في بادئ الأمر حكم (نوريز) بعد وفاة الملك هودجر، لم يرحب الشعب به كثيرًا؛ فقد كان هودجر عظيمًا، خلقت عظمته برودةً قاسية بين الشعب والملك الجديد، الأمر يستدعي مجهودًا كبيرًا من الملك الجديد لملء فراغ خَلفه هودجر، مسكينٌ من يأتي بعد رجل عظيم.
أحس المواطنون أنَّ عباءة هودجر لا يملؤها وزيره الضعيف، تردد أن هودجر تسرَّع في اختياره وتجرأ البعض متهمين هودجر بأنه اختاره وهو يعاني من الشيخوخة، وأنَّ حكمه حكم الخرِف الذي لا يملك قراره مما ينزع عن نوريز شرعية توليةِ هودجر له.
سمح نوريز للمواطنين بانتقاده مظهرًا رحابة صدر في تلقي الاتهامات، وكلما اتخذ قرارًا تعالت الأصوات برفضه بحجة أن هودجر لم يكن ليتخذ مثله إن ظلَّ حيًا.
كان يكبت غضبه وفي جلساته المغلقة مع مستشاريه يبدي حنقه ويتهكم على منتقديه وقدرتهم على التنبؤ بما قد يفعله الأموات عندما تعود أرواحهم للأرض البائسة!.
نصحه أحد مستشاريه بالقرب من الشعب أكثر، وأن يشعرهم أنه منهم؛ خلع تاجه ولبس ثيابًا بسيطة وبدأ في الظهور بهذا المظهر المتواضع، ظنَّ أنَّ هذا المظهر سيقربه من محكوميه أكثر لكنهم تهكموا عليه ولعنوا نفاقه فهو الملك بملبس البلهاء!.
شعر الشعب بالحنين لملكٍ حقيقي، لا يريدون مهرجًا يبهرهم جهله بفنون القيادة، بدأ القادة والوزراء يزدرونه ووصل الأمر أن عنَّفه أحد قادة الجيش لتأخره عن حضور عرضٍ للقوات وعجب الحاضرون لسكوته عن هذه الإهانة!.
وردت أنباءٌ بتجمُّع الكثيرين خلف رجلٍ يدعى ديجارست، مهَّد لنفسه بين البشر عن طريق أتباعٍ ودعاة سريين أشاعوا أنه من سلالة الملك جسبلت المختار من بهرام أسطورة الأرض الذي اجتمعت عليه كل الطوائف.
أشيع أنه حفيدٌ لجسبلت من ناحية ابنه الأكبر جرافسرت وأنَّ جده كان ابنًا لجرافسرت أخفته أمه بعد هزيمة أبيه خوفًا على حياته، كذَّب كثيرون هذه القصة وكذلك صدقها الكثيرون، لكن الشعب المشتاق لملكٍ حقيقي ابتلع القصة، فسيرة جسبلت الملك القوي كانت مسيطرةً على عقولهم تدفعهم لنصرة الدعي المجهول الذي قد يعيد للملك هيبته.
تجمع عددٌ كبير من البشر وساروا لقصر الملك نوريز مطالبين بخلعه وتنصيب الملك ديجارست، كان أنصار نوريز ساخطين على ملكهم لضعفه ومتسائلين كيف ترك الأمور تصل لهذا الحد؟ ومن نصحه بهذا التهاون في حق نفسه وحق المنصب الكبير الذي وضعه فيه هودجر؟!.
كل يوم يخرج الناس ويطالبوه بالرحيل وتنصيب ذلك الدعي ديجارست ملكًا على الأرض، يحكمها جالسًا على عرش لامسه جسد بهرام، ذهب عقل البشر تمامًا حتى رغبوا في جلوس ابن زنا على عرش بهرام المقدس!. مرت الشهور ونوريز منطوٍ على نفسه بالقصر يشعر بالحزن ولا يقدر على مواجهة الغاضبين الذين يسبونه كل يوم حتى قرر التخلي عن المُلك.
اهتزت أركان الدولة لقراره المفاجئ، حتى قادة الجيش الذين احتقروه أصابهم الهلع، من هذا الديجارست حتى يحكم؟ عرضوا عليه أن يساعدوه بكل قوةٍ ويعيدوا له هيبته المفقودة ويقتلون الدعي الكذاب لكنه ولأول مرة يتسم بالحزم ويصيح في وجوههم :
-اللعنة على هذا المنصب وعلى من يريده، لقد تحريت العدل لكنكم كالمرأة اللعوب تحتقر زوجها الطيب وترتمي في أحضان فحل يذيقها الذلَّ والهوان.
