بها وبدأت فى اصدار اصوات مختلفة فى شتى اجزاء العربية حتى توقفت عن العمل والصياح
لم تستوعب ما حدث وظلت لمده تجاوزت الدقيقتين تنظر حولها غير مباليه بما حدث او ما سيحدث
فقد توقفت السيارة فى احد الشوارع الجانبيه فى توقيت مبكر من اليوم وبالرغم من ان القاهرة معروفه بصخبها وكثرة حركة الناس بها !!
الا ان ذلك الشارع على ما يبدو كان شارعا من كوكب اخر فقد مرت حوالى نص ساعه ولم يتوقف احد لمساعدتها على الرغم من قلة الحركة بالشارع وظهورها الواضح بان ثمه هناك مشكلة لتلك السيده الواقفه بعين بريئة تحاول بها ان توجه العالم القذر لمساعدتها
الى ان اتاها شابا لم تكن له ايه ملامح معبره عن المساعده او اى من اشكال الخبره فى اصلاح السيارات او حتى قيادتها
اقترب منها مبتسما ابتسامه لزجه لم تسفر الا عن عرض درجه اصفرار اسنانه كمن يتعامل مع فمه معامله كهف قديم منذ العصور الحجرية السحيقة .
: خير يا مدام مالها العربية ؟؟
كان ذلك الحديث انذار بدايه بنهاية اليوم بالنسبة لها فقد اخطأ خطأين اولهما انه نادها بلفظ (مدام) بلرغم من ان ليس بيدها خاتم زواج
والثانية انه سأل مالها العربية بالرغم من انها لو تعلم (مالها) ما كانت ستظل طوال هذا الوقت فى الشارع حتى يأتيها هذا الغبى ذو الاسنان الصفراء ليكمل قتامة اليوم بالنسبة لها
ولم يكتفى الامر الى هذا الحد فقد قرر ذلك اشخص ان يوقظ روح الحيوان (الجنسية ) الخاصة به حينما تتابعت نظراته المريضه الناهشه لجسد (قمر) والرجوع مرة اخرى لينظر داخل اجزاء السيارة ثم يعود مرة اخرى للنظر اليها حتى قررت (قمر ) ان تنهى تلك المسأله وبسرعة
: هيا العربية فيها ايه لو سمحت ؟؟
ارتبك قليلا كأنه لم يتوقع ان تسأله ولكنه حاول ان يتماسك
: تقريبا كدا الكربراتير فيه مشكله .. بصى انا ممكن اوصلك انتى رايحه فين يا مدام ؟؟؟
:لا متشكرة انا هاخد (اوبر)
:(اوبر ) ايه بس يا مدام انتى بتشتمينى ولا ايه ؟؟
وحاول الاقتراب منها اقترابا هيا تعلمه جيدا كأنثى، وان كافة الشكوك الموجوده بداخلها قد تحولت الى دلائل حقيقية لأن ذلك (الحيوان البشرى) كان قد أتخذ قراراً وافقت عليه جميع حواسه واجزاء جسده بإلاجماع وحينما هم ان يقترب منها اكثر فكان صوتها اعلى على غير العاده
: بقولك ايه .. انتا لو مخدتش بعضك ومشيت من هنا هفرج عليك الناس عشان انتا .. ..
ولم تستطيع ان تكمل فقد شلت كل حواسها دفعه واحده ولم يستوعب عقلها ما يحدث حولها بالرغم من انها ذكيه وذات شخصية قوية
فقد وصل هذا الفارس على حصانه الابيض او بالأحرى فرسته البيضاء النقيه .. نزل منها مترجلاً بثقه فاتح عظيم انتهى لتوه من اعتى معاركه ولكنه ظل محتفظاً بأناقته ووسامته ورائحته الجذابة
: صباح الخير .. انا شايف ان العربية فيها مشكلة .. انا مهندس ميكانيكا واسمى (عز) .. تسمحيلى اشوف العربية ؟؟
لم تنطق وقد حاولت جاهده ان تحرك رأسها بالموافقة فحتى تلك خذلتها ولم تتحرك سوى حركه بسيطه محاولة كسر الجمود الذى هطل كالمطر على رؤوس الجميع
عدا المتحرش فاغر الفم وجاحظ العينان محاولا ايجاد طريقة للهرب دون ادنى خسائر من ذلك الفارس المهيب
: ههه .. طب خلاص بقى انا كنت هشوف العطلة فين بس طالما معالي الباشا باشمهندس يبقى خلاص .. . مفيش كلام بعد كلامك اباشا .. ساموعليكوووو
وانطلق كمن كان مقيداً وانطلقت قدماه للريح حتى اختفى عن انظار (عز) ولكنها لازالت مجمدة فاقدة للنطق وحتى انفاسها باتت خافته لا تستطيع ان تتنفس بشكل طبيعى كمن انهالت على رئتيه ادخنه السجائر او من كان عقيراً للحشيش منذ نعومه أظافره .
