الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
المقالة فن نثري قصير، وهو لون جديد من النثر، ظهر في عصر النهضة الأوروبية على يد (ميشيل دي مونتين)، وارتبط تطوره بظهور الصحافة وانتشارها. وقد حظيت المقالة بأهمية في عصرنا الراهن؛ نظرا لأنها من أهم وسائل التعبير والتأثير؛ إذ اتخذها رواد هذه النهضة فنًّا أدبيًّا يصوغ تجاربهم، ويجسد آراءهم وأفكارهم؛ حتى أصبحت زادًا ثقافيًّا، ومنهلًا أدبيًّا فكريًّا يعالج مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية والأدبية والفكرية.
وقد أقبل الأدباء العرب على فن المقالة مع ظهور الصحافة العربية وانتشارها في القرن التاسع عشر الميلادي، وامتزج هذا الفن بكثير من المؤثرات الثقافية والفكرية لما تمتلكه المقالة من إيقاعات جمالية؛ منحتها مركزًا متقدمًا في خارطة الإبداع والتلقي. وبهذه الصفة حظي فن المقالة بمكانة بالغة عند عدد من كتاب المقالة في الأدب السعودي الحديث، لا سيما في البيئة الجازانية التي تميزت بحركة أدبية نشطة؛ ظهر فيها العديد من الكتاب والأدباء المتميزين؛ الذين أقبلوا على ممارستها؛ للتعبير عن آرائهم ومشاركة المجتمع همومه وقضاياه من خلالها، حتى برزت أسماؤهم في الساحتين الأدبية والثقافية.
ويُعد علي بن أحمد النعمي أحد أولئك البارزين الذين كتبوا المقالة على اختلاف أنواعها؛ إذ ضرب بسهم وافر فيها، فشغلت المقالة مساحة مهمة من أدبه؛ وتنوعت مضامينها. وعلى الرغم من هذا التميّز للمقالة في أدب النعمي، فإنني ومن خلال بحثي المتواصل، لم أجد دراسة تُعنَى بهذا الجانب من أدبه؛ الأمر الذي دفعني إلى التوقف عنده والعزم على دراسته، ولذلك جاء عنوان رسالتي:
" المقالة في أدب علي النعمي – دراسة موضوعية وفنية".
أهمية البحث:
المقالة من الفنون الأدبية التي يمكن أن يؤدي الكاتب من خلالها دورًا إيجابيًّا؛ وبخاصةً إذا تنوعت موضوعاتها لتشمل أغلب المجالات، كما هي مقالات النعمي التي جسدت أبعادًا وطنية وإنسانية؛ وذلك لارتباطها بالوضع الثقافي والاجتماعي والوطني والسياسي، وقد استطاع الكاتب من خلالها أن يخاطب الإنسان بلغة عصره الذي يعيش فيه.
ومع عدم وجود دراسة اهتمت بهذا الجانب في أدب النعمي، فإن أهمية هذه الدراسة تكمن في أنها أول دراسة تقف عند بناء المقالة من الناحيتين: الموضوعية والفنية في أدب النعمي، ومن ثم، فهي تكشف عن طبيعة هذا الفن في أدب النعمي، وتحلل أبرز ما فيها من خصائص موضوعية وفنية.
أسئلة الدارسة:
إن الإشكالية التي تعالجها هذه الدراسة تكمن في السؤال الرئيس:
ما المضامين الفكرية والخصائص الجمالية التي حملتها المقالة في أدب النعمي؟
ومن هذا السؤال يتفرّع عدد من الأسئلة حيال الوجه الأدبي النثري للنعمي، لعل من أهمها ما يأتي:
* ما هي المضامين والرؤى التي اشتملت عليها مقالات النعمي؟
* ماهي السمات الفنية لبناء المقالة لدى النعمي وما مدى تداخلها لديه مع الفنون الأخرى؟
أسباب اختيار الموضوع:
- لمست عن قرب قلة الدراسات النقدية حول المقالة الأدبية في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى أنها لم تُولِ الأديبَ عليًّا النعمي العناية التي يستحقها.
- ستُسهم هذه الدراسة في تكويني لأكون متخصصا في هذا الجنس الأدبي الذي يندر المتخصصون فيه.
أهداف البحث:
1. الاهتمام بجانب مهم في أدبنا السعودي، ممثلًا في فن المقالة الأدبية.
