كانت الساعة تقترب من العاشرة مساء وأنا جالسة على المكتب الموضوع بحجرة نومنا أحاول أن أستذكر دروسى ..... لم يتبقى على الأمتحانات سوى أقل من شهر وأنا أريد أن أنتهى من هذه الأمتحانات وأنجح بها ، كان زوجى قد عاد إلى المنزل وتناولنا الطعام جميعا ، قبل أن يجلس ليتسامر مع أبيه بينما صعدت أنا للمذاكرة ..... قبل أن يدلف ( حمدى ) إلى الحجرة وهو يقول فى تعب :-
أنا تعبت أوى النهاردة فى الشغل وعندى شغل بكره الصبح بدرى .... أنا معندش قادر أنا هنام ..... قبل أن يستطرد متسائلا :- - وأنتى هتنامى ولا هتسهرى شوية كمان ...؟
فقلت له فى أسف :-
لا .... عندى مذاكرة كتير أوى .... كفاية الأيام اللى فاتت اللى ضاعت .... أنا هسهر شوية كمان ، أقفل نور الأوضة علشان تعرف تنام وأنا هفتح أباجورة المكتب .
ماشى .... تصبحى على خير .
وأنت من أهل الخير يا حبيبى .
هكذا أنهينا الحوار قبل أن يستغرق فى النوم وأكمل أنا مذاكرتى .... لا أعلم كم مضى من وقت قبل أن أبدء أشعر بالنعاس ..... نعاس ثقيل جميل فى هذه الأجواء الباردة ولم أشعر بنفسى لأستغرق فى النوم أيضا .....
# # # # #
وقف ( حمدى ) بجانب المكتب ، كانت ( سلمى ) قد نامت بموضعها .....
كان ينظر لها بنظرة ثابته ليس بها أى مشاعر ......
قبل أن يلتقط القلم ذو الأسنان الرصاصية الذى كانت تذاكر به ويقرب القلم وهو مازال ممسك به بالقرب من عينيها على بعد بضعة سنتيمترات من عينيها ويضغط على رأسه المتحرك برتابة وآلية والسن يخرج منه متجها إلى عينها المغلقة ، ضغط بضعة ضغطات وكاد السن أن يلامس عينها قبل أن يسقط السن على الورق أمامها وقد خرج بأكمله من القلم ، فوضع ( حمدى ) القلم بهدوء بجانب السن قبل أن يغادر الحجرة ويغلق الباب خلفه .......
لم يكد الباب يغلق حتى فتحت عيناى .... نظرت حولى فلم أجد ( حمدى ) نائما ووجدت نفسى قد نمت ، لفت أنتباهى سن القلم الرصاص الموضوع على الورق أمامى والقلم بجانبه ، فركت عيناى وأنا أحاول أن أستفيق قبل أن أسمع صوت باب المنزل وهو يغلق ..... أنتفضت من مكانى فزعا .... كدت أن أهتف منادية بأسم زوجى لكنى توقفت فى اللحظة الأخيرة .
بهدوء فتحت شباك حجرتى لألقى نظرة من خلاله لأجد زوجى يغادر حديقة الفيلا ، ألقيت نظرة سريعة على الساعة المعلقة على الحائط التى أشارت عقاربها إلى الثالثة صباحا ...... لماذا يخرج فى هذه الساعة ....؟ هل هو أستدعاء من المستشفى ....؟ لماذا لم يوقظنى وتركنى نائمة هكذا....؟ هذه بالتأكيد ليست من عاداته ..... لقد أعتاد دائما على أيقاظى قبل أن يغادر المنزل لو أتى له أستدعاء من المستشفى فى أى وقت
العديد من الأسئلة المحيرة دارت برأسى لم أجد لها جواب ، قبل أن أحسم قرارى وأفتح دولاب ملابسى والتقط بالطو طويل ثقيل منه ، أرتديته سريعا وأرتديت حذائى وألتقطت مفاتيحى وحافظة نقودى وقررت أن أذهب خلفه .....
أذا ذهب للمستشفى سأعود بأدراجى إلى المنزل مرة أخرى ولم أخسر شىء .... أما أذا ذهب إلى مكان أخر فسأعلم ..... أن تصرفاته فى الأونة الأخيرة تثير ريبتى .... أنى أشك فى وجود آمرأة فى حياته ، فزعت عندما طرآ هذا الخاطر على بالى وأنا أعيد التفكير فيه مرارا وتكرارا ..... هل هذا ممكن ؟ بعد كل هذه السنوات وبعد قصة حبنا تستطيع آمرأة أخرى أن تجذبه أليها .... ولما لا ، ففى النهاية ( حمدى ) زوجى رجل مثل بقية الرجال و أنسان ليس معصوم من الوقوع فى الخطأ ..... على كل حال كل شىء سينكشف الليلة ... هكذا أنتويت
لحقت به بأقصى سرعة كان يشير لسيارة أجرة قبل أن يستقلها بجانب السائق الذى أنطلق بها على الفور ، من أين أتت هذه السيارة ...؟ فيما يبدو أنها كانت بأنتظاره ..... هل هى عشيقته .... تلك الفاجرة كانت بأنتظاره و أسفل منزلنا ، لقد تجاوزت كل الحدود و كل الخطوط الحمراء بالفعل ....