خرج من القصر بعد إعلانه التنازل عن هبة هودجر العظيم وسار وحيدًا إلى قصره المنعزل أملًا في حياةٍ هادئة مع زوجته وابنته.
اجتمع مجلس الحكماء باحثًا عن مخرجٍ لهذا الفراغ الذي أحدثه قرار نوريز، وكان هناك ميلٌ لتنصيب ديجارست ملكًا لصعوبة اتفاق قادة الجيش على رجلٍ منهم أو من غيرهم.
لكن حدثا جديدًا قطع الطريق الممهد لديجارست، فقد ظهر منافس عنيد يدعى (أونا)، ادعى هو الآخر نسبته للملك رادون وأنَّ أباه كان ابنًا للملك من إحدى جواريه.
القصة الواهية ذاتها تتكرر؛ لكن أونا أثبت صدق نسبه بشهادة أحد كبار الخدم في قصر رادون والذي ظلَّ على قيد الحياة، انضم لأونا الكثير من الرادونيين وبعض البهراميين الذين ظنوه معتدلًا وبعض الجسبلتيين غير الراضين عن حفيد جرافسرت المغضوب عليه من قديسهم الأكبر الملك جسبلت، أما ديجارست فقد انضمَّ له كثيرٌ من البهراميين بعد اتفاقه معهم على الاعتدال، وكثير من الجسبلتيين الذين فضلوه على ابن رادون الذي قمعهم وقضى عليهم ونكل بهم.
لم ترجح كفة أحدهما على كفة الآخر فكلاهما جمع من الأتباع الكثيرين، صار على جيش الدولة أن ينضم لأحد الفريقين لكن الجيش لا يتبع إلا الملك الشرعي ولا يمكنه الدخول في هذه المغامرة.
اجتمع مجلس الحكماء مع كبار قادة الجيش يبحثون أمر الرجلين الذين ظهرا في لحظةٍ من الضعف تسبب بها رفض الشعب لملك ضعيف، كلا الرجلين يملك جيشًا كبيرًا وأنصارًا يملكون المال والسلاح وإن لم يحسم أمر الملك سريعًا تتفتت الأرض ويستقل كلاهما بما يسيطر عليه وتضيع ثمرة جهود بهرام وهودجر من بعده.
لم تسفر المشاورات عن شيءٍ وظل الوضع كما هو فلم يبق حلَّ إلا انتظار المعركة الحاسمة بين الطرفين والوقوف بجانب المنتصر وتنصيبه ملكًا، كانت الفكرة باهتة لم يبتلعها أحد، حتى الذين أقروها في الاجتماع لم يكونوا مقتنعين بها لكن الانقسام الحاد والاختلاف الشديد دفعهم دفعًا لابتلاعها والوقوف موقف المشاهد السلبي؛ وكأنَّ جيش الأرض عاجزٌ عن حسم الأمور تاركًا الأمر كله لاثنين من المغامرين مجهولي النسب يعبثان بمصير الأرض ويتلاعبان بالبشر السذج.
في قيادات الجيش الوسطى كان (دومباسيلا) الشاب المغامر شديد التعصب لجنس الجيانيز يحظى بشعبيةٍ كبيرة بين جنود وضباط الجيش وأغلبهم من الجيانيز، كان يفخر بانحداره من (جادوت) ابن عم الملك بهرام الذي قضي عليه أيام جسبلت، كان يرى نفسه الأحق من هؤلاء الأدعياء، فمن حفيد رادون هذا ليملك ومن رادون هذا؟! ألم يكن ابن سائس الخيول؟! ومن ابن جرافسرت هذا
؟! وما أدرانا أنه ابنه؟ من المؤكد أنه ابن إحدى العاهرات وقرر نسبة نفسه لملكٍ عظيم كي يحظى بتأييد المخدوعين.
رأى دومباسيلا أن قادة الجيش الحاليين ضعفاء وفاسدون وعليه أن يطيح بهم جميعًا لينقذ الأرض من حكم أبناء الزنا، نشر فكرته في الجيش سرًا وكسب أتباعًا وانتظر الوقت المناسب لتنفيذ مخططه لإنقاذ الأرض من الاضطراب والتخبط، الخمسة الكبار بالجيش كانوا مختلفين ولا يمكن إقرار شيءٍ بدون موافقتهم مادام الملك غائبًا، لم يكن للجيش قائد فالخمسة متساوون في القوة وغير متحدين. قرر دومباسيلا أن يكون هو القائد وبينما يعمل دومباسيلا في الخفاء ليحقق طموحاته، كان القادة الخمسة ينتظرون ديجارست وأونا ليحددا معاً مصير الأرض.
