Reham Abd elkader elshorbagy

Share to Social Media

• لقد كانت حجة اليهود في عدم اتباع محمد صلى الله عليه وسلم قولهم: إن قلوبنا مغلفة لا يصل إليها شيء مما تقول ولا تفهمه وليس الحال كما زعموا بل طردهم الله من رحمته بكفرهم فلا يؤمنون إلا بقليل مما أنزل الله.
• ولا جاءهم القرآن الكريم من عند الله وهو موافق لما في التوراة والإنجيل في الأصول العامة الصحيحة، وكانوا من قبل نزوله يقولون: سننتصر على المشركين ويفتح لنا حين يبعث نبي فنؤمن به ونتبعه، فلما جاءهم القرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم على الصفة التي عرفوها والحق الذي علموه، كفروا به فلعنة الله على الكافرين بالله ورسوله.
• بئس الذي استبدلوا به حظ أنفسهم من الإيمان بالله ورسله، فكفروا بما أنزل الله وكذبوا رسله ظلما وحسدا بسبب إنزال النبوة والقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، فاستحقوا غضبا مضاعفا من الله تعالى بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبسبب تحريفهم التوراة من قبل وللكافرين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم عذاب مذل يوم القيامة.
• وإذا قيل لهؤلاء اليهود: آمنوا بما أنزل الله على رسوله من الحق والهدى، قالوا: نؤمن بما أنزل على أنبيائنا ويكفرون بما سواه مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم مع أن هذا القرآن هو الحق الموافق لما معهم من الله ولو كانوا يؤمنون بما أنزل عليهم حقا لآمنوا بالقرآن. قل – يا أيها النبي – جوابا لهم: لم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين حقا بما جاءوكم به من الحق؟!
• ولقد جاءكم موسى عليه السلام بالآيات الواضحات الدالة على صدقه، ثم بعد ذلك جعلتم العجل إلها تعبدونه بعد ذهاب موسى لميقات ربه وأنتم ظالمون لإشراككم بالله، وهو المستحق للعبادة وحده دون سواه.
• واذكروا حين أخذنا عليكم عهدا مؤكدا باتباع موسى عليه السلام وقبول ما جاء به من عند الله ورفعنا فوقكم الجبل تخويفا لكم، وقلنا لكم: خذوا ما آتيناكم من التوراة بجد واجتهاد، واسمعوا سماع قبول وانقياد وإلا أسقطنا الجبل عليكم، قلتم: سمعنا بآذاننا وعصينا بأفعالنا وتمكنت عبادة العجل في قلوبهم بسبب كفرهم. قل – أيها النبي -: بئس الذي يأمركم به هذا الإيمان من الكفر بالله إن كنتم مؤمنين، لأن الإيمان الحق لا يكون معه كفر.
• قل – أيها النبي -: إن كانت لكم – يا يهود – الجنة في الدار الآخرة خالصة لا يدخلها غيركم من الناس: فتمنوا الموت واطلبوه لتنالوا هذا المنزلة بسرعة، وتستريحوا من أعباء الحياة في دعواكم هذه.
• ولن يتمنوا الموت أبدا بسبب ما قدموه في حياتهم من الكفر بالله، وتكذيب رسله وتحريف كتبه والله عليم بالظالمين منهم ومن غيرهم وسيجازي كلا بعمله.
• ولتجدن – أيها النبي – اليهود أشد الناس حرصا على الحياة مهما كانت حقيرة ذليلة بل هم أحرص من المشركين الذين لا يؤمنون بالبعث والحساب، فإن الواحد منهم يحب أن يبلغ عمرة ألف سنة وليس بمبعده عن عذاب الله طول عمره مهما بلغ، والله مطلع على أعمالهم وبصير بها ولا يخفى عليه منها شيء وسيجازيهم بها.
• قل – أيها النبي – لمن قال من اليهود: "إن جبريل عدونا من الملائكة": من كان معاديا لجبريل فإنه هو الذي نزل بالقرآن على قلبك بإذن من الله مصدقا لما سبق من الكتب الإلهية كالتوراة والنجيل ودالا على الخير ومبشرا للمؤمنين بما أعده الله لهم من النعيم، فمن كان معاديا لمن هذه صفته وعمله فهم من الضالين.
• من كان معاديا لله وملائكته ورسله ومعاديا للملكين المقربين: جبريل وميكائيل: فإن الله عدو للكافرين منكم ومن غيركم ومن كان الله عدوه فقد عاد بالخسران المبين.
• ولقد أنزلنا إليك – أيها النبي – علامات واضحة على صدقك فيما جئت به من النبوة والوحي، وما يكفر بها مع وضوحها وبيانها إلا الخارجون عن دين الله.
• ومن سوء حال اليهود أنهم كلما أخذوا على أنفسهم عهدا – ومن جملته الإيمان بما دلت عليه التوراة من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم - نقضه فريق منهم، بل أكثر هؤلاء اليهود لا يؤمنون بما أنزل الله تعالى حقيقة، لأن الإيمان يحمل على الوفاء بالعهد.
• ولما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم رسولا من عند الله وهو موافق لما في التوراة من صفته أعرض فريقا منهم عما دلت عليه وطرحوها وراء ظهورهم غير مبالين بها، مشابهين حال الجاهل الذي لا ينتفع بما فيها من الحق والهدى فلا يبالي بها.
• ولما تركوا دين الله اتبعوا بدلا منه ما تتقوله الشياطين كذبا على ملك النبي سليمان عليه السلام حيث زعمت أنه ثبت ملكم بالسحر وما كفر سليمان بتعاطي السحر – كما زعمت اليهود – ولكن الشياطين كفروا حيث كانوا يعلمون الناس السحر الذي أنزل على الملكين: هاروت وماروت بمدينة بابل بالعراق، امتحانا وابتلاء للناس وما كان هذان الملكان يعلمان أي أحد السحر حتى يحذراه ويبينا له بقولهما: أنما نحن ابتلاء وامتحان للناس فلا تكفر بتعلمك السحر، فمن لم يقبل نصحهما تعلم منهما السحر ومنه نوع يفرق بين الرجل وزوجته بزرع البغضاء بينهما، وما يضر أولئك السحرة أي أحد إلا بإذن الله ومشيئته ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علم أولئك اليهود أن من استبدل السحر بكتاب الله ما له في الآخرة من حظ ولا نصيب ولبئس ما باعوا به أنفسهم حيث استبدلوا السحر بوحي الله وشرعه ولو كانوا يعلمون ما ينفعهم ما أقدموا على هذا العمل المشين والضلال المبين.
• ولو أن اليهود آمنوا بالله حقا واتقوه بفعل طاعته وترك معصيته لكان ثواب الله خيرا لهم مما هم عليه لو كانوا يعلمون ما ينفعهم.
• يوجه الله تعالى المؤمنين إلى حسن الألفاظ قائلا لهم: يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا كلمة {راعنا} أي راع أحوالنا، لأن اليهود يحرفونها ويخاطبون بها النبي صلى الله عليه وسلم، يقصدون بها معنى فاسدا وهو الرعونة فنهى الله عن هذه الكلمة سدا لهذا الباب وأمر عباده أن يقولوا بدلا عنها: {أنظرنا} أي انتظرنا نفهم عنك ما تقول وهي كلمة تؤدي المعنى بلا محذور وللكافرين بالله عذاب مؤلم موجع.
• ما يحب الكفار – أيا كانوا: أهل كتاب أو مشركين – أن ينزل عليكم أي خير من ربكم قليلا كان أو كثيرا والله يختص برحمته من النبوة والوحي والإيمان من يشاء من عباده والله صاحب الفضل العظيم، فلا خير ينال أحدا من الخلق إلا منه ومن فضله بعث الرسول وإنزال الكتاب.
• يبين الله تعالى أنه حين يرفع حكم آية من القرآن أو يرفع لفظها فينساها الناس فإنه سبحانه يأتي بما هو أنفع منها في العاجل والآجل أو بما هو مماثل لها. وذلك بعلم الله وحكمته وأنت تعلم – أيها النبي – أن الله على كل شيء قدير فيفعل ما يشاء ويحكم بما يريد.
• قد علمت – أيها النبي- أن الله هو مالك السماوات والأرض يحكم بما يريد فيأمر عباده بما يشاء وينهاهم عما يشاء ويقرر من الشرع ما شاء وينسخ ما شاء وما لكم بعد الله من ولي يتولى أموركم ولا نصير يدفع عنكم الضر بل الله هو ولي ذلك كله والقادر عليه.
• ليس من شأنكم – أيها المؤمنون – أن تسألوا رسولكم – سؤال اعتراض وتعنت – كما سأل قوم موسى نبيهم من قبل كقولهم: {أرنا الله جهرة} "النساء: 153"، ومن يستبدل الكفر بالإيمان فقد ضل عن الطريق الوسط الذي هو الصراط المستقيم.
