أستيقظت .....
فتحت عيناى فى آلم وضعف .....
كانت هناك غشاوة تحيط بهما ......
الرؤية مهزوزه أمامى ، والأضاءة ساطعة تغشى بصرى ، حاولت أن أتذكر أين أنا .... وما كل هذا الضعف الذى أنا فيه .....
بدأت عيناى تعتاد الأضاءة .... وبدأت أستوعب الموجودات من حولى .....
لقد كنت مستلقية على سريرى فى حجرتى ، مغطاة بغطاء ثقيل يبعث الدفء فى جسدى المنهك ....
بجانبى حامل معدنى معلق به محلول رائق اللون ينساب بهدوء ليدخل إلى أوردتى من خلال كانيولا مثبتة بذراعى .....
كانت هناك ضمادة تحيط برأسى وعلى جانبى الأيمن وجدت والدة زوجى تجلس والدموع تتجمع فى عيناها ، ولم تكد تلاحظ أنى فتحت عيناى وبدأت أستوعب أين أنا حتى ربتت على يدى فى حنان وهى تقول :-
حمدالله على سلامتك يا بنتى .... قلقتينا عليكى أوى ....
قبل أن تقوم وهى تنادى على زوجها بفرح :-
(سلمى ) فاقت ....( سلمى ) فاقت يا ( أحمد ) .
لم تمضى سوى ثوان معدودة حتى دلف والد زوجى إلى الحجرة ، كان يبدو على وجهه التجهم والغضب وهو يقول :-
حمدالله على سلامتك يا بنتى .... ياريت تقدرى تتكلمى دلوقتى .... أيه اللى حصل ... و ( حمدى ) فين ...؟
لم تكد ( سلمى ) تسمع هذا السؤال حتى أجهشت بالبكاء وتذكرت كل ما حدث وهى تقول من وسط دموعها :-
( حمدى ) أتخطف .... خمسة أشخاص فى عربية فان سوداء مغلقة خطفوه ، وأنا معرفتش أعمل حاجة ....كل حاجة حصلت بسرعة أوى .... ومكنش فى حد فى الشارع ....
قبل أن تغطى وجهها بيديها وهى تكمل بكاءها .... شاركتها والدة زوجها البكاء على مصير أبنها المجهول ، بينما تماسك والد زوجها وأستجمع رباطة جأشه وهو يقول بنبرة متوترة :-
والرقم اللى قولتيه ده قبل ما يغمى عليكى .... ده رقم العربية مش كده ...؟
ردت ( سلمى ) سريعا :-
أيوه هو ده رقم العربية 270609 القاهرة ، أنا متأكدة منه ... ده كان أخر أمل ليا أنا حفظته زى أسمى ....
فقال والد زوجها وهو يتجه للخروج من الحجرة :-
أنا هبلغ البوليس حالا .... لازم نلحق نتصرف .
فألتفتت ( سلمى ) لوالدة زوجها التى كانت مازالت مستمرة فى البكاء وقالت :-
هو أنا أغمى عليا أد أيه .... الساعة كام دلوقتى ...؟
فرفعت والدة زوجها رأسها أليها بعينين حمراوتين وقالت :-
ساعتين ....الساعة دلوقتى داخلة على أتنين الصبح ... أحنا يدوبك كلمنا المستشفى اللى ( حمدى ) بيشتغل فيها نسأل عليه ونتأكد أنه ماراحش هناك وميعرفوش حاجة وطلبنا منهم يبعتوا دكتور يشوفك ... جه طمنا عليكى ... وقال أن ده شوية أجهاد مع النزيف اللى حصل من جرح راسك وعالجه وركبلك المحلول ده وقال أنك هتفوقى قريب .... وقلنا نستنى لحد ما تفوقى علشان نعرف منك أيه اللى حصل بالظبط قبل ما نبلغ البوليس .... وربنا يجيب العواقب سليمة أن شاء الله ويسترها معانا ..... ( حمدى ) أبنى عمره ما عمل حاجة وحشه فى ح .....
