كان ظهور تلك البيضة الحجرية بمثابة المفاجئة بالنسبة لي، فمن يخفي ذلك الشيء الجميل بداخل كتلة قبيحة من الشمع؟! لذلك أخذتها من على الأرض وتفحصتها بدقة تحت النور، كانت تلك القطعة الحجرية في حجم بيضة الأوزة تقريبًا، ومصنوعة من الحجر الأسود المنقوش والمطعم بالذهب، وتلك النقوش شديدة الغرابة؛ فلوهلة تعتقد أنها عربية وإذا دققت أكثر تظن أنها لاتينية، ولكني متأكدٌ من أنني رأيت تلك الحروف من قبل؛ لذلك أخذت أبحث على الإنترنت عن الحروف القديمة لمنطقة شبه الجزيرة العربية والشام، وتفاجئت من أن تلك الحروف هي حروف عربية قديمة؛ حيث أن الحروف العربية انبثقت من النبطية، أو ربما هي إحدى فروع السريانية القادمة من الآرامية وهي من السلالة الأبجدية الفينيقية، وقد ظهر منها الأبجدية العبرية والأبجدية الإغريقية، ومن الإغريقية ظهرت الأبجديات السريالية واللاتينية وغيرها، وهناك أيضًا كانت توجد الأبجدية العربية الجنوبية أو خط المسند، والتي كانت تستخدم بكثرة في جنوب الجزيرة العربية، وظهرت على النقوش الحميرية وقبلها السبئية في اليمن، ويعتقد أيضًا أنها اندثرت مع بداية ظهور الأبجدية العربية الحالية.
وأنه من المؤكد أن نبي الله إسماعيل هو من طور تلك الحروف النبطية، وتطورت أكثر على يد أبنائه نفيس، ونضر، وتيماء، ودومة وأخذوا يطورونها؛ فتارةً يشبكون الحروف، وتارة يفصلونها حتى أصبحت بالشكل الحالي، ثم أُضيف لها لاحقًا بعد الإسلام النقاط المعروفة، وأن العرب في قريش كانوا يستخدمون الحروف العربية الحميرية حتى بعد الإسلام بستين عامًا، ولكن القرآن كُتب بالحروف العربية المشتقة من الأبجدية النبطية، مما أنهى تمامًا الاستخدام للحروف الحميرية، والتي لا زالت تستخدم بعد أن تطورت في إرتيريا وأثيوبيا.
إذن المكتوب على تلك البيضة الحجرية هي سريانية أو آرامية؛ لأنها تشبه كثيرًا ما رأيته على الإنترنت، ولكن ما الذي جاء بها إلى تلك المنطقة؟، وما علاقتها بتلك العملات، أو القرية، أو حتى ذلك المقام؟
لحل ذلك اللغز كان يجب أن أعرف أولًا ما هي تلك القرية، وما سبب وجودها في ذلك المكان؛ لذلك أرسلت بريدًا إلكترونيًا لزملائي الذين أبدلوني للعمل في نفس المكان؛ ليسألوا بعض الغفراء هناك عما يعرفون عن تلك المنطقة، وبالطبع لأن أصدقائي يعرفون اهتمامي بتلك الأشياء الغريبة فسوف يساعدونني بدون أن يطرحوا الكثير من الأسئلة.
قال ماركوس:
- إذن رجالنا يبحثون في المكان الصحيح هناك طالما عثروا على هذا.
قال الكاردينال:
- لقد أخبرتك من قبل أن المخطط الذي بدأناه يقوم على أساسٍ صحيح.
قال ماركوس:
- عندك حق، ولكن من كان يصدق تلك اللفافة التي وجدها أحدنا هي في الحقيقة أمر واقعي وليس مجرد تخاريف.
ضحك الكاردينال وقال:
- كل هذا كان منذ مائة عامٍ، عندما وجد أحد فرسان الهيكل تلك الرقعة الجلدية داخل أحد الكهوف في طريق عودته من الحج في أورشليم، ساعتها لم يفهم أي شيءٍ منها؛ لأنها مكتوبة بلغة قديمة، ولكن ما وجده معها من ذهبٍ جعله يحمل كل شيءٍ ويحضره إلى البابا أوربان الثاني الذي اهتم بها كثيرًا، خاصة أن تلك العملات الذهبية كانت تحمل شعار النجمة السداسية، وحتى عام 1095 ميلادية كان البابا يحاول ترجمتها، حتى أفلح ليجد أنها رسالة سرية تحوي الكثير من الغرائب والأشياء العجيبة التي يحتفظ بها في أورشليم، وبالأخص في مقر سكن سليمان النبي.
