أكوان للنشر والترجمة والتوزيع

شارك على مواقع التواصل

يبدو أن ما كان يشغل حيزًا في ذهني لم يكن كبيرًا بالقدر الكافي؛ لذلك شغله القدر بالأحداث الكثيرة والتي رواها شهود عليها في الأربع غرف السابقة والتي دخلتها في غفلة من حراس القلعة الأشداء، أو قل تسللت إليها في غفلة من الزمن!
قبل أن أدخل هذه القلعة المخيفة وأعيش مع أبطال كل غرفة فيها تفاصيل ما حدث لهم، لم يكن يشغل ذهني سوى البحث عن محبوبتي والتي اختفت في ظروف أقل ما يمكن وصفها به هو شديدة الغموض، وهذا الأمر لم يكن باليسر الذي أتحدث عنه، فحتى أبسط الأدلة التي من الممكن أن أسير خلفها لكي أصل إلى مكانها تبخرت في الهواء فلم يبقَ سوى عنقود معلق على غصن شجرة.
وحتى الآن لا أعرف على وجه اليقين إن كانت تركته عن عمد لكي أسير في طريق معين لأصل إليها، أم أن أحدًا ما اختطفها، وبينما هو يحاول حملها اشتبك العنقود في أحد أغصان الأشجار بطريق المصادفة، وسواء هذا أو ذاك فقد قادتني قدماي لكوخ الرجل العجوز وهو الذي أشار عليّ بالبحث عنها في هذه القلعة .
الشيء الملفت للنظر أنني لم أجد لها أي أثر في أي غرفة من الغرف الثلاث الأولى والتي دخلتها، ولكن في هذه الغرفة والتي يقبع فيها الأمير "جلاء" كان موعدي مع هذا الخاتم، ولا أعرف من الذي أتي به إلى هنا!
هل أحد حراس القلعة الأشداء والذين أسمع كل حين وقع أقدامهم وهم يروحون ويجيئون وجده مصادفة في البراري في المكان الذي اختفت فيه محبوبتي، وعندما دخل هذه الغرفة سقط منه سهوًا، أم أن أحد هؤلاء الحراس يعرف على وجه اليقين أين تكون محبوبتي.
وهل سبّب لها أحد من هؤلاء الحراس أي أذى ثم نزع الخاتم من أصبعها عنوة؟ أم سقط منها سهوًا؟ أم هل ......؟ أم ..... ماذا؟ وما هو مصيرها الآن؟
هذه الأسئلة وغيرها الكثير والكثير تكاد تشل تفكيري .....
حتى الأمير الصغير "جلاء" لم يستطع أن يقدم لي يد المساعدة، ولو حتى بمعلومة صحيحة، سوى قوله إنه لم يدخل إحدى هذه الغرفة سوى أولئك الحراس الأشداء ليقدموا له كسرات الخبز فقط!
هزتني كثيرا رواية الأمير الصغير "جلاء"، لا شك أنه واجه الكثير من الصعاب، أو لنقل الكثير من الصدمات، لا أستطيع أن أنسى تلك العبرات وهي تهوي على وجنتيه وهو يحدثني عن الخونة وهم يقتادون أباه الملك "أبو الجلاء" إلى زنزانة خاوية، ولا وهو يصف لي اللحظات الأخيرة في حياة حارس أبيه بعدما تلقى سهمًا مسمومًا رشقه أحد الخونة أراد قتله هو.
سمعت أربع روايات من أبطالها ومن شهود على أحداث جسام، يبدو وأن كل من في هذه القلعة يعاني بمن فيهم أنا، فالكل يبحث عن شيء ......
