أكوان للنشر والترجمة والتوزيع

Share to Social Media

انطلق ممدوح بالسيارة مسرعًا تلاحقه طلقات رصاص مطارديه.
لكن أحدهم أشار لهم بالتوقف قائلاً:
_ لا داعي لإهدار الطلقات؛ فقد كتب نهايته بنفسه.
وفي تلك اللحظة نظر ممدوح إلى ساعته التي تحولت عدستها إلى اللون الأحمر وهي تصدر أزيزًا متقطعًا، وقد بدا عليه الانزعاج.
وسرعان ما نظر إلى المقعد المجاور؛ ليرى أسفله قنبلة زمنية، تم ظبطها لتنفجر خلال ثوانٍ معدودة؛
فاستدار بالسيارة إلى الخلف بدلاً من مواصلة الهرب، وسط دهشة مطارديه؛ ليتركها تنطلق فى اتجاههم، قبل أن يقفز منها إلى الأرض.
واصلت السيارة انطلاقها كالبرق فى اتجاه أعدائه، الذين أصابهم الفزع؛ فسعوا للهرب، وقد تفرقوا إلى اتجاهات مختلفة.
لكن قبل أن يتمكنوا من الفرار، انفجرت السيارة فجأة؛ ليطيح بهم الانفجار في كل مكان.
بينما نهض ممدوح من سقطته؛ ليركض مبتعدًا.
وما لبث أن لمح فوهة ماسورة معدنية كبيرة تغطيها الرمال؛ فاندفع داخلها زاحفًا لعدة أمتار، قبل أن يرى أمامه سردابًا خفيًا تحت الأرض.
وما إن دخل إلى السرداب حتى رأى على جانبيه كشافات ضوئية تنير المكان، الذي بدا موحشًا ويثير الرهبة.
كما رأى فى مواجهته سلمًا معدنيًا كبيرًا يقود إلى فتحة علوية ضيقة؛ فتقدم لتسلقه.
لكن ما إن صعد أربع درجات من السلم حتى شعر بيد قوية تطبق على إحدى قدميه، وتجذبه إلى أسفل.
وما إن حطت قدماه على الأرض حتى وجد فى
مواجهة شخص ضخم عريض المنكبين، وقد انهال عليه بلكمة قوية؛ طرحته أرضًا.
وهَمَّ بتوجيه لكمة ثانية، لكن ممدوح تفاداها ببراعة، مسددًا له لكمة؛ زحزحته إلى الخلف بضع خطوات.
تملَّك غريمه الغضب؛ فاندفع نحوه كالثور الهائج ليحيط خصره بكلا ذراعيه وهو يرفعه عاليًا.. لكن ممدوح ضربه على عنقه بحدي يديه ضربة قوية؛ آلمته بشدة.
مما جعله ينتهز الفرصة لينهال بجبهته على وجهه؛ واضطرته للتخلي عن الإحاطة بخصره مترنحًا.
بينما سدد له ممدوح لكمة أخرى؛ أسقطته أرضًا، وقد جثم فوق صدره، وهو يضم قبضته مجددًا.
لكن قبل أن يصوب له لكمته الثالثة؛ انهال عليه أحدهم بضربة عنيفة على رأسه من الخلف مستخدمًا هرواة خشبية ضخمة؛ ليجعله يغيب عن الوعي.
وحينما استعاد ممدوح وعيه؛ وجد جسده محشورًا
داخل صندوق خشبى محكم الغلق، به فتحة علوية يطل منها رأسه فقط.
وشعر ممدوح بالمياه تتدفق داخل الصندوق تدريجيًا لتصل إلى مستوى ساقيه.
وانفتح باب جانبي فى مواجهته؛ ليدخل منه شاب متوسط الطول أشقر الشعر لا يخلو من وسامة.