قال ماركوس:
- ولكن تلك الرسالة لا تعود إلى زمن النبي سليمان؟
قال الكاردينال:
- نعم، ولكن ليس بعيدًا عن زمنه؛ فكما تعرف أن النبي سليمان كان آخر الملوك للدولة الموحدة لليهود، وبعده انقسمت المملكة إلى شمالية وجنوبية، فبعد وفاة النبي سليمان أعلن ابنه رحبعام نفسه ملكًا على بني إسرائيل، فبايعه سبطا يهوذا وبنيامين، الذين كانا يقيمان في منطقة أورشليم وما حولها إلى جنوب فلسطين، ورفض الأسباط العشرة الآخرون مبايعته لخلافٍ نشب بينهم، وهكذا انقسمت مملكة إسرائيل إلى مملكتين، ولكن كانت المملكة الشمالية تحت حكم رحبعام هي التي تضم أورشليم وكان يحكم من مقر والده، وتبعه الملك أبيام بن رحبعام بن سليمان وتوالى الملوك حتى الملك عيقام هو من تعود تلك اللفافة الجلدية إلى زمنه.
قال ماركوس:
- وما كان سبب تلك الرسالة؟
قال الكاردينال:
- كما كانت تقول الرسالة أن إرث النبي سليمان كان يتضمن أشياء خطيرة، مثل: أشياء تخص هاروت وماروت، وأشياء تخص العلوم التي كان يملكها سليمان لتسخير الجن، وهكذا وبالطبع كان حكام مملكة الجنوب ليسوا من بيت داوود، وكانوا يطمعون في تلك الأشياء مدعين أنها ملك لهم أيضًا، وعندما خاف الملك أبيام على تلك الأشياء قرر إخفاءها في مكانٍ سري، ولكن عندما وصل عيقام إلى الحكم خاف أكثر على تلك الأشياء، خاصةً أن دولتهم أخذت في الضعف وقربت على الانهيار، كما أن البابليين كانوا يريدون غزوهم؛ لذلك قرر الاستعانة بأحد السحرة الذي وضع طلسم يحمي تلك الأغراض، وبالفعل بعد ذلك الوقت وقعت فلسطين تحت السبي البابلي ودمروا كل شيء، وكانت الرسالة تلك من ذلك الساحر إلى ملك اليهود عيقام؛ ليخبره بمكان إخفائه لتلك الأشياء وعن أمر الطلسم، ولكن يبدو لسببٍ ما حامل تلك الرسالة سواء كان الساحر نفسه أو أحد أتباعه قد مات أثناء احتمائه في ذلك الكهف.
قال لماركوس:
- حتمًا من يحصل على تلك الأشياء قد يحكم العالم.
قال الكاردينال:
- ولهذا لم يكذب البابا أوربان الثاني خبرًا، وكان لا بد له أن نحصل على تلك الخبيئة بأي ثمن كان، ولكن كيف وكل شيء تحت سلطة المسلمين، وملوك أوروبا كل منهم يغرق في نزواته ومتعته، ونحن فرسان الهيكل لا نملك من القوة لنجابه المسلمين وحدنا؛ لذلك وضع البابا خطة عظيمة لجمع ملوك أوروبا حوله بقتل الحجيج المسيحيين، والاستنجاد بملوك أوروبا واختراع فكرة صكوك الغفران؛ ليكون جيشًا عظيمًا لاستعادة أورشليم من المسلمين، ولكن في واقع الأمر كانت مهمتنا نحن السرية هي الوصول لتلك الخبيئة.
قال ماركوس:
- وطوال كل تلك الفترة كنا نبحث عنها حتى وجدها ديمتريوس؟
قال الكاردينال:
- هذا لحسن حظه وحظنا ووجوده لتلك البيضة الحجرية دليل على اقترابه من الخبيئة؟
قال ماركوس:
- ولكن ما هي تلك البيضة الحجرية؟، وما معناها؟
قال الكاردينال:
- هذا ما طلبتك لأجله يا رجل، فأنت خبيرنا هنا في اللغة العربية.
ابتسم ماركوس وأخذ يقلب البيضة بين يده جيدًا ويفحصها بدقة.
ما أن سمعت صوت الكمبيوتر يعلن وصول رسالة إلكترونية حتى استيقظت من نومي فجأة، وأخذت أقرأ ما ورد فيها بلهفة، فقد كان ما يحتويه ذلك البريد لهو العجب بعينه.
......................... يتبع