ShrElRawayat

شارك على مواقع التواصل

(إن كان هناك ما هو أصعب من الموت، فهو اليوم الذي يلي مراسم الدفن)

ريم:
اليوم الذي تستيقظ فيه بعد الفراق يكون الأصعب على الإطلاق، خصوصا إن كانت الخسارة كبيرة جدا بهذا القدر، وقتها ستتمنى الموت حقا لأن الألم والصداع لا يطاقان، ستشعر أن خلايا عقلك تحترق بالمعنى الفعلي للكلام، وأن النيران تشتعل في معدتك جهنما، وتتراوح صعودا ونزولا بينها وبين عقلك، أما قلبك فاركنه إلى الزاوية؛ لأن ذرة شهيق أو زفير واحدة ستجعله يعتصر آهات ووجعا لا يطاقان.
البارحة عدت من جنازة أقرب الناس إلى قلبي (أختي)، كانت أمل أختي الوحيدة، والتي لسوء القدر كانت قد اتصلت بي الليلة السابقة لوفاتها، ولم أرد. لم أكن منشغلة جدا، بل لم أكن منشغلة أصلا، لكنني لم أرد! وها أنا أحترق الآن لفقدها. ربما قدرا ونصيبا، وربما جزاء وتأديبا؟
حين يأتيك الخبر لأول مرة.. تكون رغبتك ممتزجة بين الضحك والبكاء، لا تعرف حقا ماذا يجب أن تفعل. مشاعر مختلطة بين البكاء والنحيب والضحك والسخرية، كلها تنكب عليك فجأة كوابل من مطر تشريني جاء على حين غفلة. ستبكي، ستتألم، ستعبر عن ألمك بألف طريقة محاولا إخراج تلك النيران المتأججة داخلك، بعدها ستهلك وتنام حالمًا أن الألم ربما انتهى. لكن الألم الحقيقي لم يبدأ بعد! سيبدأ بمجرد أن تستيقظ من سباتك لتدرك أنه لم يكن حلما، بل كان واقعا وانقضى الأمر.
الفراغ، الوحدة، الوجع، الخيبة، الذكريات، الفراق، ستقُام مقصلة اختناق في حنجرتك، حتى الدموع لن تنصفك، وستحرمك رفاهية إخماد نيرانك المتأججة بسيل عبراتك. لن يعي الكل هذا، لن يعيه إلا من تذوق حقا هذا الألم وجرب نيرانه المتأججة. لن يعي ما كتبت سوى أمثالي من المفجوعة قلوبهم، فقط هم سيفهمون السطور، وسيعون أن هذا أفظع ألم في الكون؛ فأختي الصغيرة التي تضج بالحياة انتحرت.

(نمت على أمل أن جنازتكِ مجرد حلم مزعج، أجبرت نفسي على النوم حينها كي أقتل هذا الكابوس المؤلم، وحين أفقت كان كل شيء ما زال حيا.. عداكِ.)
لم أكن أحب اختي كثيرا، كانت بنتا مدللة لم ترَ يوما قسوة أبي، ولا غضب أمي، كانت صغيرة جدتي المدللة. في الحقيقة كنت أغار منها قليلا؛ فقد حصلت على كل ما كنت أحلم به من رفاهية ودلال وراحة، في حين أنا وأخي كغالبية من في سننا؛ عشنا بنظام عسكري: الخطأ لا يغتفر ولا يمر ببساطة. لهذا كبرنا بشخصيات قوية ذات جلادة وصلابة، بينما كانت ضعيفة مغرورة. أتذكر حين كان يأتي بها أبي من بيت جدتي، أحيانا كانت لا تكف عن البكاء والصراخ، ورغم أن أبي بوقاره وصلابته يحاول أن يرضيها لم تكن تستجيب له، ولكم اضطرته أن يرجعها في منتصف الليل لكثرة إزعاجها واستمرارها بالبكاء، لم أكن أطيق وجودها المقترن بالبكاء والصراخ أبدا، ثم كبرنا وصرنا نلتقي أكثر، وعيت حينها أن ما كانت تناله من جدتي مجرد تعويضات تافهة مقارنة بفقدانها عائلة بأكملها، وأنه رغم حب جدتي الشديد لها إلا أنها حرمت عطف الأم وسند الأب. بالرغم من ذلك كانت دائمة الضحكة، فراشتنا المحلقة، تبتسم للكل وتطير بجانبنا فتنثر زهرها الخلاب، كبرت أختي لتصبح ملاكي، وكلما كثرت زيارتها لنا كنت أتعلق بها أكثر وأكثر.
أكثر ما كنت أحبه ضحكها المتواصل وهي تجيب على سؤالي ونهري لها بأن تتوقف عن إظهار بريق أسنانها بأنها خلقت بشوشة من عند الله، لا حل لإخفاء ابتسامتها. فعلمت وقتها أنها ضحكتي التي لن تنجلي، وأنني مجبرة أن أكون سندها الذي لا يميل، فكذلك تكون الأخوات.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.