ولكنه كان واثقا مما يفعل حينما اقترب من السيارة بعيون فاحصه بعناية واياد فاحصه لطبيب ماهر يفحص اجزاء السيارة بعناية حتى اخرج قطعه معدنيه واتجه بعينه نحوها قائلا
: بصى حضرتك المشكلة ففلتر البنزين ولازم يتغير .. انا اعرف مكان قريب من هنا بيبيعه وبسعر معقول .. لو مش هيضايقك ممكن تتفضلى معايا نشتريه ونرجع تانى وانا هركبه بنفسى ..
قال الكلمات المعدوده ببإبتسامة لم تفارق شفتاه طيلة التفوه بتلك الكلمات فاهتزت رأسها بذت الثقل لسيده قاربت على المائة عام من العمر ووجدت قدماها تسير على غير ارادتها الى حيث سيارته ولا تعلم ما بها ولكن كل ما تشعر به هو انها تعرفه منذ سنوات كثيره أو حتى تعرفه قبل ان تولد هيا .. فكم قرأت عن تلاقى الأرواح فى العالم الأخر حينما كانت تقرأ فى بعض كتب الأساطير القديمة
ركبت بسيارته وكانت للوهله الاولى مبهره فقد كانت من نوع ( نيسان 350 زد ) بيضاء اللون بها صالون رائع للغاية يعكس كم العمل الموجود بها والتغييرات التى حدثت على ايدى خبير فى صالونات السيارات ، تفوح من السيارة رائحة (التوت البرى) الصادر من الفواحة الجذابة للغاية بقدر لا يقل جاذبية عن العطر الذى يضعه (عز) وهو من نوع (سوفاج) لأنها تعلم تلك الرائحة جيداً فضلا عن حساسيتها فى الشم المنافسه لأعتى الكلاب فى العالم .
انطلق (عز) بسيارته الجميلة مع بعض الموسيقى الكلاسيكية القديمه بمعدل منخفض شعرت معه كأنها فى رحلة على طائرة خاصه إلى جزر المالديف او اياً من المعالم السياحية الخلابة
: (قمر) .. .. (قمر) .. . فوقى يا حبيبتى .. ايوا يا دكتور بدأت تفوق والنبض بقى كويس .. وفتحت عينيها
كان هذا صوت احدى زميلاتها معلنة افاقتها من غيبوبة قصيرة اتت فور سماعها خبر نقل (عز) إلى المستشفى فى حالة خطرة لا يعلم مداها سوى رب العالمين .
(7)
المكان كبير للغاية ومجهز بشكل فخم ومنظم بدءاً من الديكور الخارجى للمكان المسمى ب (روكيت) او الصاروخ وعليه لوجو لصاروخ كبير الحجم حوله العديد من شرارات النار المضيئة والجذابه ليلا بشكل اشبه بالمطاعم او النوادى الليلية فى (فيجاس) الامريكية، ولكن المكان على أرض مصرية تحديداً على كورنيش (المعادى) وهو ما يراه كل من يدخل الى المكان المفعم بالطاقه بشكل ملحوظ عدا الايام الاربعه الخاصه بجدولها فى التدريب وهو ما تحارب الأن لزيادته يوماً أخر .
فهى مرتبطة بذلك المكان بشكل كبير وبذكريات عديده مرت بها وبكثير من العملاء القادمين فقط للتدريب معها بالرغم من ان سعر التدريب الخاص بها هو الأعلى فى ذلك المكان والأغلى على مستوى مراكز اللياقة البدنية فى (المعادى) بأسرها وبالرغم من ذلك فلديها جدول مشحون للغاية لمده لا تقل عن خمسه أشهر قادمه بشكل أشبه بحجز امهر الاطباء والجراحين فى العالم .
(جميلة) هى الأخت الصغرى ل (عز) .. شابة فى اواخر العشرينات من ربيعها الوردى او شتاءها الوردى ان اردت ان تعبر فهى تعشق الشتاء لأنه رمزا للطاقة وليس الكآبه كما يعتقد البعض فهى تجد نفسها مفعمه بالطاقة بشكل اكبر ودائما فى مود جيد للغاية يجعلها تتمعن فى تطوير تدريبات (الكارديو) وكورسات (الزومبا) خاصتها والتى تدرب عليها العديد من نزلاء المكان ، ملامحها ايضا تضفى العديد من المشاعر المتضاربه بداخلها حينما تتعامل معها ، فلون بشرتها القمحى او الاقرب من الممثلة العالمية (هال بيرى) كما نبهها العديد من المتدربين يضفى على وجهها شخصية قوية للغاية ولكن ما إن تتحدث وتبتسم تنمحى تلك الانطباعات عن تلك الشخصية القويه فتجد نفسك منقاداً ومنفذاً لأوامرها داخل التمرين الذى تعود فيه لشخصيتها القوية والمليئة بالطاقة والحيوية الملفتة للنظر ، فلا تعلم اي من مرات التمرين مع المتدربين التزمت بالوقت ، لأنها دائما ما تندمج وتزيد من وقت التدريب حتى يعلمها المسئولين فى المكان عن اقتراب موعد (الكلاس الجديد) وهو ما يكون انذرا بأن عليها ان ترتاح ما يقرب من 40 دقيقة كاملة فى غرفتها الخاصة مع تناول عصير الكوكتيل الخاص بها والكثير من الماء البارد وضبط التكييف على درجة مناسبه لتدخل فى نوبة من النوم القصير العميق السريع حتى يأتى موعد (الكلاس الجديد) لتكرر ما فعلته قبل ان تنام تلك النومه القصيرة لتعود مرة أخرى إلى العمل بدون كلل او ملل وبطاقة اكبر من ذى قبل كأن ذلك (الكلاس) هو الاول فى يومها بالرغم من انشغاله عن أخره فقد يستمر عملها لأكثر من 8 ساعات كاملة بنفس النشاط والمجهود المتفانى فى تدريب الأخرين وهو ما تسعد به طوال الوقت الى ان تزيد سعادتها حينما تجد التأثير على اجسادهم بعد فترة وشعورهم بالراحة وزيادة الثقه بالنفس وهو الهدف الرئيسى من دخولهم الى تلك التدريبات معها
إلا أنها حينما دخلت الى غرفتها وجدت إشعارا بأن هناك عده مكالمات فائتة وكان المتصل هو والدتها ، وما إن أتصلت بها سمعت ما جعلها مضطربة للغاية ولا تعرف ماذا تفعل !!
