- 3 -
التقليد الأعمى هو النقل الحرفى لكثير من أفعال دول الغرب و محاولة
تطبيقها فى مجتمعاتنا الشرقية رغم تناقضها معها و مع ذلك
تنال أعجاب الكثير و يدعموها !
التقليد المبصر هو مصطلح ظهر حديثاً فى ( مدينتنا ) و يعزى الفضل فى ذلك للجزيرى نتيجة أستبداله للعنصر البشرى بنظيره الألى و تحقيق أنتاج مضاعف لما كان عليه الوضع سالفاً فى مصنعه ..
مما حفز بعضاً من رجال أعمال ( مدينتنا ) للفكرة وراقت لهم كثيرآ بعد ضمان نجاحها من مراقبة تجربة الجزيرى ..
واحداً من هؤلاء الرجال الذين راقت لهم تجربة الجزيرى يدعى منير المنفلوطى و يمتلك مصنع التونة الشهير بـ ( مدينتنا ) و قد أستخدم حيلة خفض مرتبات العمال للنصف بـ داعى خسارة المصنع و عدم توافر بعض الخامات الأساسية مما أجبر عدد كبير من عمال المصنع على تقديم أستقالاتهم و الرحيل للبحث عن لقمة عيش فى مصنع أخر أو شركة أخرى ..
أما القلائل المتبقين و لم يغادروا المصنع فقد تمكن المنفلوطى من أقناعهم أن وضع العمل أصبح من سئ لأسوأ لا سيما بعد رحيل كم هائل من العمال و مغادرتهم المصنع مما أدى لشلل كلى فى دورة العمل ..
المنفلوطى كان يقلد الجزيرى و لكنه يقلد و هو يحسب جيداً لخطواته المقبلة حالماً أن يضاعف أنتاجه فـ تتضاعف ثروته دون الأهتمام لمن سيدهسهم فى طريقه لهدفه ، هو يؤمن فى أعماقه أن العواطف فى البيزنس تقضى على صاحبها و تعرقل خطوات تقدمه !
و عليه قام المنفلوطى بالتواصل مع نفس الشركة اليابانية التى تعامل معها الجزيرى و تعاقد معهم منير المنفلوطى على توريد روبوتات و لكن هذه المرة كانت بقيمة أثنان مليون دولار !!
التقليد سواء كان أعمى أو مبصر يتحول فى معظم النهايات لوباء ..
فهو يمر بمراحل تطور الفيروس من :
ظهور فأنتقال فأنتشار ثم توغل و أكتساح ..
ظاهرة أستبدال العنصر البشرى بـ روبوت بدأت فى الظهور بفضل الجزيرى ثم تطورت لمرحلة الأنتقال و فعلها المنفلوطى ، و أما من يتناول منه الشعلة و تبدأ مرحلة الأنتشار و التوغل ، أو وأد الفتنة فى مهدها و
وقف الزحف الألى على ( مدينتنا) ..
************
محمود كان قابعاً فى غرقته يجلس على كرسيه الخشبى الهزاز يهتز معه و هو ينظر إلى لا شئ .. يسبح بخياله فى أحلامه التى رسمها و بدأ فى تلوينها بمثابة حصوله على أول دفعة محولة لحسابه من الإعلانات الممولة التى جرت كنهر على صفحته و أغدقته بالأموال .. الأن يجلس شارداً مفعماً بالبؤس و يتمنى لو لم يكن قد عرف مذاق تخمة النقود ، فالجوع بعد شبع مؤلم أكثر من الجوع ذاته !
كان موعد الغداء قد حان فى منزل طايع و هذا يعنى أن الحاجة زكية تقف وسط الأبخرة الخانقة فى المطبخ تعد الطعام فى حين أن الحاج طايع فى وضعه الجديد يجلس ساهماً فى غرفة نومه يفكر طويلاً فى ماذا بعد أنتهاء مكافأة نهاية الخدمة التى عوض بها المنفلوطى أخر مجموعة رحلت من العمال
بعد تصفية المصنع و كان طايع واحداً منهم ..
