Za7makotab

Share to Social Media




المرحلة الثانية- مرحلة صحف المؤسسات من عام 1383هـ إلى 1400هـ:

عادت المقالة الأدبية للتأرجح في عهد صحف المؤسسات، وأصبحت خاضعة للرقابة من قِبل الدولة، ولا سيما بعد تقليص عدد الصحف وتنظيم هذه الهواية؛ لتصبح مهنة تتطلب ضوابط وأحكامًا لممارستها؛ وبناءً على ذلك امتازت هذه الفترة "بخلوها من العمق الأدبي، وبُعد كثير منها عن الأصالة في الأسلوب، واهتمامها بالجديد من اللفظ ".
ويعود تراجع المقالة وقلة الاهتمام بها في هذه المرحلة إلى العديد من العوامل منها: أن الشباب من الجيل الجديد كانوا منصرفين إلى الدرس الجامعي، ورَكَنَ كبار الكُتّاب إلى السكينة، وتولَّى الصحفَ نفرٌ من المثقفين الذين تنقصهم الخبرة والنضج .
وبعد عودة نخبة من المتخصصين من البعثات الخارجية؛ عادت المقالة الأدبية إلى حضورها ووهجها، إذ أسهموا في نمو هذا الفن الأدبي مثل: "الدكتور محمد بن سعد بن حسين، والدكتور عزت خطاب، والدكتور منصور الحازمي، والدكتور محمد الشامخ، والدكتور أحمد الضبيب، والدكتور إبراهيم الفوزان...، وغيرهم".
ولعل من أهم سمات المقالة الأدبية هنا أنها مضت متعايشة مع عوامل التحول التي تمثلت في قرار مجلس الوزراء في 23/5/1383هـ برقم (482) ناصا على إلغاء امتياز الصحف والمجلات التي كانت تصدر في جميع مدن المملكة والأمر بتحويلها إلى مؤسسات أهلية، فألمحت الوزارة إلى بعض الأسباب التي دعت إلى سَنِّ هذا النظام الجديد وأرادت أن تكون صحافتها رسالة لا حرفة، وأن تسعى للتهذيب والإصلاح، وتوجيه الرأي العام السعودي توجيها مثاليا، وأن تخدم المجموع ولا تنزلق إلى خدمة المصالح الفردية .
وبالرغم مما لهذا القرار من أثر في تراجع المقالة الأدبية، وانحصارها في بعض الصفحات المخصصة لها عبر الصحف والمجلات بدرجات متفاوتة من القوة الأسلوبية، إلّا أنها حَمَلت ما يُغنيها، وظلّت متمسكةً ببنائها الفني.
المرحلة الثالثة- المقالة في مرحلة الانطلاق من 1400هـ حتى وقتنا الحالي:
اختلفت هذه المرحلة عن سابقتها لتشهد المقالة تطورًا ملموسًا؛ إذ أثمر النتاج المقالي الثري عددا من المنابر الأدبية والثقافية المتنوعة، منها: الصحف، والمجلات، والملاحق الثقافية، والدوريات المتخصصة في الأدب والنقد التي احتوت صفوة من الكُتاب والنُقاد، بالإضافة إلى إفساح المجال للمهتمين بالثقافة والأدب.
ونلاحظ خُفوت نشاط بعض الكتاب وبروز آخرين، ومنهم: "سعد الحميدين، وعبد العزيز التويجري، وعبد الله بن محمد الشهيل، وتركي السديري، وحسين علي حسين، وخيرية السقاف، وغيرهم، وهؤلاء يخلطون في مقالاتهم بين الحس الأدبي والشكل الصحفي، وتضعف أو تقوى في نصوصهم نوازع الأدب".
وكان التوسع في الحراك الأدبي والثقافي قد أطّر للمقالة الأدبية هيكلها؛ مما يفسر ولادة تيارات إبداعية ونقدية أصبح لها وجودها المتميز في الساحة كالأسلوبية، والبنيوية، والواقعية وغيرها من التيارات النقدية .
ويُرجِع الباحث هذا التطور في فن المقالة إلى عوامل عدة يأتي في مقدمتها:
التوسع في إرسال البعثات إلى خارج المملكة، وإنشاء المكتبات العامة والنوادي الأدبية، وإصدار بعض الصحف والمجلات المختصة بالشأن الثقافي، وظهور الملاحق الخاصة بالثقافة والأدب في عدد من الصحف والمجلات، وبداية ظهور بعض مجلات الأندية الأدبية؛ مما أسهم بشكل فاعل في انطلاق هذه النهضة الفنية للمقالة الأدبية المتخصصة.