دلفت إلى سيارة زوجى وأدرت محركها قبل أن أنطلق بها خلف السيارة التى أستقلها .... أبقيت أنوار مصابيحى مطفأة زيادة فى الحرص حتى لا يتمكن من رؤيتى .... أستمريت فى تتبعه لما يقارب الثلث ساعة وأنا لا أعلم لأين هو متجه أو لأين أنا أتتبعه ، بدأت أشعر بالخوف ، بالتأكيد لن أتمكن من العودة للمنزل لوحدى .
قبل أن تتوقف السيارة التى يستقلها أمام حى قديم ذو شوارع ضيقة ويتبادل مع السائق الحديث لبضعة ثوان قبل أن ينزل من السيارة .... أذن لقد كنت محقة .... هذه السيارة كانت تنتظره بالفعل ، وبالتأكيد هو ليس بذاهب للمستشفى ، ولكن سائقها كان رجل وليس عشيقته كما توقعت مسبقا ، على كل حال فقد ركنت السيارة على جانب الطريق قبل أن أغلقها بأحكام وأتجه خلفه .....
لاحظت أن زوجى كان يسير معتدلا دون أى عرج وخلع نظارته الطبية ليضعها فى جيب سترته ، قبل أن يخرج سيجارة من علبة سجائر ويشعلها ليدخنها بأستمتاع .... زوجى لم يدخن من قبل قط ، حتى أنه لايطيق أستنشاق دخان السجائر……
يا آلهى .... ما هذا الذى أراه ....؟
من هذا...؟ هذا بالتأكيد ليس بزوجى ....
دلف إلى شارع جانبى ، فدلفت خلفه .... قبل أن أتراجع وأختبىء خلف ناصية الشارع وأنا ألقى نظرة بحذرعليه ....لقد توقف على بعد منزلين .... كان يتحدث مع رجلين بعصبية ويبدو أنه يوبخهما كان أحدهما متوسط الطول ذو شعر أسود قصير ووجه حليق ينظر إلى الأرض وزوجى يوبخه بشدة قبل أن يفاجأه ويهوى بصفعة مدوية على وجهه ، بينما تراجع الأخر بظهره للخلف خوفا والذى كان ضخما ذو كرش عملاق وشعر أبيض قصير ....
لقد أستغرقت بضعة ثوان لأتعرفهما هذان الرائد ( محمد مصباح ) الذى هوى زوجى على وجهه بصفعة مؤلمة والأخر هو المخبر الخاص به , واللذان كانا يحققان فى قضية أختفاء زوجى .....
ما هذا ... ؟ كيف يمكن لهذا أن يحدث .... ؟ كاد عقلى أن ينفجر .....
دلف إلى المنزل الذى كان يتحدث وهو واقف أسفله قبل أن يتبعه الرجلان فى خضوع وأحترام ، تحركت من مكمنى وأنا أنظر حولى إلى هذه البيوت القديمة والمنطقة الفقيرة المهملة وأنا لا أصدق وأكاد أشعر أننى فى حلم ما .....
دلفت إلى المنزل خلفه وسمعت أصوات قادمة من أعلى ، فصعدت السلم بهدوء وحذر لأجد زوجى يتحدث بصوت صارم وقد أزداد عدد الرجال حوله ليصبحوا خمسة أفراد ......
قطعت أفكارى على صوت من يفترض أنه زوجى وهو يقول لهم :-
مفيش أى تقدم ..... الخطة باظت .... كل اللى أحنا عملناه هيروح على الأرض .... شوية أخطاء عبيطة وتافهة ضيعت كل حاجة .
كنت أحاول أن أقترب أكثر حتى أتمكن من السمع بصورة أوضح عندما أصطدمت قدمى بشىء ما على الأرض محدثه دويا هائلا ليقطع صوت الأصطدام حديث زوجى وقبل أن أتخذ أى خطوة لأتمكن من التوارى عن الأنظار ، ألتفت زوجى بأتجاه الصوت لتلتقى نظراتنا معا .....