عندما انتهى الأمير الصغير من سرد روايته لم يكن أمامي سوى أن أسأله وللمرة الأخيرة عن حبيبتي، أن أبحث عن مخرج من هذه الغرفة حتى أستأنف البحث عنها، ولكن ما جعلني أتوقف عن الكلام هو ذلك الصوت الذي سمعته من أعلى، فرقعة سوط ثم صرخة هي في الغالب لشخص ما تلقى ضربة السوط ثم أنين مكتوم ثم صوت خطوات آتية من أعلى، ثم تهديد ووعيد بالتنكيل، ثم سؤال آخر بإلحاح على شاكلة:
ـ من كان معك في هذه الغرفة؟ وأين هو؟ ومن قتل الحارس؟
لم أسمع أي إجابة عن هذه الأسئلة والتي كان يوجهها أحدهم، وهو في الغالب كبير الحراس للأمير "أصلان"، فقط صوت فرقة السوط ثم أنين مكتوم!
لم يكن دخولي هذه القلعة مُعدًّا بشكل مُسبق، بل عفويًّا، والرغبة الجامحة والتي دفعتني للدخول كانت البحث عن محبوبتي، تلك الجميلة والتي اختفت في لمح البصر وليس النيل من أحد فيها.
الحراس بلا شك شعروا بأن أحدًا ما دخل القلعة خُفية، ويبذلون محاولات جادة للعثور عليه وبالتأكيد سوف ينكلون به إن استطاعوا إلقاء القبض عليه، عليَّ إذن أن أواصل الهرب منهم وفي نفس الوقت أبحث هنا وهناك عنها.
ولكن ماذا إن عثروا عليَّ قبل أن أصل إلى مكانها؟ بالتأكيد سينهار كل شيء، وقد تكون نهايتي على أيديهم أسرع مما أتخيل، هم يعلمون جيدا أن هناك غريبًا في القلعة، ويتعقبون أثره، والدليل على هذا أنهم وصلوا إلى غرفة الأميرة "علياء" وطرقوا باب غرفتها، ولكنها استطاعت في اللحظات الأخيرة أن تدلني على مكان الخروج.
كنت أظن أنهم سيكتفون بالبحث في غرفتها وعندما لن يجدوني، سوف يتوقف البحث عني أو على الأقل حتى ألتقط أنفاسي، ولكنهم واصلوا البحث بدأب حتى وصلوا لغرفة الأميرة الموءودة "حسناء" ولكن كعادته معنا كان الباري رحيمًا فساعدني على الخروج من غرفتها قبل أن يلقوا القبض ثانية عليَّ.
الأمر الغريب أنني لم أكن أبغي من دخولي في هذه القلعة الأشداء حراسها سوى البحث عن محبوبتي الجميلة والتي اختفت في لمح البصر، فلم أتسلل إليها لكي أنال من أحد فيها .....
كيف الخروج إذن من هذه الغرفة؟
لقد سقطت من أعلى بعد أن حاولت النزول عن طريق أغصان اللبلاب والتي كانت متشبثة بالجدار، ولكنها سقطت بي ولم تتحمل ثقل جسمي.
لابد أن أبحث عن مكان للخروج من هذه الغرفة، ماذا لو جاء الحراس إلى هنا لأي سبب، كأن يفتحوا الباب الحديدي ليضعوا كسرات الخبز للأمير الصغير "جلاء"، ورغم أنه توجد فتحة أسفل الباب الحديدي لإدخال أوانٍ صغيرة إلا أنني لابد أن أفكر في كيفية الخروج ليس لمجرد الهروب من الغرفة فقط، بل لمواصلة البحث عن محبوبتي. بالتأكيد يوجد مكان للخروج، ولكن ما هذا الصوت؟ إنه صوت احتكاك شيء ما بالجدار الذي على يميني، بسرعة وضعت إصبعي على فم الأمير الصغير لأمنعه من استكمال الكلام وقلت له:
ـ يبدو أن هناك أحدًا ما وراء هذا الجدار.
رد بصوت خافت أقرب للهمس وهو يضع يده على وجنته:
ـ سمعناه قبلًا سيدي، ولكن لم يكن بهذه القوة.
قمت من مكاني ومشيت على أطراف أصابعي ومن ورائي يسير بخطى حثيثة الأمير الصغير وهو يكفكف دموعه بأنامله الصغيرة.