• تمنى كثير من اليهود والنصارى أن يردوكم من بعد إيمانكم كفارا كما كنتم تعبدون الأوثان، بسبب الحسد الذي في أنفسهم، يتمنون ذلك بعد ما تبين لهم أن الذي جاء به النبي حق من الله، فاعفوا – أيها المؤمنون- عن أفعالهم وتجاوزوا عن جهلهم وسوء ما في أنفسهم حتى يأتي حكم الله فيهم – وقد أتى أمر الله هذا وحكمه فكان الكافر يخير بين الإسلام أو دفع الجزية أو القتال- إن الله على كل شيء قدير فلا يعجزونه ثم بعد أمر الله تعالى المؤمنين بالصبر على الأذى أمرةم بالثبات على دينهم وتقوية إيمانهم فقال:
• أدوا الصلاة تامة بأركانها وواجباتها وسننها وأخرجوا زكاة أموالكم إلى مستحقيها ومهما تعملوا من عمل صالح في حياتكم فتقدموه قبل مماتكم ذخرا لأنفسكم تجدوا ثوابه عند ربكم يوم القيامة فيجازيكم به إن الله بما تعملون بصير فيجازي كلا بعمله.
• وقالت كل طائفة من اليهود والنصارى: إن الجنة خاصة بهم فقال اليهود: لن يدخلها إلا من كان يهوديا وقال النصارى لن يدخلها إلا من كان نصرانيا تلك أمانيهم الباطلة وأوهامهم الفاسدة قل – أيها النبي- رادا عليهم: هاتوا حجتكم على ما تزعمون إن كنتم صادقين حقا في دعواكم.
• إنما يدخل الجنة كل من أخلص لله متوجها إليه وهو – مع إخلاصه – محسن في عبادته باتباع ما جاء به الرسول فذألك الذي يدخل الجنة من أي طائفة كان وله ثواب عند ربه ولا خوف عليهم فيما يستقبلون من الآخرة ولا هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا وهي أوصاف لا تتحقق بعد مجيء النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلا في المسلمين.
• وقالت اليهود: ليست النصارى على دين صحيح وقالت النصارى: ليست اليهود على دين صحيح، وكل يتلو في كتابه تصديق ما كفر به والأمر بالإيمان بكل الأنبياء دون تفريق مشابهين في فعلهم هذا قول الذيم لا يعلمون من المشركين حين كذبوا بالرسل كلهم وبما أنزل عليهم من الكتب فلهذا يحكم الله بين المختلفين جميعا يوم القيامة بحكمه العدل الذي أخبر به عباده: بأنه لا فوز إلا بالإيمان بكل ما أنزل الله تعالى.
• لا أحد أشد ظلما من الذي منع أن يذكر اسم الله في مساجده، فمنع الصلاة والذكر وتلاوة القرآن فيها وسعى جاهدا متسببا في خرابها وإفسادها بهدمها أو المنع من أداء العبادة فيها أولئك الساعون في خرابها ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلا خائفين ترجف أفئدتهم لما هم عليه من الكفر والصد عم مساجد الله لهم في الحياة الدنيا ذل وهوان على أيدي المؤمنين ولهم في الآخرة عذاب عظيم على منعهم الناس من مساجد الله.
• ولله ملك المشرق والمغرب وما بينهما يأمر عباده بما يشاء فحيثما تتوجهون فإنكم تستقبلون الله تعالى فإن أمركم باستقبال بيت المقدس أو الكعبة أو أخطأتم في القبلة أو شق عليكم استقبالها فلا حرج عليكم لأن الجهات كلها تعالى أن الله واسع يسع خلقه برحمته وتيسيره عليهم بنياتهم وأفعالهم.
• وقال اليهود والنصارى والمشركين: اتخذ الله له ولدا! تنزه وتقدس عن ذلك فهو الغني عن خلقه وإنما يتخذ الولد من يحتاج إليه بل له سبحانه وتعالى ملك ما في السماوات والأرض، كل الخلائق عبيد له سبحانه خاضعون له يتصرف فيهم بما يشاء.
• والله سبحانه منشئ السماوات والأرض وما فيهما على غير مثل سابق وإذا قدر أمرا وأراده فإنما يقول لذلك الأمر: {كن} فيكون على ما أراد الله أن يكون لا راد لأمره وقضائه.
• وقال الذين لا يعلمون من أهل الكتاب والمشركين عنادا للحق لم لا يكلمنا الله دون واسطة أو تأتينا علامة حسية خاصة بنا؟ ومثل قولهم هذا قالت الأمم المكذبة من قبل لرسلها وإن اختلفت أزمنتهم وأمكنتهم تشابهت قلوب هؤلاء مع قلوب من تقدمهم في الكفر والعناد والعتو، قد أوضحنا الآيات لقوم يوقنون بالحق إذا ظهر لهم لا يعتريهم شك ولا يمنعهم عناد.
• إنا أرسلناك – أيها النبي – بالدين الحق الذي لا مرية فيه لتبشر المؤمنين بالجنة وتنذر الكافرين بالنار وليس عليك إلا البلاغ المبين ولن يسألك الله عن الذين لم يؤمنوا بك من أصحاب الجحيم.
• يخاطب الله نبيه محذرا قائلا له: لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تترك الإسلام وتتبع ما هم عليه، قل: إن كتاب الله وبيانه هو الهدى حقا لا ما هم عليه من الباطل ولئن حصل الاتباع لهم منك أو من أحد أتباعك بعد الذي جاءك من الحق الواضح فلن تجد من الله مناصرة أو معونة وهذا من باب بيان خطورة ترك الحق ومجاراة أهل الباطل.
• يتحدث القرآن الكريم عن طائفة من أهل الكتاب يعملون بما في أيديهم من كتب منزلة ويتبعونها حق اتباعها، هؤلاء يجدون في هذه الكتب علامات دالة على صدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا سارعوا إلى الإيمان به وطائفة أخرى أصرت على كفرها فكان لها الخسران.
• يا بني إسرائيل: اذكروا نعمتي الدينية والدنيوية التي أنعمت بها عليكم واذكروا أنى فضلتكم على أهل زمانكم بالنبوة والملك.
• واجعلوا بينكم وبين عذاب يوم القيامة وقاية باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه فإنه لا تغني –في ذلك اليوم - نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها في أي فداء مهما عظم ولا تنفعها فيه شفاعة من أحد مهما علا مكانه وليس لها نصير ينصرها من دون الله.
• واذكر حين اختبر الله إبراهيم عليه السلام بما أمره به من أحكام وتكاليف فقام بها وأتم أداءها على أكمل وجه، قال الله لنبيه إبراهيم: إني جاعلك للناس قدوة يقتدي بك في أفعالك وأخلاقك. قال إبراهيم: واجعل –يارب – من ذريتي كذلك أئمة يقتدى بهم الناس قال الله مجيبا إياه: لا ينال عهدي لك بالإمامة في الدين الظالمين من ذريتك.
• واذكر حين جعل الله البيت الحرام مرجعا للناس تتعلق به قلوبهم كلما رحلوا عنه رجعوا إليه وجعله أمنا لهم لا يعتدى عليهم فيه، وقال الناس: اتخذوا من الحجر – الذي كان يقف عليه إبراهيم وهي يبني الكعبة – مكانا للصلاة. وأوصينا إبراهيم وابنه اسماعيل بتطهير البيت الحرام من الأقذار والأوثان وتهيئته لمن أراد التعبد فيه بالطواف والاعتكاف والصلاة وغيرها.
• واذكر – أيها النبي – حين قال إبراهيم وهو يدعو ربه: رب اجعل مكة بلدا آمنا لا يتعرض في لأحد بسوء وارزق أهله من أنواع الثمرات واجعله رزقا خاصا بالمؤمنين بك واليوم الآخر، قال الله: ومن كفر منهم فإني أمتعه بما ارزقه في الدنيا متاعا قليلا ثم في الآخرة ألجئه مكرها إلى عذاب النار الذي يرجع إلى يوم القيامة.
• واذكر – أيها النبي – حين كان يرفع إبراهيم وإسماعيل أسس الكعبة وهما يقولان في خضوع وتذلل: ربنا تقبل منا أعمالنا ومنها بناء هذا البيت إنك أنت السميع لدعائنا العليم بنياتنا وأعمالنا.
• ربنا واجعلنا مستسلمين لأمرك خاضعين لك لا نشرك معك أحدا واجعل من ذريتنا أمة مستسلمة لك وعرفنا عبادتك كيف تكون وتجاوز عن سيئاتنا وتقصيرنا في طاعتك إنك أنت التواب على من تاب من عبادك الرحيم بهم.
• ربنا وابعث فيهم رسولا منهم من ذرية اسماعيل يتلو عليهم آياتك المنزلة ويعلمهم القرآن والسنة ويطهرهم من الشرك والرذائل إنك أنت القوي الغالب الحكيم في أفعالك وأحكامك.
• ولا أحد ينصرف عن دين إبراهيم عليه السلام إلى غيره من الأديان إلا من ظلم نفسه بسفهه وسوء تدبيره بتركه الحق إلى الضلال ورضى لها بالهوان. ولقد اخترناه في الدنيا رسولا وخليلا وإنه في الآخرة لمن الصالحين الذي أدوا ما أوجب الله عليهم فنالوا أعلى الدرجات.