نظرة الخوف والفزع فى عيناى ونظرة الكره والغضب التى فى عيناه .....
قبل أن أدور على عقباى بسرعة وأنا أركض بأقصى سرعتى ناحية المدخل وأسمع صوت ذلك الشخص الذى ينتحل شخصية زوجى وهو يقول غاضبا :-
أمسكوها ..... أوعى تهرب منكم .....
أخذت أجرى بأقصى سرعتى ، لا أعلم لأين أذهب .... كل ما كنت أعلمه أنى يجب أن أبتعد بأقصى سرعة وإلا يتمكنوا من الأمساك بى .... يجب أن أتمكن من الهروب حتى أكشف خداعه أمام الجميع .....
أخذت أخرج من شارع ضيق لأدخل فى أخر ، شعرت أنى أدور فى دوائر متداخله ، لم أعد ألمح أحد منهم خلفى .... هل فقدوا الأمل فى اللحاق بى أم أنى أستطعت أن أفقدهم أثرى .... ؟ أم أنهم يخططون للأحاطة بى مستغلين جهلى بأحداثيات المنطقة .... ؟
لم أتمكن من الوصول للمكان حيث ركنت السيارة ، كنت أمل أن أجد أى سيارة أجرة أو سيارة عابرة فى هذه المنطقة فى تلك الساعة المتأخرة ليلتقطنى وأبتعد عن هذا الكابوس .....
سمعت صوت خطوات مهرولة خلفى تتجه نحوى .... بالتأكيد أنهم هم .... تراجعت بظهرى لأختبىء بداخل مدخل أحد المنازل القديمة ، كان المكان مظلم جدا ، لكنى حاولت أن أتحكم فى خوفى .... بالتأكيد ليس هذا وقت الخوف من الأشباح وتلك الخرافات .....
أنا الأن فى خطر حقيقى يهدد حياتى .... حبست أنفاسى وكانت دقات قلبى المرتفعة تتردد بداخلى كدقات الطبول التى تعلن عن أقتراب ساعة الحسم ، أصغيت السمع بقدر المستطاع وأنا أدعو الله أن ينجينى من هذا المأزق ....
وفجأة سمعت صوت تنفس شخص ما خلفى .... قبل أن أشعر بأنفاسه الساخنة تصطدم بعنقى ....
حاولت أن ألتفت سريعا .....
حاولت أن أصرخ رغم أن هذا لم يكن مجديا ..... أو أن أركض .... لكنى شعرت بيد قوية تطبق على أنفى ورائحة نفاذة تتسرب لأنفى ......
حاولت أن أقاوم ..... لكنى شعرت بالضعف يتسرب إلى جسدى ، وغمامة من السواد تحيط بعقلى .... قبل أن تخور قواى .... وأفقد الوعى .....
أفقده تماما ......
# # # # #
أستيقظت .......
فتحت عيناى بصعوبة .... نظرت حولى وأنا أحاول أستيعاب الموجودات حولى والتعرف عليها ......
كنت فى مكان مظلم يبدو عليه القدم وعدم النظافة حيث أنه تتسلل لأنفى مجموعة من الروائح العطنة والمقززة ....
حاولت أن أحرك قدماى أو يداى فلم أستطع ، يبدو أننى مقيدة بقوة وأحكام ، عندما بدأت عيناى على أعتياد الظلام وبدأت التعرف على الموجودات من حولى وجدت أنى بالفعل مقيدة بأحكام لكرسى حديدى فى وضع الجلوس ....
أخذت فى التلفت حولى محاولة التعرف على المكان أو أيجاد أى شىء يساعدنى على التخلص من قيودى ....
قبل أن يتسلل لمسامعى صوت بكاء ونحيب ....
حاولت أن أسترق السمع أكثر و تحديد مصدر الصوت ....
كان الصوت يأتى من أحد أركان الحجرة المظلمة .....
كان هناك جسم متكوم فى الركن ويصدر منه هذا البكاء .....
أستجمعت شجاعتى و أنا أقول بصوت حاولت أن أجعله قويا متماسكا لكنه خرج بالرغم منى ضعيفا مهزوزا :-
من هناك ..... من الذى يبكى ....؟
فوجدت أن الشخص الباكى قد توقف عن البكاء وكأنه أنتبه لأول مرة لوجود شخص أخر يشاركه فراغ الحجرة ....
وعلى الأضاءة الضعيفة التى تتسلل للحجرة وجدت أنه أعتدل وبدأ فى التحرك ببطء وكأنه يزحف بأتجاهى .....
كانت ملامحه وأبعاده غير واضحة وأخذ يقترب منى ببطء مخيف وصوت الزحف على الأرضية الخشبية المتهالكة للغرفة وهى تصدر صرير مخيف يزيدنى رعبا ....
