tafrabooks

شارك على مواقع التواصل

إلى عشاق العدل والوطنية، ومحبي الإنصاف والمساواة، إلى الباكين على مصائب الأمم، وكارثات الشعوب، أزُف روايتي الأولى التي تبحث في أحوال بولاندا في القرن السابع عشر، وكيف قام أبراشياؤها بها فدافع وانتصر، بل كيف يكون الاتحاد ومبلغه، والتآزر وقوته.
ومن ثم؛ كيف قُسمت تلك المملكة المسكينة بين روسيا وألمانيا والنمسا؟ وكيف يتعدى الإنسان على أخيه الإنسان فيسلبه أغلى شيء لديه وهو حريته؟!
تلك روايتي، أول ما أخرجته فكرتي، تركتها بلا تهذيب لتكون تذكارًا لي من أيام صغري إذا ما بلغت يومًا ما مبلغ الرجال، وهو جل ما أريده وتتمناه نفسي.
فعذرًا أيها القوم الكرام إن مرت عليكم بعض الغلطات، والعذر عند كرام الناس مقبول.
المؤلف


إهداء الرواية

إلى روح مؤلف حماة الإسلام، وأحلام الأحلام، أهدي روايتي وأول ما أخرجته فكرتي.
إلى تلك الروح التي اختفت خلف ستار الأبدية أقدمها — فإذا ما نظرت إليَّ فهذه أفكاري دليلي على نفسي، وأنا ما تعودت إلا أن أكتب ما أعتقد.
المؤلف


مصطفى نجيب بك (الكاتب المشهور)

تبدو عليك مخايل العظماء
وتلوح فوقك صورة الحكماء
لله درُّك والهدى بك مغرم
كيف اصطبرت على هوى وعناء
أحمد زكي أبو شادي