أشرت إليه دون أن تنبس شفتاي بكلمة أن يضع أذنه على الجدار ليؤكد لي أن ما سمعته ليس من وحي خيالي، بل هو حقيقة، وبعد أن وضع أذنه على الجدار أشار لي أن أنحني، وما إن فعلت قال:
ـ أنْصت مرة أخري سيدي، هناك حديث خلف الجدار، ولكن لا أدري إن كان الحراس يتحدثون مع بعضهم البعض أم ماذا؟ ثم أشار لي بإصبعه لأضع أذني ثانية على الجدار كي أتيقن مما قال!
في اللحظة التي وضعت فيها أذني ثانية على الجدار خفق قلبي بشدة بسبب ما سمعته ....
لقد سمعت جزءًا من حوار يدور بين رجلين:
- نحن على قتله قادران.
- لو نجا سيشي بنا للملك "سلمان".
- أسرع بتحريك الحجر يا "سفيان".
- أنا أبذل أقصى جهدي يا "بطران".
- أوَ تدري ما اسمه بين الغلمان؟
- قلت لك يدعى "عدنان".
كانت هذه الكلمات القليلة كفيلة بأن تؤكد لي أن هناك شيئًا ما مريعًا سوف يحدث من خلف هذا الجدار ....
أمسكت بيد الأمير الصغير "جلاء" وجذبته برفق بعيدًا عن الجدار وسألته:
ـ هل سمعت ما قيل سمو الأمير؟
ـ نعم سيدي، هناك شيء يُدبر على الجانب الآخر، ولكن من هؤلاء الرجال؟ هل هم من حراس القلعة الأشداء يسعون للتخلص منه؟
ـ ولكن لِم سمو الأمير؟
ـ ربما يشكون في أنه قتل زميلهم الذي وجدوه مضرجًا في دمائه بعد أن تلقى ضربة قوية بمطرقة على رأسه؟
ـ لا أعرف، ولكن علينا تنبيه من يُدعى "عدنان" هذا إلى أن هناك من سيحاول إيذاءه وعليه أن يأخذ حذره، ولكن أريد أولا أن تدلني على طريق الخروج من هذه الغرفة.
ـ سيدي، سمعت حوارًا دار من قبل بين أحد الحراس وزميله، وفهمت منه أن هناك مكانًا في هذه الغرفة يمكن الخروج منه، بحثت كثيرًا ولكني لم أجده. الغرفة خالية إلا من الشرفة والباب الذي يدخل منه الحراس، وكما ترى موصد ولا يُفتح إلا من الخارج، والشرفة كما ترى مرتفعة للغاية عن الأرض ولن تستطيع الوصول إليها إلا إن وقفت علي شيء كصندوق مثلًا أو مقعد، ولكن كما ترى لا يوجد غيري فيها.
ـ أتعني أنهم كانوا يقصدون بحديثهم هذا أنه يوجد مكان آخر داخل الغرفة يمكن الخروج منه؟
ـ هذا هو ما فهمته سيدي.
ـ لابد إذن أن يكون في الجدار، بالتأكيد في الجدار الذي يفصل بيننا وبين الذين سمعت حديثهم منذ قليل .....
أمسك الأمير الصغير "جلاء" بيدي وجذبني برفق ناحية الجدار وقال هامسًا:
ـ لقد لفت انتباهي سيدي أنه يوجد في أسفل الجدار حجر يختلف عن كافة الأحجار الأخرى، ففي منتصفه يوجد سياج من الحديد على شكل هلال، نصفه داخل الحجر والنصف الآخر بارز عنه.
ـ وأين هو سمو الأمير؟
أخذ الأمير يتحسس الجدار بيده ثم توقف وقال:
ـ ها هو سيدي ....
تحسست بيدي الجدار مرة أخرى، المدهش أنني لم أجد شيئًا غير عادي فيما استطاعت يدي الوصول إليه من علو وارتفاع، انحنيت بسرعة وبدأت في جذب السياج الحديدي ناحية منتصف الغرفة، ولكن باءت محاولتي بالفشل الذريع، أرجعت هذا بعد فترة من السكون إلى أنني لم أكن في وضع يسمح لي باستخدام القوة البدنية والعقل في آن.