ألتهم التفكير عقله و كان متخبطاً ماذا سيفعل الفترة المقبلة ، دار حوار ذهنى بداخل رأسه عبارة عن سلسلة من التساؤلات .. هل يقدم على فرصة عمل فى مصنع أخر و لكنه لا يدرى إلى أى مدى سينتشر وباء الروبوتات فقد يكتسح كل المصانع .. هل يفكر فى تبنى مشروعاً صغيراً يدر عليه دخلاً مادياً يتيح له المعيشة لكن أين المبلغ المالى الذى سيبدأ به ؟؟
تآكل عقله من الفكر حتى جاء صوت الحاجة زكية من الصالة .. الغدا جاهز يــا حااااج فأفاقه الصوت من كآبته .. ثم تكرر صوت الحاجة زكية و لكن هذه المرة كانت تنادى على محمود .. الغدا يـا فـااااااشــل ..
و هنا أنتبهت أن الكلمة فى هذا الوضع الذى يملؤه التوتر قد يتم ترجمتها خطئاً من قبل زوجها طايع .. خرج محمود أولاً من غرفته و ألتقى بوالدته و أثار قلقها أكثر و قال لها :
أبقى حددى بعد كدة و أنتى بتقولى يا فاشل
لحسن تتفهمى غلط .. دى فيها طلاق دى ..
ردت زكية بعد أن مطت شفتها السفلى فى أسى :
على رأيك بدل عاطل واحد بقوا أتنين ..
هنا خرج عليهم الحاج طايع فـ سـاد الصمت فى الصالة و جلس ثلاثتهم على طاولة السفرة يتناولون وجبتهم فى صمت تام على عكس الوضع سابقاً عندما كان يتناقش طايع فى أمور العمل مع الحاجة زكية ..
كسرت الحاجة زكية الهدوء المريع الذى سيطر على المكان و قالت للحاج طايع : بقولك يا حاج .. المعلم أبو كرش هيفتح محل جديد و محتاج محاسب شاطر يمسك حسابات المحل .. أيه رأيـ ـ ـ
و قبل أن تكمل زكية الكلمة كان وجه طايع قد أحتقن غيظاً و هو ينظر إليها فى زجر ، فقامت زكية عن مقعدها و هى تحمد الله فى أيحاء منها أنها قد أنهت طعامها و سدت جوعها ..
*******************
فى ظل الظروف العصيبة التى يمر بها منزل طايع حيث وجود رب الأسرة فى المنزل دون عمل يتطرق الأمر إلى مشكلات مفتعلة وغير مفتعلة و جو محمل بالأضطرابات يسود المنزل ، و عليه أضطر محمود أن يفعل أشياء على دون رغبة منه لكنه يعتبرها الملاذ للفرار من المنزل و الذى تحول لثكنة عسكرية ..
محمود يمقت مجالسة أصدقائه على المقهى حيث سحب كثيفة من أدخنة الشيش و السجائر و ضوضاء لعب الطاولة و هبد الدومينو و ما شابه ، لكن أصبح هذا الوضع بالنسبة له أهون من تواجده فى المنزل ..
أجرى خالد أتصالاً هاتفياً بصديقه محمود و هما صديقان منذ سنوات طويلة من الطراز اللذان قد لا تجمعهما الظروف لشهور و لكن عند لقائهما يبدوان و كأنهما كانا بصحبة بعضهما بالأمس و هو ممن هاجر إلى ( مدينتنا ) كما فعل محمود .. هذا الطراز من الصداقة الأصيلة موجود و منتشر و يفرض وجوده ..
عبر خالد فى أتصاله الهاتفى بمحمود عن أنه يرغب فى مقابلته على المقهى و هو يعلم أن محمود سيتملص منه لذلك أخبره أن هناك أمر هام يتعلق بحياته يود أخباره به على سبيل الفضفضة ..
لم يضيع محمود هذه الفرصة حيث أصبح
ما كان يفر منه سابقاً هو فرصة يجب أن تقتنص حالياً !