حاولت أن أتخلص من قيودى بكل ما أملك من قوة فلم أستطع ، حاولت أن أصرخ فخرج صوتى ضعيفا مكتوما متحشرجا ....
وفجأة وجدت الجسم وقد وصل ليصبح أسفل قدماى قبل أن يتوقف عن الزحف ويرفع رأسه ببطء بأتجاهى ويعدل جسمه لتصبح رأسه فى مواجهة رأسى مباشرة .....
أغلقت عيناى بقوة وأنا أبسمل وأحوقل قبل أن أشعر بأنفاسه الكريهة تصطدم بوجهى ففتحت عيناى فى رعب لأجد ( حمدى ) زوجى أمامى ..... لكنه لم يكن ( حمدى ) الذى أعرفه كانت الدماء تغطى وجهه وأحدى عيناه مفقودة وعنقه ملوى بطريقة بشعة لتسقط رأسه على كتفه وهو ينظر لى بعينه الوحيدة فى رعب ......
ولم تعد أعصابى قادرة على الأحتمال أكثر من هذا ....فصرخت ، وصرخت ، وصرخت ..... وخرج صوتى هذه المرة عاليا مجلجلا ، قبل أن أفقد الوعى ....
أفقده تماما .....
# # # # #
أستيقظت .......
فتحت عيناى فى فزع .......
كنت فى حجرتى ..... ويبدو أن النعاس قد غلبنى فنمت على المكتب .... هاهى أوراقى مفتوحة أمامى .....
يا آلهى .... ماذا يحدث لى ؟ ..... أنا أتذكر ذكريات مختلفه عن الليلة الماضية ، لقد خرجت خلف ( حمدى ) أو من يفترض به أنه ( حمدى ) ورأيت كل شىء وكشفت حقيقتهم قبل أن يطاردونى و أفقد الوعى .... هل كان كل ما مررت به وكل ما أتذكره عن ما مر بى من أحداث بالأمس هو مجرد حلم ...... يا آلهى كم كان حلم بشع كريه ...... أم أنها الحقيقة وكل هذا حدث بالفعل ....
ألتفت حولى فلم أجد ( حمدى ) فى الفراش ، نظرت إلى الساعة كانت عقاربها تشير إلى السابعة مع نور الشمس الذى يتسرب من النافذه الى الحجرة ، قلابد أننا فى الصباح الأن .....
نظرت إلى ملابسى ، كنت أرتدى نفس ملابس النوم .... كل شىء كما هو وكما يجب أن يكون ، لا شىء يثير الشبهات .....
يا آلهى . ساعدنى سأفقد عقلى .....
سمعت صوت ( حمدى ) يقول بهدوء :-
صباح الخير يا حبيبتى .... شوفتى بقى أهو راحت عليكى نومة وأنتى قاعدة مكانك بتذاكرى .
ألتفت إليه فى رعب وأنا أنظر إليه فى فزع قبل أن أصرخ وأنقض عليه قائلة :-
أنت مين ....؟ فين ( حمدى ) جوزى ....؟ أنت فاكر أنك هتضحك عليا تانى ......
حاولت أن أدفعه ، أن أضربه ..... كنت أريد أن أوذيه بأى شكل من الأشكال ، لكنه يبدو كان مستعد لرد فعلى ..... فتفادى أنقضاضتى قبل أن يكبل حركتى ويسقطنى أرضا ويثبت حركتى ....
قاومت بشراسة وبصقت فى وجهه وأنا أسبه بأقذع الشتائم والألفاظ التى يسمح بها قاموسى اللغوى وأسعفتنى بها الذاكرة ، لكنه لم يتأثر و أستمر فى القول وهو يحاول تهدئتى :-
أهدى ..... أهدى علشان خاطرى ..... هى النوبة رجعتلك تانى ..... حلمتى بكابوس طيب ..... أيه اللى حصل بس علشان كل ده يا (سلمى ) .