• اختار الله لمسارعته إلى الإسلام حين قال له ربه: أخلص لي العبادة واخضع لي بالطاعة فقال مجيبا ربه: أسلمت لله خالق العباد ورازقهم ومدبر شؤونهم.
• ووصى إبراهيم أبناءه بهذه الكلمة: {أسملت لرب العالمين} ووصى بها كذلك يعقوب أبناءه قائلين مناديين أبناءهما: إن الله اختار لكم دين الإسلام فاستمسكوا به حتى يأتكم الموت وأنتم مسلمون لله ظاهرا وباطنا.
• أم كنتم حاضرين خبر يعقوب حين حضرته الوفاة حين قال لأبنائه سائلا إياه: ما تعبدون من بعد موتي؟ قالوا جوابا لسؤاله: نعبد إلهك واله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا لا شريك له ونحن له مستسلمون ومنقادون.
• تلك أمة قد مضت فيمن مضى قبلكم من الأمم وأفضت إلى ما قدمت من عمل فلها ما كسبت من حسن أو سيئ ولكم ما كسبتم ولا تسألون عن أعمالهم ولا يسألون عن أعمالكم ولا يؤاخذ أحد بذنب غيره بل يجازى كل واحد بما قدم فلا يشغلكم عمل من مضى قبلكم عن النظر في عملكم فإن أحدا لن تنفعه بعد رحمة الله غير عمله الصالح.
• وقال اليهود لهذه الأمة كونوا يهودا تسلكوا سبيل الهداية وقال النصارى: كونوا نصارى تسلكوا سبيل الهداية. قل – أيها النبي- مجيبا إياهم بل نتبع دين إبراهيم المائل عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق ولم يكن ممن أشركوا مع الله أحدا.
• قولوا – أيها المؤمنون- لأصحاب هذه الدعوى الباطلة من يهود ونصارى: آمنا بالله وبالقرآن الذي أنزل إلينا وآمنا بالله والقرآن الذي أنزل إلينا وآمنا بما أنزل على إبراهيم وأبنائه اسماعيل وإسحاق ويعقوب، وآمنا بما أنزل على الأنبياء من ولد يعقوب وآمنا بالتوراة التي آتاها الله موسى والإنجيل الذي آتاه عيسى وآمنا بالكتب التي آتاها الله الأنبياء جميعا لا نفرق بين أحد منهم فنؤمن ببعض ونكفر ببعض بل نؤمن بهم جميعا ونحن له سبحانه وحده منقادون خاضعون.
• فإن آمن اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار إيمانا مثل إيمانكم فقد اهتدوا إلى الطريق المستقيم الذي ارتضاه الله وإن أعرضوا عن الإيمان بأن كذبوا بالأنبياء كلهم أو ببعضهم فإنما هم في اختلاف وعداء فلا تحزن –أيها النبي – فإن الله سيكفيك أذاهم ويمنعك من شرهم وينصرك عليهم فهو السميع لأقوالهم والعليم بنياتهم وأفعالهم.
• الزموا دين الله الذي فطركم عليه ظاهرا وباطنا فلا أحسن دينا من دين الله فهو موافق للفطرة جالب للمصالح، مانع للمفاسد وقولوا: عابدون لله وحده لا نشرك معه غيره.
• قل –أيها النبي-: أتجادلوننا –يا أهل الكتاب – في أنكم أولى بالله ودينه منا لأن دينكم أقدم وكتابكم اسبق فإن ذلك لا ينفعكم فالله هو ربنا جميعا لا تختصون به ولنا أعمالنا التي لا تسألون عنها ولكم أعمالكم التي لا نسأل عنها وكل سيجزى بعمله.
• أم تقولون –يا أهل الكتاب – عن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأنبياء من ولد يعقوب كانوا على ملة اليهودية أو النصرانية؟ قل –أيها النبي – مجيبا إياهم: أأنتم أعلم أم الله؟ فإن زعموا انهم كانوا على ملتهم فقد كذبوا لأن مبعثهم وموتهم كان قبل نزول التوراة والإنجيل وعلم بذلك أن ما يقولونه كذب على الله ورسله وأنهم كتموا الحق الذي نزل عليهم ولا أحد أشد ظلما من الذي كتم شهادة ثابتة عنده علما من الله كفعل أهل الكتاب وليس الله بغافل عن أعمالكم وسيجازيكم عليها.
• تلك أمة قد مضت من قبلكم وأفضت إلى ما قدمت من عمل فلها ما كسبت من الأعمال ولكم ما كسبتم ولا تسألون عن أعمالهم ولا يسألون عن أعمالكم فلا يؤخذ أحد بذنب أحد ولا ينتفع بعمل غيره بل كل سيجازى على ما قدم.
• سيقول الجهال خفاف العقل من اليهود ومن على شاكلتهم من المنافقين: ما صرف المسلمين عن قبلة بيت المقدس التي كانت قبلتهم من قبل؟! قل –أيها النبي- مجيبا إياهم: لله وحده ملك المشرق والمغرب وغيرهما من الجهات يوجه من شاء من عباده إلى أي جهة شاء وهو سبحانه يهدي من يشاء من عباده إلى طريق مستقيم لا اعوجاج فيه ولا انحراف.
• وكما جعلنا لكم قبلة ارتضيناها لكم جعلنا لكم أمة خيارا عدولا وسطا بين الأمم كلها في العقائد والعبادات والمعاملات لتكونوا يوم القيامة شهداء لرسل الله أنهم بلغوا ما أمرهم الله بتبليغهم لأممهم وليكون الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كذلك شهيدا عليكم أنه بلغكم ما أرسل به إليكم وما جعلنا تحويل القبلة التي كنت تتجه إليها وهي بيت المقدس إلا لنعلم – علم ظهور يترتب عليه الجزاء- من يرضى بما شرعه الله ويذعن له فيتبع الرسول ومن يرتد عن دينه ويتبع هواه فلا يذعن لما شرعه الله ولقد كان أمر تحويل القبلة الأولى عظيما إلا على الذيم وفقهم الله للإيمان به وبأن ما يشرعه لعباده إنما يشرعه لحكم بالغة وكما كان الله ليضيع إيمانكم بالله ومنه صلاتكم التي صليتموها قبل تحويل القبلة إن الله بالناس لرؤوف رحيم فلا يشق عليهم ولا يضع ثواب أعمالهم.
• قد رأينا – أيها النبي- تحول وجهك ونظرك إلى جهة السماء ترقبا وتحريا لنزول الوحي بشأن القبلة وتحويلها إلى حيث تحب فلنوجهنك إلى قبلة ترتضيها وتحبها –وهي بيت الله الحرام – بدل بيت المقدس الآن فاصرف وجهك إلى جهة بيت الله الحرام بمكة المكرمة وأينما كنتم –أيها المؤمنون – فتوجهوا إلى جهته عند آداء الصلاة. وإن الذين أتوا الكتاب من اليهود والنصارى ليعلمون أن تحويل القبلة هو الحق المنزل من خالقهم ومدبر أمرهم لثبوته في كتابهم وليس الله بغافل عما يعمل هؤلاء المعرضون عن الحق بل هو سبحانه عالم بذلك وسيجازيهم عليه.
• والله لئن جئت –أيها النبي – الذين أوتوا الكتاب من اليهود والنصارى مصحوبا بكل آية وبرهان على أن تحويل القبلة حق ما توجهوا إلى قبلتك عنادا لما جئت به وتكبرا عن اتباع الحق وما أنت بمتوجه على قبلتهم بعد أن صرفك الله عنها وما بعضهم بمتوجه إلى قبلة بعضهم لأن كلا منهم يكفر الفريق الآخر لئن اتبعت أهواء هؤلاء في شأن القبلة وغيرها من الشرائع والأحكام من بعد ما جاءك من العلم الصحيح الذي لا مرية فيه، إنك حينئذ لمن الظالمين بترك الهدى واتباع الهوى وهذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم للدلالة على شناعة متابعتهم وإلا فإن الله قد عصم نبيه من ذلك فهو تحذير لأمته من بعده.
• الذين آتيناهم الكتاب من علماء اليهود والنصارى يعرفون أمر تحويل القبلة الذي هو من علامات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم عندهم كما يعرفون أولادهم ويميزونهم من غيرهم ومع ذلك فإن طائفة منهم ليكتمون الحق الذي جاء به حسدا من عند أنفسهم يفعلون ذلك وهو يعلمون أنه الحق.
• هذا هو الحق من ربك فلا تكونن –أيها الرسول- من الشاكين في صحته.
• ولكل أمة من الأمم جهة يتجهون إليها حسية كانت أو معنوية ومن ذلك اختلاف الأمم في قبلتهم وما شرع الله لهم فلا يضر تنوع وجهاتهم إن كان بأمر الله وشرع، فتسابقوا أنتم –أيها المؤمنون – إلى فعل الخيرات التي أمرتكم بفعلها وسيجمعكم الله من أي مكان كنتم فيه يوم القيامة ليجازيكم على عملكم إن الله على كل شيء قدير فلا يعجزه جمعكم ولا مجازاتكم.