أستجاب محمود لرغبة صديقه و ذهب للمقهى الذى ينتظره فيه خالد و بالفعل وجد خالد فى أنتظاره فهو من طراز نادر من الأصدقاء و الذى يلتزم بمواعيده ..
بعد العناق و القبلات جلس محمود بصحبة صديقه خالد و هو يسأله الأسئلة الروتينية عن أخباره و أحواله و أسرته فجاء رد غير روتينى من خالد و أخبر محمود أنه أنفصل عن زوجته و طلقها و ترك معها الأولاد .. هذه الكلمات صعقت محمود لأنه يعرف أن خالد أنضج صديق له و يمتاز بالحكمة و لديه قدر وافر من الدبلوماسية ، لكن برر له خالد أن ظروف المعيشة باتت صعبة و متطلبات و أحتياجات أسرته تتفاقم و لم تتحمل زوجته الوضع المادى و الذى أصبح غير ملائم للظروف المعيشية المستجدة فطلبت منه الطلاق و هو قد لبى ..
واساه محمود و أبدى حزنه على ما حدث له و أيقن محمود فى أعماقه أنه ليس الأسوأ حظاً فى هذا العالم .. سأل خالد صديقه عن أحواله و عن ( موطن الفاشلين ) الذى فشل ، أجابه محمود بحمده لله على كل حال و أخبره أنه لا يرغب التحدث فى هذا الأمر ، جبر خالد خاطره ببعض العبارات التى تقال فى مثل هذه المواقف مثل ربنا يعوضك و ربنا يوفقك و جمل من هذا القبيل .. ثم أستأذن خالد ليذهب للحمام كى يلبى نداء الطبيعة ، فى حين فتح محمود هاتفه و أستغل مجانية الواى فاى المتاحة بالمقهى و فتح الفيس الخاص به على سبيل التسلية إلى أن يعود صديقه ..
شرع محمود فى تفقد الفيس و أخذ يقلب فى بوستاته دون أكتراث إلى أن يعود خالد ، تارة يقرأ بوست لأحد الأصدقاء و تارة أخرى يفوت العشرات من البوستات حتى أستوقفه بوست ليس لأصدقاء الصفحة و لكن كان لـ ( وردة الجنة ) و كان محمود قد أصر على متابعة صفحتها عندما أكتشف عدم أمكانية أضافتها كصديق و قد أغلقت هذه الصلاحية عن عمد ، كان البوست حزين فكانت
( وردة الجنة التى ذبلت فى جحيم الحياة ) قد أدرجت على صفحتها بوست لأحياء الذكرى الخامسة لوفاة والدتها و كانت تدعى لها بالرحمة و تطلب من قارئى البوست فضلاً و ليس أمراً أن يدعون لوالدتها و أن يصبر الله قلبها المكلوم .. أدرك محمود أن هذه فرصة ثمينة و مدخلاً جيداً لتوطيد التعارف بينهما و عليه أرسل لها رسالة كتابية يعزيها فيها و يناوشها لجذب الكلمات منها فكتب لها بعد تقديم واجب العزاء و الدعاء :
يبدو أنك أكتسبتى هذا الأسم المستعار منذ خمس سنوات ..
فتم الرد برسالة كتابية : أنا بحب الذكاء مش الأستذكاء ..
عاد خالد و جلس على مقعده دون أن يشعر به محمود ، كان الأخير منهمكاً فى مناوشته مع وردة الجنة و مازال جهله بعالم وردة الجنة مستمراً إلى أن أنتزع منها أعترافاً أن حقاً لوفاة والدتها نصيب كبير من أتخاذ أسمها المستعار ..
طال الحوار بينهما حتى مل خالد من الجلوس بمفرده فصاح فى محمود و طلب منه ترك هاتفه فهذه المقابلة تتكرر بينهما على فترات متباعدة ، أعتذر له محمود و طلب منه أن يمهله دقائق فقد أقترب من معرفة أسم الفتاة , فتعجب خالد وسأله أى فتاة التى تتحدث معها و أنت عدو للجنس الناعم بجميع أعماره ؟!
