ShrElRawayat

شارك على مواقع التواصل

ارتفع صوت فلاش الكاميرات ومجموعة أشخاص تعمل بنظام شديد كأنهم في سرب مُحلق من كثرة نظامهم، فهذا يصور كل ما يراه، وذاك يجمع البصمات وبعض الشظايا المُخلفة عن كسر مزهرية أنيقة كانت موضوعة في البهو الكبير للبيت، وذلك يرسم دائرة حول جثة القتيلة حتى يأتي الطبيب الشرعي.
توجهت الأنظار نحو الباب الذي دلف منه الضابط "مراد" شاب في العِقد الرابع من عمره فتوسعت الحلقة التي تكونت حتى يستطلع الأمر، فجثى على رُكبتيه يُطالع جسد القتيلة فقد كانت فتاة شابة في العِقد الثالث من عمرها اُقتلعت أظافرها، وتشعث شعرها بعدما اُقتلع معظمه من جذوره، وقد فُتحت عينيها بنظرة تدل على فزعها مما يوضح بعضًا مما عانته ورأته قبل موتها، فحص ببصره جثتها حتى وقع بصره على جرح قطعي في الرقبة وَضح سبب وفاتها؛ فهي قد ذُبحت ولكن ما هاله هو حرف "م" الذي كُتب بجانبها بدمها!
قطع الصمت المُطبق صوت خطوات أقدام لحذاء نسائي؛فتوجهت الأبصار نحوها فكانت فتاة في منتصف العِقد الثالث من عمرها صاحبة عيون خضراء، وشعر طويل قد صُبغ بالأحمر الناري، واحتضنت أصابعها سيجارة رفيعة.
طال الصمت فقطعته "مرام" مُعرفة بنفسها وهي تُشير إلى مُراد؛ ليُفسح لها المكان لتُطالع الجثة:
- مرام مختار، الطبيب الشرعي.
أومأ مراد برأسه وأفسح لها المكان، وبدأ يسألها عما تراه في الجثة؛ ليربط الأحداث في رأسه، فأجابته وهي تأمر الرجال بحمل الجثة لتبدأ في تشريحها:
- من الواضح إن كان فيه اشتباك جامد وده واضح من الزهرية المكسورة واللي دخل بعض أجزاء منها في جسمها وكمان...
قطعت حديثها وهي تستقيم وتُشير إلى المكان وآثار الدماء التي بدأت في التجلط.
- من الواضح إنها اتسحلت كمان بس الله أعلم وهي حية ولا لما ماتت بس الدم يشير إلى أن السحل كان بعد موتها.
وافقها مراد ثم أشار إلى رجاله للتحرك بعدما حُملت جثة القتيلة،فنظر إلى مرام هاتفًا:
- التقرير هيكون عندي في خلال قد إيه؟ وهتعرفي منين إن حرف "م" ده بدمها و لا دم الجاني؟
- خدت عينة منه عشان أطابقهم مع بعض بس الترجيح إن القاتل راجل.
نطقتها مرام بسلاسة فضيَّق مراد عينيه باستفهام، فأجابته هي قبل أن ينطق:
- لإن محدش هيبقى عنده القوة الجسمانية إنه يسحل حد بعد قتله وتعذيبه بالطريقة دي والاشتباك إلا لو راجل.
غادرت بدون أن تنطق بكلمة أخرى وتركته وغادرت إلى عملها، أما هو فقد شرد وغامت عينيه بحزن فقد أعادته الجريمة إلى ذكرى وّلت منذ زمن.
***
بعد مرور يومين
أمسك مراد بالتقرير بين كفيه يقرؤه وقد اتسعت عينيه بإدراك؛ فالجرح القطعي في الرقبة طوله ٧ سم والدم الذي كُتب به حرف "م" كان دم الضحية وكان هذا متوقع، ولكن أكثر ما يَشغل باله هو ما المقصود بالحرف؟ عائد إلى مَن؟ الضحية أم القاتل؟! فللعجب الضحية تحمل اسمًافي بدايته نفس الحرف!
انتبه إلى صوت طرقات على الباب ودخول أحد زملائه، التقط أنفاسه بصعوبة وهتف من بينها:
- الحق يا مراد، حصل جريمة قتل في شارع(...( ولازم نروح نعاين.
نهض مراد مُسرعًا؛ ليلحق بزميله ويرى الجريمة الجديدة وقد استوقفه اسم الشارع.
وصلت الشرطة إلى مكان الجريمة وتكرر ما حدث في المرة السابقة، اقترب مراد يتفحص الجثة فكانت لشاب في بداية عِقده الرابع،وكانت الجثة مُجردة من بعض ملابسها واُقتلعت أظافره وبعضٌ من أسنانه، كانت عينيه مفتوحة بنفس نظرة الذعر والفزع الموجودة في الضحية السابقة، فاستوقف مراد جرح قطعي في المعصم الأيمن ومثله في الرقبة يَدل على الذبح كالسابق، وبجانبه كان حرف "م" رُسم بدمه!
سُمعت صوت الأقدام فالتفت مراد، فطالعه وجه مرام وهي تُشير إليه لينهض وترى هي المكان، حياها برأسه فهزت رأسها وبادرته بالقول هاتفة:
- الضحية المرة دي فيه جرح عند الشرايين ومدبوح، تفتكر نفس القاتل؟
أشارت إلى حرف الميم الموجود بجانبه،فعَلق مراد مُوضحًا:
- القتيل اسمه بحرف الميم زي الضحية اللي فاتت، يعني يمكن ما يكونش نفس القاتل.