(8)
فى فناء فسيح بقلب الصحراء المصرية الخلابة بالرغم من الليل المخيف بعض الشىء إلا أن تلك البقعه حية طوال الوقت فى الصيف والشتاء والليل والنهار
وجميع الاوقات لما لذلك الجزء من تاريخ قيم وقديم ، ففى ذلك المكان بنيت الاهرامات الثلاثة الاشهر فى (مصر) المحروسة وهو ما اضفى ذلك الصخب طوال الوقت بالقرب من تلك البقعه الحضارية من فنادق وكازينوهات والكثير من الكافيهات لاستيعاب السائحين القادمين من العديد من الدول وهدفهم الاول والاخير هو الاستمتاع بكل شىء من حضارة قديمه وقيمة ومزارات سياحيه ووسائل عديدة للترفيه.
ومن المشروعات الجيدة والمساهمه فى زيادة الإقبال على زيارة الاهرامات مشروع (الصوت والضوء) وهو احد المشروعات المقامة برعاية وزارة السياحة المصرية والهدف منه تعريف الزوار بتاريخ تلك المعالم السياحية عن طريق الاداء الصوتى لاشهر ممثلين (مصر) ، يسردون بصوتهم الخلاب تاريخ كل اثر من الاثار المصرية وتاريخ الاهرامات وكل المعلومات عنها بشكل يجعل الزائر يعلم كل شىء عن المعالم السياحية بشكل لا يغادر ذاكرته لأن الموضوع غير مقتصر على الصوت فقط ولكن توزيع الاضاءة حول تلك الاثار بشكل جمالى يبرز اهمية وقيمة تلك الأثار ما يبهر الزائر بشكل كبير لا ينسى أبدا معه أى تفصيلة مما رأه .
وكان هو وسط كل ذلك الصخب بالقرب من الأهرامات تحديدا فى أحد الكازينوهات القريبة من الأهرامات المليئة بالزبائن الأجانب يرقصون بفرحة وسعادة غامرة على نغمات العديد من اغانى (المهرجانات) المشهورة بشكل كبير فى جميع دول العالم للدرجه التى يحفظون بها كلمات الاغانى بما فيها من بعض الكلمات الصعبه لا يعلم معناها حتى سكان (مصر) نفسها لانها تحوى تحويرا للكلمات بشكل يفهمه الشباب فقط دون غيرهم من سكان المحروسة .
وكان هو معهم، شاب مفعم ببعض الحيوية لا تفارق الابتسامة والضحكه العالية ملامحه المصرية الاصيلة يحمل فى يده كاميرا من نوع (كانون) يسجل بها اى شىء وكل شىء تقريبا .
(منصور) الاخ الاصغر ل(عز) والأوسط فى ترتيب الأخوة بالمنزل، طالب بكلية إعلام القاهرة يهوى التصوير بشكل هوسى اقرب الى المرض ، يرى ان اللحظات خلقت لتسجل وتوثق وان كونه مصرى هو فخر من نوع خاص ، يرى ذلك الفخر فى عيون الافواج السياحية القادمة لترى المعالم الاثرية والحضارية فى (مصر) وكونه طالبا فى (كلية الإعلام) فهو يعتبر أن ذلك فى حد ذاته فخر أخر وانتصار خاص حارب من اجله الكثير وعاني الأمرار كلها حتى وصل الى بوابة الكلية واصبح من يدرسون له المواد الدراسية هم اولئك الصحفيين والاعلاميين الذين تضج بهم الصحف المحلية والقنوات الفضائية وحتى المحطات الإذاعية المصرية والعربية .