جلست على الأرض ثم وضعت باطن قدمي على الحجر الآخر يمينًا وباطن قدمي الثانية على الحجر الآخر يسارًا، ثم أمسكت بقبضتي كلتا يدي السياج الحديدي الموجود في منتصف الحجر المراد جذبه للداخل ودفعت بكلتا قدميَّ الحائط، ولكن باءت محاولتي الثانية بالفشل أيضا!
الشيء الغريب أنه على الرغم من فشلي للمرة الثانية على التوالي كان لديّ إحساس دفين أنه مع جذب ذلك السياج للداخل سوف يحدث شيء ما، زادني هذا الإحساس مثابرة وقوة على إعادة المحاولة مرة أخرى.
في هذه المرة أعملت التفكير والعقل أكثر من استخدام القوة فقط، فبدأت في جذب السياج الحديدي مرة ناحية اليمين ومرة ناحية الشمال برفق .....
كانت المفاجأة مذهلة وجعلتني أضع يدي على فمي خوفًا من أن يصدر مني صوت الإحساس بالفرحة، فلم تكن الفرحة عادية ولا دهشة بالمعنى الدارج، بل كانت فرحة عارمة لأسباب كُثر ...
إحساسي بأنني سأنجو من خطر مطاردة حراس القلعة الأشداء، الذين ربما يدخلون غرفة الأمير "جلاء" في أي لحظة، وإحساسي بأنني سوف أساهم في إنقاذ الغلام الذي يُدعى "عدنان" وإحساسي بأنني من خلال الخروج من هذه الغرفة سوف أتمكن من مواصلة البحث عن محبوبتي!
كان إحساس السعادة مركبًا، فعلًا صدق من قال: دوام الحال من المحال.
فمنذ قليل كانت الدنيا شديدة الظلمة في عيني، وشعرت بأنني قاب قوسين أو أدنى من الوقوع فريسة في قبضة حراس القلعة الذين لا يكلون من البحث عني، وكأنهم على ثقة في أنهم سيجدونني مختبئًا في إحدى غرف هذه القلعة.
مازال الشك يساورني في أن الحجر تحرك بالفعل من مكانه ولو قليلًا؛ لذلك تحسست بأناملي أطرافه لأتيقن من بروزه من موضعه، بالفعل كان هناك بروز صغير للحجر وهذا ما شجعني على أن أكرر المحاولة بإصرار.
عدت إلى مكاني وجلست على الأرض وبدأت أحرك السياج الحديدي مرة ناحية الشمال ثم أعيده سيرته الأولى ثم أحركه ناحية اليمين، بعد عدة محاولات ناجحة رأيت كومة صغيرة للغاية من الرمال أسفل جانبي الحجر، فأيقنت أن محاولاتي باتت ناجحة، لذلك اندفعت بكل قواي أحاول إنجاز هذه المهمة، لقد زادني خروج الحجر من مكانه ولو قليلًا حماسة....
كان العرق يتصبب من جبهتي بغزارة شديدة، ليس بسبب المجهود المضني الذي أبذله فقط، بل بسبب ما قاله الأمير الصغير "جلاء" بعد ذلك.....
بينما أنا منهمك بشدة في جذب ذلك الحجر تارة ناحية اليمين وتارة أخرى ناحية الشمال لخلخلته من موضعه، استعدادًا لاقتناص الفرصة وجذبه دفعة واحدة داخل الغرفة، أحسست بأنامل على كتفي.
كان استغراقي فيما أفعله، وإحساسي بتلاشي فرص النجاة من المصاب الذي أوقعت نفسي فيه بدخولي القلعة في غفلة من حراسها الأشداء، أو بالأحرى ما أوقعتني فيه محبوبتي شديدًا للغاية، إلى الدرجة التي انزعجت بشدة والتفت بسرعة وجسدي يرتجف في اللحظة التي لامست أنامله كتفي....
انحني الأمير الصغير قليلًا على أذني وقال هامسًا:
ـ حان موعد العشاء سيدي، قد يدخل الحراس الغرفة في أي لحظة!
