الحمد لله الذي بحكمته أنزل الداء، ومن عدله وحكمته وفضله جعل لكل داء دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله و صحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
جمعت في هذا الكتاب عددا كبيرا من قصص حقيقة لأغربَ ما رأيتُ أو سمعتُ أو قرأتُ في كتب الطب النفسي و علم النفس، العربية منها و الأجنبية، قصصًا يعتقد معظمنا لغرابتها أنها سحرًا أو حسدًا، وذلك في سياق قصصي مشوق على شكل سيناريو و حوار بين الطبيب و المريض أو ذويه، وهدفي في ذلك ليس المتعة و الإثارة فحسب، بل أيضًا تقديم ثلاثة رسائل مهمة ...
لعل "الرسالة الأولى" لهذا الكتاب موجهةٌ بالأساس إلى العامة من الناس بهدف توعيتهم بأن أغلب ما يظنونه سحرًا أو حسدًا أو مسًا من الجان ما هو – في حقيقته-إلا عرضًا من أعراض مرض نفسي ما (أو عضوي) يجب سرعة اكتشافه و معالجته بواسطة الطبيب النفسي و هو ما يوفر على المريض الكثير من المعاناة، وعلى أهله الكثير من الجَهد و المال.
و ليس معنى ذلك أننا ننكر و جود المس من الجن، أو السحر و الأعمال، أو الحسد و العين فى تأثيرهم على سلوك الإنسان و تصرفاته، فجميعهم حق، فنحن لا ننكر الإصابة بهذا فى بعض الحالات، و يكفينا فى هذا الصدد قول النبى صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه عندما حسد صاحبه " عَلاَمَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟ أَلاَّ بَرَّكْتَ، إِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ..." موطأ مالك . و لكن ما ننكره و ما ننتقده بشدة هو إسراف
ومغالاة بعض الناس فى هذا الأمر و الذي يدفعهم إلى التوجه الخاطئ بالمريض إلى أشخاص غير الأطباء، متجاهلين الدور الكبير للعامل النفسي و تأثيره على الصحة النفسية و البدنية للإنسان، و هو ما لا يزيد المريض إلا تأخيرا للتشخيص و العلاج، وهذا الأمر المغالى فيه و الزائد عن الحد، هو ما يهدف هذا الكتاب إلى معالجته و التقليص من حجمه المتعاظم فى أذهان الناس و إعادته إلى حجمه الحقيقي .
أما "الرسالة الثانية" للكتاب فهى موجهةٌ بالخصوص إلى السادة الزملاء من الأطباء غير المتخصصين فى مجال الطب النفسي و بخاصة المتخصصين منهم فى فرع "الأمراض الباطنية"، حيث إن المرض النفسي أحيانا قد يأتي "متخفيا" فى شكل أعراض جسدية، مع عدم وجود أى شكوى نفسية، وهو الشكل غير المألوف بالنسبة للكثيرين،و إن لم يكن طبيب الباطنية يقظًا و مسلحًا و لو بالقليل من الطب النفسي فإنه لسوف يُخدع بالتأكيد...فمثلا قد يأتي مريض بشكوى "القيء" و يستمر طبيب الباطنية فى علاجه طيلة سنين على أنه التهاب بالمرارة أو المعدة .. بينما هو "قـيء هستيري" نتيجة التعرض لصراعات نفسية طاحنة، أو تعبيرا من الشخص عن الرفض أو الهروب من موقف ما ... و هو ما قد يؤخر التشخيص
ويحرم المريض من فرصة الحصول على " شفاء مبكر" لاضطرابه النفسي .
أما "الرسالة الثالثة" فهى موجهة إلى زملائي فى تخصص الطب النفسي،حيث يجب عليهم التمهل و عدم التسرع فى التشخيص النفسي إلا بعد استبعاد المرض العضوي أو التسمم أولًا، و ذلك لأن هناك أعراضا تشبه تماما أعراض المرض النفسي، بينما الحقيقة ما هو إلا "مرض عضوي ذات أعراض نفسية " يحتاج إلى من يكتشفه لتحويله إلى المختصين ... ومثال ذلك الهلاوس و الهياج الحركى الناجمان عن حالة الغيبوبة الكبدية، أو أورام أو التهابات المخ ... و بالتالي تجنب التمادي فى علاج الحالة كحالة نفسية.
كما راعيتُ بعد كل قصة من قصص هذا الكتاب، وكل مشكلة من المشاكل أن أضع تفسيرا علميا و تشخيصا طبيا يتماشى مع الطب النفسي المعاصر و مدرسة التحليل النفسي، دون التطرق إلى علاج أو اسماء أدوية، تاركا ذلك لتقدير الطبيب النفسي الذي سيذهب إليه الشخص الطالب للعلاج.