وحتى يكون اليوم مثمراً أو (اليوم شايل نفسه) على حد تعبيره الشعبى البسيط لا يدخر وقتا ولا جهدا فى كسب المال طوال الوقت ، فقد وجد نفسه يوما ما فى الكلية مع احد اصدقاءه صامتا يغلب عليه الأكتئاب واليأس لأنه يود أن يفعل شيئا جديدا فى حياته بالرغم من انه لا يجلس فى المنزل كثيرا فهو يجهز نفسه ليكون صحفيا من صحافيي الشارع او المراسلين على الهواء الناقلين للأخبار لحظة بلحظة واول تلك الخطوات ان يكون اجتماعيا بشكل كبير ومنفتح على ثقافات المصريين ويا حبذا لو كان مطلعاً على الثقافات العالمية .. ولكن كيف له هذا وهو يدرس بالجامعه وفرصه السفر بها العديد من العقبات ؟؟
وجد فى صديقه (محمود علوانى) الملجأ لفكرته التى اتت من رحم اليأس فى كافيه الجامعه وامامه كوبا من القهوة الداكنه بدون سكر تماشياً مع حالة الاكتئاب او اليأس الملم به
: مالك يا منصور .. ساكت ومسهم من بدرى .. شايل طاجن ستك ليه عالصبح .. افردها يا عم مش ناقصه وجع قلب وصعبانيات .. .لسه بدرى عالامتحانات وانا مظبط مع كام بنت هنا عرف انهم (أمواس) .. يعنى هتعدى وتبقى عظمة .. ولا فيه حاجه تانيه شاغلة دماغك ؟؟؟ انتا يابنى بكلمك .. (منصور) !!
نظر اليه (منصور) وبدأ فى الحديث ببطء شديد كرجل كهف اشعث خرج للتو من كهفه العفن
: قرفان والله يا (محمود) حاسس ان مفيش شغف مع انى طلع ميتينى عشان انجح وادخل الكلية دى وكنت فاكر انى لما هاجى هنا هتكون الدنيا بقت تمام لكن لقيتنى عاوز اعمل حاجات كتير .. اصل كلام فسرك احنا عيلة عيانه بالطموح اوى .. كل حاجه (متحنتفة) ومترتبة اوى .. ولازم نبقى عالشعرة .. اهلنا ربونا كدا .. وكبرت على كدا ومعرفش حاجه تانى غير الطموح .. انتا تعرف ان العيلة كلها كانت متأكده مليار فالميه انى ادخل اى كليه فمصر واى تخصص غير الكلية دى .. كانوا شايفينى (منفعش) وكنت باكل تريقه الكون يابنى والله !!
: معلش حصل خير انتا لسه شايلهم فقلبك يا (منصور ) .. ياعم كبر دماغك
: مش الفكرة والله يا (محمود) بس اللى هما عملوه تانى اثر فيا جدا .. عدى عليا ايام كتير كنت بذاكر طول الاربعة وعشرين ساعه ومش بفوت ولا يوم .. ولا حتى ثانيه .. كنت باكل الكتب حرفيا .. انا من كتر التركيز وقلة الاكل ايام الامتحانات دخلت المستشفى وعلقولى (جلوكوز) .. . مكنش عندى اى اهتمام غير انى ادخل الكلية دى واثبتلهم ان انا (انفع) مش زى ما هما فاهمين
: طب دى حاجه كويسه .. بس انا جه فبالى سؤال بقى .. لما نجحت ودخلت الكليه هما عملوا ايه ؟؟؟
: اهو اللى حصل دا كان بلسم على قلبى .. كل ما كان حد منهم يتصل يتطمن عليا وانا اخده فالكلام واتوهه وفالاخر ااقوله انا دخلت (اعلام) .. واكتم الضحكه عشان بلاقى صوت سكات الناحية التانية وبعدها " اه .. طيب مبروك يا حبيبى .. شد حيلك عشان تشرفنا بقى " .. وكأنى مشرفتهومش .. بس مش مهم .. المهم انى وصلت للى انا عايزه ، بس برضه انا عاوز اعمل حاجه جديدة فحياتى ومش عارف اعمل ايه ؟؟
: حاجه تحير وتضايق .. خلاص هفكر معاك وامرى لله بدل متقفلنا اليوم من اوله واحنا لسه عندنا محاضرات وسكاشن اد كدا .. . طب انتا شايف ايه ااقرب حاجه ندخل فيها ؟؟ .. تكنولوجيا .. بقولك ايه ؟؟ ما نفتح كباريه .. ههههه .. حاجه تطرى الدنيا علينا كدا والعبى يا العاب والجو دا !!!
: ايوااااا .. هوا دا .. ابتديت تفهمنى يا (وديع) !!