لم ينتبه محمود أصلاً لتنمر خالد عليه و غرق فى المحادثة مرة أخرى و قد وصلت لذروتها عندما سأل الفتاة عن أسمها الحقيقى و قد أشارت له فى معمعة المحادثة أنها ستخبره به ، لقد أنسجم الحوار بينهما فكان محمود يجيد فن أدارة الحوار .. هو يحملق فى الشاشة لملاحظته أنها تكتب له بعد أعادة سؤاله لها عن أسمها .. كان ينتظر و كله لهفة لمعرفة أسم هذه الفتاة و التى تبدو له أنها مختلفة عن باقى جنسها .. توقفت عن الكتابة و ظهر الرد فجأة أمامه ..
أسمى جميلة .. جميلة الجزيرى ..
مازالت هذه الفتاة قادرة فى نهاية كل محادثة مع محمود على أن تتركه و هو يحدق لشاشة موبايله و عيناه مفتوحتان عن أخرهما ..
*********************
مضت شهور قليلة على خطوة الجزيرى الجريئة فى أستبدال العنصر البشرى بنظيره الألى .. شهوراً قليلة كانت كفيلة لأن تحول الفيروس لوباء .. لقد أكتسحت الروبوتات جميع مصانع و شركات الجانب الشرقى فى ( مدينتنا ) و تم تسريح العاملين بهذه الكيانات مما تسبب فى أحتقان الوضع فى الجانب الغربى و تحويله لكتلة غاضبة عاطلة ..
بات الوضع سيئاً للغاية بعد أن طبق رجال أعمال المدينة نظرية مضاعفة الأنتاج بأستخدام الروبوتات و فضلوا مصالحهم الشخصية على حساب العمال و الموظفين أصحاب البيوت ..
تحول الوضع فى الجانب الغربى لبركان خامد لكن بدأ يوحى ظاهره بما فى باطنه كان جوفه يفور بحمم الغضب التى تحفر لنفسها مخارج لتنطلق منها و تخرج عن سكونها ..
الصورة العامة للوضع فى الجانب الغربى بالأحرى فى هذه الفترة بعد أن بات الوضع الأقتصادى خيالياً و أصبحت الأسعار حرة طليقة لا يسيطر عليها أحد و تتنامى بتضخم مرضى ملحوظ ، أصبح الحال عبارة عن تزايد فى عدد حالات الطلاق .. بدء ظاهرة العنف التى تتطور للجريمة فى أحياناً كثيرة .. ظهر عم ضياء مرة أخرى الذى لا يكف عن الأعتراض و حث المتضررين الذين يقعون فى طريقه على المطالبة بتغيير الأوضاع .. ظهر العديد من الشخصيات أمثال عم ضياء و سلكوا نفس الأتجاه و أنشغلوا بالبحث عن المتضررين لحشدهم .. كان التجاوب معهم أيجابياً للغاية فكان مواطنين الجانب الغربى على أهبة الأستعداد النفسى للثورة ، فقط كانوا ينتظرون من يحركهم و يوجههم ..
أتفق عم ضياء و أمثاله من مجلس قيادة الثورة فى ( مدينتنا ) على حشد مواطنين الجانب الغربى فى ( ميدان العاصمة ) و هو أكبر ميدان فى الجانب الشرقى و يسع لأكثر من عشرة ألاف شخص ..
هكذا دغدغ مجلس قيادة ثورة ( مدينتنا ) الطبقة السطحية لبركان الغضب لدى المواطنين مما أدى لتهتك قشرة الصبر لديهم فأنطلقت حمم الغضب لتملأ الأجواء و تم بالفعل فى اليوم الذى تم تحديده من قبل ( مجلس قيادة ثورة المدينة ) الحشد و التجمهر للأعتصام فى ( ميدان العاصمة ) مما دق ناقوس الخطر و بشدة فى الجانب الشرقى فأدى ذلك لزلزلة أرض الأستقرار تحت أقدام رجال أعمال ( مدينتنا ) و بدأ مواطنين الجانب الشرقى يطالبون بحفظ الأمن و الأمان للجانب الشرقى و للمدينة بأكملها بعد أن أنتقل التوتر و القلق من الجانب الغربى للجانب الشرقى ليعم المدينة بأكملها و قد حذر العديد من مواطنيها العقلاء و أكدوا على ضرورة السيطرة على الوضع قبل أن تنتشر الفوضى فتطول كل مكان !!