قاطع العميد ( أحمد السعدنى ) حديث زوجته عندما عاد مرة إلى الحجرة وهو يقول :-
فى ظابط من القسم جاى فى الطريق لينا .... عاوزك تركزى يا ( سلمى ) وتحكيله كل حاجة بالتفصيل .... مفهوم ...؟
مفهوم .
جاوبته ( سلمى ) وهى تنظر له بنظرة خاوية ذاهلة .
لم تمضى سوى ربع ساعة على الأكثر وكانت ( سلمى ) تتحامل على نفسها وهى تنزل على السلم لتقابل رجال المباحث .... كانا رجلين أحدهما ويبدو أنه الأعلى رتبة على الرغم من أنه الأصغر سنا حيث كان عمره لا يتجاوز بأى حال من الأحوال منتصف الثلاثينات ، قوى البنية متوسط الطول ، ذو شعر أسود قصير ووجه حليق ونظرات صارمة .... بينما الأخر ضخم الجثة وذو كرش هائل يمتد أمامه لبضعه سنتيمترات ، ذو شعر أبيض قصير يضيف إلى عمره سنوات أخرى ليجعله يبدو فى أواخر الأربيعينات .....
أستقبلها ذو الملامح الصارمة بنظرة مستريبة وهو يتفحصها من رأسها حتى أخمص قدميها قبل أن يقول بهدوء :-
عاوز أسمع من حضرتك كل اللى حصل ، وبالتفصيل الممل .
قصت ( سلمى ) على مسامعه كل الأحداث التى مرت بها وكان يقاطعها كل حين وأخر طالبا المزيد من المعلومات أو أستيضاحا لبعض النقاط بينما الشخص الأكبر سنا يقف خلفه ويسجل بعض الملاحظات .... بعد أن أنهت كل مالديها ولم يعد لديها جديد لتضيفه ، طمأنها ذو الملامح الصارمة الذى كانت قد علمت أنه برتبة رائد ومعاون مباحث القسم ، بينما الأخر الأكبر سنا هو مخبر محنك والشخص الأكثر خبرة الذى خدم لأكثر من 30 عام فى المباحث ويعلم كل خبايا أصحاب السوابق .....
ماتقلقيش حضرتك رقم العربية ده هيسهل علينا كتير .... العيال ده هنجيب قرارهم على الصبح أن شاء الله .... أحنا هنروح نعاين مكان الحادثة ونعمل تحرياتنا وهنبقى على تواصل مع سيادة العميد وخير أن شاء الله ....
قبل أن يستأذن هو والمخبر فى الأنصراف على وعد منهم بأبلاغهم بأخبار جيدة فى أقرب وقت ممكن .
صعدت ( سلمى ) إلى غرفتها وآلقت بنفسها على سريرها وتقوقعت على نفسها وهى تجهش بالبكاء وأستغرقت فى النوم .
# # # # #
أستيقظت ......
لم أعلم متى أستغرقت فى النوم ....
ولم أعلم كم مضى على وأنا نائمة .....
لكنى كنت أشعر أننى أصبحت فى حال أفضل .....
قمت من على السرير ونظرت لنفسى فى المرآة .... كان وجهى شديد الشحوب وعيونى غائرة .... وكأننى فقدت نصف وزنى .....
خرجت من حجرتى وأنا أبحث عن أى شخص ، شعرت كأننى طفلة صغيرة تائهة ، لا أشعر بالأمان وكل شىء مختلف من حولى .... قبل أن أنادى عليهما ليجاوبنى الصمت المطبق ....
ألتفتت إلى الحجرة القابعة فى نهاية الردهة ، لكنها كانت مفتوحة على مصراعيها ويخرج منها ضوء أحمر مريب ، أتجهت ناحيتها بحذر .... كنت أشعر بالخوف والقلق ، لكنى أستجمعت شجاعتى و دفعت نفسى دفعا لأدلف إليها ، كانت غير مرتبة وكانت الدماء منتشرة فى كل مكان .... فزعت وأرتعبت وحاولت الرجوع بظهرى لأخرج من هذه الغرفة لكن الباب أغلق خلفى ، حاولت أن أفتحه بأقصى قوتى فلم أستطع .... صرخت وصرخت وصرخت .....