: (وديع) مين يا اهبل انتا !! .. كباريه ايه اللى هنفتحه لا معانا فلوسه ولا نعرف نشغله .. انا غلطان انى فكرت معاك انا قايم
: استنى .. انتا جاى بعد مالفكرة حضرت تمشى .. استنى هنا .. احنا مش هنعمل كباريه.. احنا هنعمل شركة سياحة
: شركة سياحة مرة واحده .. . مش شايف انها وسعت منك ؟؟؟
: ولا وسعت ولا حاجه .. دى عالمقاس بالشعرة .. احنا نأجر شقة فمكان كويس ونعمل عروض رحلات ونتفق مع شركات سياحة كبيرة شوية تساعدنا لو محتاجين مرشدين او مترجمين او حتى اوتوبيسات مجهزه او ليموزين ويبقى بينا نسبه تزيد مع الوقت .. منها نطور من نفسنا ونعرف ثقافات جديدة .. ومنها (اليوم يشيل نفسه ) .. ولا ايه ؟؟؟
: يابن اللاعيبة .. انا راشق معاااك فالحوار دا .. . وليا 50 % .. اه اوعى تاكل حقى من اولها
: موافق .. هنبدأ من امتى ؟؟؟
: احنا بدأنا .. . انا ليا ابن عمى شغال فشركة تسويق عقارى بقاله اربع سنين هبعتله رساله يظبطنا .. بس الاوراق بتاعت الشركة هنعملها ازاى ؟؟
: سهله اللى يسأل ميتوهش .. منا قولتلك شركات السياحة الكبيرة هيساعدونا وطالما هنجيبلهم شغل .. هتلاقى كل حاجه سهله ان شاء الله
: لا انتا تستاهل غدوه حلوه وعلى حسابى .. . حلاوة الشراكة
: وانا موافق .. انا جعان اوى من الفرحة
: لا بالراحة عليا .. . الجيب عمران بس مش اوى متفلسناااش
وبالفعل كان ذلك اليوم هو بدايه عمله الجانبى فى مجال السياحة إلى جانب الدراسة التى اهتم بها ايضا اكثر من اى شىء فى حياته سوى العمل ، وها هو الأن مع فوج (انجليز وايطاليين وفرنسيين) مع صديقه او شريكه (محمود) وعلامات السعاده على وجوههم مع الفوج المختلط وهم يرقصون على اغانى المهرجانات اغنيه تلو الاخرى ولم تفلت أى من تلك اللحظات بعيدا عن الكاميرا الخاصة به ، فتارة يمسك بها ويصور الفوج وهم يرقصون وتارة يترك الكاميرا على الترابيزه الخاصة بهم لتوثق كل شىء من باب الدعاية لشركتهم وزياده الثقة والمصداقيه ومن ناحية اخرى ارضاء غريزته فى تطوير ذاته ليصبح مراسل صحفى لا مثيل له فى القطر المصرى بأسره .
إلا أنه شعر بإهتزاز هاتفه المحمول وحينما نظر وجد الاتصال من والدته .. لا يعلم لماذا انقبض قلبه بشكل كبير
خرج مسرعا من الكازينو ليرد عليها مبتسما كعادته فى الحديث معها الا انه لم يجد مكاناً لطريقته تلك وكان ما يرد اليه من الجانب الاخر كفيلا بأن يجحظ عيناه ويخرسه ويصم اذناه عن صخب الحياة من حوله .. ولا يتذكر من حديث والدته الا بضع كلمات
" عز اخوك .. بيموت "
(9)
لدى العديد من الناس خوفا اقرب الى الهلع ولكل منهم ذكراه مع المستشفيات ، فمنهم من كان يوما فى عداد المرضى يحمله (ترولى طبى) ويحيط به العديد من ملائكة الرحمه ينفذون اوامر المايسترو خريج كلية الطب المرتدى للبالطو الابيض ويعطى التعليمات يمينا ويسارا لكل من حوله وغير مطلوب منهم سوى التنفيذ الفورى والحازم لكل ما يقوله وها هو الحال هنا فى مستشفى (العالمية )
حيث العمل على قدم وساق من الجميع المرتدين للبالطوهات البيضاء الناصعه لا شية فيها ويبدو عليهم علامات الثقة الجمة بشكل يبعث فى نفسك الطمأنينة والشعور الطيب بالشفاء العاجل وانك بالفعل فى ايد امينه لن تكل ولن تمل من الاهتمام بك والعناية بجميع مرضاها على اعلى المستويات ولذلك تصنف من افضل 20 مستشفى بمصر ومن أرقى 10 مستشفيات فى العالم العربى
وهو ما بالفعل ما حدث منذ اللحظة الأولى لوصول (عز) الى المستشفى بسيارة الاسعاف الخاصة بهم وقد اتصل بهم (أنس) فور حدوث الحادثة وبالفعل لم يمر سوى 10 دقائق وكانت السيارة موجوده بالفعل لتوصيل (عز) و(انس) للمستشفى وفى خلال 40 دقيقة وصلت السيارة الى المستشفى وقام الأطباء والممرضين باتخاذ جميع ما يلزم للحالتين ولم يزيد الأمر عن (كسر ) بسيط فى ذراع (عز) اليسرى تم عمل جبيرة جبسية سريعه له اما حالة (انس) فقد كانت اغماء ونقص ببعض الفيتامينات وهو ما تم علاجه فى خلال ساعه من المحاليل والابر المحملة بالفيتامينات المركزة لاستعادة وعيه مرة أخرى .