قلت من بين دموعى وأنا مازلت أحاول دفعه والتخلص من تكبيله :-
نوبة.... نوبة أيه .... أنت هتطلع عليا أنى مجنونة علشان كشفتك وعرفت خدعتك القذرة .... أنت مش ( حمدى ) جوزى ....عملتوا أيه فى حمدى يا مجرمين .....؟
نظر لى بأندهاش وهو يقول :-
( سلمى ) أنتى أخر مرة أخدتى الدواء بتاعك فيها أمتى .....؟
دواء.... دواء أيه .....أنا مباخدش أدوية .... دواء بتاع أيه ....؟
نظر لى بشفقة ولمحت حزن لم ألمحه فى عيناه منذ سنوات وهو يقول بصوت منكسر :-
لا للأسف بتاخدى دواء .... دواء علشان الأكتئاب والهلاوس اللى بتحصلك .... دواء علشان النوبات اللى بتجيلك ..... دواء لما بتفوتيه بيحصلك كده .... ده أنتى ماشية عليه من ساعة الحادثة ....؟
حادثة .....حادثة أيه ...؟
قلتلها وأنا لا أصدق أى حرف من أكاذيبه التى يتلوها على مسامعى لأنقاذ نفسه
، بينما أكمل هو قائلا والدموع تتجمع فى عيناه وكأنه يتذكرذكرى أليمة :-
الحادثة اللى حصلتلى وكان معايا......
سكت لبرهة قبل أن يكمل بصعوبة :-
كان معايا ( فريدة ) ..... ( فريدة ) بنتنا الله يرحمها .
قالها قبل أن تتساقط الدموع من عيناه ، تجمدت نظرات عيناى وشعرت أننى لا أقوى على ألتقاط أنفاسى وأنا لا أصدق ما أسمعه وأردد فى ذهول :-
( فريدة ) بنتنا ..... أحنا عندنا بنت أسمها ( فريدة ) .
كان ....كان عندنا بنت بس الله يرحمها ، لما حصلت الحادثة من سنتين هى ماتت وأنا أتصبت الأصابة اللى فى رجلى .....
العربية أتقلبت بينا وهى ماتت .... ماتت .....
قالها قبل أن تدمع عيناه وهو يقوم واقفا ليترك لى حرية الحركة أخيرا كأنه لم يعد به حاجة لتكبيل حركتى بعد الأن ، لكنى لم أعد قادرة على الحركة بعد ما سمعته منه .
أكمل قائلا وهو يجفف دموعه بمنديلا ورقيا :-
بعدها أنتى دخلتى فى صدمة عصبية و قعدتى تتعالجى سنة كاملة قبل ما تقدرى تستوعبى اللى حصل وتنسيه ..... بس للأسف الصدمة والأدوية أثرت على ذاكرتك و الدكاترة حذرونا من أننا لازم نخفى كل ذكرياتها عنك علشان ما تدخليش فى صدمة جديدة ، وعلشان كده مش بنجيب سيرتها وخبينا كل صورها ولعبها عنك ..... بس لو عاوزه تتأكدى من كلامى ممكن أكدلك بسهولة .
كانت الدموع قد تجمعت فى مقلتاى .... ألم رهيب يعتصر قلبى .... حمل ثقيل يجثم على صدرى ....تكاد روحى أن تنسحق .... كيف ؟.... كيف لا أتذكرها ؟.... كيف لا أتذكر أبنتى ....؟
كان زوجى قد توجه إلى الخزنة القابعة فى الدولاب وفتحها بالرقم السرى الذى يعلمه لوحده قبل أن يخرج منها ظرف أصفر كبير وضعه أمامى وهو يقول بصوت باكى :-
ده معظم صورها .... معظم ذكرياتك معاها .
ناولنى أياها بهدوء ، قبل أن يخرج مظروف أخر ويقول :-
و ده فيه كل التقارير الطبية بتاعتك .
كانت الصدمة قد شلت تفكيرى تماما .... لم أعد قادرة على التفكير أو التصرف ، تناولت المظروف منه كالمنومة مغناطيسيا وفضضته قبل أن ألقى نظرة دامعة على الصور الموجودة به .
ولقد كانت هى ...... بأبتسامتها البريئة وشعرها الذهبى الجميل ، كما أعتدت رؤيتها والتحدث معها عندما كانت تأتى لزيارتى .....
لقد كانت هى أبنتى ( فريدة ) هى من أعتدت رؤيتها فى المنزل المجاور وفى حديقة منزلى ..... هل كانت كل هذه أوهام عقلى المضطرب .....هذا يفسر سر ظهورها و أختفائها المفاجىء ......
هذا تفسير أن لا أحد يراها سواى ......
كانت الدموع تتساقط من عيناى لتبلل الصور الموضوعة أمامى .....
عندما سمعت صوت ( حمدى ) يأتى من خلفى من جديد وهو يقول :-
علبة الدواء بتاعتك خلصانة يا ( سلمى ) .... أنا اللى غلطان علشان مكنتش متابع أنتى بتاخدى دواكى ولا لأ .... ممكن علشان اللى حصل الفترة الأخيرة والتوتر والمشاكل اللى كنا عايشين فيها .....عموما أنا طلبت ليكى علبة جديدة من الصيدلية ..... علشان خاطرى متفوتيش الدواء بتاعك تانى ....
