فيروزة
لقد استيقظت من النوم في حال مذرية، هذا الصداع اللعين لا يمل رأسها الصغير أبدًا بالرغم من أنها تنام وتستيقظ بمواعيد محددة،لا تشرب الكثير من القهوة،هي لا تزيد عن كوب الصباح، وكوب المساء الذي تعدهما لها أمها،وبالطبع هي لا تشرب الكحوليات؛ لأنها مسلمة ومتدينة، ولو لاحظت فهي أيضًا ترتدي الحجاب،لا بالطبع ليست الأمور كما بالسابق، لم يعد المسلمون يتم تجنبهم وإقصائهم مثل السابق، لقد تغيرت الأمور كثيرًا هنا في
"جريت لاند" لكنك لم تلاحظ، هنا ليس لشخص من الحقوق أكثر من سواه...جميعهم يتمتعون بنفس الصلاحيات تقريبًا...!
باختصار جريت لاند هي حيث يريد الجميع أن يتخلوا عن أوطانهم....
هي ملجأ من ليس له ملجأ...
ومعين من يحتاج إلى معين...
جريت لاند...هي وطن لمن يستحقون أوطانًا....وليس الجميع يستحق أوطانًا.
والآن ماذا كنت أقول؟ ...آه نعم...الصداع!...
إذن فيروزة تتجنب كل ما يمكن أن يجلب الصداع ومع ذلك هي لا تتجنب
الصداع أبدًا...حتى أنها لا تتذكر متى كانت أخر مرة استيقظت ولم يوشك رأسها على الانفجار...لقد زارت الطبيب أكثر من مرة، على أمل أن يبلغها أن تعاني من ورم ما أو أي مرض ذو اسمًا لاتيني طويل ولكنه لم يفعل إلى أن زاد الأمر سوء وطلب منها أن تخلع الحجاب ربما هو السبب وهو يضغط على شريان ما...ولكنها كانت تعرف أنه يهذي لا علاقة للحجاب بالأمر فهي تشعر بالصداع حينما تكون بالبيت ومن دون حجاب...ولكنها كانت تعلم أن الطبيب "ماكسويل" هو ملحد ويكره الرموز الدينية بشدة...كان يمكن أن تشتكيه في مجلس الحقوق ولكنها لم تفعل...لأنها لا تحب خوض الحروب ولا تحب أن تأخذ جابن فرق على حساب فرق، ودومًا ما تحب تجنب المشكلات...لذا شكرته وخرجت من عنده، ولكنها قامت بتحذير كل أصدقائها ومعارفها من التعامل مع هذا الطبيب غير المتقبل للأخر...نعم هذه جريمة يعاقب عليها القانون بشدة هنا في "جريت لاند" لا أحد يمكنه أن يقلل من شأن الأخر...وبالرغم من أن العاذفين هنا هم الأغلبية...إلى أنهم يحترمون باقي الأديان السماوية وغير السماوية...
آه...لحظة...أنت لا تعرف العاذفين..."العاذفين" وليست "العازفين" هي ديانة كانت تسمى سابقًا بالإلحاد ولكنها اليوم تسمى ديانة العاذفين وهي الديانة الأولى هنا في جريت لاند...لماذا؟؟...لأننا في عصر لا يسمح لنا بأن نضيع كل الدقائق الثمينة في قضاء صلوات وطقوس وما إلى ذلك يجب أن نكون متأهبين مستعدين...عديمي الرحمة أحيانًا حينما يتعلق الأمر بالزانتي الأوغاد...كل الأديان السماوية أوصت بالرحمة...لذا كان يجب التخلص منها لأنها ستفسد قانون اللاند، كما أننا رأينا ما يفعله الزانتي المسلمون والمسيحيون وحتى اليهود...لقد كوّن كلا منهما طائفة...وصاروا يحاربون بعضهم بعضًا...ثم يتصايحون بمصطلحات بالرحمة...والمساواة...والعدالة...