• من أي مكان خرجت أينما كنت – أيها النبي- أنت وأتباعك وأردت الصلاة فاستقبل جهة المسجد الحرام فإنه الحق الموحى به إليك من ربك وما الله بغافل عما تعملون بل هو مطلع عليه وسيجازيكم به.
• ومن أي مكان خرجت –أيها النبي- وأردت الصلاة فاستقبل جهة المسجد الحرام وبأي مكان كنتم –أيها المؤمنون- فاستقبلوا بوجوهكم جهته إذا أردتم الصلاة لئلا يكون للناس حجة يحتجون بها عليكم إلا الذين ظلموا منهم فإنهم سيبقون على عنادهم ويحتجون عليكم بأوهى الحجج فلا تخشوهم واخشوا ربكم وحده بامتثال أوامره واجتناب نواهيه فإن الله قد شرع استقبال الكعبة من أجل أن يتم نعمته عليكم بتمييزكم عن سائر الأمم ولأجل هدايتكم إلى أشرف قبلة للناس.
• كما أنعمنا عليكم نعمة أخرى حيث أرسلنا إليكم رسولا من أنفسكم يقرأ عليكم آياتنا ويطهركم بما يأمركم به من الفضائل والمعروف وما ينهاكم عنه من الرذائل والمنكر ويعلمكم القرآن والسنة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من أمور دينكم ودنياكم.
• فاذكروني بقلوبكم وجوارحكم أذكركم بالثناء عليكم والحفظ لكم فالجزاء من جنس العمل واشكروا لي نعمي التي أنعمت بها عليكم ولا تكفروني بجحودها واستعمالها فيما حرم عليكم.
• يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة على القيام بطاعتي والتسليم لأمري إن الله مع الصابرين يوفقهم ويعينهم.
• ولا تقولوا – أيها المؤمنون- في شأن من يقتلون في الجهاد في سبيل الله أنهم أموات ماتوا كما يموت غيرهم بل هم أحياء عند ربهم ولكن لا تدركون حياتهم لأنها حياة خاصة لا سبيل لمعرفتها إلا بوحي من الله تعالى.
• ولنمتحننكم بأنواع من المصائب يشئ من الخوف من أعدائكم وبالجوع لقلة الطعام وبنقص في الأموال لذهابها أو مشقة الحصول عليها وبنقص في الأنفس بسبب الآفات التي تهلك الناس أو بالشهادة في سبيل الله وبنقص من الثمرات التي تنبتها الأرض وبشر –أيها النبي- الصابرين على تلك المصائب بما يسرهم في الدنيا والآخرة.
• الذين إذا أصابتهم مصيبة من تلك المصائب قالوا برضا وتسليم: إنا ملك لله يتصرف فينا بما يشاء وإنا إليه عائدون يوم القيامة فهو الذي خلقنا وتفضل علينا بمختلف النعم وإليه مرجعنا ونهاية أمرنا.
• أولئك المتصفون بهذه الصفة لهم ثناء من الله عليهم في ملأ الملائكة الأعلى ورحمة تنزل عليهم وأولئك هم المهتدون إلى طريق الحق.
• إن الجبلين المعروفين بالصفا والمروة قرب الكعبة من معالم الشريعة الظاهرة فمن قصد البيت لأداء نسك الحج او نسك العمرة فلا إثم عليه أن يسعى بينهما وفي نفي الإثم هنا طمأنة لمن تحرج من المسلمين من السعي بينهما اعتقادا انه من أمر الجاهلية وقد بين تعالى ذلك من مناسك الحج ومن فعل المستحبات من الطاعات متطوعا بها مخلصا فان الله شاكر له يقبلها منه ويجازيه عليها وهو العليم بمن يفعل الخير ويستحق العذاب.
• إن الذين يخفون ما أنزلنا من البينات الدالة على صدق النبي وما جاء به من اليهود والنصارى وغيرهم من يعد ما أظهرناه للناس في كتبهم أولئك يطردهم الله من رحمته ويدعو عليهم الملائكة والأنبياء والناس أجمعون بالطرد من رحمته.
• إلا الذين رجعوا إلى الله نادمين على كتمان تلك الآيات الواضحات وأصلحوا أعمالهم الظاهرة والباطنة وبينوا ما كتموه من الحق والهدى فأولئك أقبل رجوعهم إلى طاعتي وأنا التواب على من تاب من العباد، الرحيم بهم.
• إن الذين ماتوا على الكفر قبل أن يتوبوا منه أولئك عليهم لعنة الله بطردهم من رحمته وعليهم دعاء الملائكة والناس كلهم بالطرد من رحمة الله والإبعاد منها.
• ملازمين هذه اللعنة لا يخفف عنهم العذاب ولو يوما واحدا ولا يمهلون يوم القيامة.
• ومعبودكم الحق –أيها الناس- واحد متفرد في ذاته وصفاته لا معبود بحق غيره وهو الرحمن ذو الرحمة الواسعة الرحيم بعباده حيث أنعم عليهم النعم التي لا تحصى.
• إن في خلق السماوات والأرض وما فيهما من عجائب الخلق وفي تعاقب الليل والنهار وفي السفن التي تجري في مياه البحار حاملة ما ينفع الناس من طعام ولباس وتجارة وغيرها مما يحتاجون إليه وفيما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بما ينبت فيها من الزرع والكلأ وفيما نشره فيها من كائنات حية وتحويل الرياح من جهة لجهة وفي السحاب المذلل بين السماء والأرض إن في كل ذلك لدلائل واضحة على وحدانيته سبحانه لمن يعقلون الحجج ويفهمون الأدلة والبراهين.
• ومع تلك الآيات الواضحة فإن من الناس من يتخذ من دون الله آلهة يجعلونهم نظراء لله تعالى، يحبونهم كما يحبون الله والذيم آمنوا أشد حبا لله من هؤلاء لمعبوداتهم لأنهم لا يشركون مع الله أحدا ويحبونه في السراء والضراء وأما أولئك فإنهم يحبون آلهتهم في حال السراء أما في حال الضراء فلا يدعون إلا الله ولو يرى الظالمون بشركهم وارتكاب السيئات حالهم في الآخرة حين يشاهدون العذاب: لعلموا أن المتفرد بالقوة جميعا هو الله، وأنه شديد العذاب لمن عصاه لو يرون ذلك ما أشركوا معه أحدا.
• وذلك حين يتبرأ الرؤساء المتبوعون من الضعفاء الذين اتبعوهم لما يشاهدونه من أهوال يوم القيامة وشدائده وقد تقطعت بهم كل أسباب النجاة ووسائلها.
• وقال الضعفاء والاتباع: ليت لنا رجعة إلى الدنيا فنتبرأ من رؤسائنا كما تبرؤوا منا وكما أراهم الله العذاب الشديد في الآخرة يريهم عاقبة متابعتهم لرؤسائهم على الباطل ندامات وأحزانا وليسوا بخارجين أبدا من النار.
• يا أيها الناس كلوا مما في الأرض من حيوان ونبات وأشجار مما كان كسبه حلالا وكان طيبا في نفسه غير خبيث ولا تتبعوا مسالك الشيطان التي يستدرجكم بها، إنه لكم عدو واضح العداوة ولا يجوز لعاقل أن يتبع عدوه الذي يحرص على إيذائه وضلاله.
• فهو إنما يأمركم بما يسوء من الآثام وما يعظم منها من الذنوب وبأن تقولوا على الله في العقائد والشرائع بغير علم جاءكم عن الله أو رسله.
• وإذا قيل لهؤلاء الكفار: اتبعوا ما أنزل الله من الهدى والنور قالوا معاندين: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا من المعتقدات والتقاليد. أيتبعون آباءهم ولو كانوا لا يعقلون شيئا من الهدى والنور ولا يهتدون إلى الحق الذي يرضي الله عنه؟!
• ومثل الذين كفروا في اتباعهم لآبائهم كمثل الراعي الذي يصيح مناديا على بهائمه فتسمع صوته ولا تفهم قوله فهم صم عن سماع الحق سماعا ينتفعون به، بُكمٌ قد خرست ألسنتهم عن النطق بالحق، عمي عن إبصاره ولهذا لا يعقلون الهدي الذي تدهوهم إليهم.
• يأيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله، كلوا من الطيبات التي رزقكم الله وأباحها لكم واشكروا الله ظاهرا وباطنا ما تفضل به عليكم من النعم ومن شكره تعالى أن تعملوا بطاعته وأن تتجنبوا معصيته إن كنتم حقا تعبدونه وحده ولا تشركون به شيئا.