- بس نفس طريقة التعذيب.
نطقتها مرام وهي تشير إلى أظافره المُقتلعة، فأومأ مراد بشرود حتى انتبه إلى صوت العسكري يُعطيه مظروفًا ويعطي مثله إلى مرام ففتحه الإثنان معًا.
ألتهم مراد السطور بعينيه التي اتسعت بخوف تبعه شهقة مرام وهي تُعطيه الورقة التي بيدها؛ ليقرأها فوجد مثلما في ورقته.
نظرا إلى بعضهما ومن ثم إلى الجثة،ورفعا رأسيهما فالتقت أبصارهما معًا لحظات حتى همست مرام:
- هنعمل إيه؟
رفع مراد نظره إليها يُتابع رد فعلها وهي تُبلل شفتيها المطليتين بأحمر شفاه كرزي اللون يُشبه لون شعرها الذي جمعته على شكل كعكة مرفوعة أعلى رأسها وسقطت منه بضع خصلات على وجهها الذي توترت ملامحه إثر قراءتها للخطاب،فهمس مراد:
- هنستمر في اللي احنا بنعمله، التقرير ده مش عايزه يتأخر.
أومأت مرام برأسها بصمت وهي تُتابع عملها، واستدار مراد يُكلم زميله الذي قال بتوضيح:
- طلع فيه صلة قرابة بين القتيل ده والقتيلة اللي فاتت.
ركز مراد معه بكامل حواسه، فأردف زميله:
- هما شلة صُحاب مكونة من ثلاثة شباب وبنتين.
أومأ مراد بصمت وهو يفكر وقد داهمته الذكرى مرة أخرى، وفجأة ارتفع صوت صرخات في أذنيه مُستنجدة باسمه، فصرخ هو بدون وعي:
- كفاية بقى كفاية.
طالعته مرام باستغراب وعيناها تحملان آلاف التساؤلات، فخرج مراد مُسرعًا وهو يطلب منها سرعة إرسال التقرير.
***
في المساء
جلس مراد يضع رأسه بين كفيه، وقد عاودت صرخات رأسه تدوي في أذنيه من جديد،ومعها يتذكر كل ما جاهد في نسيانه.
أغمض عينيه يحاول طرد الذكريات بضراوة، وكل ما يسمعه هو صرخاتها فقط وجُل ما يراه هو الدم!
انتفض مرة واحدة ونهض من مكانه يُطالع النافذة، ثم أمسك بالورقة التي بُعثت إليه في موقع الجريمة يُعيد قراءتها حتى قارب على حفظها،وتذكر أنبُعثت واحدة مثلها إلى مرام، استغرق التفكير منه ثوانٍ حتى ذهب إلى غرفته، بدّل ملابسه وأمسك هاتفه يطلب عنوانها لعله يصل معها إلى حل لهذه المعضلة التي وُضعا فيها معًا.
***
وصل مراد أمام المشرحة ليُقابلها، فهي مازالت عاكفة على تشريح الجثة الجديدة لترسل إليه التقرير في ميعاده، قُبض قلبه وهو يدخل إلى المشرحة وازدادت الصرخات في رأسه حتى وصل أمام مكتبها فطرقه وأطل برأسه يرسم ابتسامة جاهدًا في إظهارها طبيعية،وهتف:
- تسمحي لي أعزمك على حاجة ونتناقش سوا عشان دماغي هتنفجر
رفعت مرام بصرها نحوه بابتسامة لم تصل إلى عينيها، ونهضت وهي تُحرك عنقها يمينًا ويسارًا وقالت:
- اسمح لك عشان كمان نتناقش في الجوابات اللي جت لنا.
خرجت معه من المشرحة واستقلا سيارته وتوجه هو إلى أقرب مطعم، دخلا المطعم وسط الصمت بينهما وطلب مراد الطعام لهما.
جلست مرام تتأمل وجهه فقد كان قمحي اللون صاحب عيون عسلية فاتحة وأهداب طويلة تظللهما، حولت بصرها نحو كفيه -اللذين يستخدمهما كثيرًا أثناء حديثه- فوجدت دبلة فضية نُقش عليها اسمًا لم تتبينه من سرعة حركة يده، انتبه إليها مراد فابتسم يسألها عن أحوالها حتى همست هي:
- أنت خاطب؟
أجفل مراد وتنحنح مُمسكًا بكوب ماء وتجرعه على دفعة واحدة، وهمس بصوت مبحوح:
- كنت.
- وراحت فين؟ سيبتها؟
- لا هي اللي سابتني.
- كان اسمها ايه؟
- مريم.
نطقها مراد وقد اغرورقت عينيه بالدموع،فتبينت مرام الاسم على الدبلة وجدته "مريم" بالفعل فتنحنحت وغمغمت بالأسف، وسألته عما سيفعلانه بشأن الخطابات، وهل سيحولان القضية إلى أشخاص آخرين أم سيستمران؟ فكاد يُجيبها حتى اهتز هاتفه ليُعلن عن اتصال من أحد زملائه، فأجابه مراد ووصله صوت زميله هاتفًا:
- الجريمة الثالثة وقعت في شارع (...) نفس طريقة القتل والمرة دي الضحية راجل، تعالى بسرعة.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.