بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، الذي بنعمته تتم الصالحات ، وله المنة والفضل ، على ما وفقنا به من الهدايات ، والصلاة والسلام على أشرف البريات ، سيدنا محمد بن عبد الله ، صاحب أفضل الرسالات ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وصحبه ، ومن سار على خطاهم ، واتبع هداهم ، أفضل الصلوات ، وأتم التسليمات .
"فاللهم صلَّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، في العالمين ، إنك حميد مجيد "
وبعد ،،
"من لم يعرف ماضيه ، لا يصنع مستقبله" ، التاريخ هو جزءٌ مهمٌ لفهم الحاضر ، وصناعة المستقبل ، والتنبؤ به ، واستخلاص العبر ، وحتى لا تكرر الأمة الإسلامية أخطائها ، ومعرفة كيف تسير الأمم .
وقد لاحظت أنك إذا أردت قراءة التاريخ ، تتوه في بحرٍ من التأويلات ، وأمواجٍ من التفسيرات والمبررات ، حتى يفقد الحدث معناه الطبيعي ، ونتيجته المنطقية ، لذلك بذلت جهدي لوضع هذا الكتاب ، لمن يريدون الحقائق الثابتة ، وخلاصة الأحداث التاريخية الإسلامية ، دون تفسيرٍ أو تأويل ، وابتعدت عن لغة التهوين أو التهويل ، في إطارها الزمني ، وتسلسلها التاريخي ، لأن لكل حدثٍ أثرٌ في حاضره ووقته ، وأثرٌ في مستقبله ، فلو نجحت الهجرة إلى الحبشة مثلاً ، وهاجر النبي ﷺ إلى الحبشة ، ولم يهاجر إلى المدينة ، لكنا الآن نتحدث عن الأنصار الحبشيين ، والقبائل الحبشية ، وقيام دولة الإسلام في الحبشة ، وإنها دار الهجرة ، ولكُنّا نتحدث عن رجالٍ مغايرين تماماً عما نتحدث عنهم الآن من الصحابة والتابعين وغيرهم .
لكن الهجرة نجحت في المدينة ، وقامت الدولة الإسلامية في المدينة ، ومات النبي ﷺ في المدينة ، والأحداث كانت في المدينة ... فهكذا يؤثر الحدث على الحاضر ، كما يؤثر على المستقبل .
فلو انتصر سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه على جيش معاوية بن أبي سفيان ، لما انتقلت الخلافة إلى دمشق ، وما كنا نتحدث عن الدولة الأموية أصلاً ، وأصبحنا نتحدث عن الدولة في عهد علي بن أبي طالب ، وكيف حارب الروم ، وكيف ثبّت الخلافة ، وكيف واصل الفتوحات نحو إفريقيا ، وكيف امتدت الخلافة في أبنائه ، على النحو الذي نذكره مع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه .
وكثيرٌ من المسلمين يتحدثون عن عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وبأنه خامس الخلفاء الراشدين ، ولا يعرفون في أي عصرٍ كان ، وكيف وصل إلى الحكم ، وما هي طبيعة العصر الذي عاش فيه هذا الخليفة العادل .
أحداث وشخصيات نتكلم عنها ، دون فهم السياق التاريخي التي كانت فيه . فبمجرد قراءة هذا الكتاب ، يخرج القارئ بفهم وتصور واضح وبسيط ، للأحداث الإسلامية ، والتاريخ الإسلامي .
والذي أسهم في هذا الوضع ، هو إعراض المسلمين ـ بصفة عامة ـ عن قراءة التاريخ الإسلامي ، نظراً لطول الكتابات التاريخية ، وتحيز الكتاب والمؤلفين ، وانتصارهم لمذهب على حساب مذهبٍ آخر ، فتضيع بذلك الأحداث التاريخية الحقيقية ، وبقاء المعلومات مشوهةً أو منقوصة ، او مُتجاهلة .
ويعنى هذا الكتاب بالفترة الزمنية من ميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى سنة 232 هـ ، مقتصراً على الفترة النبوية ، وفترة الخلفاء الراشدين ، والدولة الأموية ، وفترة مائة عام من الدولة العباسية ، من أول الخلفاء العباسيين (السفاح) حتى الخليفة الواثق بالله من سنة 227 هـ حتى سنة 232 هـ) .
على حسب التسلسل الزمني ، وتسلسل الأحداث التاريخية ، ثم تحدثنا عن بقية الفترة العباسية بشكلٍ مجملٍ وعام ، نظراً لتفرع الأحداث بعد هذه الفترة ، ونشأت ما يسمى بالدول المتغلبة ، الدولة الطولونية في مصر ، والدولة البويهية ، والدولة الصفرية في أقصى الشرق في نواحي بخارى وسمرقند ، ودولة الأغالبة في تونس والجزائر ، ودولة الأدارسة في المغرب وموريتانيا ، والدولة الأموية في الأندلس ، بحيث استقل كل والٍ من الولاة بالمنطقة التي كان يحكمها ويدافع عنها ، وليس له صلة بالخلافة إلا الاسم فقط ، وإرسال بعض أموال الخراج .
وقد اعتمدت في هذا الكتاب بطريقة الطبري وابن الأثير ، وهي ذكر السنة ، وأهم الأحداث التاريخية التي وقعت فيها، وإعطاء نبذة تاريخية مختصرة لهذه الأحداث . وتسلسلها من سنة إلى سنة ، ومن عصر إلى عصر ، مع الإشارة إلى الولاة والعمال الذين كانوا يتغيرون من خليفة إلى آخر ، ومن دولة إلى أخرى ، وذكر بعض الفقهاء والشعراء المعاصرين لكل سنة ، والذين توفوا من أعيان المسلمين في كل عام ، وهذه طريقة ابن الأثير رحمه الله .
فسيجد القارئ السنة والأحداث التي تمت فيها ونبذة مختصرة عن تلك الأحداث ، والأمراء والولاة الذين توالوا على مر العصور ، وكذلك أسماء لبعض الفقهاء والعلماء والذين توفوا من أعيان المسلمين لكل عام .
هذا وقد ألحقت الكتاب بنبذة عامة عن الدولة الأموية والدولة العباسية تشتمل على نظرة إجمالية ، دون الخوض في التفاصيل ، حتى تعم الفائدة ، وذلك نقلاً عن كُتَّاب زملاء ، رأيت في كتابتهم الغناء والوفاء والكفاية ، بعد أن قمت بمراجعته وتدقيقه .
هذا ولله الحمد أولا .. ولله الحمد آخراً ..
رفعت عبد الرحمن إمام
فجر يوم الأربعاء 20/1/2021م