ويتهمون حكومة جريت لاند بالفساد وأنها السبب فيما يحدث اليوم للزانتي... أه..."الزانتي" كل من لم يولد في "جريت لاند" ربما يومًا ما كانت الديانات السماوية ذات شأن ولكن لقد دثرها من ادعوا أنهم يحموها...واليوم لن تجد في جريت لاند من يتبع هذه الديانات إلا أقليات تـعد على أصابع اليد...وبالرغم من قلتهم لكنهم لم ولن يعانوا أبدًا من سوء المعاملة هنا في جريت لاند...على كل حال...ستنزل الآن وتطلب من أمها أن تعد لها كوب قهوة لعل رأسها يهدأ قليلًا...ويكف عن إزعاجها....
هبطت الدرج لترى أبيها يجلس على مائدة الافطار...وأمها تقف محاولة أن تمنعه من وضع كل هذا السكر في قهوته...وهو يعافر لمنعها.
كانت أمها من طراز المرأة القوية وكان جسدها أيضًا جسد امرأة قوية كانت فارعة الطول، سمينة قليلًا...باختصار كانت تبدو ضخمة،شقراء ذات عينين زرقاوين...ملامحها لم تكن وسيمة كما ترى ولكنها بالطبع طيبة ملامح تنم عن طيبة وحنان غير متناهي و تدعي "إزبيا.".أما أباها فكان ضئيل بالنسبة لحجم الأم، أسمر ولكن ليس كالأفارقة،وله عينين سوداوين وشعر بني ناعم ورثته فيروزة كما ورثة لون عينين أمها...وكان يتمتع بحس دعابة لا بأس به...بالنسبة لشخص لا يعيش معه...فيكون عليه أن يسمع ذات الفكاهة عشر مرات في اليوم الواحد، و اسمه "مُبارك"...
-صباح الخير جميعًا...أمازلتم تتشاجرون بسبب السكر؟
-وماذا عليّ أن أفعل؟ إنه لا يستمع لي بتاتًا...
-لما يا دادي؟...إن أمي قلقة عليك...
-أتعرفين شيئًا!...
-ماذا يا دادي؟
-أنا أعلم أنني سأموت...ولكن ليس بسبب السكري...بل بسبب أمك ...
ستتسبب في موتي لا محالة...
-دادي! ماذا تقول؟
-حسنًا...أنا سأتسبب بموتك إذن...حسنًا...تفضل...
وقامت بسكب علبة السكر كلها في كوبه....شرع يحاول إيقافها...ولكن من يستطع إيقاف القطار...ضحكت فيروزة على شجار والديها الخامس بعد الألف أو ربما الألفين لقد تعبت من العد منذ زمن...
-أسفه لمقاطعة شجاركم ولكن أمي أين قهوتي؟
-أوه يا لحماقتي...لقد نسيت تمامًا....
-أمي...! لماذا لم تعديها مع قهوتكم...
-أسفه...لقد نسيت...لحظة واحدة...
نظرت في هاتفها التي ترتديه في يدها كالساعة وقالت:
لا لقد تأخرت سأذهب للعمل...
-فييير...! أرجوكِ لا تشعريني بالذنب...لن تتأخر القهوة أكثر من دقيقة...لحظة واحدة...هيا...استسلمت فيروزة لإلحاح أمها...كما أنها حقًا لا تعلم كيف عليها أن تباشر عملها بهذا الرأس الذي كاد ينفجر...لذا قررت أن تتأخر عشر دقائق وتتحمل سماجة رئيسها... السيد فيرنو...
-لا تقلقي لن تتأخري كثيرًا...أمك لا تجيد عمل شيء في هذه الحياة سوى القهوة...
-سمعتك!...
-أااه...عزيزتي إيز أنا لا أقصدكِ...
-روز عزيزتي هلا أعطيتني كودك اليوم سأذهب للتسوق به،فأنتِ تعلمين أن أباكِ قد أنفذ ما لدينا من أكواد لهذا الشهر على الخمور...
-بالطبع، ولكن أبي يجب أن تقلع عن شرب الخمر، ولماذا لا تهتم بصحتك...
قال بلامبالاة سأحاول...سأحاول.