أومأت برأسى بضعف وتهالك فأحتضننى وقبلنى فى حنان قبل أن يقول :-
أنا مضطر أروح الشغل دلوقتى ، ياريت تاخدى دواكى لما يوصل ، وأنا هحاول متأخرش فى الشغل النهارده .... سلام .
قالها و أنصرف و هو يغلق باب الحجرة خلفه بهدوء .
حلست بصمت على الأرض لا أقوى على التحرك من مكانى وأنا أنظر إلى صور أبنتى و أبكى .... كيف أنساكى ؟ ..... كيف لا أتذكرك يا فلذة كبدى ؟.... تمنيت لو ظهرت لى الأن لأحتضنها و أقبلها و أملىء عيناى من النظر أليها ....
أذا كان السبب الدواء هو ما يمنعنى من تذكرك ورؤيتك فلن أخذه مرة أخرى .... يجب أن أتذكرها ، وأتذكر كل ما حدث .....
ألتفت إلى مكتبى وأنا أنظر بحسرة لكل شىء عليه ، لكن مهلا هناك شىء ما خاطىء لفت أنتباهى ......
قمت من مكانى سريعا وأتجهت إلى المكتب ، على حسب ما أتذكر من حلمى بالأمس كان ( حمدى ) يقف بجانبى يضغط على رأس القلم ليخرج سنه ، مسكت بالقلم و أنا أتفحصه بتمعن .... ضغطت على رأس القلم عدة ضغطات متتالية فلم يخرج من القلم سن ، نظرت إلى سطح المكتب أبحث عنه .... و أخيرا وجدته ..... وجدت السن فى نفس موضعه على سطح المكتب مثل الأمس ...... مثلما رأيت فى أحلامى أو أوهامى كما يقول ( حمدى ) ....
لكن هذا ليس له سوى تفسير واحد .... أن هذا لم يكن حلم أو وهم بل حقيقة .
أتجهت إلى خزانة الأحذية و أخرجت حذائى الذى أرتديته بالأمس فى حلمى ..... نظرت إلى أسفله وكان نظيف جدا بطريقة مبالغ بها ، كأن أحدهم قد نظفه بعناية وأهتمام .
يا آلهى ...ما هذا ؟ ماذا يحدث ؟ ..... أكاد أن أفقد عقلى .... لا أعلم أين الحقيقة و أين الوهم ؟.... هناك شىء مريب .... شىء ما خاطىء .....
أخذت علبة الدواء التى تركها لى زوجى ، كتبت أسمها بمفكرتى ، قررت أن أذهب للصيدلية بنفسى لأتأكد من هذا الدواء .....
نظرت إلى التقارير الطبية العديدة التى تشخص حالتى ، لست بطبية و لا أدرى شىء عن كنهها ، كل ما يهمنى أسم الطبيب الموجود عليها ورقم هاتفه .... قررت أن أتصل به .
خرجت من حجرتى بهدوء ووجدت والدة زوجى فى مواجهتى كأنها كانت بأنتظارى .... نظرت لى بحنان وقالت :-
الدواء بتاعك وصل من الصيدلية ، أنا كنت جيبهولك .
تناولت علبة الدواء منها قبل أن أقول :-
أنا مش فاكره أى حاجة عن الحادثة أوعن ( فريدة ) ، فاكره لما قولتلك أنتى و ( عمى ) أن كان فى بنت صغيرة بتلعب فى الجنينة وبتدور على الكورة بتاعتها .... عارفة البنت ده طلعت مين ؟ طلعت ( فريدة ) .
أزاى بس يا بنتى تبقى ( فريدة ) ..... ( فريدة ) الله يرحمها ماتت وشبعت موت .
يعنى ده كان وهم ، حلم ، خيال .... يعنى مكنش حقيقة .
أكيد كان حلم يا بنتى .... الأموات مبيرجعوش تانى .
بس أنا متأكدة من اللى شوفته أمبارح ، اللى معانا فى البيت ده مش(حمدى ) ..... ( حمدى ) لما أتخطف فى حاجة حصلت ليه .... أوعدينى تساعدينى ...
أساعدك فى أيه ؟ .... وأيه اللى حصل أمبارح ؟.... وأزاى ده مش ( حمدى ) ليه بتقولى كده ؟.... فيه أيه ؟
هكذا كررت والدة زوجى متسائلة
قصصت على مسامعها كل ماحدث الليلة الماضية بالتفصيل ، أخبرتها بشكوكى ومخاوفى .... بقلقى وخوفى ....
قبل أن أكمل قائلة :-
أحنا نراقب ( حمدى ) ، نراقبه النهاردة ونشوف .... هو بيخرج كل يوم بعد ما أحنا بننام .