لم يحسم ديجارست المعارك وكذلك أونا لم يفعل، عامٌ طويل من المعارك الدموية لا يحتل ديجارست أرضٌا إلا وأخذها أونا منه وما احتل أونا أرضًا إلا دخلها ديجارست وقتل كل الموالين لأونا.
أنهارٌ من الدماء تسيل ولا يتدخل الجيش، غاية ما يفعله القادة الخمسة هو التحذير من الاقتراب من الجيش ومعسكراته أو من العاصمة وقصر الحكم، انتشرت شائعة تقول أنَّ اثنين من قادة الجيش أعلنا الولاء سرًا لأونا وقررا دعمه، وتسرَّب كذلك أنَّ آخرين فعلا الشيء نفسه مع ديجارست، لم يتأكد أحد من الشائعتين ولم يشغل البشر أنفسهم بالجيش وقادته بعد أن خذلهم وتركهم في مواجهة الحرب الضروس بين اثنين من الطامحين للسلطة معدومي الضمير؛ بدا أنَّ الحرب لن تنتهي أبدًا فالقوتان متكافئتان، والهدف عظيم، ولا نية للتنازل عند الطرفين، فكلاهما يرى نفسه الأجدر بحكم الأرض وكلاهما يظنُّ نفسه بهرام الأرض الجديد، ملَّ البشر من الصراع الطويل وفقد المتنازعان كثيرًا من التعاطف فكلاهما ارتكب مجازر بشعة وتلوثت يديه بدماء الأبرياء.
قرر أونا فجأة أن يهاجم العاصمة ليعلن نفسه ملكًا من هناك فيجبر الجيش ومجلس الحكماء على الاعتراف به، كانت مغامرةً خطرة قد تكلفه حياته فالجيش الأرضي هو الذي يتولى مهمة الدفاع عن العاصمة وإن فشل في احتلالها فسيعطي للجيش المبرر الكافي للانحياز لخصمه فينتهي الصراع، تسربت المعلومات عن الهجوم ومعه شائعةٌ قوية بتضامن قائد حامية العاصمة (بوروزو) مع أونا وأنه سيسلمها له بلا قتال، عندما علم ديجارست بنية خصمه أرسل قواته لقطع الطريق إلى العاصمة ولاحت في الأفق نذر معركةٍ كبرى للسيطرة على طريق العاصمة، ازداد السخط بين ضباط الجيش فما يحدث هو السخف بعينه، لقد حولهم تردد قادتهم وعدم اجتماع كلمتهم إلى مشاهدين.
تحولوا إلى دُمىً والمعارك الكبرى التي ستحسم مصير الأرض تدور أمامهم وبالقرب منهم ولا يستطيعون التدخل. تحولوا إلى محاصرين، حيادهم عرضهم للإهانة حتى صاروا سخرية العامة في الطرقات، آن الاوان ليتحرك دومباسيلا الطموح واضعًا كل شخص في مكانته التي تليق به، من العار أن يحكم الأرض أحد هذين الحقيرين عديمي الأصل.
في إحدى الليالي المظلمة تحرك دومباسيلا ونفر من رجاله على رأس قوةٍ من الجيش، قسم دومباسيلا رجاله خمسة أقسام وعلى كل قسم وضع أكبر القادة المنضمين إليه، تحركت الفرق الخمسة في توقيت واحد كل منها قاصدة قصر أحد القادة الكبار بالجيش، دارت معارك صغيرة بين هذه الفرق وحرس القادة وانتهت باقتحام أتباع دومباسيلا للقصور والقبض على القادة الخمسة، تحرك دومباسيلا مع فرقة من رجاله إلى قصر الحكم وهناك تحدث مع قائد الحرس قبل أن يدخل وأمره أن يسلم له القصر باعتباره الملك، لم ينفذ القائد أمره ودارت معركةٌ بين الفرقة والقائد انتهت بدخول دومباسيلا القصر وإعلان نفسه ملكًا على الأرض، وفي الصباح رأى ضباط الجيش في كل الوحدات قادةً جدد يصدرون الأوامر بعد أن أحيل القادة الكبار للتقاعد، قدم الخمسة الكبار للمحاكمة، وكانت مفاجأةً سارة للضباط الذين هتفوا بحياة الملك دومباسيلا وانتظروا ماذا سيفعل الملك الجديد حيال الفتنة التي أشعلها ديجارست وأونا، تجاهل الملك الصراع القائم بين ديجارست وأونا وكذلك لم يتورط أحدهما بإعلان شيء فلم يعلنا تأييدهما له ملكًا كذلك لم يجاهرا بالعداء له، كان توليه للملك مفاجأةً مذهلة ألجمت الجميع وصار على من ينكره ملكًا أن يحاربه.