وقد ابتسم له قائلاً:
_ مرحبًا صديقنا العزيز نجم المكتب 19 الشهير. تلفت ممدوح حوله قائلاً:
_هل سبق لنا أن تعارفنا؟
_ لم يسبق لنا ذلك، لكنى أعرف عنك الكثير.
_ من أنت؟ وأين أنا؟
قبل أن يجيب الشاب سمع ممدوح صوتًا يحدثه قائلاً:
_أنت فى ضيافة الموساد يا عزيزي، وهذا مساعدي عيزرا.. أما أنا فيمكنك منادتى بفانتوم؛ أي الشبح.
كانت المياه لا تزال تتدفق داخل الصندوق الخشبي، وأحس ممدوح بها تكاد تصل إلى خصره.
كما أحس أنها تزداد دفئًا شيئًا فشيئًا.
وقد واصل الرجل كلامه قائلاً:
_ هذا لأن بإمكانى الظهور والاختفاء كيفما أشاء دون أن يراني أحد.
قال ممدوح ساخرًا:
_ حسنًا ياعزيزى الشبح.. هل أتيت بي إلى هنا للحصول على حمام دافىء داخل هذا الصندوق؟

ضحك الرجل قائلاً:
_هو دافىء حتى الآن، لكنه بعد قليل سترتفع درجة حرارة الماء؛ لتصل إلى درجة الغليان، ويتحول إلى قدر من الماء المغلي.
شعر ممدوح بالقلق فى حين صمت الرجل قليلاً قبل أن يستطرد قائلاً:
_ هل شاهدت فى الأفلام القديمة كيف كان يفعل آكلو لحوم البشر فى مجاهل أفريقيا بمن يقع فى أيديهم من أعدائهم.
كانوا يسلقونهم فى قدور من الماء الساخن قبل أن يلتهموا أجسادهم.
أما أنا فقد طورت طريقتهم، وبدلاً من القدر استخدمت صندوقًا خشبيًا مخصصًا؛ لتحمل درجة الغليان.
وما يتبقى من لحمك بعد سلقه سألقي به لكلابى لتأكله.
هذا إذا لم نتفاهم معا.. أما إذا تفاهمنا فيمكننا أن نكتفي بحصولك على حمام ساخن يزيل عنك متاعب الطريق الذي أتى بك إلى هنا.
_ نتفاهم على ماذا؟
_الفلاشة.. الفلاشة التى سرقتها، وحاولت الهرب بها.
_ لقد استعادها أعوانك قبل أن أتمكن من مغادرة المكان، وأنت تعرف ذلك.
قال له بخشونة:
_ كذبة بلهاء.. يبدو أنك مصر على أن تكون طعامًا لكلابى.
سأمنحك فرصة ساعتين؛ لتفكر فيهما، وتدلني على مكان الفلاشة، وخلال هاتين الساعتين سترتفع سخونة المياه تدريجيًا لتصل بعدها بدقائق معدودة إلى درجة الغليان.. ووقتها لا أدري على أي حال ستكون.. لكن من المؤكد أن الكلاب ستسعد بوجبتها المطهية.

وأشار إلى الشاب قائلاً:
_ هيا بنا.
لكن قبل أن يغادرا المكان استدار له قائلاً:
_ أسفل ذقنك مباشرة يوجد زر صغير، يمكنك أن تستخدمه للضغط عليه قبل انقضاء الساعتين لو غيرت رأيك.. ووقتها سأعرف أنك صرت أكثر تعقلاً، وسأحضر إليك؛ لأوقف عملية طهيك.
غادرا المكان فى حين شعر ممدوح أن الماء يزداد ارتفاعًا حتى اقترب من صدره.
كما ازدادت سخونته عن ذي قبل.
كان الموقف عصيبًا، وبدا أن الرجل ينوي تنفيذ تهديده بالفعل.. وأنه لو ازدادت سخونة الماء عما هي عليه بالفعل؛ فإن الأمر سينتهي به أن يكون طعامًا مستساغًا للكلاب بالفعل.
