اليوم الرابع والعشرين من فبراير عام 2053 يجلس مستر جورج ليتناول قهوته في هدوء الصباح البارد كما يحب، فيطرق عليه شخص ما الباب وكأنما يُرد خلعه، يركض ناحية الباب مفزوعًا فيقابله صديقه مايلز وهو يلهث، يُصدم جورج ويحاول الاستفهام ولكن مظهر مايلز المفزوع المتوتر يخرسه فيقدم له الماء، يشرب بشراهة وحين ينتهى يقول ونفسه يتسارع:
جورج يجب علينا أن نهرب لقد طلبت من زوجتي أن تحضر الحقائب، وقد حولت كل أموالي إلى ذهب ، لقد طلبت منك أن تفعل المثل ولكنك لا تستمع لي، جورج أنت أخي لا يمكنني أن أتركك هنا....
جورج بعد فهم:
نهرب إلي أين ولما؟ ماذا بك يا مايلز؟ هل أنت بخير يا صديقي؟!
مايلز:
لا بالطبع لست بخير لا شيء بخير أبدًا.
جورج:
أنا حقًا لا أفهم.
مايلز:
لا وقت للشرح، اذهب الآن واستعد، لنهرب...لقد بدأت اللاند في شن الحرب على الدول العربية وأسقطتها جميعًا، مئات من المسلمين وحتى المسيحيين العرب يذبحون الآن....
ضحك جورج بسخرية ثم قال:
أعرف، بالطبع أعرف، فلدي تلفاز وهاتف إن كنت تدري لذا أعلم ما يحدث في العالم من حولي ولكنني لم أفقد صوابي مثلك هكذا!
مايلز يفتح عينيه على أخرهما:
يجب أن تفعل.
جورج بلامبالاة أكبر:
لما؟! أنا أتفهم أن هذا تصرف بربري ولا إنساني أحمق، يفعله بعض البشر ظنًا منهم أن لديهم الحق في التخلص من الآخرين ولكن لنكن واضحين ما شأني أنا بحرب اللاند والعرب، أنا حقًا لا أهتم إن قتل أحدهما الأخر أو قتلا بعضهما، فهذا ليس من شأني ولن يؤثر علي لذا حقًا لا أهتم، هل أصنع لك القهوة؟
مايلز يفقد صوابه:
أنت لا تفهم، جورج الأمور تخرج عن السيطرة، اللاند لن تقف هنا، هدفهم ليس العرب أو الأفارقة أو حتى الأسيويين، حتى نحن الأوربيين لن نسلم منهم ما إن يستطيعوا سنكون تحت أقدامهم...
جورج مازال محتفظ ببروده:
أنت تأخذ الأمور على محمل الجد أكثر من اللازم....
مايلز يحاول الحفاظ على أخر ذرة عقل لديه:
جورج هذه أخر مرة سأطلب منك أن تأتي معنا...
جورج:
أسف مايلز ولكن لا شيء يجعلني أترك منزلي وحياتي وأرضي ولا حتى دولة غبية تسعى للسيطرة على العرب أو الأفارقة هؤلاء غوغاء وفرق على عكسنا نحن أكبر وأقوى من أن يتم أسرنا، كن واثق في بلدك...
مايلز بقلة حيلة:
إذن أنا سأرحل...إلى اللقاء يا صديقي، برغم أنني أدرك أننا لن نلتقي مرة أخرى......
*******
كان جورج يسير عائدًا لبيته في يوم صيفي حار وهذا غريب جدًا في شهر إبريل، لقد أثار هذا حيرته كثيرًا، ولكنه لن يهتم ولن يعلق حدث عارض كهذا بمؤامرة وحروب مناخية وكل هذا الجنون الذي كان يكرره مايلز على مسامعه ليل نهار هو يدري أن هذا ليس صحيحًا على كل حال.
لقد اختفى مايلز منذ الشهرين ولم يدرِ عنه شيئًا منذ حينها، ولم يره منذ أخر مرة في منزله، لقد سمع أنه انضم لجماعة ستهرب إلى القارة المتجمدة، هذا أغرب شيء سمعه لقد اشتد الطقس هناك ولن يستطيعوا العيش ولكن هؤلاء قوم يحركهم جنونهم لما عليه أن يهتم، ولكن ما هذا الصوت؟!
لقد توقفت كل السيارات في الشارع فجأة ماذا يحدث؟ لما ينظر الجميع إلى السماء؟ رفع جورج رأسه إلى السماء ليرى ما يحدث، فتوقفت عيناه على مشهد من مشاهد يوم القيامة كما كانت في كوابيسه، لقد حُجبت الشمس حتى كادت تختفي، كل هذه طائرة، لحظة هناك أخرى وأخرى، ماذا يحدث؟!