• إنما حرم الله عليم من الأطعمة ما مات بغير ذكاة شرعية والدم المسفوح ولحم الخنزير وما ذكر عليه اسم الله عند تذكيته فإذا اضطر الإنسان إلى أكل شيء وهو غير ظالم بالأكل منها دون حاجة ولا متجاوز لحد الضرورة فلا إثم عليه ولا عقوبة إن الله غفور لمن تاب من عباده رحيم بهم ومن رحمته أنه تجاوز عن أكل هذه المحرمات عند الاضطرار.
• إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتب وما فيها من دلالة على الحق ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، كما يفعل اليهود والنصارى ويشترون بكتمانهم لها عوضا قليلا كرئاسة أو جاه أو مال، أولئك ما يأكلون في بطونهم حقيقة إلا ما يكون سببا لتعذيبهم بالنار ولا يكلمهم الله يوم القيامة بما يحبون بل بما يسوؤهم ولا يطهرهم ولا يثني عليهم ولهم عذاب أليم.
• أولئك المتصفون بكتمان العلم الذي يحتاج إليه الناس هم الذين استبدلوا الضلالة بالهدى لما كتموا العلم الحق، واستبدلوا عذاب الله بمغفرته فما أصبرهم على فعل ما يسبب لهم الدخول النار، كأنهم لا يبالون بما فيها من عذاب لصبرهم عليها.
• ذلك الجزاء على كتمان العلم والهدى بسبب أن الله نزل الكتب الإلهية بالحق وهذا يقتضي أن تبين ولا تكتم وإن الذين اختلفوا في الكتب الإلهية فآمنوا ببعضها وكتموا بعضها لفي مفارقة ومنازعة بعيدة للحق.
• ليس الخير المرضي عند الله مجرد الاتجاه إلى جهة المشرق أو المغرب والاختلاف في ذلك ولكن الخير فيمن آمن بالله إلها واحدا وآمن بيوم القيامة وبجميع الملائكة وبجميع الكتب المنزلة وبجميع الأنبياء دون تفريق وأنفق المال مع حبه والحرص عليه على ذوي قرابته ومن فقد أباه دون سن البلوغ وذوي الحاجة والغريب الذي انقطع في السفر عن أهله ووطنه والذين تعرض لهم حاجة توجي سؤال الناس وصرف المال في تحرير الرقاب من الرق والأسر وأقام الصلاة بالإتيان بها تامة على ما أمر الله ودفع الزكاة الواجبة والذين يوفون بعهدهم إذا عاهدوا والذين يصبرون على الفقر والشدة وعلى المرض وفي وقت شدة القتال فلا يفرون أولئك المتصفون بهذه الصفات هم الذين صدقوا الله في إيمانهم وأعمالهم وأولئك هو المتقون الذي امتثلوا ما أمرهم الله به واجتنبوا ما نهاهم الله عنه.
• يا أيها الذين آمنوا بالله اتبعوا رسوله فيما فرض عليكم في شأن الذين يقتلون غيرهم عمدا وعدوانا معاقبة القاتل بمثل جنايته، فالحر يقتل بالحر والعبد يقتل بالعبد والأنثى تقتل بالأنثى فإن عفا المقتول قبل موته أو عفا ولي المقتول مقابل الدية –وهي مقدار من المال يدفعه القاتل مقابل العفو عنه – فعلى من عفا اتباع القاتل في طلب الدية بالمعروف لا بالمن والأذى وعلى القاتل أداء الدية بإحسان من غير مماطلة وتسويف وذلك العفو وأخذ الدية تخفيف من ربكم عليكم ورحمة بهذه الأمة، فمن اعتدى على القاتل بعد العفو وقبول الدية فله عذاب أليم من الله تعالى.
• ولكم فيما شرعه الله من القصاص حياة لكم بحقن دمائكم ودفع الاعتداء بينكم يدرك ذلك أهل العقول الذين يتقون الله تعالى بالانقياد لشرعه والعمل بأمره.
• فرض عليكم إذا حضر أحدكم علامات الموت وأسبابه إن ترك مالا كثيرا أو يوصي للوالدين ولذوي القرابة بما حده الشرع وهو إلا يزيد عن ثلث المال وفعل هذا حق مؤكد على المتقين لله تعالى وقد كان الحكم قبل نزول آيات المواريث، فلما نزلت آيات المواريث بينت من يرث الميت ومقدار ما يرث.
• فمن غير الوصية بزيادة أو نقص أن منع بعد علمه بالوصية، فإنما يكون إثم ذلك التبديل على المغيرين لا على الموصي إن الله سميع لأقوال عبيده عليم بأفعالهم ولا يفوته شيء من أحوالهم.
• فمن علم من صاحب الوصية ميلا عن الحق أو جورا في الوصية فأصلح ما أفسد الموصي بنصحه واصلح بين المختلفين على الوصية فلا إثم عليه بل هو مأجور على إصلاحه أن الله غفور لمن تاب من عباده، رحيم بهم.
• يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله فرض عليكم الصيام من ربكم كما فرض على الأمم من قبلكم لعلكم تتقون بالله بأن تجعلوا بينكم وبين عذابه وقاية بالأعمال الصالحة ومن أعظمها الصيام.
• الصيام المفروض عليكم أن تصوموا أياما قليلة من السنة فمن كان منكم مريضا مرضا يشق معه الصوم أو مسافرا فله أن يفطر ثم عليه أن يقضي بقدر ما افطر من الأيام وعلى الذين يستطيعون الصيام فدية اذا افطروا وهي إطعام مسكين عن كل يوم يفطرون فيه فمن زاد على إطعام مسكين واحد أو اطعم مع الصيام فهو خير له. وصومكم خير لكم من الإفطار وإعطاء الفدية ان كنتم تعلمون ما في الصوم من الفضل. وكان هذا الحكم أول ما شرع الله الصيام فكان من شاء صام ومن شاء افطر وأطعم وفرضه على كل بالغ قادر.
شهر رمضان الشهر الذي بدأ فيه نزول القرآن على النبي في ليلة القدر، أنزله الله هداية للناس فيه الدلائل الواضحات من الهدى والفرقان بين الحق والباطل فمن حضر شهر رمضان وهو مقيم صحيح فليصومه وجوبا ومن كان مريضا يشق عليه الصوم أو مسافرا فله أن يفطر وإذا افطر فالواجب عليه أن يقضي تلك الأيام التي افطرها، يريد الله بما شرع لكم أن يسلك بكم سبيل اليسر لا العسر ولتكملوا عدة طوم الشهر كله، ولتكبروا الله بعد ختام شهر رمضان ويوم العيد على أن وفقكم لصومه وأعانكم على إكماله ولعلكم تشكرون الله على هدايتكم لهذا الدين الذي ارتضاه لكم.
وإذا سألك –أيها النبي- عبادي عن قربي وإجابتي لدعائهم فإني قريب منهم عالم بأحوالهم سامع لدعائهم فلا يحتاجون إلى وسطاء ولا إلى رفع أصواتهم، أجيب دعوة الداعي إذا دعاني مخلصا في دعائه فلينقادوا لي ولأوامري وليثبتوا على إيمانهم فان ذلك انفع وسيلة لإجابتي لعلهم بذلك يسلكون سبيل الرشد في شئونهم الدينية والدنيوية.
قد كان في أول الأمر يحرم على الرجل اذا نام في ليلة الصيام ثم استيقظ قبل الفجر أن يأكل أو يقرب أهله فنسخ الله ذلك وأباح لكم –أيها المؤمنون- في ليالي الصيام جماع نسائكم فهن ستر وإعفاف لكم وانتم ستر وإعفاف لهن ولا يستغني بعضكم عن بعض علم الله أنكم كنتم تخونون أنفسكم بفعل ما نهاكم عنه فرحمكم وتاب عليكم وخفف عنكم فالآن جامعوهن واطلبوا ما قدر الله لكم من الذرية وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم طلوع الفجر الصادق ببياض الفجر وانفصاله عن سواد الليل، ثم أكملوا الصيام بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر حتى تغييب الشمس ولا تجامعوا النساء وانتم معتكفون في المساجد، لأن ذلك يبطله تلك الأحكام المذكورة هي حدود الله بين الحلال والحرام فلا تقربوها أبدا فإن من اقترب في حدود الله يوشك أن يقع في الحرام وبمثل هذا البيان الواضح الجلي لتلك الأحكام يبين الله آياته للناس لعلهم يتقونه بفعل ما أمر وترك ما نهى.
ولا يأخذ بعضكم مال بعضكم بوجه غير مشروع كالسرقة والغصب والغش ولا تخاصموا بها إلى الحكام لتأخذوا طائفة من أموال الناس متلبسين بالمعصية وأنتم تعلمون أن الله حرم ذلك فالإقدام على الذنب مع العلم بتحريمه أشد قبحا وأعظم عقوبة.