لمحة تاريخية عن نشأة المقالة الأدبية لدى أدباء جازان:
أولًا- مرحلة النشأة والتأسيس من عام 1373هـ إلى 1383هـ:
أشرقت المقالة الأدبية في جازان عام 1373هـ، وذلك على صفحات الجرائد والمجلات، ولعل مقالة الكاتب محمد زارع عقيل بعنوان: "اعرف بلادك"، هي الأولى، وقد اكتسبت أهمية تاريخية؛ فهو بذلك يُعد رائدَ هذا الفن في جازان.
وكان العامان (1376هـ، 1377هـ) بدايةً لظهور أكثر من اسم من أدباء جازان في كتابة المقالة؛ حيث ظهر ناصر قاسم بمقالة: "التمسوا حلًّا لهذه المشكلة"، ثم تبعه الكاتب علي الرفاعي، والكاتب محمد السنوسي الذي تميز بمقالاته الأدبية النقدية، ومن مقالاته النقدية: "إيليا أبو ماضي"، والكاتب محمد بن أحمد عقيلي الذي تميز بمقالاته التاريخية والأدبية، ومن مقالاته: "الأدب العربي في الحبشة"، وفي عام 1379هـ ظهر علي محمد العمير، ومن مقالاته: "قصيدة وواقع وشاعر"، وغيرهم من كتاب المنطقة الذين صوروا البيئة الأدبية والثقافية في تلك الفترة.
ونلحظ وفرة الكتابة المقالية وتنوع موضوعاتها واختلاف مضامينها التي تزامنت مع توثب جيل طموح كتب في كثير من القضايا الأدبية والتاريخية والاجتماعية؛ ورغم التقارب في الموضوعات بقيَ التمايز الأسلوبي قائمًا في تلك الحقبة الزمنية؛ و "أن المقالة في الأدب التهامي عَبْرَ هذه النشأة قد اتخذتْ مسارًا أكثر عمقًا وشمولًا".
وبناءً على ذلك، يرى الباحث أن جيل الرواد حافظ على السمات الشكلية العامة لأدب المقالة، فضلًا عن توافر الخصائص الفنية، وتوشُّح مقالاتهم أسلوبيًّا بجزالة اللغة والإيضاح، والإطناب غير المخل بالمعنى، والزخم البلاغي الذي يساعد على تماسك الموضوع، وإثراء مادة المقالة بالشواهد إذا تطلب الأمر، والإحاطة بالموضوع شكلًا ومضمونًا؛ لتؤدي المقالة غايتها، فضلًا عن عودة بعض الكُتاب إلى عصور التراث الأولى من خلال الاطلاع على أمهات الكتب الأدبية والنقدية القديمة؛ بل إن بعض الكتاب أضفى غلالة أدبية خاصة به، ولعل النماذج التي أشرنا إليها تحتوي على أغلب تلك السمات.
ثانيًا- مرحلة التجديد 1384هـ إلى عام 1410هـ:
شهدت الفترة من: 1384هـ إلى 1394هـ امتداد نتاج بعض كتاب المرحلة الأولى، إضافة إلى ظهور أسماء جديدة، منها: علي بن أحمد النعمي، وحجاب الحازمي، وهاشم عبده هاشم.
وتشكّل مقالات الأديب الشاعر علي بن أحمد النعمي -موضوع البحث- التي ظهرت في الثمانينات الهجرية أهميةً بالغةً هنا؛ حيث وقف الكاتب مناقشًا أهم الموضوعات الأدبية والثقافية والاجتماعية، داعيًا إلى إنشاء الأندية الأدبية، والاهتمام بالمواهب الأدبية أيضًا، إضافة إلى حديثه عن الأدب النسائي وأدب الشباب والشيوخ، وكذلك كتاباته - في أكثر من مقالة – عن أهمية استحداث منهج النقد الأدبي في الجامعات السعودية، ومن الموضوعات الاجتماعية التي ناقشها: أمور العمل والخدمات والمرافق العامة، وكذلك نقد الصفات الاجتماعية السلبية، مثل: الغرور والكبر والتأجيل، وفي الشأن السياسي تحدث عن القضية الفلسطينية، وعن سياسة الملك فيصل ونهضته بهذا الوطن آنذاك، وغيرها من المقالات الأدبية المتنوعة، وفي عام 1395هـ افتتح نادي جازان الأدبي الذي يعد انطلاقة كثير من الكُتاب في جازان، وبعد مرور حقبة من الزمن لمرحلة التجديد نبغت أسماء أخرى مثل: إبراهيم مفتاح، وعمر طاهر زيلع، وغيرهم من الكتاب، الذين حلقوا في هذا المضمار.
ومن سمات هذه المرحلة تبوُّء عدد من أبناء المنطقة رئاسة التحرير لبعض الصحف والمجلات، وإدارة بعض الملاحق الأدبية؛ فأصبح لهم شأن بعد جيل الرواد، وذلك بعد أن فُرضت القيود الإعلامية من أجل تنظيم مهنة الصحافة وإسناد أغلبها للجهات الرسمية، بالإضافة إلى أن بعض الكتاب "جمع مقالاته وصنفها حسب موضوعاتها، ثم أصدرها في كتاب أو كتب" كما فعل علي عمير الذي أصدر (مناوشات أدبية)، و(أدب وأدباء)، و(لفح اللهب)، وحجاب الحازمي في: (أبجديات في النقد والأدب)، ومحمد عبد الواحد في كتابه (جمجمة في ضوء الشمس).
وتميزت هذه المرحلة عن مرحلة النشأة بأن أغلب كتابها ابتعدوا عن الإطناب والإسهاب؛ ولهذا جاءت كتاباتهم المقالية غير متكلفة، سهلة العبارة، قصيرة الجمل، فمالوا إلى التجديد والمعاصَرة، وتفاعلوا مع الروافد الأدبية المتنوعة؛ لتنمو مَلَكاتهم الإبداعية، وقدراتهم اللغوية بالممارسة من خلال الكتابة الدورية في مختلف المجلات والصحف.