وبينما هو يفكر فى المصير الرهيب الذي ينتظره شعر بسخونة الماء تزداد بالفعل.
وفجأه رأى شخصًا مقَنَّعًا يقتحم المكان، ليقترب منه؛ ليغلق مؤشر الحرارة الذي يعمل على تسخين المياه، ثم قام بزحزحة المزلاج الذي يغلق الصندوق الخشبى من مكانه؛ لتتدفق المياه بغزارة خارجة قائلاً لممدوح بصوت أخضعه صاحبه لمؤثرات صوتية واضحة:
_ الآن يمكنك الهرب.. لقد فعلت ما بوسعى لإنقاذك، لكن الخطر لم ينتهِ، والباقي يتوقف عليك.
سأله ممدوح قائلاً:
_ من أنت؟
_ لا يهم الآن.. المهم أن تبادر بالهرب على الفور.
وأشار إلى باب جانبي قائلاً:
_ يمكنك استخدام الطريق خلف هذا الباب؛ إنه الأقصر للخارج.
_ أشكرك على أية حال.
لكن قبل أن يبادر ممدوح بالهرب استوقفه الشخص المقنع قائلاً:
_ انتظر.
وقذف له بشيء صغير الحجم، وهو يردف قائلاً:
_ خذ هذه معك.
التقطه ممدوح، وهو يدقق النظر فيه قائلاً:
_إنها فلاشة.
_إنها الفلاشة التي أخذوها منك.. احرص على ألا تفقدها مرة أخرى.. فهي هامة للغاية.
فتح ممدوح الباب مسارعًا بالهرب.
وما لبث أن رأى أمامه طريقًا ممتدًا خارج المكان.
لم يمضِ وقت طويل حتى لمح أمامه على مسافة بضعة أمتار سيارة زرقاء صغيرة؛ فاندفع يركض نحوها.
لكن ما كاد أن يصل إليها حتى وجد طلقًا ناريًا يدوي فوق رأسه.. فاحتمى خلف السيارة وهو يرقب صاحب الطلق الناري وهو يتجه نحوه حاملاً بندقيته الآلية.
بحث ممدوح عن مسدسه لكن تبين له أنهم جردوه منه قبل وضعه في الصندوق المائي.
وتحسس ساقه ليكتشف أنهم لم يفعلوا الشيء ذاته بالخنجر الملتف حوله برباط مطاطي.
تحدث الرجل صاحب البندقية الآلية بصوت أجش قائلاً:
_ لا أعرف كيف أفلت من فانتوم، لكني أعرف أنني لن أسمح لك بالإفلات منى.
بدا الرجل واثقًا أن ممدوح لا يملك سلاحًا.
لذا اقترب منه وهو مطمئن قبل أن يصوب بندقيته إليه.
لكن الأخير بادره بتصويب خنجره بسرعة البرق إلى كتف غريمه؛ فصرخ متألمًا وقد سقط سلاحه منه.
حيث غادر ممدوح مكمنه ليسدد له لكمة طرحته أرضًا.. وقد أزاح البندقية بعيدًا بركلة قوية من قدمه.
ثم فتح باب السيارة ليدير محركها سريعًا مطلقًا لها العنان بعيدًا عن المكان.
*****
أوقف ممدوح سيارته أمام المبنى الداخلى لإدارة العمليات الخاصة (المكتب 19).
وما لبث أن غادرها متقدمًا إلى الداخل.
وقد بدا المبنى هادئًا، يلفه الصمت من الخارج بعكس
مايعتريه من نشاط وحركة من الداخل، جعلته أشبه بخلية نحل حقيقية.
حيث انكب العاملون به على متابعة ما يدور بداخله من أعمال هامة وخطيرة أوكلت إليهم.
طرق ممدوح الباب قبل أن يدلف إلى حجرة اللواء مراد؛ ليجده جالسًا مع أحد مساعديه.
وما إن رأه حتى نهض ليصافحه قائلاً:
_أهلاً ممدوح.. حمدًا لله على سلامتك.