وفجأة وجدت نفسى على سريرى مرة أخرى ، أعتدلت جالسة فوجدت تلك الطفلة الجميلة ذات الشعر الذهبى ، كانت واقفة أمامى وهى تبتسم لى بأبتسامتها الحلوة البريئة ، قبل أن تقول بصوتها الطفولى :-
حمد الله على سلامتك .... على فكرة أنا كنت بجيلك كل يوم طول ما أنتى كنتى نايمة ....ومتقلقيش محدش شافنى .... أنا كنت باجى وبمشى من غير ماحد يشوفنى .... أطمن عليكى وخلاص .....
كنت أعجز عن الرد ، بحثت عن كلمات فلم أجد ، أين ذهبوا .... كم غبت عن الوعى .... من هذه الطفلة التى تظهر لى فقط .... أسئلة كثيرة ومحيرة تدور برأسى .... قطع أفكارى صوتها الطفولى مرة أخرى وهى تقول :-
أنا هضطر أمشى ، علشان هم جايين دلوقتى .... هجيلك تانى ، متقلقيش مفيش حاجه وحشه هتحصل ......
قبل أن تلوح لى بكفها الصغيرة مودعة وتنزل السلم وتختفى من أمام أنظارى ، حاولت أن أقوم لألحق بها .... وأستجمعت قواى ودفعت نفسى لألحق بها لأراها تخرج من باب المنزل وأقف كعادتى مبهوتة حاولت أن أنادى عليها لأستوقفها كنت بحاجه لأعلم من تكون لكنها غادرت المنزل ولم تعير لندائى أدنى أنتباه ..... وفجأة وجدت والد ووالدة زوجى يدلفوا إلى المنزل ولم يكدوا يلمحونى حتى قال والد زوجى مندهشا :-
لقد أستعدتى وعيك أخيرا .... أحنا أستنينا كتير أوى .
سألتهم سريعا مندهشة :-
هو أنا غبت عن الوعى أد أيه ...؟
يومين .... يومين كاملين .
هكذا رد والد زوجى على سؤالى ، لكنى سألت مرة مرة أخرى وكنت قد نزلت السلم لأجلس معهم بغرفة المعيشة :-
طمنونى البوليس وصل لحاجة ...عرفوا ( حمدى ) فين ...؟
تبادلوا نظرات ذات مغزى مع بعضهما ثم قالت والدة زوجى :-
أكيد أنتى جعانة .... أنا هقوم أحضر أكل عقبال ما عمك يحكيلك اللى حصل
قامت متجهة للمطبخ بينما ألتفت عمى تجاهى ليقول :-
بصى يا بنتى بعد التحريات ، المباحث بلغتنا أن مفيش أى عربية مسجلة فى أدارة المرور بالأرقام ده .... أنتى متأكدة من الرقم ....؟
نظرت له ( سلمى ) بذهول قبل أن تقول :-
طبعا متأكدة ... ده الرقم أتحفر فى دماغى ، عمرى ما هنساه أبدا .
نظر لها والد زوجها نظرة حزينة لم تعتادها منه وهو يكمل قائلا :-
المشكلة أن مفيش شهود خالص على اللى حصل ، ورقم العربية طلع طريق مسدود وموصلناش لحاجة ، و ( حمدى ) مالوش أعداء أو خصومات مع أى حد .... دلوقتى الحاجة الوحيدة اللى أدامهم أن اللى خطفه ده لو عاوز فدية مثلا و ده التفسير الوحيد المتبقى أدامهم لازم هيتصل علشان يتواصل معانا ، فهم دلوقتى مراقبين التليفون والفيلا ومستنين أى تحرك من الخاطفين ... وأحنا المبلغ اللى هيطلبوه مننا هندفعه ... ده أبنى الوحيد اللى ربيته وشقيت عليه ومليش غيره .