*******************
تحركت قوات الشرطة من مركز شرطة ( مدينتنا ) و أتجهت إلى ( ميدان العاصمة ) بالجانب الشرقى فور وصول البلاغ الأول عن وجود أعتصام بالميدان الرئيسى للمدينة و قد تم أعلان المعتصمين عن أستمرار الأعتصام لأيام أو لأسابيع و ربما لشهور و هذا يتوقف على مدى الأستجابة لمطالبهم ..
بدا ذلك جلياً من اليفط التى يرفعها المعتصمين .. مئات البلاغات توالت تباعاً على مركز الشرطة مما دعا لطلب تعزيزات أمنية تحسباً لأي تطورات قد تطرأ ..
وصلت قوات الأمن للميدان و قد بدا المشهد مهيباً بالنسبة لهم لذلك تم الأتصال بالقيادات لتعجيل التعزيزات الأمنية ، كما حضر عدد لا بأس به من رتب أمنية لمحاولة أحتواء الوضع القائم .. تم مخاطبة ألاف المعتصمين مرات عديدة و لكنهم لم يستجيبوا لفض الأعتصام و عرضوا مطالبهم بكل سلمية و شرطهم الوحيد لفض الأعتصام هو تلبية مطالبهم و هو أيضاً مطلب وحيد وهو أيجاد مصدر رزق أخر بدلاً من الذى خسروه .. أمرتهم القوات الأمنية بالتفرق و سيتم بحث المشكلة مع المسؤلين و أيجاد حل فى أقرب فرصة لأن حلول مثل هذه النوعية من المشكلات يتطلب بالتأكيد لأكثر من يوم و أكدوا لهم أنهم لم و لن يوافقوا على أستمرار الأعتصام فى الشارع لأنه يهدد الأمن العام ..
لم يبالى المعتصمين بالكلام بل أكدوا أنهم لن يعودوا لمنازلهم إلا بعد الألتزام أمامهم بوعود حقيقية واقعية تضمن لهم توفير فرص عمل
تعينهم على المعيشة ..
لم يكن أمام القوات الأمنية خيارات ، فكان الأمر محسوماً لهم فالمعتصمين ليس لهم أى أغراض غير مقبولة كما أنهم سلميين و يحافظون على ذلك فلا خيار أمامهم أذن غير الأجتماع بكبار رجال أعمال المدينة المتسببين فيما وصل إليه الوضع الراهن لألزامهم بأيجاد حل يطفأ لهيب الغضب الذى أصاب المعتصمين ..
بالفعل بعد مرور ساعاتان تم عقد أجتماع عاجل بفيلا أحمد الماظة بحضور كلاً من رجل الأعمال الجزيرى و رجل الأعمال المنفلوطى و عدد لا بأس به من رجال أعمال المدينة المساهمين فى أضطراب الوضع الراهن , و حضر الأجتماع عدد من القيادات الأمنية العليا و التى دعت لهذا الأجتماع و قد لخصوا للحضور من رجال الأعمال الوضع الحالى و المستقبلى لأمن المدينة فلابد من إيجاد حلول جذرية و سريعة لمعاونة المتضررين بدلاً من تطور الأمور و اللجوء لتدخل مكاتب العمل من خارج المدينة و فرض عقوبات قد تغرمهم بتعويضات كبيرة مما يؤدى لعرقلة عجلة العمل بمصانعهم و شركاتهم ..
