: من خارج السياق
فريد:أتعلم؟ هو حدث مميز، ولحظة يجب أن تسجل، فأنت لن تجلس كل يوم أمام طبيب ليخبرك أنك مصاب بالفصام. لن تتاح لك الفرصة مرات عديدة أن تسمع شخصًا متخصصًا أنفق عليه أهله الكثير، وأنفق هو الكثير من الجهد والمال، ليجلس على ذلك الكرسي، وينال منك مبلغًا فلكيًا في الساعة، ثم يجرؤ بعدها أن يمنح لنفسه الحق أن يكون صادقًا دون تجميل، فيكشف أمامك أنَّ بعضًا ممّا تفعله لا تفعله حقًا، أو لا تفعله و أنت بكامل وعيك، وأنَّ كثيرًا مما اقترفت يداك لا تذكره، ولا تصدق – مقتنعا – أنّك من قام به.
الطبيب: لا أدري هل أعتبر هذا مدحًا أم ذمًا؟ لكنْ، أمتأكد أنك مستعدٌ لذلك؟
فريد: نعم. في أتم استعداد.
الطبيب: سيكون هناك آخرون في الجلسة. ولن يمكنك أن تحجب وجهك، سأطرح أسئلة، و ستجيبون عنها.
فريد: أعلم. جلسة علاج نفسي جماعي. بالتأكيد ستحتوي على أسئلة.
الطبيب: متأكد أنك تريد أن يسمعوا ما ستقوله؟ بدون قناع.
فريد: ومن تحدث عن الأقنعة؟ سأظهر بوجهي. فريد الإعلامي المشهور الذي يشاهدونه يوميًا على شاشة التلفاز.
الطبيب: غريب..
فريد: لماذا؟
الطبيب: عادة ما يرغب النجوم والمشاهير في الخصوصية، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالمرض النفسي.
فريد:ما أتطلع إليه، وما أنا عليه، وما أريده، لا يعتبر الفصام مرضًا، بل هو مؤهل من مؤهلات ذلك الدور المرسوم. لقد سعدت بتشخيصك لمرضي بأنه فصام كما لم أسعد بشيء آخر.
ينتقل المنظر إلى مصحة نفسية يجلس فيها أكثر من شخص في جلسة علاج نفسي جماعي، ومعهم فريد.
الطبيب: كيف بدأ الأمر؟
ينتقل الحوار للمرضى:
رجل 1 : بمجموعة إشارات، كانت أوضحها، والتي جعلتني أشعر أنَّ شيئًا ما ليس على ما يرام، عندما كنا نجلس في الشرفة مع العائلة. كنت في مقتبل الشباب وقتها، تحدث خال لي عن الرجولة، فتدخل خال آخر ليثني علي.
الخال: ليتك رأيت ابن أختك بالأمس واشتباكه مع ذلك البائع عندما قال عن أخته أنها جميلة.
رجل1: أنا؟
الخال: أحسست أنك رجل حقيقي. لقد دفعت يده من على وجنتها، و صرخت به أنه غير محترم و........
رجل1: أنا لم أفعل ذلك، ولم أكن معهم وقتها.. لكن أمي أكدت أنني كنت هناك، وفعلت ذلك.
الطبيب: و بعد.
رجل1: ثُمَّ أتت تلك الحيرة. إيماني المطلق بأنني لم أفعل، رغم أنني فعلت.
رجل2: على الأقل أنت وقتها قمت بأمر رجولي.
رجل1: نتحدث عن البدايات التي قادتنا جميعا إلى هنا.
فريد: بداياتي أنا أقدم من ذلك بكثير. و لم تكن إشارات، بل كانت تاريخًا.
رجل1: لا أفهم.
فريد:تطورت إشاراتك بعد ذلك حتى سيطرت عليك، ففقدت الخيط بين الحقيقة و الخيال، لأنّك تجاهلت الإشارات، واستخففت بقوتها، وقدرتها على التسلل للسيطرة على نفسك.
الطبيب: بالمناسبة. أنا الطبيب هنا.
رجل2: لكنه يتحدث حديثًا مألوفًا.. أنا أيضًا كنت أتجاهل تلك الإشارات. يومًا كنت أجلس مع زوجتي نتحدث عن أيّ مما يشغل خواء حياتنا الفارغة أصلًا.
مشهد مع الزوجة.
الزوجة: لماذا تحولنا إلى ما نحن عليه؟
رجل2: وما هو ما نحن عليه؟
الزوجة: تماثيل بلا مشاعر. نؤدي مسرحية هزلية لذكر و أنثى يعيشان تحت سقف واحد بشكل قانوني. ألم تعد تحبني؟
رجل2: لم أعد أدري.
الزوجة: أتذكر يوم أرسلت إليَّ تلك الرسالة على ظهر صورة من تصويرك تخبرني أنّك تحبني.
رجل2: (ينظر بدهشة)
الزوجة: لا تذكر طبعًا، رغم أن ذاكرتك حديدية. سأحضرها لك. (تدخل لتحضر الصورة)
رجل2: (يقرأ) "بدون كلام، أو خطب، أو أشعار "أحبك".
الزوجة: لقد وافقت على الزاوج منك رغم كل ما فعلت، رغم هروبك، وعودتك أكثر من مرة. لقد كانت هذه الورقة ما جاءت بي إلى هُنا. تذكر ما كتبته. ويمكن أن نعود كما كنا.
يعود المشهد للجلسة.
رجل2: لم أكن أنا من كتب تلك الجملة، متأكد من ذلك، كتأكدي من وجودي، وإنني تنفست وقتها، واكتشفت أنّني متزوجٌ منذ ثمان سنوات بناء على جملة لم أكتبها. وشعور اعترفت به يومًا، ولا أشعر به، ولا أتذكر أنّني عرفته.
فريد ينهض، ويسير حتى النافذة.
الطبيب: لم لا تبقى معنا هنا؟
فريد:انظر هناك. يوجد سادة وعبيد، أشخاص يتقاتلون لمجرد الاختلاف، وآخرون يتقاتلون للظفر بسراب، وآخرون يراقبون كلّ ذلك مستمتعين برحيق ذلك الصراع المحموم.
رجل2: لا علاقة لما تقول بما نحن عليه.
فريد:خارج تلك الصورة المجنونة يقف أناس فهموا نفس الصورة بشكل واضح، واتخذوا أماكنًا تتيح لهم التحكم في الجميع من خلف الستار. هؤلاء يجب أن يمتلكوا ألاف الوجوه.
الطبيب: وأنت منهم؟
فريد:سأكون منهم.
الطبيب: كيف بدأ الأمر معك؟
فريد: مع بدء الخليقة.
الطبيب: ماذا عن أول الإشارات؟
فريد: في عالم الفصام لا يهم أن تتعدد الوجوه، و لا أن يظنك البعض شريرًا أو خيرًا. من التوافه والسعي خلف السراب اللهاث وراء أن تخلد كرمز للخير.. فأنت أنت بكل ما فيك، وأنت أنت بكل ما تحمل.
الطبيب: لم تجب عن السؤال.
فريد:لم تكن إشارات. بل هي تاريخ للإشارات.
الطبيب: تكرر هذه الكلمة كثيرًا. ولا أفهم ما تعني.
فريد:ستفهم عندما أخبرك عن تلك الإشارات.
الطبيب: ما هو أول ما يرد بذهنك عندما أسألك من أنت.؟
فريد:حفل التتويج.
إظلام