هولوجرام
محمد تاج
سطوع لخدمات النشر
جميع الحقوق محفوظة ويحظر طبع أو تصوير أو تخزين أي جزء من الكتاب بأية وسيلة من وسائل تخزين المعلومات إلا بأذن كتابي صريح من الناشر
إهداء
إلى حبيبتى ورفيقة الدرب والطريق الصعب .. أمى
إلى أولادى الذين لم يأتوا بعد
أتمنى أن أكون قدوة جيدة لكم .
إلى اللاب توب الخاص بى .. شكرا على حسن تعاونكم معنا !!
إلى جميع الظروف الصعاب والأيام القاتمة فى حياتى .. بفضل الله .. ها أنا ذا
1
تعد منطقة التجمع الخامس من المدن الارستقراطية التى قد تذكرك بالقاهرة القديمة بعض الشىء
فالمبانى اغلبها خاص كالقصور والفيلات القديمة وهوا ما يتفنن فيه معظم سكان التجمع من نحت التقاليد القديمه فى بعض المبانى والاشجار المحيطة بكل فيلا او منزل وهو ما يعكس رقى اصحاب تلك المنازل ودرجه إنحدارهم من سلالات كريمة لعائلات كبيرة ، ما قد نعتبره متحفا بشريا للطبقة العليا من المجتمع المصرى .
وكعاده أى مكان تجد ان لكل قاعده خلاف وهوا ما اراد ان يثبته (زيزو) أو(عز الدين) وهو يحاول القيادة بسرعه أقرب إلى الجنون فى بدايه ليل القاهرة العاشق له بشكل كبير وبجواره تعيس الحظ دائما وابدا صديقه (أنس الموجى ) عقير المقالب فى كل مرة يتقنها عليه (زيزو) حيث يوهمه ان بسيارته بعض (التكتكه) فى جسم الموتور (ولازم يجربها كويس .. لحسن تعطل الصبح وهوا رايح للكلية)
وبالرغم من أن تلك الجملة لم تتغير ولم يختلف بها حرفاً واحداً طوال سنة كاملة وهو العمر الفعلى لمعرفة (زيزو) بصديقة (أنس) إلا أن (أنس) دائما وأبدا يشعر وكأنه طفل وأن كل من حوله هم الأخيار الأبرار وأن المكائد ليس لها مكانا على هذا الكوكب المهترىء وأن (الدنيا لسه بخير) متناسيا تماما كافة الاخبار الموجودة على صفحات الجرائد والمجلات والمواقع الاليكترونية الممتلئة بمشاهد مرعبة قد تفوق اعتى افلام الرعب فى احيان كثيرة.
ولذلك ينجح (زيزو) فى مقلبه كل مرة ويجد (أنس) نفسه كما هو الأن جالسا منكمشا يرتعد من الخوف وصراخه يملأ السكوت وهو يصرخ حينا ويضحك بصوت اقرب الى ضحك الأطفال حينا أخر مداريا عن خوفه او بالاحرى رعبه الشديد او بمعنى اخر وقود المقلب بالنسبة ل(زيزو) وذلك لأن تلك الحالة المرعبة لأنس تجعل (زيزو) يزيد من الضغط على دواسة البنزين مطلقا ضحكات أقرب إلى ضحكات شخصية (الجوكر) السينمائية وهو ينظر الى (أنس) مصطنعا أنه لا يتمكن من التركيز على القيادة ما يزيد من الرعب بنفس (أنس) الى أن ينطلق ناحية إحدى الطرق الجديدة الممهدة ولكنها ليست قيد التفعيل لسير السيارات وهنا تزيد السرعه بما يقترب من ال140 كيلو وبثبات محارب يضحك (زيزو) وهو يرى (أنس) وقد إقترب قلبه أن ينخلع من صدره وقد جحظت عيناه بشكل مرعب ومضحك فالوقت ذاته .. حينها يهدىء من رعونه قيادته وسيارته الشبيهه بالثور الهائج الغير مبالى بالكون بأسره ويعود مرة أخرى عن ذلك الطريق وصولإ إلى (شاورما السلطان) الفقرة الأخيرة فى برنامج الرعب المنتهى بوصول السيارة الى ذلك المكان
وينزل من سيارته ويدخل إلى (الكاشير) ويشترى عددا لا بأس به من سندوتشات الشاورما المختلفة وما إلى ذلك من مقبلات وعصائر ومشروبات غازية ويدخل به إلى السيارة لأن (أنس) قد فقد الشعور بقدميه او بكافه اطرافه بشكل مؤقت وهو ينظر الى (زيزو) المبتسم ابتسامه اقرب الى ابتسامه (الجوكر) ايضا موجها حديثه الى (أنس)
: مالك يابنى مكبرها ليه كدا .. طب انا راضى ذمتك .. هيا دى اول مرة يحصلك كدا ؟
: لا !!
: يبقى خلاص .. خد دا واحد شاورما مكس دوبل
: دوبل ايه بس .. انا حاسس انى مهيبر وعينى مزغلله
ويكمل (عز) ما يقوله انس متهكما
: ايوا .. ايوا وبطنى مقلوبة وحاسس انى عاوز ارجع .. . وبتفضل تهرى لحد ما اجيبك تاكل الشاورما ونحلى بالايس كريم وتبقى الدنيا فل الفل .. ولا بطنك توجعك ولا حاجه خالص !!
: اتريق اتريق .. انا بخاف من السواقه وحاولت اطلع رخصة كذا مرة وفشلت فالامتحان .. بس شكلى كدا هتعلم سواقه واردهالك .. اصبر عليا.