بعد شد و جذب بين الطرفين .. طرف رجال الأعمال و الطرف الآخر و هو القوات الأمنية و قد شاعت موجة غضب بين رجال الأعمال لما أعتبروه من تهديد صريح لهم و كادت أن تتدهور لغة الحوار و التفاهم بين الطرفين لكن كان فى كلاً من الطرفين رجلاً رشيداً أستطاع ان يتمسك بنقط التفاهم فى الحوار و وصلوا لضرورة إيجاد فرص عمل بديلة للمعتصمين و لكن طلب الرجل الرشيد فى رجال الأعمال و كان أحمد الماظة من الرجل الرشيد فى قوات الأمن أن يمنحوهم أسبوعاً على الأقل ليتمكنوا من حل هذه المشكلة ..
وافقت القوات الأمنية و لكنها أشترطت على بعض رجال الأعمال مرافقتهم لموقع الأعتصام للتأكيد على جدية حل المشكلة أمام المعتصمين و بالفعل كان الرجل الرشيد فى القوات الأمنية رشيداً و مقنعاً لثوار لقمة العيش حيث تعهد أمامهم أنه فى غضون أسبوع سيتوفر حل مرضى للجميع و عليه فيتوجب عليهم فض الأعتصام و أن يعودوا أدراجهم لمنازلهم و إن لم يحدث تغيير بعد أسبوع و هذا مستحيلاً .. فهم يعرفون طريق الميدان فلهم الحق للأعتصام وقتها و سيكون أعتصامهم تحت حماية القوات الأمنية !!
بعد الخطبة المعسولة من هذا القائد و بعد تأكيد رجال الأعمال الحاضرين على كلامه لم يكن أمام الثوار أى أختيار غير الإستجابة لمناشدة القائد الأمنى و بالفعل بدأت جموع المتضررين فى التفرق شيئاً فشيئاً حتى تلاشت تماماً فعادت للميدان رئته ليتنفس بحريته مرة أخرى ..
هم رجال الأعمال أيضاً بالرحيل و كذلك قوات الأمن ، فعزم أحمد الماظة على الجزيرى بتناول فنجان قهوة بمكتبه الخاص فى فيلته بأرض الرخاء فرحب الجزيرى بذلك و أستقل الماظة سيارته برفقة الجزيرى و توجها إلى أرض الرخاء مع سماع أغنية لكوكب الشرق و كلاً منهما يحمل سيجار سميك بين أصبعيه فى أنسجام مع الجو العام حتى تفاجأ الماظة بظهور مفاجئ لسيارة حاولت تفادى التصادم معه و توقفت على فاصل سم واحد تقريباً مع سيارته ، نزل من السيارة المتهورة شاب قد ضربه مخدر الحشيش بقوة و يؤكد هذا سيجارة الحشيش التى نزل بها و نزلت من سيارة الشاب فتاة شبه عارية تترنح أثر سيجارة حشيش أيضاً كانت تسحب منها ثم تنفث سحب كثيفة من الدخان ، كان الشاب يقف فى حالة عدم أتزان و يوجه إتهامات بصورة غير لائقة لألماظة حتى نزل ألماظة من سيارته ليتحقق من الشاب المسطول لكن الجزيرى داخل السيارة كان قد تحقق بالفعل من هذا الشاب أنه .. نهاوند ..
نزل الجزيرى من السيارة و عيناه ثاقبتان لا يرفعهما عن نهاوند
حتى تلاقت نظراتهما ، هنا تحقق الماظة أنه نهاوند الجزيرى ..
الماظة بالطبع يعلم أن فيلا نهاوند تقع فى نفس محيط فيلته و الطريق المؤدى لكلا الفيلتين واحد لكنه لم يكن يعلم أنه سيقابله بهذه الطريقة و فى هذا التوقيت ..
نظرات الجزيرى لنهاوند كانت ثاقبة و مؤثرة بقوة سكب جردل من الماء المثلج على رأس نهاوند الذى أبتلع لسانه و تمنى
لو أنشقت الأرض من تحته و أبتلعته فى هذه اللحظة ..
أشاح الجزيرى بوجهه بما يعنى أنه ليس هناك فائدة ، ثم أدار ظهره لنهاوند و عاد للسيارة و هو يقول لألماظة :
يلا نمشى من هنا ..