تركت ما في يدي واعتدلت في جلوسي في مواجهة الأمير الصغير وسألته:
ـ هل هم دائمًا ما يدخلون الغرفة سمو الأمير؟
ـ لا سيدي، هم يفتحون الجزء الصغير أسفل الباب الحديدي، ثم يدفعون إناءً به القليل من الطعام وكسرة خبز.
ـ إذن لماذا تشك في أنهم سوف يدخلون هذه المرة إلى الغرفة؟
ـ سيدي، لقد سمعت حركة منذ قليل آتية من أعلى الشرفة، وحينما اقتربت منها لأتأكد مما سمعته، كان يدور حوار بين رجلين غير ما سمعنا عن المؤامرة التي تُحاك على الجانب الآخر من الجدار ضد من يسمي بالغلام "عدنان".
ـ ولكني لم أسمع شيئًا!
ـ لقد كنت منهمكًا بشدة في تحريك ذلك الحجر، حتى لقد تصبب العرق بغزارة من جبهتك.
ـ وهل قالوا إنهم سيدخلون الغرفة؟
ـ لا سيدي، أحدهم ويبدو وأنه محقق كان يقول للحارس الموكلة إليه مهمة البحث عن قاتل زميله:
ـ يبدو أن هروب القاتل كان عن طريق هذه الشرفة.
ـ ولكن سيدي المحقق لا مجال لهروب أحد من الشرفة لأنه سوف يسقط من ارتفاع كبير، ولن تطول فترة بقائه على قيد الحياة إلا لحظات!
ـ أتعني ما تقول؟
ـ نعم سيدي.
ـ إذن أين شجرة اللبلاب والتي كانت أغصانها تلتصق بحافة الشرفة؟
صمت الحارس لحظات وخُيل إلىّ أنه كان ينظر من الشرفة باحثًا عنها، أو أنه يفكر في إجابة منطقية يرد بها على سؤال المُحقق حتى وإن كانت بغير وجه حق، ثم قال:
ـ سيدي سنهبط لأسفل لكي نرى المكان على الطبيعة.
لم تزد فترة الصمت على لحظات، لو كانت زادت على ذلك لأيقن المحقق أن ملاحظته في محلها وأن قاتل الحارس هبط من الشرفة متخذًا من أغصان اللبلاب وسيلة للهروب بسلام، وإن دافع عن وجهة نظره في أن أحدًا لن يستطيع النزول من الشرفة، سيبدو في نظر المحقق مقصرًا في عمله، لذلك كانت إجابته برؤية المكان على الطبيعة مقنعة للمحقق.
ولكن هذه الإجابة عن سؤال المحقق ضاعفت كثيرًا من الضغوط التي أتعرض لها في هذه اللحظة، فقد كان دافع الهروب من هذه القلعة مُلحًا عليّ بشدة وأُضيف له تحذير الغلام "عدنان" مما يُحاك ضده في الخفاء، والبحث عن حبيبتي كان دافعًا ثالثًا، ثم جاء الدافع الرابع ليشكل أحد الضغوط التي جعلت اليأس يتسرب إلى نفسي بسبب ضيق الفترة الزمنية التي عليّ إنجاز مهمة جذب هذا الحجر اللعين من مكانه فيها.
هذه هي المرة الثانية والتي أشعر فيها بأن الخطر على حياتي بات مُحدقًا، فالحراس لن يستغرقوا فترة طويلة في النزول إلى الغرفة.....
ليت الحارس جادل المحقق في ملاحظته الأخيرة بشأن هروب القاتل من الشرفة، لكان استهلك الكثير من الوقت ولأتاح ليَّ الفرصة لأتم ما بدأته، الفيصل الآن سيكون جثة من قفز من الشرفة لأنه كما يقول الحارس ميت لا محالة من يقفز من هذا الارتفاع.
أصابع الاتهام كلها تشير لي، هناك من يحاول إلصاق تهمة قتل الحارس بي للإفلات من العقاب، ربما يكون المحقق وربما يكون الحارس أو أحد زملائه.
لا مفر من إنجاز المطلوب وبسرعة، لابد أن أكرس مجهودي كله لإخراج ذلك الحجر من مكمنه!