: وماله يا عم انس .. نصبر دا الصبر جميل.. يعنى الشاورما مأثرتش فيك .. دانتا واكل 4 سندوتشات لحد دلوقتى وداخل عالخامس ولا كأنك تعبان خالص
: بعوض الخضة اللى اتخضيتها .. انا باكل من الخوف
: تخاف من ايه بس.. انتا راكب جمب المهندس (زيزو) .. عارف يعنى ايه المهندس (زيزو ) ؟؟؟
: ( مازحا على فيلم اونكل زيزو حبيبى ) المهندس زيزو حبيبى.. .هههههه
: دا ايه السماجه دى كلها ؟؟؟.. . والله حلال فيك اللى انا بعمله .. . المهندس (زيزو) ..يعنى اجمد مهندس ميكانيا فالتجمع الخامس كله .. بص يابنى انا مفيش عربية فالتجمع الا وسوقتها بكل الموديلات الجديدة والقديمه .
: منا عارف بس حرص ولا تخون .. انا قلبى بيبقى مش مطمن ليحصل اى حاجه او يحصل فالامور امور
: ولا امور ولا حاجه .. بس قلبك الضعيف دا هوا اللى مضيعك .. لازم يبقى قلبك جامد كدا .. قلب اسد .. ااقولك انا عندى ليك حل حلو اوى
: قول يا بشمهندس (فيرارى) !!
: ماشى يا لمض بافيهاتك البهتانه .. انتا تروح السيرك القومى
: اروح فين ؟؟ .. ليه يعنى انتا شايفنى قرد ولا نسناس ؟؟ .. الله يسامحك يا (عز)
: لا يا مفتح .. انا ااقصد انك تشتغل فالسيرك .. مع الاسود والنمور عشان قلبك يجمد شوية بدل منتا خيخا كدا وقلبك ضعيف .. يا خرع !!
: لا يا عم ربنا يخلينى خيخا .. خلينالك القلب الجامد انتا واللى زيك
: طب يالا خلص اكل عشان نطلع ناكل الايس كريم .. الساندوتش مبيلحقش اول قطمه بيخلص علطول .. ما شاء الله .. دا انتا صحتك جت على الخضه باين !!
وبالفعل كان (أنس) قد انتهى من اخر سندويتش من العشر سندوتشات خاصته وقد تناولها بالكامل لأخر قضمه كان حينها (عز) فى اوج لياقته وهو ممسك بعجلة القيادة الخاصة بالسيارة والانطلاق مسرعا الى محل الايس كريم وقد تحول (انس) الى كتلة بلهاء صامته الا من بعض الهمهمه والدندنه الكسولة بعد الوجبه الدسمه المكونه من السندوتشات العشرة وقد اوشكت ان تجهز عليه اجهاز القاتل على قتيله
ولكنه افاق على سرعة السيارة وهى تزيد زياده مرعبة بعض الشىء وقد قرر (عز) تكرار المقلب فى حرفيه لم يتقن مثلها فى العالم العربى سوى (رامز جلال) نجم برامج المقالب حينما يقرر تكرار وجود نجم معين فى كل موسم جديد من برامج المقالب خاصته ، حينما قرر الرجوع الى الطريق حديث الانشاء او حلبة السرعه الخاصه به ليزداد( الادرينالين) فالسيارة وتنطلق صرخات ضعيفه من (انس) جراء السندوتشات العشرة مؤسسة الخمول الذى يصيبه حاليا ولكن تظهر علي عيناه اثار الرعب مع كل زياده للسرعه يترجمها مؤشر السرعه فى تابلوه السيارة وهو ما يتزايد طرديا بشكل مبالغ فيه مع ضحكات (عز) المتعالية بشغف منقطع النظير وهو يطير تقريبا على الطريق وحده .
: كفاية يا مجنون .. انا هجيب اللى فبطنى .. انتا ايه شيطان .. مش قولت هناكل ايس كريم .. طب نزلنى .. نزلنى وكمل انتا طالما ناوى تموت نفسك .. انا مش عاوز اموت نفسى
وظل يصرخ و(عز) ينظر اليه قائلا
: خلاص متعيطش دانتا طلعت اى كلام اوى و .. ..
ولكن قبل ان يكمل جملته انشق غبار الطريق عن سيارة سوداء قاتمة قادمة من الجانب الاخر بسرعة مهوله للغاية ولا مفر من مواجهتها حيث ان الطريق حديث الانشاء ليس سوى حارة واحده ممهدة اما الجزء الاخر فهو عبارة عن اكواما من الركام والمعدات المخصصه لانشاء ذلك الطريق
وقد حاول (عز) ان يعالج الموقف الخطير الغير متوقع لينجح بالفعل فى فرملة السيارة، الا ان السيارة السوداء القاتمة المقابلة لم تهدىء من روعها قيد انمله وصارت مثل ثورا هاجئا يطير بأجنحه الموت متوجها ناحيه (عز) وصديقه (أنس الموجى) شاحب الوجه منعدم الصوت من اثر الصراخ والعويل
(2)
فى منتصف شارع التسعين تظهر جميلة التكوين منسقة على اعلى مستويات التنسيق الجمالى بالشكل الملهم للاخرين تشعر معه ان تلك الفيلا هيا من الهمت الشارع التنسيق وعلمته اسس الذوق التصميمى الرفيع والرقى الجمالى للمبانى الحديثه البارة بالتقاليد القديمه العريقه فى كل جزء فيها
كان هذا وصفا بسيطا لفيلا (ابو الفدا) والمكتوب على يافطة من النحاس الاصلى القديم على احدى جوانب الفيلا ومن فرط الاهتمام بتلك اليافطة يأتى أحد المختصين بالمصنوعات والمشغولات النحاسيات ل(يجليها) من اثار الحر والبرد المرسومه على تلك اليافطة بشكل مقيت اغلب الاوقات يعطى انطباعا سيئا عن تلك الفيلا او سكانها المهملين .