*****************
كانت لأجابة فتاة ( وردة الجنة ) على سؤال محمود عن أسمها
واقع السحر عليه .. هو لم يتوقع أطلاقا أن ( موطن الفاشلين ) المنهار كان يخبئ بين مواطنيه شخصيات بارزة أمثال أبنة الجزيرى أنجح رجال أعمال ( مدينتنا ) .. راودته الأسئلة و سيطرت عليه الحيرة و سأل نفسه كيف لهذه البرنسيسة أن تطأ قدميها أرض الفقراء و البائسين الفاشلين
و تتعامل على أنها واحدة منهم ؟؟
هل جميلة تعمل صحفية أم أنه فضول منها أو قد يكون بدافع التسلية أم أن هناك أغراض أخرى لم تفصح عنها بعد ؟؟
كان يسأل دون أن يتلقى أي أجابة و مع ذلك أستمر هذا التحقيق الذاتى لكنه أنتبه و أجاب على واحد من عشرات الأسئلة التى وجهها لنفسه و أخبر نفسه أنها كانت تشارك ببوستات عديدة و كانت البوستات يشوبها الحزن و يتخللها بصيصاً من الأمل ، فعاد يحلل الموقف و لكن بأسئلة جديدة فيسأل ذاته كيف لهذه الفتاة و العالم بين يديها أن تكون حزينة بائسة
و تشعر بالأمان فى ( موطن الفاشلين ) !!
هى غامضة و كان لغموضها الفضل فى خلق كيمياء من المشاعر و الأحاسيس بداخله تجاهها و تتطور طرديا مع كل محادثة معها ، لكن الأن بعد معرفة أنها من الجانب الشرقى و بالأحرى أبنة رجل الأعمال الناجح الجزيرى ، فلابد من ترجيح كفة المنطق على كفة الكيمياء التى تكونت بداخله حتى
لا يرسب فى هذا الأختبار .. أختبار جميلة الجزيرى ..
بعد هذا التحقيق المجهد الذى قام به محمود مع ذاته قرر أستدعاء الطرف الأخر لسماع أقواله ليهتدى لحقيقة الأمر فى قضيته الخاصة .. بالفعل فتح محمود الماسنجر و دخل مباشرة على المحادثة الخاصة بجميلة و لحسن الحظ كانت النقطة الخضراء بجانب أسمها مضيئة مما حمسه على فتح المحادثة و محاورتها و مازالت الأسئلة طازجة برأسه ..
ألقى السلام أولاً فـ ردت جميلة السلام ثم أرسلت له أيموشن ضحك فأرسل إليها أيموشن تعجب فأجابته بسؤال و كتبت له :
أين ذهبت بعد معرفة أسمى ؟ أنا ظننت أنك قرأتها لوسيفر و ليس جميلة .. و كان هذا سبب فزعك !
فأجابها : كيف ملاك مثلك يقارن ب شيطان .. و بدأ تجاذب أطراف الحديث حتى وصل محمود لنقطة مناسبة لأنطلاق أسئلته و عند هذه اللحظة أنهال محمود على جميلة بحيرته و تخبطه و كان ينتظر الهداية فى أجاباتها ليهدى ضالته ..
أخبرته جميلة أن ليس للثروة و لا للجاه مذاق بعد فقدان والدتها لا سيما فى حالتها و قد كانت والدتها هى الدنيا و ما فيها .. كانت فى ناظريها الثروة و القوة و الحنان و الأمان .. كانت الصديقة و الأم و الأخت و السند كانت مرتبطة بها أرتباط مرضى , لذلك لم تتحمل مغادرتها للحياة و لم تقوى على مفارقتها .. كان لخبر الوفاة أثر قوى عليها أدى وقتها لأرتفاع ضغط الدم مما زاد من التأثير و الضغط على الأوعية الدموية فوصل الأمر إلى تمزق الأوعية الدموية مما أدى لأصابتها بالشلل و أخبرته أنها أصبحت بعدما فقدت والدتها
جليسة كرسى متحرك !
مازالت جميلة قادرة على جعل محمود فى نهاية كل محادثة معها أن يحدق لشاشة موبايله و عيناه مفتوحتان عن أخرهما !!!
*******************