يسألونك – أيها الرسول – عن تكوين الأهلة وتغير أحوالها قل مجيبا إياهم عن حكمة ذلك: إنها مواقيت للناس يعرفون بها أوقات عبادتهم كأشهر الحج وشهر الصيام وتمام لحول في الزكاة ويعرفون أوقاتهم في المعاملات كتحديد آجال الديات والديون وليس البر والخير أن تأتوا البيوت من ظهورها حال إحرامكم بالحج أو العمرة –كما كنتم تزعمون في الجاهلية- ولكن البر حقيقة بر من اتقي الله في الظاهر والباطن ومجيئكم للبيوت من أبوابها أيسر لكم وأبعد عن المشقة لأن الله لم يكلفكم بما فيه عسر ومشقة عليكم واجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية بالعمل الصالح لعلكم تفلحون بنيل ما ترغبون فيه والنجاة مما ترهبون منه.
وقاتلوا –ابتغاء رفع كلمة الله- الذين يقاتلونكم من الكفار ليدوكم عن دين الله ولا تتجاوزوا حدود الله بقتل الصبيان والنساء والشيوخ أو بالتمثيل بالقتلى وما نحو ذلك إن الله لا يحب المتجاوزين لحدد فيما شرع وحكم.
واقتلوهم حيث لقيتموهم وأخرجوهم من المكان الذي أخرجوكم منه وهو مكة والفتنة الحاصلة بصد المؤمن عن دينه ورجوعه إلى الكفر أعظم من القتل ولا تبدؤوهم بقتال عند المسجد الحرام تعظيما له حتى يبدؤوكم بالقتال فيه، فإن بدؤوا بالقتال ومثل هذا الجزاء وهو قتلهم اذا اعتدوا في المسجد الحرام يكون جزاء الكافرين.
فان انتهوا عن قتالكم وكفرهم فانتهوا عنهم إن الله غفور الله لمن تاب فلا يؤاخذهم بذنوبهم السابقة رحيم بهم لا يعاجلهم بالعقوبة.
وقاتلوا الكفار حتى لا يكون منهم شرك ولا صد للناس عن سبيل الله ولا كفر ويكون الدين الظاهر دين الله فإن انتهوا عن كفرهم وصدهم عن سبيل الله فاتركوا قتالهم فإنه لا عدوان إلا على الظالمين بالكفر والصد عن سبيل الله.
الشهر الحرام الذي مكنكم الله فيه من دخول الحرم وأداء العمرة سنة سبع هو عوض عن الشهر الحرام الذي صدكم فيه المشركون عن الحرم سنة ست، والحرمات –كحرمة البلد الحرام والشهر الحرام والإحرام- يجري فيها القصاص من المعتدين، فمن اعتدى عليكم فيها فعاملوه بمثل فعله ولا تتجاوزوا حد المماثلة إن الله لا يحب المتجاوزين لحدوه وخافوا الله في تجاوز ما أذن لكم فيه، واعلموا أن الله مع المتقين له بالتوفيق والتأييد.
وأنفقوا المال في طاعة الله من الجهاد وغيره ولا تلقوا بأنفسكم إلى الهلاك بأن تتركوا الجهاد والبذل في سبيله أو بأن تلقوا بأنفسكم فيما يكون سببا لهلاككم وأحسنوا في عباداتكم ومعاملاتكم وأخلاقكم إن الله يحب المحسنين في كل شؤونهم فيعظم لهو الثواب ويوفقهم للرشاد.
• وأدوا الحج والعمرة تامين مبتغين وجه الله تعالى فاذا منعتم من إتمامها بمرض أو بعدو أو بنحو ذلك فعليكم ذبح ما تيسير من الهدى من الابل أو البقر أو الغنم لتتحللوا من إحرامكم ولا تحلقوا رؤوسكم أو تقصروها حتى يبلغ الهدى الموضع الذي يحل فيه ذبحه، فإن كان ممنوعا من الحرم فليذبح حيث منع وإن كان غير ممنوع من الحرم فليذبح في الحرم يوم النحر وما بعده من أيام التشريق فمن كان منكم مريضا أو به أذى من شعر رأسه كقمل ونحوه فحلق رأسه بسبب ذلك فلا حرج عليه وعليه أن يفدى عن ذلك إما بصيام ثلاثة أيام أو بإطعام ستة مساكين من مساكين الحرم أو بذبح شاة توزع على فقراء الحرم فإذا كنتم غير خائفين فمن استمتع منكم بأداء العمرة في أشهر الحج وتمتع بما حرم عليه من محظورات الإحرام إلى أن يحرم بالحج من عامه فليذبح ما تيسر من شاة أو يشترك سبعة في ذبح بعير أو بقرة فإذا لم يقدر على الهدي فعليه صيام ثلاثة أيام من أيام المناسك بدلا منه وعليه صيام سبعة أيام بعد رجوعه إلى أهله، ليكون مجموع الأيام عشرة كاملة ذلك التمتع مع وجوب الهدي أو الصيام للعاجز عن الهدي هو لغير أهل الحرم ومن يقيم قريبا من الحرم واتقوا الله باتباع ما شرع وتعظيم حدوده واعلموا أن الله شديد العقاب لمن خالف أمرة.
• وقت الحج أشهر معلومات تبدأ بشهر شوال وتنتهي بعشر ذي الحجة فمن أوجب على نفسه الحج في هذه الأشهر وأحرم به حرم عليه الجماع ومقدماته ويتأكد في حقه حرمة الخروج عن طاعة الله بارتكاب المعاصي لعظم الزمان والمكان ويحرم عليه الجدال المؤدي إلى الغضب والخصومة وما تفعلوا من خير يعلمه الله فيجازيكم به واستعينوا على أداء الحج بأخذ ما تحتاجون إليه من طعام وشراب. واعلموا أن خير ما تستعينون في كل شئونكم هو تقوى الله تعالى فخافوني بامتثال أوامري واجتناب نواهي يا ذوي العقول السليمة.
• ليس عليكم إثم أن تطلبوا الرزق الحلال بالتجارة وغيرها في أثناء الحج فإذا دفعتم من عرفات بعد وقوفكم فيها اليوم التاسع متوجهين إلى المزدلفة في اليوم العاشر من ذي الحجة فاذكروا الله بالتسبيح والتهليل والدعاء عند المشعر الحرام بمزدلفة واذكروا الله لهدايته لكم إلى معالم دينه ومناسك حج بيته فقد كنتم من قبل ذلك من الغافلين عن شريعته.
• ثم ادفعوا من عرفات كما كان يصنع الناس المقتدون بإبراهيم عليه السلام لا كما كان يصنع من يقف بها من أهل الجاهلية واطلبوا المغفرة من الله على تقصيركم في أداء ما شرع إن الله غفور لمن تاب من عباده رحيم بهم.
• فإذا أنهيتم أعمال الحج وفرغتم منها فاذكروا الله وأكثروا من الثناء عليه كفخركم بآبائكم وثنائكم عليهم أو أشد ذكرا لله من ذكر آبائكم لأن كل نعمة تتنعمون بها هي منه سبحانه وتعالى والناس مختلفون فمنهم الكافر المشرك الذي لا يؤمن إلا بهذه الحياة الدنيا فلا يسأل ربه إلا نعيمها وزينتها من الصحة والمال والولد وليس منهم نصيب مما أعد الله لعباده المؤمنين في الآخرة لرغبتهم في الدنيا وإعراضهم عن الآخرة.
• وفريق من الناس مؤمن بالله يؤمن بالآخرة فيسأله ربه نعيم الدنيا والعمل الصالح فيها كما يسأله الفوز بالجنة والسلامة من عذاب النار.
• أولئك الداعون بخيري الدنيا والآخرة لهم حظ من ثواب عظيم بما اكتسبوا من الأعمال الصالحة في الدنيا والله سريع الحساب للأعمال.
• واذكروا الله بالتكبير والتهليل في أيام قلائل هي: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة فمن تعجل وخرج منى بعد الرمي في اليوم الثاني عشر فله ذلك ولا إثم عليه لأن الله خفف عنه ومن تأخر إلى الثالث عشر حتى يرمي فله ذلك ولا حرج عليه وقد جاء بالأكمل واتبع فعل النبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك لمن اتقى الله في حجه فجاء به كما أمر الله واتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وأيقنوا أنكم إليه وحده ترجعون وتصيرون فيجازيكم على أعمالكم.
• ومن الناس منافق يعجبك –أيها النبي- كلامه في هذه الدنيا فتراه حسن المنطق حتى لتظن صدقه ونصحه وإنما قصده حفظ ماله ونفسه ويشهد الله -وهو كاذب- على ما قلبه من إيمان وخير وهو شديد الخصومة والعداوة للمسلمين؟
• وإذا أدبر عنك وفارقك سعى مجتهدا في الأرض من أجل أمن يفسد بالمعاصي ويتلف الزرع ويقتل المواشي والله لا يحب الفساد في الأرض ولا يحب أهله.
• وإذا قبل لذلك المفسد -على سبيل النصح- اتقي الله بتعظيم حدوده واجتناب نواهيه منعته الآنفة والكبر عن الرجوع للحق وتمادي في الإثم فجزاؤه الذي يكفيه دخول جهنم ولبئس المستقر والمقام لأهلها.
• ومن الناس مؤمن يبيع نفسه فيبذلها طاعة لربه وجهادا في سبيله وطلبا لمرضاته والله واسع الرحمة بعباده رؤوف بهم.