وما ان يأتى ذلك المختص وهو رجل كبير سنا يلبس نظارته السميكة وكأن (جواهيرجيا) أتى للإهتمام بقطعه ثمينه وهى بالفعل كذلك مقارنة بما يأخذه بالمقابل من (على ابو الفدا) رب هذا المنزل والأب الحنون لأن تلك اليافطة غاليه بشكل كبير بالنسبة له
كما لا يختلف الامر بكل جزء فى تلك الفيلا بغرفها وتصميماتها حتى (ماسة المنزل) او (المملكة)
وهى المصطلحات المعبرة عن غرفة خاصة بالفيلا خاصته، فهى غرفة كبيرة ومجهزة بشكل جمالى حيث ان كل جزء فيها متعلق بشكل كبير بأجزاء من اغلب المكتبات العالمية كمكتبة (الكونجرس الامريكى) و(دار الكتب والوثائق الكندية) وغيرها من اعظم محاريب العلوم والفنون والثقافة وهو ما حاول ولا يزال مغرما بها بالرغم من تخطيه عتبه السبعين عاما بثلاث سنوات
ولكنه مؤمن تمام الايمان بلا شك أن (الشباب .. شباب القلب) وهو ما نجح فى الوصول اليه
فبالرغم من سنه الكبير الا انك ان تابعت حياته اليومية الروتينيه وان خلت من الروتين الى (أسلوب حياة)، المصطلح الاخر لوصف حياته المتغيرة بشكل يومى فلا تستطيع ان تحكم عليه بكبر المشيب ولا بالطفوله المتأخرة او المراهقة المتأخرة ولا حتى الشيب القريب !!
فالجلوس برفقته ممتع ككوبا من الماء البارد فى اوج شهر (اغسطس) الحارق
ومسلى كأفضل افلام البوكس اوفيس الامريكية مع اكبر (علبة) من الفشار المطعم بالجبنه ، فهو يعشق الحياة ويرى أخرته غدا فى كل لحظة فى ذات الوقت !!
يرى ان الحياة ليست سوء ورقة بيضاء واحده ويجب على الفرد ان يكتب فيها الكثير والكثير من الاجابات المتكاملة قدر الامكان، فهو يعشق التقديرات العالية حينما كان طالبا مجتهدا فى كليه التربيه جامعه القاهرة قسم اللغة العربية الحبيبه وهو ما كان المصطلح الدارج واللصيق بكلمة اللغة العربية
فقد كان مثالا فيزيائيا وكيميائيا ناجحا للطالب المحب لدراسته وتخصصه بالرغم من عدم تحديد الهدف فى البداية ولكن كل ما يتذكره هو حبه لجده الاكبر لوالده المحب للقرءآن الكريم وخاصة فى شهر رمضان الكريم، حيث انه كان يجلس بالمسجد بعد صلاة العشاء والتروايح مجودا بأيات من الذكر الحكيم بصوت قوى رزين محب لكل حرف من حروف الايات ، وهو ما كان ديدن (على) طوال فترة الدراسه فقد كان يقرأ القرآن بشكل يومى وحريص كل الحرص ان يتحدث مع والده عن معجزات القرآن الكريم و لا ينسى قراءة بعض الايات قبل وبعد المذاكرة من باب شكر المولى عز وجل فى توفيقه لما اراد فهمه او حفظه .
ف (الجاحظ) و(سيبويه) و(الزمخشرى) جلسائه الابرار بالإضافة إلى الكثيرين ممكن اثروا الرواية المصرية والعربيه بروايات مرصعه بحروف من نور تنير الاحساس والعقل قبل ان تلمحها عيناه المرتدية نظارة طبية سميكة بعض الشىء تشبه النظارة الخاصة بجده الاكبر المحب للقرءآن الكريم
فتلك المكتبة أو (المملكة) كما يحب ان يسميها بين الحين والاخر اكثر الاماكن المحببة لقلبه اكثر من اى شىء وكل شىء .. طعامه وشرابه وكافه المواعيد المرتبط بها مع اصدقاءه ومعارفه وحتى اولاده حتى انهم فى بعض الأحيان فى المنزل يخيل اليهم أن أباهم قد (تاه) لأنه غير موجود بالمنزل ولكن سرعان ما تتذكر هى انه فى (المملكة ) !!
لانها تعلمه جيدا كما تحبه بذات الثقة والتأكيد وتعلم اين هو وما يفعله بشكل اقرب الى المتلصصين او القتلة المتسلسلين
وهى بالفعل قتلته.. بسهم الحب ومسدس العشق وسنجه الهوى !!