أنهى حديثه ولأول مرة أشعر بضعفه وأنكساره .... هذا الرجل القوى الصارم ، يتكلم بضعف .... هل ما أراه حقيقى ... هل تتجمع الدموع فى مقلتيه فعلا ...؟
كانت والدة زوجى قد أنهت تحضير بعض الطعام ، فتناولت بضعة لقيمات لتسد رمقى بعد أصرارهم المبالغ فيه بأن أتناول الطعام ، لم أكن قادرة على تناول أى شىء أو بلع أى طعام ولم أكد أنتهى ، حتى أستأذنت منهما وصعدت لغرفتى ، كان الألم والقلق على ( حمدى ) يقتلنى فى كل لحظة وفى كل ثانية .... ( حمدى ) لم يكن بالنسبة لى زوج فقط بل كان أب وأبن وأخ وصديق .... كانت علاقتنا وزواجنا مختلف عن كل الأزواج الأخريين ، كان كل شىء بالنسبة لى .
كنت أتسائل من هؤلاء الأشخاص ... ولماذا فعلوا هذا .... هل يريدون فدية حقا .... هل هذا هدفهم بالفعل ام ورائهم دافع أخر خفى لا يعلمه سوى الله .
فتحت شباك غرفتى .... كانت الشمس مشرقة والجو دافىء إلى حد ما .... مختلف تماما عن الطقس البارد من يومين ، رأيت الطفلة تلهو فى حديقة فيلتها مع أخيها كالعادة ، وبمجرد رؤيتها لى رفعت رأسها ولوحت بيدها لى .... فأبتسمت لها قبل أن ألوح لها بدورى .....
قررت أننى يجب بمجرد أطمئنانى على زوجى أن أذهب لمنزل هذه الطفلة وأتعرف على أسرتها لأقتل الشكوك التى تحيط بعقلى وتتكرر بداخلى بشكل مستمر فى الفترة الأخيرة بأنها ليست حقيقية .... هل يعقل أن لا تكون حقيقية ...
أغلقت شباك حجرتى قبل أن أتوضىء وأصلى و أدعو إلى الله وسط دموعى أن يزيل عنا هذه الغمة التى لم أعد قادرة على أحتمالها و أن يعود زوجى سالما بأذن الله .....
ثم دخلت إلى سريرى تحت غطائى وأستسلمت للنوم مرة أخرى .
# # # # #
مرت أربعة أيام أخرى ، لم يحدث فيهم أى جديد ، لم يتواصل معنا الخاطفين ولم تتوصل الشرطة لأى جديد .... حياتى أصبحت عبارة عن نوم معظم الوقت .... يتخللها أوقات الصلاة والأبتهال والدعاء إلى الله أو بعض الطعام الذى يبقينى على قيد الحياة مع زيارات قصيرة متكررة من صديقتى الوحيدة .... تلك الطفلة التى أخيرا أخبرتنى بأسمها ... ( فريدة ) ، وأن لم تخبرنى بعد كيف تتمكن من التسلل إلى الفيلا والدخول والخروج دون أن يصادفها أو يلمحها أحد ....
كان كل شىء يسير فى طريق أننا لن نتوصل لشىء وأننا فى طريق مسدود ، كل يوم جديد مثل سابقه ….. حتى ذلك اليوم .... صباح اليوم السابع على أختفاء ( حمدى ) .
كنت مستلقية فى سريرى كالعادة بين اليوم واليقظة حتى سمعت طرقات على باب غرفتى المغلق ، فقلت بصوتى الضعيف الواهن :-
أدخل ....
وعندما فتح الباب وجدت أمامى والدى زوجى يتوسطهما زوجى ( حمدى ) ...
نعم أنت لم تخطىء قراءة الأسم السابق ، بالفعل كان يتوسطهما ( حمدى ) زوجى ...كان يقف بينهما بنفس الملابس التى كان يرتديها ليلة أختطافه ، كانت متسخة بالطبع وممزقة من بعض الأجزاء ويبدو على وجهه الضعف والتعب لكنه كان على الأقل سليم ومعافى دون أدنى ضرر واضح ، أبتسم فى تعب وهو يقول لى :-
وحشتينى .... وحشتينى بجد .