شد ممدوح على يده قائلاً بدوره:
_ الله يسلمك يا أفندم.
_ لقد قمت بعمل هام فى مهمتك الأخيرة.. لكن هناك مهمة أخطر وأشد إلحاحًا فى انتظارك الآن.
_ أنا مستعد دائمًا لأي عمل تكلفني به يا أفندم.
_ لقد تبين لنا أن الفلاشة التى أرسلتها لنا تحتوي على شأن خطير؛ يتعين علينا أن نكون مستعدين لمواجهته سريعًا.
وفى أثناء ذلك كان العميد فهمي مساعد اللواء مراد قد أعد الشاشة؛ لعرض محتوى الفلاشة، وإطلاع ممدوح عليها.
أشار العميد فهمي إلى صورة لرجل قائلاً:
_ أظنك تعرف هذا الرجل.
أومأ ممدوح برأسه قائلاً:
_ لقد قدم لي نفسه باسم فانتوم.
_إنه يدعى شيمون إيزاك.. عميل متميز في المخابرات الإسرائيلية (الموساد) والمعلومات المعروفة عنه محدودة؛ لتخفيه في أكثر من شخصية.. لذا يدعونه فانتوم؛ أي الشبح.
وعاد ليشير إلى جزيرة سياحية تحفها الأشجار، وتمتد على شريط بحري ساحلي، يرتاده العديد من السائحين والمصطافين الذين يملؤون شواطئها.
وفي الخلف فندق سياحي كبير طراز خمسة نجوم.
هذه الجزيره تقع فى أمريكا الوسطى بالقرب من البحر الكاريبي، وتدعى (تورتوجا).. وتتميز بميزتين.
أولاً: موقعها السياحي الخلاب؛ الذي جعلها مقصدًا للعديد من السائحين الأمريكيين والأوربيين.
الميزة الثانية: أن قد ظهر بها مؤخرًا أحد آبار البترول الكبيرة فى الجزء الشرقى منها.. وبدأ الحفر فيه منذ ثلاث سنوات تقريبًا.
وعاد ليشير إلى موقع البئر، وآلات الحفر والعاملين به شرقي الجزيرة.
تأمله ممدوح وهو يغمغم قائلاً:
_ أجل.. ولكن ما علاقة العميل الإسرائيلي والموساد بكل هذا؟
تدخل اللواء مراد في الحديث قائلاً:
_ علاقة هامة.. فشيمون إيزاك يمتلك الشركة المختصه بالحفر، والفندق السياحي الكبير بالجزيرة.
غمغم ممدوح قائلاً:
_ لابد أن يكون مليارديرًا إذن؛ ليحوز كل هذا.
تحول إليه العميد فهمي قائلاً:
_ إنه ملياردير بالفعل.
اللواء مراد:
_ لا تنسَ أن الموساد يموله.
العميد فهمي:
_ ما يعنينا فى الأمر هو المشروع الخفي الذي ينفذه الرجل لحساب الموساد، والذي يتخذ من التنقيب عن البترول فى هذه الجزيرة ستارًا له.
قال ممدوح باهتمام:
_ أي مشروع؟
اللواء مراد:
_حتى الآن لا نعرف سوى أنه سلاح سري، تعمل وزارة الدفاع الإسرائيلية على تطويره لحسابها بعيدًا عن الأنظار فى تلك الجزيرة.
ومن المهم طبعًا بالنسبه لنا معرفة نوع ومدى خطورة هذا السلاح، وما يمكن أن يشكله من خطر على أمننا القومي.
ابتسم ممدوح قائلاً:
_ ومن المنوط بى بالطبع معرفة هذا السلاح، وما يتم تدبيره في تلك الجزيرة.
اقترب اللواء مراد منه؛ ليربت على كتفه وهو يهمس له قائلاً:
_ وربما تدميره أيضًا إذا ما اقتضى الأمر ذلك.
*****
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.