2. الخروج عن النمط السائد في أغلب الرسائل العلمية في الأدب السعودي التي يستأثرُ بمعظمها جانبا الشِّعر والسَّرد.
3. تقديم صورة غير مطروقة مسبقًا عن أدب علي بن أحمد النعمي.
4. تسليط الضوء على الجوانب الموضوعية والفنية في مقالات النعمي وما تحويه من قيم.
الدراسات السابقة:
من خلال قراءاتي تبين لي أنه لا يوجد دراسات سابقة للموضوع سوى مقالات مقتضبة رصدتُها في الملحق الثقافي لجريدة الجزيرة، وهي على النحو الآتي:
أ- مقال أدبي بعنوان (قراءة وتأملات في أدب النعمي) للدكتور محمد حبيبي في المجلة الثقافية الصادرة عن صحيفة الجزيرة السعودية في العدد (176) 22/10/1427هـ، تحدَّث المقال عن تجربة الشاعر الصحفية، وعن كثرة مقالاته الأدبية التي طرقت الشأن الأدبي إبان كتاباته الصحفية، حيث كتب عن النقد الأدبي وأبرز قضاياه كالأدب النسائي، وأهمية القراءة، والشعر الحر...، وغيرها من القضايا، كما تطرق كاتب المقال إلى عرض بعض قصائده الشعرية.
ب ـ مقال أدبي بعنوان (مطالعات في تجربة النعمي الصحفية في عقد التسعينات الهجرية - الآفاق الموضوعية) للدكتور خالد بن ربيع شافعي في المجلة الثقافية الصادرة عن صحيفة الجزيرة السعودية في العدد (176) 22/10/1427هـ، تحدَّث الكاتب عن إرث النعمي وتجربته الصحفية الثرية وسلسلة مقالاته المتنوعة ما بين: الذاتية، والاجتماعية، والدينية، والأدبية النقدية المتخصصة، وغيرها.
أما فن المقالة على وجه الخصوص، فقد سبقتني عدة دراسات علمية تناولت فن المقالة في الأدب السعودي الحديث، وهي محل التقدير لريادتها، ومن أهم هذه الرسائل:
1- المقالة في الأدب السعودي الحديث (منذ عام: 1343- 1400)، وهي رسالة ماجستير، شاملة لم تخُصَّ كاتبًا بعينه، للباحث/ محمد بن عبد الله العوين، عام 1410هـ، وقد شكلت مرجعًا مهمًا في دراستي.
2- فن المقالة بين المازني وحسين سرحان، رسالة ماجستير للباحثة/ عبير بنت عبد اللطيف الجعفري، 1426هـ.
3- المقالة في أدب محمود عارف، دراسة موضوعية وفنية، وهي رسالة ماجستير للباحثة/ منيرة بنت ناصر المبدل 1427هـ.
4- المقالة في أدب غازي القصيبي، رسالة ماجستير للباحثة/ علياء بنت عبد الرحمن الغامدي، 1428هـ.
5- المقالة النسائية السعودية، دراسة نقدية منذ عام :1999م إلى 2009م، وهي رسالة دكتوراه للباحثة/ أميمة بنت عبد الرحمن الجبرين، 1431هـ
6- التداخل بين فنَّيْ المقالة والقصة القصيرة في الأدب السعودي الحديث (1351هـ - 1427هـ)، وهي رسالة دكتوراة للباحثة/ ندى بنت صالح أبا الخيل، 1432هـ.
7- المقالة في أدب محمد حسن فقي، رسالة ماجستير للباحثة/ زهراء بنت سلمان الغزواني 1436هـ.
8- المقالة في الأدب السعودي (1400هـ - 1433هـ) دراسة إنشائية، وهي رسالة دكتوراه شاملة لم تخصَّ كاتبًا بعينه للباحث/ محمد بن عبد العزيز الفيصل، 1437هـ.
ولم تخص مقالات النعمي أيٌّ من الدراسات السابقة بدراسة مستقلة؛ ولذا عقدتُ العزم على البحث في هذا الميدان؛ فاخترت موضوع (المقالة في أدب النعمي – دراسة موضوعية وفنية) محاولًا دراسة هذا الجانب الذي أحاط به الغموض؛ خاصة أن عليًّا النعمي عُرف في الوسط الأدبي شاعرًا لا كاتبَ مقالات؛ ومن هنا فإن البحث -فيما أعلم- هو أول بحث يختص بتقديم دراسة علمية مستقلة عن النتاج المَقالي للأديب علي النعمي.