و الخلاصة أن هذا الكتاب يرمي بكل ما فيه من قصص واقعية إلى معلومة أساسية واحدة ،آلا وهــى: أنه يجب علينا أولًا استبعاد المرض العضوى قبل التفكير فى المرض النفسي،و استبعاد المرض النفسي قبل التفكير فى السحر و العين، حتى نتجنب جميعا الوقوع فى الأخطاء.
و أخيرا ..فإن أنفع ما يترك المرء من إرثٍ "كتابٌ"...يرفعه في الدنيا و يوم يقوم الحساب...و إلى أن ألقاكم فى كتاب جديد...
المؤلف
تقديم
هذا الكتاب يناقش موضوعا من أهم الموضوعات التي تواجهنا في مجال الطب النفسي وفي الطب عامة وهو المغالاة في تقدير الأعراض غير الطبيعية التي قد تظهر على بعض الأفراد من اضطراب في السلوك أو التفكير أو المشاعر ويعزوه معظم الناس إلى السحر و اللبس و الحسد،و يترددون باستمرار على المشايخ أو الدجالين استغلالًا لأموالهم، و ما هى في الحقيقة إلا أمراض أو اضطرابات نفسية فيضيع على المريض فرصة العلاج في الجري وراء الاعتقادات الخاطئة و الإصرار عليها .
و هناك فئة من الشيوخ-وفقهم الله-عليهم أن يوجهوا هؤلاء الناس إلى الطريق الصحيح ألا وهو الاتجاه إلى الطب لعلاج هؤلاء المرضى.
و حسنا فعل المؤلف دكتور صبحى زردق -ووفقه الله-في عرض مجموعة من غرائب أعراض لحالات مرضية ووضعها بطريقة شيقة موضحًا أنها ليست بالسحر و لا اللبس و لا الحسد، كى يستطيع الناس _بمختلف فئاتهم _معرفة متى يذهبون إلى الطب؟ فجزاه الله خيرا .
في هذا الكتاب الجذاب يتناول الدكتور صبحى زردق بطريقة مبسطة تفسير الطبي لبعض الأعراض المرضية الغريبة و التي يستغربها الكثير من الناس و يحتارون في فهمها .
و يشير هذا الكتاب إلى أنه كيف أن العادات و المعتقدات الطبية الخاطئة لدى الأفراد والجماعات ممكن أن يؤدى الى تأخر بل وعدم علاج المريض باضطرابات نفسية؟و هو بذلك يقدم مواضيع واقعية من أجل تعديل تلك العادات و المعتقدات المضرة للأفراد و الجماعات .
فكلُنا مسلمون و نؤمن بالقرآن و نعرف السنة جيدا و نعرف أنه قد ذُكر في القرآن و السنه عن السحر و الحسد و الجن و لا يستطيع أحد إنكار ذلك،و لكن في الحقيقة أن الأطباء لا يعرفون حقيقة هذه الأشياء ولا يستطيعون التعامل معها و لا يفهمون طريقه عملها وإنما يتعاملون من ناحية طبية فقط وهي التي يفهمونها و يعرفونها، فإذا قال لك الطبيب أن هذه حالة طبية مرضية مثل ما شرح لنا المؤلف في هذا الكتاب فيجب سماع تعليمات الطبيب،لأنه إن لم يتم ذلك ستضيع فرصة العلاج للمريض.
وأوجه كلمة إلى المجتمع عامة : أنه يجب عند ظهور أعراض غريبة من سلوكيات أو أفكار أو مشاعر فعليكم بالاتجاه أولًا إلى الطب النفسي ثم بعد ذلك الاتجاه إلى أى معتقد لأى شخص.
و نحن لا ننكر أن هناك بعض الأعراض التي لا تستجيب إلى العلاج الطبي في جميع المجالات، وهنا لا نتهم الطب بالتقصير و لكن يجب المتابعة المستمرة لأن هناك أمراضا تحتاج إلى وقت لضبط جرعة العلاج، لأن متابعة الأمراض مهمة جدا وإتباع التعليمات الطبية لإكمال العلاج الذى قد تطول مدته أحيانا،والمشكلة في أهل المريض الذين يظنون أن علاج هذه الأعراض النفسية هو مثل نوبة المغص أو الإسهال أو دور حمى البرد .
و فضلا عن كون هذا الكتاب متعمقًا وعمليًا فهو يُبين أيضا كيفية التعامل مع هذه الأعراض المرضية , فهو كتاب ذكى لكل من يريد أن يفهم غرائب الأعراض النفسية من أفكار و سلوكيات و مشاعر . وبذلك يهدف هذا الكتاب إلى إحداث تغيرات إيجابية في حياتنا لنحيا حياة أفضل.
دكتور محمد فرفور
استشاري الطب النفسي