وصلت العائلة المكونة من الأب والام واخته (جميلة) وزوجته (قمر) التى حاولت التماسك وعدم اظهار ما بها من قلق وتوتر واخيه (منصور) الذى اتى شاحب الوجه مضطرب للغاية ويبدو انه جرى بعض الشىء ولم يسعفه جسده الممتلىء او يراعى مدى خوفه على (صديق العمر) والوجه الأخر للعملة بالنسبة له ، فلا يعتبر (عز) بالنسبة له مجرد أخ يحمل نفس اسم الاب وله ذات الأم ولكن (عز) بالنسبة له الملهم طوال الوقت ، لا يذكر (منصور) انه كان طموحاً بالقدر الكافى او يهتم من الاساس بتلك المصطلحات الحماسية كالإرادة والطموح والإصرار حتى رأى طريقة (عز) فى الحياة وتفكيره العبقرى للغاية فى اى شىء وكل شىء ، حديثه ولبسه وطريقة التفكير والترتيب للايام والأمور وأيضا جموحه وتهوره فى كثير من الأحيان ، يشعر (منصور) وكأنه منظم حتى فى تهوره ، يعلم ما يفعل (جيدا) او بالأحرى (مذاكرلها كويس وعاملها مراجعه نهائية بإمتياز) كما يمازحه فى اوقات عديدة ولكنها تقل فى الأونة الأخيرة لإنشغال كل منهما بعمله وحياته ودراسته ، فبالرغم من تفكير (عز) العبقرى إلا أنه فى مرحلة الإعادة للسنة الأخيرة بكلية (الهندسة) وهو شىء غريب من نوعه ولكل جواد كبوه ولكن تلك الكبوه الدراسية كانت (بمزاجه) لأنه حينها كان مشغولا بالتحضير لزواجه من (قمر) فلم يرى حينها اى شىء سوى ذلك الهدف وهو ما حقق بالفعل ويرى ان تلك السنه المعادة ستكون بمثابة (قوة الدفع) العاتية بالنسبة له ويراهن بكل ما يملك من ذرات الذكاء فى عقله ان يكون من اوائل تلك الدفعه (الضعيفة ) من وجهه نظرة على خلاف دفعته او (الديناصورات) كما كان يسميهم حينها، فبالفعل كل منهم كان (اينشتاين فى نفسه) على حد تعبيره فالمذاكرة والحفظ كان اهم بالنسبة لهم من الطعام والشراب والنوم وكافة العادات الطبيعية والوظائف الحيوية للجسد .
كان (منصور) وصل الى مدخل المستشفى ليسأل عن الغرفة الخاصة بأخيه وجرى نحو السلالم غير منتظر للاسانسير بالرغم من التعب والارهاق الواضح للغاية على وجهه المتصبب بعرق العالم وليس عرق شخصاً واحداً طبيعى ولكنه كان غير مبال وهو يعدو بسرعه نحو غرفة أخيه ، وما إن وصل إلى الغرفة شاهد أغرب ما توقع أن يراه منذ أن ولد .
إذ وجد (عز) فى اوج حالاته المزاجيه الجيدة ، وصوت ضحكاته يملأ الكون وليس غرفته بالمستشفى ويجلس حوله والده ووالدته و(قمر) و(جميلة) ويلقى عليهم النكات المختلفة التى يطال ضحكها الممرضات داخل غرفته والمارين فى طرقات المستشفى بجوار غرفته ، وكأنهم هم المرضى وهو ما أتى .. ليواسيهم !!
(10)
لا تعلم لماذا كانت سعيده للغاية بتلك (التوصيلة) الى محل قطع الغيار لشراء (فلتر البنزين) المطلوب بالرغم من ان هناك اشياء كثيرة غير منطقيه حدثت للتو .
فمن رابع المستحيلات ان تركب سيارة مع من لا تعرف وها هى للتو تركب مع ذلك الشاب بدون سابق معرفة على الاطلاق ، وايضاً وثقت به وهو يتلاعب بداخل السيارة الخاصة بها وهو ما لا تفعله مع افضل (الصنايعية) فى مجال الميكانيكا فى اكثر الورش التى تذهب اليها حينما يحدث اى اعطال بالسيارة فضلا عن ذلك الشعورالغير مبرر والغير معروف بداخلها .
ولا تعلم هل الجو حار رطب ام برد قارس؟؟
فهى لا تشعر بالجو فى الخارج او فى الداخل ولا تعلم كيف انها غيرت تفكيرها الصعب فى التغيير لدرجه اعلى من العند و(تنشيف الدماغ ) ولكنها لا تريد النزول من السيارة او العودة فى اى من القرارات التى اتخذت منها رغما عنها ولكن برضائها !!
: على فكرة نوع العربية بتاعت حضرتك اعطاله كتير جدا يا انسه ؟؟؟ انا اسف معرفش اسم حضرتك ؟؟
لا تعلم لماذا طال صمتها اطول من المعتاد بالرغم من السؤال بسيط والاجابة ابسط منه الا انها تلعثمت وصمتت وبلعت لعابها مراراً وتكراراً واكتشفت ان فمها صار صحراء جرداء لا ماء فيها ولكنها نظرت اليه لتجيب فاشاحت بوجهها بسرعة الى الجانب الاخر من السيارة
: قق .. قمر .. اسمى قمر .