شيء عن المُهدَى إليه١

لا أصعب وأقسى على نفس الأديب من أن ينعَى إليه إمام من أئمة العلم وأستاذ من أساتذة الإنشاء واللغة، سيما إذا كان المنعي ممن نصبوا فكرهم على إيضاح الحقيقة وتجليتها في أجلى المظاهر، واقفًا قلبه على البحث واستقراء مصادر العلل الاجتماعية ومداواتها بأنجع الوسائل، ومعدًّا ما هو معد من الخير الجزيل والنصح الغالي لأمته في طيات أسفاره التي ينتظر من المستقبل أن يعاونه في إخراجها إلى أيدي المطالعين فتنشب فيه المنية أظفارها، وتغدو صروح آماله كأنها بُنيت على شفير هارٍ.
هكذا كان شأن فقيد النثر والنظم المغفور له مصطفى نجيب بك فلقد ألَّف ثمانية مؤلفات نفيسة، وأخذ يشتغل في تأليف غيرها، وكان عاقدًا نيته على أن يتولى طبعها بعد انقضاء سنتين من ذلك الحين، ولكن حلَّ به القدر المحتوم؛ فترك تلك الآثار يعبث بها الدهر بعد أن كان يضن بها، وقد بيع بعد وفاته كل ما كان في مكتبته من كتب نافعة، ومؤلفات غزيرة بالمواد العلمية النادرة، فوصل إلى أهل النُّبل والفضل؛ أمثال أحمد تيمور بك من علماء القاهرة قليل منها، ولا سيما ما أنشأه وألفه، وانتهت جلها إلى أيدي أفراد تهاونوا بها، ولم يراعوا حرمة الأدب؛ فنشروا بعضها — كما بلغني — ونُسب إليهم.
ولم أقف في أوراقي على شيء دبجته يراعته سوى بعض ملاحظات استعان بها على تأليف كتاب يبحث في تاريخ الآثار بمصر، واسمه: «الخرائب والأطلال المصرية»، وآخر في «حسنات المدنية الإسلامية» غير أنها متفرقة وإن تكن تدل على قدرة الكاتب وليست سهلة التناول أو قريبة المأخذ، بل يعسر عليك ترتيبها ومعرفة قصد الكاتب من بعضها والعلاقة التي تربطها بما يسبقها أو يليها.
هذا ما لحق بمصنفات ذلك المنشئ المبدع بعد أن سكن القبر وجاور الترب، ولقد كان شاعرًا ضليعًا وأديبًا قادرًا على خلب الألباب والعقول بسحر مقاله؛ يجيد الشعر ولا يكثر منه، وإذا حرك قلمه بين أنامله فما يكتب إلا حكمة كهلة، ولا يسطر غير الحق الصريح.
وإذا رمت أن أصف لك خُلُقه ذكرت لك الكرم والمروءة والغيرة على الشرف والوطنية الصادقة والولاء الخالص والوفاء بأكمل المعاني، غير أنه كان متلافًا للمال، لا يحسب غالبًا حساب العواقب، ولذلك ما كان ليبقي لخلَفه شيئًا من الثروة مع أنه كان يتناول من عرق جبينه ما يسد هذه الثلمة دون عناء أو مشقة.
وإني أقتصر للقارئ في هذا الموضع على ما ذكرَته الصحف يوم وفاته بمدينة الإسكندرية، وأنقل من بينها ما نشره اللواء الأغر يوم الثلاثاء ١٨ جمادى الأولى سنة ١٣١٩ هجرية.
امتدت يد المنون إلى عرش الفضل، فانتزعت منه أميرًا من أمراء الكلام، ومليكًا من ملوك الكتابة، ملك رق النفوس بعبارة بيانه، وتصرف فيها ببراعة بنانه، حتى كأن قلمه إذا جرى على الطرس جرى بقدر مقدور لا تتعدى محتومة في مآخذها ومتاركها، فكنت تراها إن صر استمعت وأنصتت، فإن وعظ اتعظت، وإن زجر ازدجرت، وإن استفزها لمكرمة فزت، وإن هزها لمحمدة اهتزت، هو كاتب تلك الرسائل التي كان ينشرها «اللواء» تارة بتوقيع «الواعظ» وطورًا بتوقيع «حاذق»، هو المرحوم مصطفى بك نجيب وكيل قسم الإدارة بنظارة الداخلية.
فقدنا منه طبيبًا من أطباء أمراض الأمم، وآسيًا من أُساة كلومها، كان — رحمه الله — يرى أن خير الدواء لأعضل الأدواء تذكير النفوس بجلال ماضيها لتنتعش أرواحها، وتفكيرها بشرف أصولها وطول منابتها وكرم أعراقها؛ ليجري دم الخير في عروقها، فتتماثل من خمولها، وإيقافها على مجد أسلافها وشرفهم لترفع رأسها، وإحاطتها بما كان لآبائها وأجدادها من نفوس للمعالي عاشقة، وهمم في السمو راغبة، وعزائم في طلب السعادة والسيادة ماضية؛ لتحمي حميتها، وتهم همتها، فتنشط من عقالها وإرشادها إلى الصراط السوي الذي نهجوه، ونقتفي آثارهم فيه؛ فتبلغ من الغاية ما بلغوه؛ هو المؤلف في هذا المقام لكتاب «حماة الإسلام».
عدمنا منه عالمًا من كبار علماء الأخلاق، عارفًا بما يصلحها من فسادها، ويقوِّمها من اعوجاجها، عاملًا لما يؤصل فيها الفضائل، ويستأصل منها الرذائل، هو الذي شغله انحراف أخلاق المصريين حتى في المنام، واشتغل بتدبير ما يقومها حتى في الأحلام، ووضع في ذلك «أحلام الأحلام».
فقدنا منه مؤرخًا عليمًا بتقلبات الدهور على الأجيال، وتصرفات الأيام وحسناتها وسيئاتها على الأنام، وله في ذلك أثر حفظه صدر (اللواء) وصانته حوافظ القراء عنوانه: «وداع القرن التاسع عشر واستقبال القرن العشرين»، ولقد كان — رحمه الله — مشتغلًا بتأليف كتاب في تاريخ محمد علي باشا؛ يتوج به قرنًا مضى على حكم مصر وإحيائه لما اندرس من معالمها، وكان عهد إلى بعض إخوانه مهمة الحصول على بعض أمور تتعلق بعمله هذا في غير هذه البلاد، وعين له مواضعها ومظان وجودها من «الكتبخانات»، ولقد قام له هذا الصديق بهذه المهمة، وعثر بجميع ما كلفه بالحصول عليه، وترجمه، وأراد تقديمه إليه؛ فوجده يودع الحياة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فبقيت تلك الآثار في ظرفها المختوم.
وافته المنون — رضوان الله عليه — وهو بين دفتر يناجيه، وقلم يسيره، وطرس يحبره؛ فلقد بعث إلينا بعض رسائل قبل وفاته بيومين اثنين بقصد نشرها، ومنها رسالة عنوانها: «نظرة في بلاد العرب» سننشرها غدًا إن شاء الله.
توفي — رحمة الله عليه — عقب علة في الفؤاد لازمته الزمن المديد، ولم ينجح فيها طب الطبيب، فمات في سن الخامسة والأربعين، وله من الخلف الصالح ولدان؛ أكبرهما في السادسة من العمر، وفيه من مخايل أبيه الذكاء النادر، والفطنة الباهرة.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.