(نوال عبد الغنى الاسمر) زوجته الأولى والاخيرة أو (نولا أم العيال ) كما كان يناديها حينما يراها منهمكه فى تربية صغارها بدونه فى احيانا كثيرة وهو ما لم ينكره سراً وعلانية ففى كل المحافل العائلية والمناسبات لا يكل ولا يمل من ان يذكر (جدعنتها معاه) على حد تعبيره فى ابقاء اعمدة هذا المنزل قائمة وقوية وحياتهم ناصعه لا شية فيها وكيف ساعدته فى تلوين الصورة المرسومه فى خياله لعائلة (أبو الفدا) العريقة
سارت نحو مملكته وهى الملكة المتوجه الوحيدة بها والمسموح لها فقط دون الاخرين بقطع وصال فكره ومطالعته للكتب والروايات وحتى متابعه المبدعين على موقع (يوتيوب) احد أكثر (أفيوناته) وأدوات ضبط المود بالنسبة له
: ايه يا حبيبى .. متعبتش من القراية .. كدا عينك تتعب
: هيا كانت تعبانة اوى صحيح .. بس دلوقتى بس بقت 6 على 6 .. زى الصقر .. تعرفى انى من يوم ما عرفتك حبيت الصقور اوى ؟
: اشمعنى يعنى ؟
: الصقر دا استاذ اوى.. يفضل طاير فالهوا كتير .. لحد مينشن عالفريسه ويطير بكل سرعة عشان يصطادها
: ودا مالو ومالى ؟؟؟
: دا كلام يا (نولا) .. يعنى مش عارفه ؟ انا كنت بدور على حد شبهى .. ولقيتك .. انتى شبهى اكتر منى
: حلوه اوى (نولا) منك .. بقالك سنين كتير بتقولها وكل ما تقولها احسن انى لسه بنت عندها 18 سنه
: وكل يوم بنت عندها 16 مش 18 .. انا كل يوم بكون مبسوط من حاجتين .. اولهم انك عايشة وتانيهم انى عايش .. عشان انا عايش بيكى
: احمم .. طب خلينا بقى فالشغل .. كنت قلتلى ان عندك تصور لبرنامجى الجديد ومتكلمناش من امبارح وانا متوترة اوى وعاوزة البرنامج يطلع حلو جدا
: هيطلع حلو اومال انا والواد (منصور ) بنعمل ايه ؟؟ .. احنا بنلعب هنا ولا إيه ؟؟؟ .. انا هخليكى تنافسى المذيعات الكبار كلهم .. يا حلو انتا
كان صادقا كعادته فى سائر حديثه ولكنه الاكثر صراحه فى الكلمات الثلاثه الاخيرة .. فهى كانت بالفعل اجمل ما فى الكون .. بالنسبة له .
(3)
على الرغم من جمال ملامحها الا ان وجود مسحات الميكياج الخفيفة تضيف رونقا جماليا خاص على وجهها الاشبه باللوحه الجميلة وكلما ازدانت برتوش فنيه تلألأت بشكل اجمل عن السابق
وهذا هو حال (نولا) الجميله بالرغم من بلوغها الستين ببضع سنوات الا انك حين تتحدث معها وانت ابن العشرين او حتى الاربعين تشفق على نفسك تمام الشفقه لانك ستجد نفسك من الضائعين فى كثير من الجوانب ، نفسيا وجسديا وكوميدياً وهذا الاخير جينا متأصلا فى جسدها حتى قبل ان تكون مضغه مهيأه لدورات الحياة القادمة .
فحتى إن كان الكلام عاديا بسيطا خاليا من المجاملات او من الصدقات المتمثله فى الكلمة الطيبه وما اكثرها على لسانها اللين بلين قلبها الاصيل، الا انك لن تملك الا ان تضحك بملء فيهك او حتى على اقل تقدير ان كنت سمجاً ثقيل الظل ستبتسم ابتسامه خفيفة لانها لن تفشل ابدا فى اضحاكك ورسم الابتسامه على وجهك.
قد يعود ذلك الى امها (مرفت) ذات الاصول التركية العريقه المولوده فى مدينه (اسطنبول) وهو ما اضفى على (نولا) الكثير من المميزات التركية شكلاً ومضموناً ، فقد كانت والدتها ايضاً أيه فى الجمال وهو ما جعل زوجها المصرى – والد نولا – يعجب بها وكأن الرحلة التى زارت فيها (مصر) لزيارة المساجد التراثية القديمه هى الزيارة الاولى والاخيرة بالنسبة لها ، ذلك لأنها لم تعد مرة اخرى الى تركيا فقد (ندهتها النداهه) على حد تعبير (نولا) ولم تكن تلك النداهه سوى (احمد رستم) والدها سليل العائلات العريقه فى (المعادى) قديما ومن اكبر معجبى الفنان (أحمد رمزى) فقد كان متيماً به للغاية ومقلدا لكافه حركاته ولازماته الكلامية وحتى ملابسه ، فقد كان لا يترك فيلماً يحمل إسم (رمزى) بين طيات ابطاله حتى يهرول الى السينما المعروض بها الفيلم ليجلس متابعاً لكل تفصيله فى حركاته وكلماته وايفيهاته ونظرات عيناه ممزجاً انهماكه بكيس كبير الحجم من (الفول السودانى) المحب له بشراهه قرد أسيوى كثيف الشعر ولسعادة الحظ ان ينتهى الكيس مع ظهور كلمه النهاية للفيلم فيخرج منتشيا كمحارب انتصر فى اصعب معاركه او عربجياً خارجاً من اقدم الحانات الشعبيه لشاربى (البوظه البلدى) ، ليركب بعدها سيارته (الفولكس بيتل ) الشهيرة فى ذاك الوقت يجوب بها شوارع (القاهرة) وحواريها ان لزم الامر فقد كان له روح مغامرة غير عاديه ليدخل حوارى وازقه لم يسمع بها احد قط بل ويمكن ايضا ان ينزل عن سيارته ليجلس على احدى المقاهى الشعبيه ويبدو المشهد كأن بروازاً خشبياً ذو رائحه طيبه للغاية تزكم الانوف موضوع فى كومه قش عطنه لها رائحه تفر منها اصحاب الانوف من العوام والدواب !!