• يا أيها الذين آمنوا بالله واتبعوا رسوله ادخلوا في الإسلام جميعه ولا تتركوا منه شيئا كما يفعل أهل الكتاب من الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه ولا تتبعوا مسالك الشيطان لأنه لكم عدو واضح العداوة مظهرها.
• فإن وقع منكم زلل من بعد ما جاءتكم من الدلائل الواضحات التي لا لبس فيها: فاعلموا أن الله عزيز في قدرته وقهره، حكيم في تدبيره وتشريعه فخافوه وعظموه.
• ما ينتظر هؤلاء المتبعون مسالك الشيطان المائلون عن طريق الحق إلا أن يأتيهم الله يوم القيامة إتيانا يليق بجلاله سبحانه في ظلل من السحاب للقضاء بينهم وتأتيهم الملائكة محيطة بهم من كل جانب، وعندئذ يقضي أمر الله فيهم ويفرغ منه وإلى الله سبحانه وحده ترجع أمور الخلائق وشؤونهم.
• اسأل -أيها النبي- بني إسرائيل سؤال توبيخ لهم: كم بين الله تعالى لكم من آية واضحة دالة على صدق الرسل؟! فكذبتموهم وأعرضتم عنها ومن يبدل نعمة الله كفرا وتكذيبا بعد معرفتها وظهورها، فإن الله شديد العقاب للكافرين المكذبين.
• حُسِّنَ للذين كفروا بالله الحياة الدنيا وما فيها من متع زائلة وملات منقطعة ويستهزئون بالذين آمنوا بالله واليوم الآخر والذين اتقوا الله بفعل أوامره وترك نواهيه فوق هؤلاء الكافرين في الآخرة حيث ينزلهم الله في جنات عدن والله يعطي من يشاء من خلقه بلا عدد ولا حساب.
• كان الناس أمة واحدة متفقين على الهدى على دين أبيهم آدم حتى أضلتهم الشياطين فاختلفوا بين مؤمن وكافر فلأجل ذلك بعث الله الرسل مبشرين أهل الإيمان والطاعة بما أعد الله لهم من رحمته ومنذرين أهل الكفر بما أوعدهم اللهم به من شديد عقابه وأنزل مع رسله الكتب مشتملة على الحق الذي لا شك فيه، ليحكموا بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف في الكتاب الذي أنزله الله -وهو التوراة- إلا الذين أعطوا علمه من اليهود بعد ما جاءتهم حجج الله أنه حق من عنده، لا يسعهم الاختلاف فيه ظلما منهم فوفق الله المؤمنين لمعرفة الهدى من الضلال بإذنه وإرادته والله يهدي من يشاء إلى طريق مستقيم لا اعوجاج فيه وهو طريق الإيمان.
• أم ظننتم -أيها المؤمنون- أن تدخلوا الجنة ولم يصبكم ابتلاء مثل ابتلاء الماضين من قبلكم، حيث أصابهم شدة الفقر والمرض وزلزلتهم المخاوف حتى بلغ بهم البلاء أن يستعجلوا نصر الله، فيقول الرسول والمؤمنون معه: متى نصر الله؟ إلا نصر الله قريب من المؤمنين به المتوكلين عليه.
• يسألك أصحابك -أيها النبي-: ماذا ينفقون من أموالهم المتنوعة وأين يضعونها؟ قل مجيبا إياهم: ما أنفقتم من خير -وهو الحلال الطيب- فليصرف للوالدين وللأدنى منهم من قراباتكم بحسب الحاجة وللمحتاج من اليتامى وللمعدمين الذي ليس لهم مال، وللمسافر الذي انقطع به السفر عن أهله ووطنه وما تفعلوا -أيها المؤمنون- من خير قليلا أو كثيرا فإن الله به عليم لا يخفى عليه منه شيء وسيجازيكم عليه.
• فرض عليكم -أيها المؤمنون- القتال في سبيل الله وهو مكروه للنفس بطبعها لما فيه من بذل المال والنفس ولعلكم تكرهون شيئا وهو في الواقع خير ونفع لكم، كالقتال في سبيل الله فمن عظم ثوابه فيه النصر على الأعداء ورفع كلمة الله ولعلكم تحبون شيئا وهو شر ووبال عليكم كالتخلف عن الجهاد فإن فيه الخذلان وتسلط الأعداء والله يعلم علما تاما خير الأمور وشرها وأنتم لا تعلمون ذلك فاستجيبوا لأمره ففيه الخير لكم.
• يسألك الناس -أيها النبي- عن حكم القتال في الأشهر الحرم: ذي القعدة وذي الحجة والمحرم ورجب قل مجيبا إياهم: القتال في هذه الأشهر عظيم عند الله ومستنكر كما أن ما يقوم به المشركون من صد عن سبيل الله مستقبح كذلك ومنع المؤمنين عن المسجد الحرام وإخراج أهل المسجد الحرام منه أعظم عند الله من القتال في الشهر الحرام والشرك الذي هم فيه أعظم من القتل ولا يزال المشركون على ظلمهم يقاتلوكم -أيها المؤمنون- حتى يردوكم عن دينكم الحق إلى دينهم الباطل إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا ومن يرجع منكم عن دينه ويمت وهو على الكفر بالله فقد كل عمله الصالح ومآله في الآخرة دخول النار وملازمتها أبدا.
• إن الذين آمنوا بالله ورسوله والذين تركوا أوطانهم مهاجرين إلى الله ورسوله وقاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا، أولئك يطمعون في رحمة الله ومغفرته والله غفور لذنوب عباده، رحيم بهم.
• يسألك أصحابك -أيها النبي- عن الخمر {وهي: كل ما يغطي العقل ويذهبه} يسألونك عن حكم شربها وبيعها وشرائها؟ ويسألونك عن حكم القمار {وهو: ما يؤخذ من المال عن طريق المنافسات التي فيها عوض من الطرفين المشتركين في المنافسة}؟ قل مجيبا إياهم: فيها مضار ومفاسد دينية ودنيوية كثيرة من ذهاب العقل والمال والوقع في العداوة والبغضاء وفيهما منافع قليلة كالمكاسب المالية وضررهما والإثم الحاصل بهما أكبر من نفعهما وما كان ضره أكثر من نفعه فإن العاقل يجتنبه وهذا البيان من الله فيه تمهيد لتحريم الخمر ويسألك أصحابك -أيها النبي- عن قدر ما ينفقونه من أموالهم على وجه التطوع والتبرع؟ قل مجيبا إياهم: أنفقوا من أموالكم الذي يزيد عن حاجتكم {وقد كان هذا أول الأمر ثم شرع بعد ذلك الزكاة الواجبة في أموال مخصوصة وأنصبة معينة} وبمثل هذا البيان الذي لا لبس فيه يبين الله لكم أحكام الشرع لعلكم تتفكرون.
• شرع ذلك لكي تتفكروا فيما ينفعكم في الدنيا والآخرة ويسألك أصحابك -أيها النبي- عن قيامهم بالولاية على اليتامى كيف يتصرفون في التعامل معهم؟ وهل يخلطون معهم في النفقة والمطاعمة والمساكنة؟ قل مجيبا إياهم: تفضلكم عليهم بإصلاح أموالهم من غير عوض أو مخالطة في أموالهم: خير لكم عند الله وأعظم أجرا وهو خير لهم في أموالهم لما فيه من حفظ أموالهم عليهم وإن تشاركوهم بضم مالهم إلى مالكم في المعاش والمسكن ونحو ذلك فلا حرج في ذلك فهم إخوانكم في الدين والإخوة يعين بعضهم بعضا ويقوم بعضهم على شؤون بعض والله يعلم من يريد الفساد من الأولياء بمشاركة اليتامى أموالهم ممن يريد الصلاح ولو شاء أن يشق عليكم في شأن اليتامى لشق عليكم ولكنه سبحانه وتعالى يسر لكم سبيل التعامل معهم لأن شريعته مبنية على اليسر، إن الله عزيز لا يغالبه شيء حكيم في خلقه وتدبيره وتشريعه.
• ولا تتزوجوا -أيها المؤمنون- المشركات بالله حتى يؤمن بالله وحده ويدخلن في دين الإسلام وإن امرأة مملوكة مؤمنة بالله ورسوله خير من امرأة حرة تعبد الأوثان ولو أعجبتكم بجمالها ومالها ولا تزوجوا المسلمات رجالا مشركين ولعبد مملوك مؤمن بالله ورسوله خير من حر مشرك ولو أعجبكم أولئك المتصفون بالشرك -رجالا ونساء- يدعون بأقوالهم وأفعالهم إلى ما يقود إلى دخول النار والله يدعوا إلى الأعمال الصالحة التي تقود إلى دخول الجنة والمغفرة من الذنوب بإذنه وفضله ويبين آياته للناس لعلهم يعتبرون بما دلت فيعلمون بها.