قبل أن يحاول أن يستجمع أفكاره كانت الجثث في كل مكان، إنهم يتعرضون لغزو من اللاند ولكن كيف، لم يتحدث الإعلام عن شيء كهذا ولم يقل أحد أن هذا ممكن أو حتى مطروح، ولما يفعلون ذلك بنا ونحن منهم، كيف سُمح بذلك هذا ليس حقيقي. هذا مجرد كابوس....
لم يستطع جورج أن يصدق .... فقط أغمض عينيه واستسلم لمصيره.
*******
نحن الآن بعد أكثر من ثلاثمائة عام، في جريت لاند، هذا المكان حيث الكمال كما يجب أن يكون، حيث التحكم بالطقس ممكن’ وحيث السيارات تعمل بالطاقة الشمسية، لا وجود لما يدعى بالنفط، هذه الكلمة اللعينة التي أنهت بحياة الآلاف يومًا ما، هذه اللعنة السوداء التي جعلت من البعض وحوشًا أدمية لا تهابه سوى للسيطرة عليه،لقد انقرضت الطاقات المستنفذة كما انقرضت الديناصورات يومًا ما،هنا حيث الحياة عبارة عن مجموعة من الأكواد، كلما زاد شأنك نلت كودًا أكبر، كودًا للعمال،كودًا للأطباء، كودًا للعلماء، كودًا لشراء منزل وكودًا لامتلاك سيارة،ومن بين كل الوظائف أخطرها، هي أن تعمل بالعلوم علوم جريت لاند،المكان الذي تُحفظ فيه كل الأكواد، المكان الذي يعمل به أعظم خبراء الحواسيب على وجه الأرض ويعملون على حماية الأكواد، لقد أصبحت الحياة هنا أسعد من ما تستطيع أن تتخيل، كل من على وجه الأرض أصبح يحلم بأن ترى عينيه جريت لاند قبل أن يموت،لقد اختفت الدول منذ مئات السنين، وأصبح العالم عبارة عن أربعة ممالك،الشمال والجنوب والشرق والغرب، وجريت لاند بالطبع هي التي تخوض الحرب يومياً للسيطرة على هذه الممالك الأربعة لما؟...بالطبع ليصبح العالم بالكامل جريت لاند،المكان حيث الحياة فقط لمن يستحق،لقد بدأ الأمر، حينما استيقظ العالم على مذابح تحدث في مكان يدعى وقتها بدولة"كرياتة" لقد اجتمع مجموع من البشر وقرروا فجأة أنهم أفضل فصائل
البشر وأنهم يجب أن يكن لهم دولة مستقلة، وهكذا اتجهوا إلى كرياتة، دخلوها في البداية كأصدقاء ثم بعد ذلك،ظهروا على حقيقتهم لم يتبق من شعب كرياتة من يروي قصتهم للأجيال القادمة فيتصعب على ما حدث مع هؤلاء القوم وانتهى الأمر هكذا، وظل العالم يشاهد مذابح كرياتة، ويتصعب، دون أن يتدخل، لأن هذه ليست قضيته،وما إن استطاعت جريت لاند أن تقف على أرض ثابتة حتى بدأت في شن الحرب على باقي العالم، لم يكن هدف هؤلاء هو مجرد أرض ليجتمعوا بها،لقد كان الهدف أكبر قليلًا، ولكن لم يفهم العالم هذا إلا مؤخرًا جدًا بعد أن فات الأوان وأصبحت جريت لاند كالذئب الجائع، يفتك بلا رحمة،وأصبح العالم عبارة عن هايني؛ وهم من ولدوا على أرض جريت لاند، وزانتي، هم من ولدوا خارجها وبالطبع الفارق بينهما كالسماء والأرض، في كل شيء بدأً من المعاملة الدونية التي يلقاها الزانتي في جريت لاند إلى دمائهم التي تسفك يوميًا خارجها، لقد وقعت الممالك واحدة تلو الأخرى، حتى أصبح العالم بأكمله مكان لا يصلح للعيش، فقط أصبحت جريت لاند جنة الأرض، وباقي العالم بمثابة جهنم، لذا تمنى الجميع أن يكونوا أفرادًا في هذا المجتمع، لا يهم إن كانوا هؤلاء من قتلوا شعبك،ربما ولدك أو أمك أو صديق عمرك،قد وصل الزانتي إلى مرحلة أنهم يرون أن لا مشكلة فيما يحدث لهم.
أن تعامل إنسان بحقارة فهذا سيء، لكن أن تجعله متيقنًا أنه يستحق أن يعامل بحقارة فهذا عبقري لدرجة التقزز .
لقد جاء الهايني بالطوفان فوضع كل الزانتي من يحبون تحت أقدامهم؛ طمعًا في أن يصلوا إلى جريت لاند ولكن من قال أن الحياة تسير كما نريد، لقد كانت جريت لاند مكان لمن يستحقون الحياة وهم من يحددون من يستحق الحياة....ليس لأنك إنسان يعطيك هذا الحق في أن تحيى...