خطة البحث ومنهجه:
تتناول هذه الدراسة المقالة في أدب علي النعمي، وتتكون من: مقدمة وتمهيد يقفوهما فصلان وخاتمة، على النحو الآتي:
المقدمة: وتشمل: أهمية البحث ومشكلاته، وأسباب اختيار الموضوع، والدراسات السابقة، وأهداف البحث، ومنهج الباحث.
التمهيد: وفيه:
أ- نبذة عن الأديب علي بن أحمد النعمي ونتاجه الأدبي وسيرته في العمل الصحفي.
ب- لمحة تاريخية عن نشأة فن المقالة في الأدب السعودي الحديث ولدى أدباء منطقة جازان.
الفصل الأول: وعنوانه: (الاتجاهات الموضوعية لمقالات النعمي)، ويتكون من أربعة مباحث، هي:
المبحث الأول: مقالات الشأن الذاتي (المقالة التأملية، والمقالة الوصفية، ومقالة السيرة).
المبحث الثاني: مقالات الشأن السياسي والديني.
المبحث الثالث: مقالات الشأن الاجتماعي والمهني.
المبحث الرابع: مقالات الشأن الأدبي والثقافي.
الفصل الثاني: وعنوانه: (السمات الفنية لمقالات النعمي) ويتكون من مبحثين، هما:
المبحث الأول: بناء المقالة عند النعمي (العنوان، المقدمة، المتن، الخاتمة).
المبحث الثاني: تداخل المقالة مع الأجناس الأدبية: (الشعر، القصة، الخاطرة، السيرة).
الخاتمة: وتشتمل على أبرز نتائج الدراسة.
حاولت الدراسة استقراء مقالات النعمي، وتتبع التطور في مسيرته الكتابية، والبحث في روافد المقالة عنده، والوقوف على مدى استفادة النعمي من مفهوم المقالة وتطورها في الأدب الحديث، ومعرفة أنواعها وبنائها الفني، ومضامينها وموضوعاتها، وتستعين الدراسة بالمنهج التاريخي في رصد مقالات النعمي؛ للكشف عن التطور والتنامي في الخصائص الفنية والموضوعية في مقالات النعمي، وتجلي مفهوم الانعكاس وأثر البيئة والمجتمع في مقالاته، ولم أعرف بالأعلام خشية الإطالة.
ووفاء لمن أسدى إلي يد العون والمساعدة - بعد الله - أتقدم بالشكر الجزيل لأستاذي ومشرفي وموجهي الفاضل الذي أتم معي رحلة هذا البحث: الأستاذ الدكتور/ محمد بن حمود حبيبي، حيث فتح لي آفاق البحث العلمي، ووقف معي في كل صغيرة وكبيرة، وأمدني بالمعلومات المفيدة في هذا البحث؛ وأرشدني إلى كل صواب، وذلل لي كلَّ الصعاب، ولم يبخل عليّ بوقته - رغم انشغالاته- فكان لي الناصح الأمين، وبعد الله خيرَ معين نحو إتمام هذا البحث، والمضيّ قُدمًا في إنجاز العمل، دونَ كللٍ أو ملل؛ حتى تحقق الأمل.
فله مني جميل الثناء، وعظيم الامتنان، سائلًا المولى -عز وجل- أن يجعل ذلك في ميزان حسناته.
وأتقدم بخالص الشكر والتقدير والعرفان لجامعة جازان ممثلة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية -وبخاصة قسم اللغة العربية - على رعايتهم، وتوجيههم، وأخص بالشكر الجزيل أساتذتي الذين درَّسوني في المقررات النظرية؛ حيث أفدت من غزير علمهم ونهلتُ من عظيم خبرتهم، فلهم مني جميعًا كل الحب والتقدير.
ولا يفوتني في هذا المقام أن أتقدم بالشكر الجزيل، وجميل الامتنان لوالديّ الكريمين، كما أخص بالشكر زوجتي وأبنائي الذين تحملوا معي جميعا مشاق انشغالي خلال فترة الدراسة والبحث، فلهم جميعا من الله الجزاء الموفور.
ولله الشكر والحمد من قبل ومن بعد على ما يسر من إنجاز هذا البحث، وهو من وراء القصد، وهو الهادي إلى صراط مستقيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.