لكن من يجرؤ على معاداة دومباسيلا بعد أن وحَّد الجيش تحت قيادته؟! ومن يجرؤ كذلك على فتح جبهة مغلقة وهو في حرب لا تهدأ مع خصمه؟! أعلن مجلس الحكماء بالإجماع تنصيب دومباسيلا ملكًا على الأرض مع توصية بوقف نهر الدماء الذي قضى على استقرار الأرض وأمن البشر، استمر تجاهل دومباسيلا لديجارست وأونا فازداد قلقهما، عقد دومباسيلا محاكمةً عسكرية للقادة الخمس المتخاذلين وحكم عليهم بالإعدام.
نفذ حكم الإعدام في أكبر ميادين العاصمة وبعد أن حملت الجثث لتدفن وجه الملك دومباسيلا الدعوة لديجارست وأونا للحضور إليه في قصر الحكم والتفاوض من أجل إنهاء الحرب العبثية فالآن صار للأرض ملكٌ من نسل جادوت المشترك مع بهرام في جد واحد هو (إرومام) كبير عشيرة زيبابا، الذي وحد الجيانيز وصار ملكًا عليهم قبل أن يوحد بهرام الأرض بأربعين سنة.
لم يجب أيٌّ من الطرفين المتنازعين دعوة الملك دومباسيلا، أربكتهما مناورته وخشيا من الغدر بهما، كان دومباسيلا يريد إنهاء الأمر بأقل كلفةٍ ممكنة، لكن الانتظار أكثر سيعرضه لخطر تحالفهما معًا؛ لذلك أرسل سرًا لديجارست يخبره أنه كحفيد لجادوت وسليل أسرة بهرام العظيم يميل إلى التحالف مع حفيد جسبلت عن التحالف مع حفيد سائس الخيول الذي خان سيده، أرسل ديجارست يسأله بوضوح عن مكسبه من التحالف فرد عليه دومباسيلا أنه سيعطيه جزيرة بوشاتو الغنية ويشركه معه كما أشرك هودجر بوشاتو، العرض أسخى مما يجعله قابلًا للتصديق؛ لذلك تحفظ ديجارست وانتظر على أمل رؤية شيء يحسم حيرته.
لم ينتظر كثيرًا فقد أتته رسالة أخرى من دومباسيلا تطلب منه التوجه للساحل الجنوبي والذهاب لجزيرة بوشاتو لاتخاذها مقرًا له كما كانت مقرًّا لبوشاتو من قبل، وفي المقابل طلب منه ترك نصف جنوده ليستعين بهم في حرب عدوهما أونا، فكر ديجارست كثيرًا في العرض؛ فهناك شيء داخل نفسه يصرخ فيه طالبًا رفض العرض، فدومباسيلا لن يفرط في هذه الجزيرة الغنية والتي يسيطر عليها بهذه البساطة ولن يشرك معه في الحكم أحدًا، ليس دومباسيلا هودجر ولا هو بوشاتو، تأخر ردُّه كثيرًا فأرسل له دومباسيلا رسالةً غاضبة يطلب فيها تحديد موقفه بسرعة ويخبره أنه بالفعل أخلى الجزيرة من جنود الدولة وأخلى الطريق من الحاميات وسحب كل قواته لملاقاة أونا وترك له السفن اللازمة للإبحار إلى الجزيرة، وذيَّل رسالته بعبارة تقول (الملك المتردد لا يعيش طويلًا).
عندما أنهى ديجارست الرسالة كان ينتظره رسولٌ من منافسه أونا يعرض عليه التحالف ضد دومباسيلا، أدخل ديجارست رسول أونا واستمع إليه، كانت رسالة شفهية من أونا يعرض فيها التحالف مقابل تقسيم ملك الأرض بينهما ويحذره من خداع دومباسيلا.