وماله يا بنتى نراقبه لو ده هيريحك .
صدقينى يا حماتى ده والله مش ( حمدى ) ده واحد منتحل شخصيته و أحنا هنثبت كده أن شاء الله النهاردة .
ماشى يا بنتى ....أطلعى أنتى ريحى بس وبليل هنراقبه أنا وأنتى .
يعنى أنتى مصدقانى .
أكيد مصدقاكى ..... كلامك منطقى .... ومش هنخسر حاجة لما نراقبه على الأقل تتأكدى وتشيلى الشكوك اللى فى دماغك .
شكرا لحضرتك ... أنك دايما واقفه فى صفى .
قبلتها بحنان قبل أن أستئذن منها لأقوم بالأتصال برقم الطبيب ، تناولت الهاتف و أدخلت الرقم وحاولت الأتصال به مرة وأثنين و ثلاثة و دائما ما كنت أحصل على نفس الأجابة ......
(الرقم المطلوب غير موجود بالخدمة ، يرجى التأكد من الرقم الصحيح ومعاودة الأتصال مرة أخرى) .
بعد أن يأست من المحاولة أمسكت علبة الدواء التى أعطتها لى والدة زوجى وأنا أنظر لها بتمعن قبل أن أفتحها و أخرج النشرة الداخلية الخاصة بالدواء لأقرء تعليمات أستخدام الدواء الذى كان مخصص لمرضى الفصام والهذيان لتقليل أعراضه ....أذن كان زوجى على حق وأنا أعانى من أمراض عصبية ونفسية مختلفة ، أخرجت أحدى أقراص الدواء من العلبة ، وأخذت أنظر له بتردد وأنا أفكر بهدوء وعقلانية هل أتناوله حتى تختفى أوهامى وأعيش حياة طبيعية .... أم أتوقف عن تناوله حتى أستمر فى رؤية أبنتى حتى لوكانت هذه مجرد أوهام أو ذكريات مشوشة .
فى النهاية قررت العدول عن رأيى وعدم تناول الدواء مجددا حتى أذهب لمقابلة الطبيب المعالج لى بنفسى اليوم .... سأخبر زوجى بأن يصطحبنى اليوم إليه بعد عودته من العمل .... نعم هذا هو الرأى الصائب
بعد أن أتخذت قرارى النهائى قررت الصعود لحجرتى وأنا فى طريقى للأعلى وعندما مررت بحجرة والدة زوجى سمعت صوتها وهى تتحدث بالهاتف الموجود بغرفتها بنبرة عصبية لم أعتادها منها من قبل وكانت تقول فى حدة :-
خلاص هى كشفتنا .... زى ما بقولك كده .... الخدعة معتدش داخلة عليها ....أه زى ما بقولك كده هتراقبك تانى النهاردة .... لازم نشوف طريقة جديدة
أقتربت تماما من باب حجرتها الذى لم يكن مغلق تماما والتصقت به وأنا أحاول أن أسترق السمع ....
لم أكن أصدق ما أسمع ، من هذه ؟
هذه بالتأكيد ليست والدة زوجى حتى نبرة صوتها تغيرت ، لهجتها ، طريقة حديثها ... كل شىء أصبح مختلف تماما .
أيوه زى ما بقولك .... ده كمان حاولت تتصل بالدكتور بس طبعا الرقم معدش موجود ...... لازم تيجى طبعا وحالا .... أنا مش هقدر أسيطر عليها لوحدى و.....
قطعت حديثها فجأة ، كان خشب الأرضية قد أصدرصرير مفاجىء وصل لمسامعها ولفت أنتباهها .... فألتفتت ناحية باب الحجرة قبل أن تتحرك بأتجاهه وتفتحه فجأة ......
أخذت تنظر حولها لبضعة ثوان ولما لم تجد شىء عادت مرة أخرى للحجرة وأغلقت باب الحجرة خلفها بأحكام هذه المرة .
كنت قد تحركت قبلها بثوانى بمجرد أصدار الأرضية الخشبية لصريرها المفاجىء ، تحركت سريعا و أختبأت فى حجرتى وأنا ألهث من الفزع ....
ما هذا ؟ وماذا يحدث لى ؟ هل هى هلاوس أخرى ؟ أم حقيقة
وفجأة سمعت صوت أغلاق باب حجرتى بالمفتاح من الخارج .... حاولت أن أفتح الباب فلم أتمكن من هذا بالطبع .... بالتأكيد هى من فعلت هذا بناء على تعليمات منتحل شخصية زوجى .... من هؤلاء الأشخاص ؟
وماذا ينوون أن يفعلوا بى ؟ لكنى لن أستسلم .... لن أبقى ساكنة ، يجب أن أتصرف ، يجب أن أخرج من هنا قبل أن يصل منتحل شخصية ( حمدى ) ، وسأذهب لأبلاغ الشرطة
قررت ماذا سأفعل ، أتجهت إلى شباك حجرتى وفتحته قبل أن أنظر منه وأقدر المسافة منه إلى الأرض وأحسم قرارى .....