وبالفعل صفق لعامل القهوه مناديا اياه بصوت عال ليأتيه بسرعه البرق على غير العادة مع باقى الزبائن من رواد القهوه ليطلب منه (احمد) فنجاناً من القهوه وحجر (تومباك) وهو الاسم الاصلى لل(المعسل) الموجود بيننا حاليا على كافه مقاهى (مصر).
استغرق القهوجى وقتا طويلا بعض الشىء فى تحضير طلب (الباشا) لانه ارسل احد صبيان القهوه ليجلب له فنجاناً جديداً وصينيه جديده من احدى المحلات المجاورة لبيع مستلزمات المقاهى ، ذلك لانه من الإجرام بحق ان يقدم القهوجى الطلب فى اى من كبايات القهوه المنتهية الصلاحية بالرغم من شهاده صاحب المقهى انها "جيده للغاية!!" وصالحه للاستهلاك الآدمى حينما قال للقهوجى ذات مرة
(مسمعكش تقولى تانى مرة غير الكوبايات .. الكوبايات زى الفل .. واللى مش عاجبه يبقى يروح يشربها فمينا هاوس )
وكانت تلك شهادة تفوق شهادة وزارة الصحة بأن المقهى بالكامل فى كامل الابهه والوجاهه بما فيه ومن فيه وانه خال من اى نوع من الجراثيم آجلاً وعاجلاً !!
وحتى وصول القهوجى بالطلب كانت عينا (احمد ) قد فحصت المكان بشكل متناهى الدقه للالوان والمنازل والمشربيات والسيدات المتزينات بالبرقع والملاءة اللف ، وقد كان ذلك النوع من الجمال مثيرا للغايه بالنسبه له حتى ان عيناه لم تترك اياً من النساء العابرات امام المقهى الا ومرت من جهاز الفحص المتأنى من عيناه السوداء القاحلة كليل كحيل طويل !!
(القهوه يا باشا) قالها القهوجى بإبتسامه عريضه كشفت عن العديد من المآسى بدءأً من وجهه النحيل وعيناه الجاحظة للغاية بالاضافة الى فمه الذى يغفل عنه الكثير من العاملين فى هيئة الاثار المصريه لأنه قد يعد من الحفريات القديمه ولكنها فى تلك الحالة كريهه الرائحه!!
تناول القهوه وترك الحساب للقهوجى مضافا اليه (إكرامية كويسه) وركب سيارته منطلقا كفارس تائه فى مدينه الصخب، ومرت سيارته بالقرب من منطقة (الحسين) وهو لا يأبه لأى شىء حتى اصدرت فرامل سيارته صريخاً عاليا مدوياً غير معروف الاسباب ولم يكن بالفعل هناك اى شىء بالسيارة ولكن قلبه هو من يحتاج الى تصليح من ذلك السهم القوى من عيناها الزرقاوتين وبياض وجهها المنافس لأنقى الوان الجليد فى العالم !!
وكانت تلك الجميله المفرملة لقلبه هى امها (مرفت) او مدام (احمد رستم) كما كان يقال لها ، وقد كان حفل زفافها اشبه بحفل ضخم لكبار عمالقه الغناء فى الوطن العربى ، ودائما تتذكر (نولا ) تلك الذكريات فى اوقات عدة واكثرها حينما تكون متوتره كما هو حالها الان بالرغم من ثيابها المنمقه للغاية بالاضافة الى الرتوش الفنيه للمكياج على وجهها وشكل (مريلة المطبخ) المزينه بأشكال مختلفة لشخصيات (ديزنى) كنوع من اضفاء عنصر المرح الموجود بالفعل وايضا جذب الانتباه بالنسبة للمتابعين كتطبيق للنصيحه التسويقيه القوية من ابنها الباشمهندس (عز)
ومن حولها مطبخ من نوع (الجزيرة) الواسع الفسيح المصنع من خامة (الخشمونيوم) القوية ذات المقاومة العالية والسعر الغالى ايضا ، وهى امام هالة من الضوء الابيض لعامود حديدى اسود يتوسطه هاتفها على وضع تسجيل الفيديو لأول حلقات برنامجها ال (أون لاين ) بعنوان (مطبخ نولا) ، بلعت لعابها بصعوبه تتنافى مع عمرها وجمالها والثقه المحفوره فى قلبها وبدأت الحديث
: اهلا وسهلا بكل المتابعين الصاحيين والنايمين .. الرايحين والجايين وكل المهتمين .. ضيوف برنامج ( مطبخ نولا ) .. النهاردة اول حلقه بينا واكيد مش هتكون اخر حلقة .. واول اكلة معانا النهاردة (المكرونة بالبشاميل) ..
هنبدا بالمقادير علطول
مقادير المكرونة بالبشاميل
1 كيلو معكرونة بينا
2 كوب صوص بشاميل (2 كوب حليب-2 ملعقة زبدة-2 ملعقة دقيق- ملح – فلفل- 1 بيضة)
2 ملعقة كبيرة زبدة
3 ملعقة كبيرة جبن رومي مبشور
4 ملاعق كريمة طبخ
1 كوب لحم معصج
انا عملت البشاميل وجهزته بس هقولكم تعملوه ازاى
فالاول بنحط السمنه على النار لحد ما تدوب وبعدها نضيف الدقيق للسمنه ونقلبها كويس اوى لحد ما توصل للون الدهبى المميز وبعدها بنضيف اللبن بالتدريج وباقى البهارات وبعدها نحط بيضه والمرقة لحد منلاقى القوام بتاع الباشاميل متماسك
انا حضرت المكرونه وحطيت عليها الباشاميل وهنحطها فالفرن لمده ربع ساعه تستوى على درجه حرارة 180 .