لم يرد ديجارست ردًّا قاطعًا وطلب من رسول أونا مهلةً يقلب الأمر في رأسه ويستشير مساعديه، انتظر ديجارست تقارير عيونه المنتشرة فأتته الأخبار بانسحاب قوات كبيرة من جزيرة بوشاتو وإفراغ كل النقاط الحصينة الموجودة على الطريق للساحل بالفعل، تأكد ديجارست من صدق وعد دومباسيلا.
قرر الموافقة على عرضه وبعث رسالةً بذلك مع رجله كما أرسل نصف جيشه ليكون تحت أمر دومباسيلا وتحرك بالنصف الآخر ناحية الجزيرة الغنية، كان الطريق ممهدًا أمام جيش ديجارست لكنه كان يتحرك بحذرٍ خشية وجود كمين فهو لا يأمن مكر دومباسيلا ولا يأمن أونا الذي قد يقطع الطريق بينه وبين الجزيرة، وصل للشاطئ ووجد السفن التي وعده بها دومباسيلا فأحسَّ أخيرًا بالأمان وابتهج مع جنوده وأمر بالصعود للسفن وتجهيزها للإبحار. يبدو أنَّ دومباسيلا أراد نجاح التحالف وإبعاده بأقصى سرعة ليتفرغ لأونا.
وعلى ظهر السفينة قال أحد مستشاريه:
- سيدي الملك، ألا ترى أن دومباسيلا قد يحنث بوعده بعد أن يتخلص من أونا فيسعى للقضاء علينا؟
- لن يستطيع؛ فالجزيرة كبيرة والمناورات فيها خطرة ألم تدرس حملات هودجر على الجزيرة؟! ولا تنس أن سكان الجزيرة المعتزين بوطنهم سيرحبون بنا ويقوننا بسبب نزعتهم الاستقلالية، فأنا أنوي التقرب إليهم وتكوين جيش كبير منهم يدعم ملكنا الجديد.
كانت حجة ديجارست قاطعةً، بالفعل تخلص من عبء المعركة مع أونا ودومباسيلا وكسب جزيرةً غنية بعيدة عن الصراع لكن مستشاره كان يشعر بقلق خفي لا يدري له سببًا.
عندما انتصفت المسافة في البحر رأوا سفنًا قادمة باتجاههم، شعر ديجارست بالقلق وتحول القلق لهلع عندما فطن للخدعة، سفنه كلها سفن نقل للجنود وليست مجهزةً بالمدفعية اللازمة لمعركة بحرية، والداهية دومباسيلا أعد له معركةً بحرية غير متكافئة، انهال عليهم القصف المدفعي، أمر ديجارست بنصب المدافع التي حملها معه لكن الهلع الذي أصاب رجاله خلق حالةً من الفوضى منعتهم من تنفيذ الأوامر بدقة، أخذ يصرخ مطالبا رجاله بالثبات لكن الرجال الذين لم يركبوا البحر في حياتهم كانوا مشتتين والكثيرون منهم ملقون بين مذعور ومتعب بسبب دوار البحر بينما القصف ينهال والسفن تتعرض للغرق، قفز معظمهم في الماء وغرقت بعض السفن واستسلم البعض الآخر وفي غضون ساعةٍ تحول ديجارست من ملك لجزيرة بوشاتو إلى أسير حرب لدى رجال دومباسيلا.
كان ديجارست في ذهولٍ من سرعة سقوطه رغم حذره الشديد، ظلَّ يعد نفسه للملك ويحارب منافسه بشراسة ولم يرضَ بصفقة دومباسيلا وظل حريصًا إلى آخر وقت لكنه في النهاية يُهزم في معركةٍ بحرية لم يحسب لها حسابًا.
هز رأسه ضاحكًا من سذاجته وبراعة دومباسيلا وأشفق على منافسه أونا الذي يحارب هذا الداهية وجهًا لوجه الآن، لابد أن أونا علم بمصيره بعد خدعة دومباسيلا، تساءل في حيرة، هل يضحك منه أونا الآن أم يشغله دومباسيلا عن التفكير في أي شيء؟ أحمق من يسخر من أي شيء الآن، فمن يواجه دومباسيلا يجب أن يعصر عقله، ويعلو على كل الصغائر، فدومباسيلا الثعبان يلدغ بلا رحمة من يغفل لثانية، إنها الحرب التي افتقدها العالم طويلًا، حرب العقول الفذة.