كانت المسافة تصل لحوالى الأربعة أمتار .... جذبت ملاءة السرير قبل أن أخرج ملاءة أخرى من الدولاب وقمت بربطهما معا بأحكام قبل أن أربط طرفها فى ماسورة صاعدة من الأسفل حتى السطح مرورا بشباك حجرتى ....
تعلقت بالملاءة قبل أن أحاول النزول ببطء محاولة أن أتفادى النظر للأسفل وعدم أحداث صوت يجذب نظر والدة زوجى لى ..... تشبثت بها بكل ما أوتيت من قوة وأنا ألتقط أنفاسى بصعوبة شديدة ، كنت أقترب من الأرض وأنا أحاول أن أقدر المسافة المتبقية بينى وبين الأرض قبل أن تنتهى الملاءة وأضطر للقفز
كانت المسافة المتبقية لا تزيد عن المتر بأى حال من الأحوال أن لم تكن أقل من هذا ، ألتقطت شهيق عميق وكتمت أنفاسى قبل أن أتغلب على ترددى وأقفز إلى الأرض ....
سقطت على قدمى اليمنى وألتوى كاحلى أسفلى وندت منى صرخة ألم ، حاولت أن أكتمها بأقصى ما أملك من قوة و أرادة لكن بعد فوات الأوان ، قبل أن أعتدل وأتحرك مسرعة بخطوات أشبه بالركض محاولة الخروج من هذا المكان الذى أصبح يجثم على صدرى كحجر ثقيل ....
فتحت بوابة الفيلا وخرجت مسرعة لأجد سيارة والد زوجى أمام المنزل وهو يقف بجوارها بكل هدوء ويضع يديه فى جيب البالطو الرمادى الثقيل الذى يرتديه ويقول بلهجته الصارمة المعتادة :-
رايحة على فين يا ( سلمى ) ؟ .... و مالك عاملة كده ليه ....؟
حاولت أن أقول أى مبرر طارىء لكن ذهنى لم يسعفنى كالعادة .....قبل أن أسمع صوت والدة زوجى يأتى من خلفى وهو يقول :-
( سلمى ) عندها تهيؤات وهلاوس بتقول أن ( حمدى ) اللى عايش معانا مش هو ( حمدى ) أبننا ، وشوية شوية تقول علينا أحنا كمان نصابين ....
نظر لى والد زوجى بتمعن وهو يحاول أن يدقق النظر إلى .... حاولت أن أتفادى النظر إلى عينيه وأنا أسمع صوته يصبح أكثر عمقا و دفئا :-
( حمدى ) جوزك يا بنتى ، جوزك اللى بيحبك .
كان يقترب منى ببطء محاولا الأمساك بى .... لكنى أنتفضت فى عنف وأصرخ وأنا أبتعد عنه قبل أن أجرى مسرعة .... درت حول السيارة وهو يحاول أن يمنعنى لكنى دفعته بكل ما أملك من قوة و تمكنت من الأفلات منه وسمعت من خلفى صوت والدة زوجى تصرخ قائلة :-
أمسكها ، أوعى تهرب منك المجنونة ديه .
أخذت أجرى بأقصى سرعتى محاولة الوصول إلى قسم الشرطة ، حاولت ألا أنظر خلفى ، لم يكن أمامى سوى هدف واحد إلا وهو الوصول لقسم الشرطة الذى كان يلوح أمامى من بعيد ....
أخذت أضغط على نفسى وأنا أخاف فى كل لحظة أن ينقض على أحد ويمنعنى من الوصول سواء والد زوجى أو زوجى ليمنعنى من الوصول لمبتغاى ....
وجدت سيارة والد زوجى تقترب من أحد المنعطفات بأقصى سرعة بأتجاهى ، كان يبدو أنه يحاول أن يصدمنى .....
يا آلهى .... هؤلاء المجرمين يحاولون قتلى .... أنهم بالفعل يريدون قتلى والتخلص منى .....
لكن لحسن حظى كنت قد أقتربت كثيرا من قسم الشرطة ....
أقتربت أكثر من اللازم ....
فدفعت نفسى بسرعة من خلال البوابة الحديدية لمركز الشرطة لأصبح بداخله قبل أن أسقط بداخله وأفقد الوعى ....
# # # # #