لم أكاد أسمع صوته ، حتى نسيت كل ما مررت به فى الأيام الماضية ، كل قلقى وأفكارى المتشائمة وآلامى .... ووجدت الدماء تتدفق فى عروقى وأقفز بكل حماسة وسعادة من السرور والفرح وأنا أقول بصوت باكى وأحاول أن أمنع دموعى التى أنهمرت من عيناى كبئر مياه متفجرة :-
وأنت كمان وحشتنى أوى يا حبيبى .... حمد الله على سلامتك ... ألف حمد وشكر ليك يارب ..... ألف حمد وشكر ليك يارب ..... الحمد الله ربنا أستجاب لدعواتى ورجعك ليا .... أنا مقدرش أعيش من غيرك .....
أحتضنته فى قوة وودت لو تمكنت أن أغوص فى أعماقه ، أن نندمج معا ونبقى شخص واحد حتى أخفف عنه كل ما مر به من آلام وأشاركه ولو فى جزء بسيط من هذه التجربة المره التى مر بها .
لكنى سمعت صوت والده يقول وقد أستعاد نبرته الصارمة المعتادة مرة أخرى :-
( حمدى ) مش فاكر حاجة خالص ..... مش فاكر أى حاجة حصلت فى الليلة الشؤم ديه ولا بعدها ، لحد النهاردة لما لقى نفسه واقف أمام باب الفيلا .... حتى مش عارف هو وصل هنا أزاى .... أرتسمت على وجهى ملامح الريبة والدهشة وأنا لا أكاد أصدق ما أسمع ..... أحقا هو لايتذكر أى شىء مما حدث ......
قلت له وهو مازال يحتضننى :-
أنت مش فاكر أى حاجة من اللى حصلت خالص .... معقول ... !!
قال لى بهدوء :-
للأسف ده الحقيقة ، أنا مش فاكر أى حاجة خالص .... أخر حاجة فاكرها وأنا رايح أفتح العربية لما كنا مع بعض وفجأة لقيت نفسى واقف أدام البيت هنا .... كأنهم نفس الحدث فى نفس الوقت ..... كانى لم أغب أسبوع كامل ولم تمر سبعة أيام بين الموقفين .... مش عارف أزاى ده حصل .... وأزاى مش فاكر حاجة خالص ، والناس ديه كان هدفهم أيه من اللى عملوه .... بس أنا فعلا مش فاكر .... مش فاكر ....
قالها قبل أن يجهش فى البكاء ، ربتت عليه فى حنان وسمعت صوت والده الصارم يقول :-
متعيطش يا أبنى أدام مراتك .... خلاص موقف وعدى ، مينفعش كده .
بينما سمعت صوت والدته المعترض على كلام والده هى تعترض قائلة :-
هو اللى عدى بيه قليل ، ما تسيبه يفك عن نفسه مش أحسن ما يحصله حاجة .... بعد الشر عنه وعن السامعين .
وجدت أنه حان وقت تحدثى فأخذت دفه الحديث وأنا أقول بصوت حنون :-
بعد أذنكم ....أكيد ( حمدى ) عاوز ياخد شور ويغير ويستريح وينام ... ممكن تسيبوا ليا المهمة ديه.....
قالت والدته مؤيدة كلامى :-
والله عندك حق يا بنتى .... يلا يا ( حمدى ) سيب أبنك يرتاح دلوقتى .....
قال والده :-
طيب ، أنا هبلغ البوليس أنك رجعت ....وأكيد هيحتاجوا ياخدوا أقوالك علشان يقفلوا المحضر .
قالها قبل أن ينسحب هو وزوجته من الحجرة وأغلق أنا باب الحجرة بهدوء خلفهما .... سحبت زوجى من يده خلفى ، كان يبدو كالطفل الصغير التائه ....أحتضنته وهدءت من روعه وجففت دموعه وهو مستلقى على السرير وأنا أحاول أن أطمئنه بأن كل شىء أنتهى مهما كان هذا الأمر .... ولم تمضى سوى بضع دقائق حتى أستسلم للنوم ، فأحتضنته بحب ونمت أنا الأخرى ....
# # # # #
مر يومان منذ عودة ( حمدى ) وتم أستجوابه من قبل الشرطة التى لم تستطع التوصل لأى دليل هى الأخرى وهو لم يتذكر أى شىء مما حدث وهكذا فقدنا أى دليل يمكن أن يقودنا لحل لغز هذا الأختفاء .... لغز هذه الأيام السبعة .....