وابتعدت قليلا عن الكاميرا لتمسح كما من العرق اعتى من امطار (يناير) العاتية فبالرغم من ابتسامتها وانطلاقها فى الحديث امام الكاميرا الا انها تشعر طوال الوقت انه هناك ثمة مشكلة كبيرة لكنها لا تعلم اين المشكله ؟؟
هل فى سرعه الحديث ؟
أم فى الحديث نفسه ؟
ام فى خفة الظل التى تتأثر تبعا لدرجه توترها؟
ولكنها استجمعت قوتها مرة اخرى واستعادت رونقها كصينية المكرونه الباشاميل التى اوشكت على الانتهاء من التسوية
: ورجعتلكم تانى والمكرونه كدا خلاص استوت .. هنطلعها من الفرن .. ومهم جدا الخطوه اللى جايه اننا نحطها على الشوايه شوية .. تقريبا كدا مدة متزيدش عن ربع ساعه
وبالفعل قامت بوضع الصينية داخل شواية الفرن مستطردة
كدا حطيناها عالشواية وهنستنى ربع ساعه لحد الوش بتاع المكرونه ما ياخد التسوية بتاعته عشان يكون مقرمش
كتير مننا مبيعرفش يظبط المكرونه الباشاميل ودا اللى خلانى اخليها اول حلقات (مطبخ نولا) لكن الحلقة هتكون تريند الفترة الجايه عشان مش هتلاقى اى حد عامل المكرونة بالطريقه اللى هتشوفوها هنا فى (مطبخ نولا ) و .. .
لا تعلم لماذا صمتت ولم تجد كلاما تقوله فقد جال بخاطرها الكثير من الاسئلة فى وقت قصير جدا
هل هذا البرنامج سينجح ؟
ماذا لو نزلت الحلقة على برنامج (يوتيوب) الشهير ولم تحقق المشاهدات المطلوبة ؟ او تفجر (التريند) كما قال لها (عز) ؟؟؟
ماذا ان لم تحظى بالاعجاب المطلوب ؟؟ .. خاصة من زميلاتها فى نادى (الجزيرة) والكثيرات منهن تحقدن عليها من باب (نفسنه الستات) ذلك لانها (شاطرة ولهلوبة) على حد تعبيرهن وذلك على كافة المستويات من تربيه ابناءها مروراً بتربيتها لابنتها وحبها لزوجه ابنها (عز) وحفاظها على صفو الحياة هادئة فى تلك الفيلا الكبيرة مترامية الأطراف على حد تعبير (نولا) طوال الوقت مع صديقاتها فى النادى ، فلم تذكر ايا من المرات انها اتت الى النادى لتحكى احدى المشكلات مع ايا من اطراف العائلة مطلقا ، فكلما سألتها إحدى صديقاتها ابتسمت ابتسامه ترى من خلالها ملامح الغيظ كالشرر على وجوههن وهى تقول (كله فل وياسمين) وهى تعنى الكلمات حرفياً فهى تعشق بالفعل هاتين الزهرتين حتى انها فى ساعات التجلى و(روقان البال) كثيرا ما تنادى ابنتها وزوجه ابنها بهاتين الزهرتين وكلما حكت تلك القصه لبعض زميلاتها ترى اثار (النفسنه) تطل من اعينهم حتى وان إرتدين نظارات شمسيه سميكه للتمويه إلا أنها فى كل مرة لا تخطىء أثار الحريق بداخلهم.. وهو ما لا يختلف عن الدخان الخارج من الفرن بالمطبخ مقترنا بريحة شياط رهيبة ، إذ أن (المكرونة بالبشاميل) لم تتحمل انتظار (نولا) طول تلك الدقائق المتأخرة عن الوقت المحدد فلا يعلم ايهم من هو المخطىء هل احساسها الزائد وخوفها من النقد او الفشل كحال اى مستثمر مبتدىء مقترض لا ينام الليل منتظرا النجاح والسداد ، أم من المكرونه الضعيفة امام قدرة الفرن العاتية فى شوى وجهها ازيد من المعتاد؟ !!
اغلقت الفرن وحاولت السيطرة على الدخان الخارج منه واغلقت ايضاً كاميرا الموبايل واحتفظت بتسجيل الحلقه ولكن من إن اغلقت الكاميرا اتاها اتصال من رقم غريب .. حينما ردت اتاها خبراً لم تتحمل حرارته لأنه كان عبارة عن جحيماً فى صوره بضع كلمات مميتة .
(4)
تقف وسط مكان واسع وفسيح ، وبالرغم من اتساعه الكبير مقارنة مع جسدها الصغير وعيناها الضيقة بعض الشىء إلا أنها لماحة و ذكية للغاية وسط تلك الرفوف الكثيرة المليئة بصنوف من السموم المصرح بها على حد تعبيرها دائما!! ، و بالرغم من كثرة تلك السموم إلا ان الراغبين والمتهافتين على تناولها اكثر من كل تلك الانواع المتراصه بعناية فائقه لعدم التخبط او الخطأ
وتتفاوت المبالغ الماليه المدفوعه بقدر ما يعالج ذلك السم المصرح به داء معين فالجسد.
فمنذ ما يقرب من سنة وبضعه اشهر وهى هنا وسط تلك السموم الموضوعه على الأرفف وقد تقوم بتركيبها فى احيان مختلفة لأنها خبيرة فى التركيبات الدوائية ، وايضا السموم الناجمه عن الاثار الجانبيه لتلك الادوية واخيرا السموم المحيطة بها وذاك النوع الاخير من الصعب التعامل معه ولا العلاج منه او حتى الشفاء من اثارها المميته نفسيا والمؤثرة جسديا بخطورة!!