: اهلا وسهلا .. معلش التكييف هنا مش احسن حاجه .. والجو قافل شوية .. اتفضلى ميه .. . دى محدش شرب منها
امتدت يدها الى الزجاجه وفتحتها غير مبالية ب (تكة الامان) الخاصة بالزجاجه وابتعلت الزجاجه حرفياً
وها هى مخالفة اخرى صريحة لتفكيرها وطريقة تعاملها مع الاخرين عامة والغرباء بشكل خاص
: متشكرة اوى .. انتا ذوق جدا .. وانا اسفة انى تعبتك
: ههههههه لا مفيش تعب ولا اى حاجه .. انا عارف لخمه الاعطال بتاعت العربيات وخصوصا لو انسة زى حضرتك مش هتعرفى تصلحيها .. دا غير بقى اللى بيستظرفوا نفسهم والفتايين ومش فاهمين حاجه .. بس الحمد لله .. الموضوع بسيط .. متقلقيش .. وبعدين اللى بيكلمك دا مهندس ميكانيكا وشاطر وعندى مركز صيانة معتمد .. . وفاهم كويس فشغلى
: كان واضح وانتا بتشوف العربية .. دا اللى خلانى احس انك شاطر
كانت كاذبة للغاية فى تلك الجملة الاخيرة .. فهى لا تعلم لماذا سمحت له بأن يختبر السيارة ويشخص العطل بل ويقنعها ان تركب معه ليشترى قطعه الغيار التالفة ويعود مرة اخرى لتركيبها وهى لا تعلم عنه اى شىء سوى تلك المعلومات البسيطة من حين لاخر يسردها لها وهى كالمسحوره لا تعلم ماذا تقرر !!
هل تنزل من السيارة ؟
هل تذهب معه لشراء قطعه الغيار والعوده مرة اخرى بسيارة خاصة دون العودة بسيارته ؟
هل تشكره وتنزل من السيارة وتعود الى سيارتها وتقوم بالاتصال باى من صديقاتها للتصرف او اى من ورش الصيانة التى تعرفها ؟
: وحضرتك بتشتغلى ايه .. يمكن نطلع نقدر نساعد بعض فحاجه ؟
: انا صيدلانية .. او تقدر تقول بتدرب فى صيدليه مش شغل اوى يعنى.. عشان دى اخر سنه ليا
: ممممممم .. من اولها كدا ؟
: من اولها ايه ؟
: انا عايز ااقولك انى جرىء لدرجة التهور .. . موضوع العلاج والادوية والدكاترة وكل مسلوق وخد الدوا فمعاده .. اوهااام بالنسبالى .. . يعنى انا مفتكرش انى دخلت الصيدلية دى كتير .. يمكن مرة اشتريت كريم شعر ومرة تانيه اشتريت كريم بشرة لأختى .. غير كدا لأ .
بالرغم من ان النبره التى تحدث بها تنم عن بعض التطاول على مهنتها او طبيعه عملها وهو ما لا تقبله فى المعتاد بأى شكل من الاشكال او بأى صورة من التعبير وتتحول حينها الى انثى اى من الحيوانات المفترسه لتفترس من هو امامها على اختلاف نوعه سواء كان رجلا او امرأة حينما يتعلق الامر بعملها او مجال دراستها
ولكنها .. ابتسمت !!!
: اكيد محدش بيحب الادوية .. لكن هيا برضه ضرورية لان من غيرها الناس ممكن تتعب او تموت
ماذا قالت ؟؟؟
ما تلك الاجابة الطفولية الوديعه للغاية بشكل غير مفهوم وبدون مقدمات ؟؟
ما تلك النبرة التى تتحدث بها .. هل هى .. هى ؟؟؟
ولكنها لم تلغى اى مما قالت واستطردت
: وكمان موضوع الجرأة دا كويس بس مفتكرش لدرجه التهور دى حاجة حلوة .. انتا لسه صغير والعمر قدامك لازم تحافظ على نفسك
لا تعلم ما يخرج على لسانها هل هى من تقول ام قوى شريرة تسيطر على عقلها الان ؟؟
ام ان فواحه تلك السيارة بها شىء اشبه بالمخدر او المسكر وهو ما اثر عليها لشده استنشاقها له منذ ان ركبت السيارة ؟؟؟
ما تلك الافكار الغريبة التى تنهال على رأسها .. أيعقل أن يكون ذلك الملاك الوديع هو الشر بعينه او يقصد من خدمته لها اى من الامور الغير اخلاقيه ؟؟؟
ملاك وديع ؟؟؟ كيف تفكر هكذا وهى لا تعرفة سوى منذ 20 دقيقة فقط هى مدة تلك الرحلة بتلك المسافة
: احنا وصلنا .. المحل اهو .. هستاذنك تنزلى لحد ما اركن لان مفيش ركنه هنا خالص
نزلت من السيارة كطفلة وديعه مطيعه لابيها فى ايام العطلات كى تكسب رضاه حتى يتسنى لها الفوز بعطاءه فيما بعد
فى اقل من ثلاث دقائق كان قد ركن السيارة فى مكان بالقرب من نظرها ورأته وهو يركن السيارة بحرفيه كادت ان تصفق له عليها من شدة تمكنه بالفعل من التعامل مع السيارة كمروض لاعتى واشرس الاسود البرية الشرسة بمنتهى السلاسة والتمكن .