لماذا حدث هذا ؟...... ومن هؤلاء ... ؟ ولماذا لا يتذكر أى شىء ....؟
خضع لفحص طبى شامل وتأكدنا من سلامة صحته وعدم وجود أى أصابات جسديه أو فقده لأى أعضاء .... وهكذا عندما يأسنا من الوصول لأى طرف خيط يكشف لنا غموض هذا الحادث ..... كان علينا جميعا تناسى هذا الحدث والتعامل معه كأنه لم يكن أو كأنه ذكرى عابرة فى حياتنا سنتعايش معها مثل غيرها من الذكريات السابقة بحلوها ومرها .....
بدأ ( حمدى ) يستعيد تورد وجهه وأبتسامته مرة أخرى وثقته فى نفسه وكان يبدو أنه قرر فى قرارة نفسه أن ينسى هذه الذكرى التى لا يتذكر أحداثها من الأساس وأن يكمل ما ينتظره من أعمال وحياة .....
وهذا ماحدث بالفعل فى صباح اليوم الثالث عندما أستيقظ مبكرا وقام بأرتداء ملابسه وأستعد للذهاب إلى عمله ، كنت أنا قد أستيقظت قبله وأعددت طعام الفطور وجلست بأنتظاره ليلحق بى ...... جلسنا وتناولنا أفطارنا ثم تناول قدح الشاى الذى أعددته له ليرتشفه ، كنت أنظر له بأهتمام وأتأمل أدق تفاصيله وملامحه .... كم أحبه ولم أتصور يوما أن أحب أو أتزوج شخص غيره ، حمدت الله كثيرا على عودته إلينا سالما مرة أخرى لا أعلم كيف كان يمكننى أن أحيا لو حدث له أدنى مكروه .... لكنى بدأت ألحظ أن به شىء مختلف .... شىء ما لا أدرى كنهه .... ربما تسريحة شعره أو طريقة تعامله معى ، طريقة تناوله للطعام ..... لا أدرى ما هو الأختلاف لكنى متأكدة من شعورى بأختلافه .....
كان قد أنتهى من أحتساء كوب الشاى الخاص به ، قبل أن يطبع قبلة على وجنتى ويهم بالأنصراف عندما لاحظت أثناء سيره أن العرج عاوده من جديد وأصبح واضح عن ذى قبل ......، لكن مهلا منذ متى أصبح العرج فى ساقه اليمنى ...... أنها تتذكر جيدا أن الأصابة كانت فى ساقه اليسرى ، وهى التى كان يعرج بها والتى خضع لعلاج طبيعى مكثف ومطول ليتخلص من هذا العرج ..... وها هو يعاوده من جديد لكن فى القدم الخطأ .... كيف يمكن أن يحدث هذا .... ؟
فقالت متسائلة بأندهاش :-
( حمدى ) .... أنت بتعرج تانى ليه ....؟
ألتفت إليها ( حمدى ) وهو يقول :-
ما أنا بعرج من زمان ، من ساعة الحادثة ..... أيه الجديد فى كده مش فاهم يعنى .....؟
لا .... الجديد أنك بتعرج برجلك اليمين مش الشمال اللى أنت مركب فيها مسمارين ....
مين قال كده ... فين ده بعرج برجلى اليمين .... أنتى غريبة أوى يا ( سلمى )
قبل أن يكمل مسيره متجها لمخرج الفيلا وهو يعرج بقدمه اليسرى كما يفترض به .....
نظرت إليه بأستغراب قبل أن أنفض كل هذا عن رأسى .....
بالتأكيد أخطأت أو هذا أيهام من عقلى نتيجة لما كان يدور برأسى منذ قليل من شكوك حوله .
قبل أن أنسى الأمر تماما ..... وأمارس حياتى اليومية بشكل أعتيادى ..... مضى اليوم برتابة حاولت أن أتغلب عليها بأنشغالى فى الأعمال المنزلية ، قبل أن يطرء على بالى طارىء لماذا لا أذهب لأتفقد ( فريدة ) فى منزلها وأتعرف على أسرتها وأعرف منهم سر تسللها الدائم من منزلهم بهذه السهولة ..... كانت فكرة رائعة لأقضى بعض الوقت خارج أسوار المنزل وفى نفس الوقت أتعرف أكثر على هذه الفتاة الصغيرة وأسرتها .......