(قمر) ذلك هو اسمها المشتق من كثير من صفاتها وهى زوجه (عز) وحبه الاول والأخير ودواء عشقه الغير مرجو شفاؤه دائما وابداً ، كما تعشق هيا الادوية منذ الصغر دون ان تدرى ان ذلك الحب سيستمر طيلة سنوات الدراسه الجامعيه ومن بعدها فى تلك الصيدلية الأشهر فى (التجمع الخامس) بضغط عمل لا يختلف طيلة ايام الاسبوع وفصول السنة وكأن العالم بأسره مريضاً ، ولكن حسن خلقها وتمكنها من العمل لا يشعر الاخرين بكم تلك المعاناة فى حياتها !!
فهى ذات صوت واضح ولكنه رقيق للغاية وحاولت جاهده مراراً وتكراراً ان تتقمص النبره الحاده والجادة ولكن باءت سائر محاولاتها بالفشل فلم تكرر المحاولات وقررت ان تظل كما هى .. ( قمر) .
الموظفة المجتهده فى عملها الطيبه فى حديثها والعذبة فى صوتها وغناءها ، تلك الصفة الأخيرة المكملة لصفاتها السابقه القيمة ، فتذكر قديما فى يوم ما على الرغم من ضغوط الدراسة وصعوبة المذاكرة ايام الجامعه الا انها وجدت فى يوم حافل بالمواد والمراجعات والملخصات الدراسيه الضاغطة على اعصابها بقدر لا يقل عن دورتها الشهرية وقد تنافست هى الاخرى لتشارك الضغوط عليها نصيباً يكبر نصيب الأسد وزوجته معاً فرصه لتقوم بشىء مبدع ، وكان اول خطوات ابداعها هو صناعه فنجاناً من القهوه البرازيلية بالبندق .. ذلك النوع المفضل لها والسبب الرئيسى فى زواجها من (عز) وتعويضاً عن توترها العصبى قررت ان تزيد كم السكر فى الفنجان عن المعتاد بالنسبة لها فهى فى الغالب تشرب ملعقه واحدة من السكر العادى او ملعقتين من السكر (الدايت) ولكن فى ذلك اليوم وضعت 4 ملاعق من السكر فى الفنجان الصغير ذو الرائحة المدوية فى ارجاء المنزل بشكل اقرب الى المخدر وهو بالفعل ما كان تأثيره مباشر عليها حينما وجدت نفسها تدندن( لكوكب الشرق)
" أد ايه من عمرى قبلك رااااح .. . رااااااح
وعدى يا حبيبي قد ايه من عمري راح
وارتشفت الرشفه الاولى بعد ان ملأت أنفها برائحة البن الذكية واكملت
ولا شاف القلب قبلك فرحة واحدة
ولا ذاق فى الدنيا غير طعم الجراح
ابتديت دلوقت بس أحب عمري
ابتديت دلوقت اخاف لا العمر يجري
وكانت الرشفة الثانيه وقودا قويا لتلك الموهبة الرائعة لتكمل باقى الأجزاء من الأغنيه بصوت واحساس اعلى من زى قبل
كل فرحه اشتاقها من قبلك خيالي
التقاها فى نور عنيك قلبي وفكري
يا حياة قلبي يا أغلى من حياتي
ولا تعلم لماذا انهت الفنجان فى رشفه مضاعفه حماسية اتت على الفنجان بأكمله لتكمل الكوبليهات الثلاثة الاخيرة حتى وصلت لجملة أغلى من حيااااتى ولم تجد قدماها مكانا على الأرض ، لأنه على ما يبدو تدافرت كل تلك العوامل الضاغطة عليها لتنتج حالة من الهبوط اللحظى حتى اتت والدتها لإفاقتها حتى تكمل مسيرتها العلمية والعملية .
: قمر !!
التفتت حول مصدر الصوت فإذا بصديقتها فى الصيدلية تناديها لتجلب إحدى الروشيتات الطبية الكثيرة فى ذلك اليوم ككل يوم
: ايوا يا (ليلى) .
: هاتى الروشيتا دى
وبالفعل اخذت الروشيتا من صديقتها وقرأتها بسرعة رهيبه دون أن ترمش لأن لديها سرعة بديهه غير عادية وانتقلت مسرعه الى الرفوف المدون عليها اسماء تلك الادوية فى الروشتة
واحضرتها وهى تخبر زميلتها بإجمالى الحساب أسرع من برنامج الكاشير
وليس هذا ذكاءا منها ولكن استهلاكا وانجازا للوقت لانتظارها ما هو افضل من عملها بل افضل من حياتها بأسرها
فهى تنتظر قدوم (عز) ليستقلها الى المنزل كعادته كل يوم حتى وان كانت مواعيد العمل صباحيه وعليه فسوف تعود الى المنزل باكراً فهو دوما يحرص ان يكون هو من يوصلها الى المنزل ولا يعد يومها جيدا الإ إذا كان (عز) موجودا فى بدايته ونهايته
الا ان هاتفها اتاها بخبر لم تكن تعلم ان اتعس الاخبار فى يومها كله بعد ان قامت بالرد على تلك المكالمة من حماتها تخبرها بأن (عز) فى المستشفى فى حالة خطرة .