نزل من السيارة بخطوات سريعه الى داخل المحل البسيط ولكنه يحوى من الداخل على العديد من الرفوف ولكل رف علامة مميزه متمثلة فى ورقة مكتوب عليها ماركة السيارة التى تمثلها قطعه الغيار القابعه على الرف
: ازيك يا معلم (عبد العال ) .. ايه الاخبار ؟؟
لتجد المعلم (عبد العال) ضخم الجثه عريض المنكبين يعدو مسرعا كطفل اتى ابيه من العمل مبكرا بعد شوق كبير ليحتضنه ويقبله
: بشمهندس (عز) .. ازيك ياهندسه .. عاش من شافك وسمع صوتك والله .. دا حصلتلنا البركة اقسم بالله .. يا اهلا وسهلا اتفضل
ولاحظ وجود (قمر) بجواره
: اهلا وسهلا يا هانم .. اتفضلوا
واشار لهما بالجلوس على كراسى المكتب الفخم للغاية بشكل لا يتناسب مع بساطه شكل المحل من الخارج او الرفوف من الداخل
: بص يا معلم انا جايلك فحاجه عالسريع كدا .. انا عاوز فلتر البنزين دا .. الاصلى مش عاوز التقليد .. واللى انتا عاوزه
: دا كلام يا بشمهندس دا الحاجه النضيفة تتلف وتوصل لحد البيت .. والاسرة اخبارهم ايه ؟؟ .. والوالد ازيه .. انا مقصر والله ومش بزوره .. امانه تسلم عليه وقوله ميزعلش منى .. الشغل واخد وقتى كله .. طب تصدقى بايه يا هانم
فالتفتت اليه بعد شرود كبير فى افكار داخل رأسها متزاحمه لتسمعه وهو يكمل حديثه
: انا طول اليوم هنا حتى الغدا والعشا هنا برضه .. يدوب بروح انام كام ساعة زى القتيل عشان اجى الصبح هنا تانى .. . اصل الشغل محدش يعرف يمشيه زى منا عاوز .. فلازم اكون موجود طول الوقت وعينى عالشغل .. اتعودت على كدا .. نعمل ايه ؟؟ .. امر الله بقى .. يا (سعد)
اتى (سعد) المنهك من كثرة العمل جاحظ العين يحتاج لرعاية فائقة او ان يزور صيدليه (قمر) بشكل يومى حتى يعود للحياة مرة اخرى
: بقولك ايه .. انا عاوز الحته دى .. . الاصلية ها مش (الهاى كوبى) .. وبسرعة
غادر (سعد) محاولا ان يلملم شتات قدميه زائغة الاعصاب حيث الحركة ضعيفة للغاية ولكنه غاب عن الانظار وعاد (عبد العال) الى الحديث مرة اخرى
: تشربوا ايه ؟
: لا ولا حاجه .. ربنا يخليك يا معلم .. انا مستعجل عالحته دى .. المرة الجاية بإذن الله
: لا والمصحف ما يحصل .. لازم تشربوا حاجه .. انتا كدا بتشتمنى .. دا ميجيش من بعد خير الوالد .. دا البركة كلها
: معلش يا معلم .. المرة الجاية بإذن الله
وجدت (عبد العال) قد صمت بابتسامه يحاول ان يبهر بها العالم من شدة جمالها
الا انها لم تفضى سوى عن سنه مكسورة وسنه اخرى ذهبيه ناصعة اللمعان على خلاف باقى اسنانه
: هعتبر دا وعد .. والمرة الجاية مش هنشرب حاجه .. لا هنتغدى سوا
ابتسم (عز) ابتسامه كانت كفيلة بانهاء الحوار الشيق ليأتى بعدها (سعد) محاولا اظهار قوته المختفيه عن الانظار للابد مناولا القطعه المطلوبة للمعلم ليقوم بدوره بالنظر اليها ومقارنتها بتلك التى اعطاها له (عز)
: اتفضل يا بشمهندس .. الحته اللى طلبتها بالظبط .. اى خدمه
: شكرا يا معلم .. دايما تاعبك انا .. بس انتا عارف ان بعزك ازاى
: ربنا يديم المعروف يا بشمهندس .. مع الف سلامه.. مع السلامة يا هانم
اخذ (عز) القطعة وخرجت وراءه (قمر) وعلى ما يبدو أن (عز) لم يأخذ القطعه الخاصة بالسيارة فقط بل واخذ قلبها الرقيق ايضا .. ويبدو انها لا تود استعادته مرة أخرى .