فصعدت إلى غرفتى سريعا وأبدلت ملابسى المنزلية بملابس أخرى تتناسب مع لقائى الأول بهم ، كنت متحمسه للغاية وأنتهيت سريعا ، قبل أن أهبط مجددا إلى بهو المنزل و ألتقط سماعة الهاتف الأرضى لأتصل بزوجى لأبلاغه بما قررت فعله وخروجى من المنزل وذهابى إلى الجيران المجاورين لنا ، أتصلت برقم المسستشفى الذى تركه لى لأتصل به فى حالات الطوارىء ليجاوبنى على الجانب الأخر رسالة مسجلة تبلغنى بأن ( كل الخطوط مشغولة الأن وعلى الأنتظار لبضعة دقائق قبل أن يجاوبنى أحد أفراد الأستعلامات الخاصة بالمستشفى ) ثم أنطلق لحن موسيقى رتيب .....
طالت فترة الأنتظار فأغلقت الخط وأعدت الأتصال مجددا لكن جاوبتنى نفس الرسالة المسجلة مرة أخرى ، وبعد أن يأست من أن يجيبنى أحدهم قريبا حسمت أمرى وقررت الذهاب ولعلى أعود قبل عودة أحدهم للمنزل ولكن أحتياطيا تناولت ورقة وقلم لأسطر عليها رسالة قصيرة تنص على :-
أفراد عائلتى الأعزاء ... لقد شعرت بالملل لهذا قررت الذهاب لزيارة ( فريدة ) وأسرتها فى الفيلا المجاورة ولأن أتأخر بأذن الله .
قبل أن أتركها على منضدة الأنتريه وأرتدى حذائى وأخرج من المنزل ....
أتجهت للفيلا المجاورة التى لم تكن تبعد عنا سوى بضعة أمتار .... كانت البوابة الخاصة بهم مغلقة وكان يبدو عليها القدم وعدم الأهتمام كأنها لاتفتح ألا على مرات متباعدة ، حاولت أن أدفعها لكن يبدو أنها كانت مغلقة بالمفتاح .... وجدت جهاز أتصال داخلى صغيرمثبت بجوار البوابة ، فضغطت على زر الأتصال المجاور للباب مرتين ثم أنتظرت الرد ...... لم تمضى سوى بضعة ثوانى حتى أتانى صوت من الداخل كان يبدو أنه لسيدة عجوز قالت فى ضعف و وهن :-
مين اللى على البوابة ...؟
جاوبتها فى نبرة خجلة :-
أنا أسفة لو كنت أزعجت حضرتك .... لو كنتى نايمه أو حاجة .... أنا ( سلمى ) جارتكم فى الفيلا اللى جمبكم أنا بس كنت حابه أتعرف على حضرتك .
صمتت السيدة لبضعة ثوانى وكأنها تفكر فى أمر ما قبل أن تقول فى صوت متوتر :-
أنا للأسف عايشه لوحدى و أنا ست قعيدة و البواب ومراته اللى بيساعدونى أجازة النهاردة والممرضة بتاعتى لسه مجتش فمش هقدر أفتحلك والله يا بنتى ..... بس ممكن بكره لما يرجعوا تيجى وتشرفينى ، أنا هبقى سعيدة جدا أنى أتعرف عليكى .
تصلبت ( سلمى ) فى مكانها وتجمدت ملامح وجهها قبل أن تقول :-
أومال ( فريدة ) ومامتها مسافرين هم كمان .... أنا مشوفتهاش بقالى كام يوم .... هو أنتى جدتها وهم كانوا عندك فى زيارة .....؟
مين ( فريدة ) ده يا بنتى ....؟
هكذا أجابتنى السيدة العجوز فى تساؤل قلق قبل أن تكمل قائلة :-
أنا معنديش ألا أبن وحيد أسمه (حازم ) ومهاجر كندا بقاله سنتين ومتجوز هناك وعنده ولدين .... ياريت كان عندى حفيدة .