(5)
لم يكن يعلم انه سيتم القاء القبض عليه بتلك السرعة فهو يعلم انه ذكى بالدرجة العالية ليتحكم بمشاعره حتى لا يقع فى حب احداهن الا انها تفوقت عليه وقبضت بمشاعرها الرقيقة للغاية على عقله وقلبه بلا استثناء
حين وجد نفسه بلا نوم اكثر من يومين وهى عاده جديدة دخيلة على نظام حياته اليومى الملىء بالانشطة المبهجه والمليئة بالمبالغ الماليه المصروفه على مدار اليوم او الشهر او السنه
وجميعها نثريات على رفاهيات الحياة الخلابة بالنسبة له الا من صخبها الهادى المتمثل فى وجهها الابيض الخالى من اى مساحيق او لمسات ولمحات الجمال
ولا يعلم ايضا ما السبب الرئيسى فى صمته المطبق الغير معهود فى كازينو (فريال) فى منطقة (المنيل) على النيل مباشرة حيث كان اللقاء الاول بينهما
منذ ان تقابلا للمرة الاولى ودوت صوت فرملة سيارته فقد توقفت الحياة بالنسبة له
كيف لذلك الشاب اللى (مدوب قلوب بنات نادى الجزيرة) على اختلاف اصولهن العربية والغربية والمترجمه الى صنوف من الجمال الربانى الخلاب الغير محدود الفتنة!! ، ومع ذلك لا يأبه أن يحب تلك ويترك تلك متحججا بكثير من الحجج البارع فيها عقله بشكل لا نهائى ، فهو يملك من السرعة والبراعه فى اسقاط ايا من الجميلات فى شباكه بسرعه البرق وايضا يفر منها بنفس التحكم والتمكن والسرعة!!
غير ان ذلك الجواد الزاهى بجماله وجد نفسه فى كبوة لا انفكاك منها على ما يبدو ، فلم يرى السهاد والتيه ينال منه كما تنال النار من القش الضعيف كذلك الذى يحدث له فى تلك الايام !!
فما يستطيع انجازه فى دقائق يطول الى ساعات و ربما لايام طوال بشكل لا يوصف
يجد نفسهه تائها فى الحمام اثناء حلاقة ذقنه بالرغم من انه سريع للغاية فى تلك المسألة لأنه يستخدم أفضل المستحضرات الغالية من خارج (مصر )، ولكن السبب ليس اى شىء.. . سواها
وها هو الان امامها يتنحنح كمسنا طاعنا فالسن ولا يجد من الحديث ما يستر به عورة قلبة الجريح النازف بلا رحمه او هواده
: مكلمتنيش عن نفسك .. انا اسمى (مرفت) وكنت عايشه فاسطنبول تقريبا حياتى كلها لكن بنزل كل فترة على (مصر) لأن خالى عايش هنا فى (المعادى) .. انتا عايش فالمعادى برضه ؟
كثيرا ما سمع عن (جفاف الحلق) نتيجة لعوامل كثيرة منها الخجل والتوتر العصبى المبالغ فيه او التعرض لمواقف اصعب من المحتمل او حتى ما هو فيه الأن من حالة دمج بكل ما سبق من عوامل لجفاف الحلق فى فمه ونضوب الافكار فى رأسه بالاضافة لالتهاب حاد فى احباله الصوتيه بالدرجه التى جعلت من الصمت المفعم بالخجل سيدا للموقف وهو ينظر اليها نظرة تلميذ لم يحالفه الحظ فى تذكر اى من المنهج المدروس بالرغم من انه تلميذ (شاطر جدا) من تلك الفئة التى تتفوق على الاستاذ ولكنه الأن فى حالة صعبة الوصف وموقف لا يحسد عليه ما جعلها تستمر فى الحديث
: خالى اسمه (عبد العزيز باشا الاناضولى ) مولود ومتربى ف(تركيا) لكن بيعشق (مصر) جدا ويمكن انا كمان بحبها زيه كدا عشان كدا باجى (مصر) كتير اوى
.. . انتا مشربتش الليمون على فكرة !!
كثيرا ما سمع عن (الهلاوس البصرية) وهو ان ترى اشياء غير موجوده ولكنه فى تلك الحالة تعرض لعرض اكبر من المرض المعروف ، إذ أن هناك ليمونا قابعا فى كوب امامه ولا يراه ، ما اتعس ما يحدث له !!!
لكنه فى تلك اللحظه قرر الاستجابه لبعض من رياح الشجاعه التى هبت على قلبه وتناول كوب العصير وارتشف منه بصوت مبالغ فيه من فرط التوتر وهو ما لم يلاحظه الا فى نظرات الناس المتواليه عليه كسياط جلاد شرس لا يعرف الرحمه
فما كان منه الا ان وضع كوب الليمون مرة اخرى ونظر فى عيناها واستجمع من تبقى من طاقته المهدرة فى عرق غزيز يتصبب منه لا يتناسب اطلاقاً مع الظل الظليل لمكان جلوسه ولا حتى مع نسمات الهواء الكثيرة المدللة المتواليه علي كل زبائن المكان
الا هو يشعر وكأنه فى خضم زحام شديد فى فرن بلدى بأعرق وأقدم أحياء (مصر) بين الكثيرين من طبقات الشعب الكادحه المتصارعه مع جولات الحياه للفوز (بأكل العيال بالحلال) حتى وان كان المقابل تقبل الصهد الخارج من الفرن والممزوج بضيق الاماكن من كثرة الزحام ، لا يعلم ما كل تلك التشبيهات المطلة برأسها فى رأسه ولكنه نظر إليها وقال كلمة واحدة
: تتجوزينى
قالها وصمت العالم بأسرة وأنطفأت اضواء الحياه أمام عينااااه !!.