• ويسألك أصحابك -أيها النبي- عن الحيض {وهو دم طبيعي يخرج من رحم المرأة في أوقات مخصوصة}؟ قل مجيبا: الحيض أذى للرجل والمرأة فاجتنبوا جماع النساء في وقته ولا تقربوهن بالوطء حتى ينقطع الدم عنهن ويتطهرن منه بالغسل فإذا انقطع وتطهرن فجامعوهن على الوجه الذي أباح الله لكم طاهرات في قبلهن، إن لله يحب المكثرين من التوبة من المعاصي والمبالغين في الطهارة من أخباث.
• زوجاتكم محل زرع لكم يلدن لكم الأولاد كالأرض التي تخرج الثمار فأتوا محل الزرع – وهو القبل- من أي جهة شئتم وكيفما شئتم إذا كان في القبل وقدموا لأنفسكم بفعل الخيرات ومنه أن يجامع الرجل امرأته بقصد التقرب إلى الله وابتغاء الذرية الصالحة واتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه ومنها ما شرع لكم في شأن النساء واعلموا أنكم ملاقوه يوم القيامة واقفون بين يديه ومجازيكم على أعمالكم وبشر -أيها النبي- المؤمنين بما يسرهم عند لقاء ربهم من النعيم المقيم والنظر إلى وجهه الكريم.
• ولا تجعلوا الحلف بالله حجة مانعة من فعل البر والتقوى والإصلاح بين الناس بل إذا حلفتم على ترك البر فافعلوا البر وكفروا عن أيمانكم والله سميع لأقوالكم عليم بأفعالكم وسيجازيكم عليها.
• ولا يحاسبكم الله بسبب الإيمان التي تجري على ألسنتكم من غير قصد كقول أحدكم: لا والله وبلى بالله فلا كفارة عليكم ولا عقوبة في ذلك ولكن يحاسبكم على ما قصدتموه من تلك الإيمان والله غفور لذنوب عباده، حليم لا يعاجلهم بالعقوبة.
• للذين يحلفون على ترك جماع زوجاتهم انتظار مدة لا تزيد عن أربعة أشهر ابتداء من حلفهم وهو ما يعرف بالإيلاء فإن رجعوا إلى جماع نسائهم بعد حلفهم على تركه في مدة أربعة أشهر فما دون، فإن الله غفور يغفر لهم ما حصل منهم ورحيم بهم حيث شرع الكفارة مخرجا من هذا اليمين.
• وإن قصدوا الطلاق باستمرارهم على ترك جماع نسائهم وعدم الرجوع إليه فإن الله سميع لأقوالهم التي منها الطلاق، عليم بأحوالهم ومقاصدهم وسيجازيهم عليها.
• والمطلقات ينتظرن بأنفسهن ثلاث حيض لا يتزوجن خلالها ولا يجوز لهن أن يخفين ما خلق الله في أرحامهن من الحمل إن كن صادقات في الإيمان بالله واليوم الآخر وأزواجهن المطلقون لهن أحق بمراجعتهن في مدة العدة إن قصدوا بالمراجعة الألفة وإزالة ما وقع بسبب الطلاق وللزوجات من الحقوق والواجبات مثل الذي لأزواجهن عليهم بما تعارف عليه الناس وللرجال درجة أعلى عليهن ومن القوامة وأمر الطلاق والله عزيز لا يغلبه شيء، حكيم في شرعه وتدبيره.
• الطلاق الذي يمتلك في الزوج الرجعة طلقتان بأن يطلق ثم يراجع ثم يطلق ثم يراجع ثم بعد الطلقتين إما أن يمسكها في عصمته مع المعاشرة بالمعروف أو يطلقها الثالثة مع الإحسان إليها وأداء حقوقها ولا يحل لكم -أيها الأزواج- أن تأخذوا مما دفعتم إلى زوجاتكم من المهر شيئا إلا أن تكون المرأة كارهة لزوجها بسبب خلقه أو خلقه ويظن الزوجان بسبب هذا الكره عدم وفائهما بما عليهما من الحقوق فليعرض أمرهما على من له بهما صلة قرابة أو غيرها فإن خاف الأولياء عدم قيامهما بالحقوق الزوجة بينهما فلا حرج عليهما أن تخلع المرأة نفسها بمال تدفعه لزوجها مقابل فراقها. تلك الأحكام الشرعية هي الفاصلة بين الحلال والحرام فلا تتجاوزوها ومن يتجاوز حدود الله بين الحلال والحرام فأولئك هم الظالمون لأنفسهم بإيرادها موارد الهلاك وتعريضها لغضب الله وعقابه.
• فإن طلقها زوجها طلقة ثالثة لم يحل له نكاحها من جديد حتى تتزوج رجلا غيره زواجا صحيحا لرغبة لا لقصد التحليل ويجامعها في هذا النكاح فإن طلقها الزوج الثاني أو توفى عنها، فلا إثم على المرأة وزوجها الأول أن يتراجعا بعقد ومهر جديدين إن غلب على ظنهما أنهما يقومان بما يلزمهما من الأحكام الشرعية وتلك الأحكام الشرعية يبينها الله لأناس يعلمون أحكامه وحدوه لأنهم هم الذين ينتفعون بها.
• وإذا طلقتم نساءكم فقاربن انتهاء عدتهن، فلكم أن تراجعوهن أو تتركوهن بالمعروف دون رجعة حتى تنقضي عدتهن ولا تراجعوهن لأجل الاعتداء عليهم والإضرار بهم كما كان يفعل في الجاهلية ومن يفعل ذلك بقصد الإضرار بهن، فقد ظلم نفسه بتعريضها للإثم والعقوبة ولا تجعلوا آيات الله محال استهزاء بالتلاعب بها والتجرؤ عليها، واذكروا نعم الله عليكم من القرآن والسنة يذكركم بهذا ترغيبا لكم وترهيبا وخافوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، واعلموا أن الله بكل شيء فلا يخفى عليه شيء وسيجازيكم بأعمالكم.
• وإذا طلقتم نساءكم أقل من ثلاث طلقات وانتهت عدتهن فلا تمنعوهن -أيها الأولياء- حينئذ من العودة إلى أزواجهن بعقد ونكاح جديد إذا رغبن في ذلك وتراضين مع أزواجهن عليه ذلك الحكم المتضمن النهي عن منعهن يذكر به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أكثر نماء للخير فيكم وأشد طهرا لأعراضكم وأعمالكم من الأدناس والله يعلم حقائق الأمور وعواقبها وأنت لا تعلمون ذلك.
• والوالدات يرضعن أولادهن سنتين كاملتين ذلك التحديد بسنتين لمن قصد إكمال مدة الرضاعة وعلى والد الطفل نفقة الوالدات المرضعات المطلقات ولباسهن بحسب ما تعارف عليه الناس مما لا يخالف الشرع لا يكلف الله نفسا أكثر من سعتها وقدرتها ولا يحل لأحد الأبوين أن يتخذ الولد وسيلة إضرار بالآخر وعلى وارث الطفل إذا عدم الأب وكان الطفل ليس له مال مثل ما على الأب من الحقوق، فإن أراد الأبوان فطام الطفل قبل تمام السنتين فلا إثم عليهما في ذلك إذا كان بعد تشاورهما وتراضيهما على ما فيه مصلحة المولود وإن أردتم أن تطلبوا مرضعات لأولادكم مرضعات غير الأمهات فلا إثم عليكم إذا سلمتم ما اتفقتم عليه مع المرضعة من أجرة بالمعروف بلا نقص أو مماطلة واتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه واعلموا أن الله بما تعملون بصير فلا يخفى عليه شيء من ذلك وسيجازيكم على ما قدمتم من أعمال.
• والذين يموتون ويتركون وراءهم زوجات غير حوامل ينتظرن بأنفسهن وجوبا مدة أربعة أشهر وعشرة أيام يمتنعن فيها عن الخروج من بيت الزوج وعن الزينة والزواج فإذا انقضت هذه المدة فلا إثم عليكم – أيها الأولياء- فيما فعلن بأنفسهن مما كان ممنوعا عليهن في تلم لمدة على الوجه المعروف شرعا وعرفا، والله بما تعملون خبير ولا يخفى عله شيء من ظاهركم وباطنكم وسيجازيكم عليه.
• ولا إثم عليكم في التلميح بالرغبة في خطبة المعتدة من وفاة أو طلاق بائن دون التصريح بالرغبة بأن يقول كأن يقول: إذا انقضت عدتك فأخبريني ولا إثم عليكم فيما أخفيتم في أنفسكم من الرغبة في نكاح المعتدة بعد انقضاء عدتها علم الله أنكم ستذكرون لشدة رغبتكم فيهن فأباح لكم التلميح دون التصريح واحذروا أن تتوعدوا سرا على النكاح وهن في مدة العدة إلا وفق المعروف من القول وهو التعريض ولا تبرموا عقد النكاح في زمن العدة واعلموا أن الله يعلم ما تضمرونه في أنفسكم مما أباح لكم ما حرم عليكم فاحذروه ولا تخالفوا أمره واعلموا أن الله غفور لمن تاب من عباده حليم لا يعاجل بالعقوبة.
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.