أومال مين ( فريدة ) ديه أنا شفتها بتلعب فى جنينة الفيلا بتاعتك من شباك الفيلا عندى ، وكمان جيت زارتنى أكتر من مرة وقالتلى أنها ساكنة فى الفيلا ده مع عيلتها .
لا حول ولا قوة ألا بالله .... والله يا بنتى أنا معرفش طفلة أسمها ( فريدة ) ولا عندى حفيدة بالأسم ده .... كان نفسى أفيدك .
لم أعلم ماذا أقول وبماذا أجيبها .... هل من الممكن أن تكون هذه الطفلة تخدعنى وتكذب على لكن لماذا تفعل هذا ؟
وما هى مصلحتها من هذا ؟
لم يكن أمامى سوى أن أتأسف للسيدة بسبب أزعاجى لها مع وعدى لها بمحاولة زيارتها مرة أخرى فى وقت أنسب بأذن الله ، قبل أن أستأذن منها وأنهى المحادثة و أنصرف عائدة إلى منزلى و عقلى لا يتوقف عن التفكير فيما سمعته ، لم أكد أصل للمنزل و أدلف إليه حتى وجدت ( حمدى ) فى وجهى يستعد لمغادرته ، لم يكد يرانى حتى تنفس الصعداء وألتقط أنفاسه .... كان يبدو عليه التوتر والغضب قبل أن يقول مسرعا :-
أنا كنت جاى ليكى عند الجيران ، أنتى ازاى تتصرفى وتخرجى لوحدك من غير ما تبلغينى ...؟
جاوبته مدافعة عن نفسى :-
أنا أتصلت عليك على رقم المستشفى أكتر من مرة ، بس أرقامهم كلها كانت مشغولة ومعرفتش أوصلك ولما زهقت كتبتلك ورقة وقولتلك فيها أنا رايحة فين .... فين المشكلة بقى ؟
وعملتى أيه هناك عند الجيران وقلتى ليهم أيه وقالولك أيه ...؟
ما عملتش أى حاجة البوابة مقفولة وملقتش حد هناك .
هكذا أجبته كاذبة ، فلم أستطع مصارحته بما حدث معى وأحكى له قصة ( فريدة ) التى أشاهدها بأستمرار والتى كانت تزورنى خلال فترة أختفاءه والتى أنكرت السيدة العجوز وجودها .... لم أكن أستطيع أن أحتمل أتهامه لى بأنى أتوهم .... يكفينى ما أنا فيه من شكوك ، لن أخبر أحد بما حدث حتى أتأكد بنفسى من هذا الأمر .
أخذ ينظر لى بتمعن وشك لبضعة ثوان وكأنه يحاول أن يسبر أغوارى ، قبل أن يتجاوز الأمر أو يتظاهر بهذا أمامى وهو يدير دفة الحوار لأتجاه أخر قائلا فى لهجة ودود :-
ويا ترى هناكل ايه النهاردة من أيديكى الحلوين ...؟
طبخت مكرونة بشاميل و كفته اللى أنتى بتحبها .
أيوه كده .... تسلم أيديكى .... أنا هطلع أغير هدومى بسرعة وننزل ناكل
قلت له بلهجة مستنكرة :-
مش هتستنى مامتك وباباك لما يرجعوا من بره
أشار لى برأسه بعلامة النفى قبل أن يقول :-
بابا كلمنى فى المستشفى وبلغنى أنه هو وماما هيروحوا زيارة لناس معارفه وهيتغدوا هناك .
قبل أن يصعد إلى الدور العلوى بخطوات سريعة ..... نظرت له لبضعة ثوان وأنا مازلت أشعر بشعور غريب يجمع ما بين الدهشة والأستفهام والشكوك نحو زوجى تتزايد كل يوم عن سابقه ، قبل أن أنفض الأمر عن رأسى مؤقتا وأنا أذهب للمطبخ لتجهيز السفرة و عقلى يدوربه عشرات الأفكار الغريبة والمريبة .....
# # # # #