استدرت ثانية بعد أن ربتُّ على كتف الأمير الصغير بحنو امتنانًا له على تنبيهي للخطر القادم تجاهي، فلن يمر وقت طويل حتى أسمع صوت أقدام تقترب من باب هذه الغرفة، إما للدخول والبحث عن قاتل الحارس، وإما بفتح الكوة أسفل الباب الحديدي لوضع الغذاء للأمير الصغير "جلاء"، عليّ إذن أن أنجز العمل بسرعة.
كان حافز النجاة بنفسي دافعًا قويًّا لي يضاف لدافع البحث عن محبوبتي، ربما يبدو للبعض دافعًا أكثر قوة، ولكن لا..... عليّ النجاة بحياتي أولا كي أستأنف البحث عنها بعد ذلك، ربما يلومني البعض على صراحتي المتناهية، ولكن هذه هي الحقيقة مهما حاولت أن أجملها فلو وقعت أنا في قبضة الحراس، بالتأكيد ستكون هذه هي نهايتنا معًا، أنا.... ومحبوبتي وبالطبع هذا ما لا نتمناه.
عدت للعمل المضني والشاق بهمة ونشاط عجيب، لم يكن حجم الحجر كبيرًا بحيث أن ثقله يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة لي، المشكلة تكمن في إخراجه من موضعه.
على الفور أمسكت بكلتا يديَّ بالسيخ الحديدي وبدأت في تحريك الحجر مرة ناحية اليمين ومرة أخرى ناحية الشمال مع جذبه رويدًا رويدًا إلى الداخل.
بمرور الوقت بدأ الحجر في الاستجابة، وبدأ بروزه عن الأحجار الأخرى يتضح شيئًا فشيئًا ويزداد الفارق بين الأحجار الأخرى، حتى أصبح منتصف الحجر بارزًا عن الحائط والنصف الآخر مكمورًا بداخل الجدار، حتى لم تتبقَ إلا دفعة خفيفة من الجهة المقابلة وينتهي كل شيء! ولكن كيف؟
إن ما أفعله الآن ليس هدفه سوى الوصول إلى الجهة المقابلة والتي سمعنا فيها أحد الرجلين يقوم فيها بتحريض الآخر على قتل الغلام المسكين والذي يدعى "عدنان".
الغريب في الأمر أن أحدًا من الجهة المقابلة لم يشعر بما أفعله ولا بالحجر الذي يتحرك من مكانه ويكاد يخرج من الجدار، فلو شعر أحد ما بذلك فعلى الأقل سوف يطرق بقبضة يده على الجدار لكي ينبهنا إلى أنه يدرك ما يدور في الجوار.
عدت ثالثة إلى ما كنت أفعله، ولكن يدفعني شعور آخر يضاف إلى الشعور بالخوف والرغبة الغريزية في النجاة، وهو الشعور بالإقدام على المجهول.
كان من الممكن أن تدفعني هذه الأحاسيس إلى الانهيار والاستسلام بدلا من أن تمدني بالقوة لإنجاز المهمة كي أنجو بنفسي عبر الفتحة التي سيخلفها خروج الحجر، ولكن دفعني صوت آتٍ من أعلى موجهًا للحارس الذي ربما كان قد بدأ النزول عبر درجات السلم إلى حجرة الأمير الصغير "جلاء" إلى تجنيب التفكير في هذه المشاعر.
ـ يا حارس المكان....... يا حارس المكان........
مضت لحظات ولحظات......
ـ نعم سيدي.
ـ هل رأيت هذا الذي على حافة الشرفة؟
لم تكن تعنيني من قريب أو بعيد ملاحظة المحقق للحارس، بل ما كان يعنيني بشدة هو أن الفترة الزمنية التي كانت ستتاح لي قد تضاعفت بسبب عودة الحارس للمحقق للاستماع
لملاحظته، لذلك انكببت على العمل مرة أخرى، وقد أضافت عودة الحارس للمحقق إحساسًا بتجدد الأمل في إنجاز المهمة قبل انتهاء الحارس من استيعاب ملاحظة المحقق ونزوله إلى غرفة الأمير "جلاء".

*****
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.