ثالثًا- مرحلة التحديث من 1410هـ إلى وقتنا الحالي:
برز الكثير من كتّاب المقالة الأدبية من أبناء جازان في هذه المرحلة؛ إذ أسهمت مشاركاتهم بإثراء أغلب الصحف والمجلات والملاحق والدوريات الأدبية والنقدية في المملكة، كما صاحب هذه المرحلة افتتاح مكاتب لأغلب الصحف اليومية في جازان، ثم إصدار نادي جازان الأدبي مجلة (مرافئ) الأدبية عام 1419هـ، التي شكلت إضافة قيمة لأدباء المِنطقة، ثم تأسست جامعة جازان التي أصدرت صحيفة جامعة جازان عام 1427هـ، وافتتحت قسمًا للإعلام والصحافة، ثم مجلة (حصاد) عام 1430هـ، وتلاها دورية الجامعة للعلوم الإنسانية عام 1433هـ.
وقد برع عدد من الكتّاب في هذه المرحلة، كالدكتور عبد الله بن أحمد الفيفي، والدكتور محمد بن حمود حبيبي، والدكتور حمود أبو طالب، وعبدُه خال، وعلي الأمير، وسمير جابر، وغيرهم من الكتّاب، كما يعد العصر الرقمي -الذي زامن هذه المرحلة- أحد عوامل التطور الكتابي؛ عندما خفف من قيود النشر بدءًا بإنشاء المنتديات الأدبية، مرورًا بالصحف الالكترونية، وصولًا إلى التدوينات القصيرة في مواقع التواصل الاجتماعي.
ومن الشواهد المقالية في هذه المرحلة مقالة عبد الله الفيفي التي جاءت بعنوان: "ألقاب الشعراء"، ومقالة عبده خال "قراءة في رواية فخاخ"، وأيضًا مقالة الدكتور محمد حبيبي "فكرة المصير - الموت في شعر الفقي"، وغيرها من المقالات الأدبية والنقدية المتنوعة.
وتميزت هذه المرحلة عن المرحلتين السابقتين بسمات مختلفة؛ إذ أخذت المدارس والتيارات الأدبية الحديثة دورها في الساحة النقدية، وهذا يعني أن بعض المقالات الأدبية اتسمت بالدقة والرصانة والمنهجية الجادة، فضلًا عن أن هناك فريقًا آخر جاءت مقالاتهم الأدبية متسمة بالسهولة والوضوح؛ وذلك لبث روح الثقافة العامة والمتنوعة لدى عامة القرَّاء، وخاصة لدى من تخصص منهم في كتابة المقالة اليومية كالدكتور حمود أبو طالب، والكاتب علي مكي، وغير هم من الكتاب، إضافة إلى عدد كبير ممن يعدون نتاجا للصحافة الرقمية كالكاتب محمد المنصور الحازمي الذي جمع سلسلة من مقالاته في الصحف الالكترونية، و أصدرها في كتاب صدر مؤخر.
على أن الاستعراض السابق لا يعني بالضرورة استقصاء كافة أسماء كتاب فن المقالة من أبناء جازان، في مختلف المراحل منذ النشأة وصولا إلى عصرنا الحاضر فهذا يحتاج إلى دراسة مستقلة تعنى به، وحسب الباحث هنا الاكتفاء بهذه الإضاءة الموجزة بصفتها توطئة مختصرة قد تغيب عنها الكثير من أسماء كتاب المقالة من أبناء جازان ممن تضيق المساحة بذكرهم جميعا.

0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.