Za7makotab

شارك على مواقع التواصل

وسقطت الأقنعة

في إحدى ليالي الصيف في مدينة الإسكندرية الجميلة، وفي شارع الكورنيش، كان يجلس بمفرده علي إحدى المقاهي، كان جالسا يستريح من تعب اليوم ينتظر صديق له، ولكن هذا الصديق تأخر، ثم لم يأت. وهي كانت تجلس في المنضدة المقابلة له.
نظرت إليه وأدعت أنه يشبه شخص قريب لها، وتعجبت من الشبه، واختلقت حوارا لبدء الحديث معه لتعلم عنه ما تريد أن تعرفه. مثل من أي بلد أنت؟ وماذا تعمل؟ وحكت له بعضا من حياتها.
ثم طلبت رقم الهاتف لكي تستشيره في بعض الأمور. لأنها وحيده وليس لها أخ رجل لتستشيره، ووالدها متوفي، وليس هناك شخص من عائلتها يعطيها من وقته في زمن الناس انشغلت عن أقرب الناس حسب قولها.
أظهرت له أنها إنسانة ضعيفة، ومكسورة الجناح، وتحتاج للمشورة أو الحديث مع صديق، ولكن للأسف لا تجد، أو لا تثق بأحد. وأنها رأت فيه شخصا مهذبا من الممكن الثقة به، حسب قولها أو حسب ما أرادت أن توصله إليه.
كان في الخمسين من العمر، بدأت في رأسه ملامح الشيب، وكانت هي تقريبا في نفس السن، من النساء اللواتي يهتممن كثيرا بالبشرة والأناقة فتبدو أصغر مما هي في الواقع. بالرغم من بدانتها وعدم ثقافتها ولكنها تعرف المعسول من الكلام.
تحدثت معه في الشئون العامة وحاولت أن تظهر له أن الصداقة بين الرجل والمرأة أمر ضروري لأن تفكير الرجال يختلف تماما عن تفكير النساء. وأن الإنسان يحتاج إلي صديق يحكي له كل أمر دون قيود.
وبعد أن دخلت حياته من باب الصداقة، حاولت جاهدة أن تباعد بينه وبين زوجته كي تنفرد به، وتحصل عليه كزوج أو كحبيب، وحاولت إقناعه بكل الطرق أنه لابد أن يكون لديه صديقة، غير زوجته،
وأدخلت في فكره أنه لابد أن تكون الصديقة محايدة وأنه عندما يقص عليها نزواته أو غرامياته لن تنزعج وستسمعه، وأنها ستكون الصدر الرحب، والذي لن يقاطع ولن يهاجم أي فكر أو أي سلوك.
وذلك ربما حقيقي من حيث أن الصديقة لن تخاف عليه ولن تقلق مثلما تقلق الزوجة وبنفس القدر.
وقالت له أنه لابد أن يذهب للمقهى بعد ساعات العمل ليفصل بين البيت والعمل، وكان كل هدفها أن يبتعد عن زوجته، ولا يتحدث معها وتستطيع هي بأسلوبها وحديثها السيطرة عليه عبر الحديث الدائم واليومي عبر الهاتف.
علمته وعودته علي ذلك الحديث اليومي، كان ينتظر هاتفها يوميا، وبعد أن حققت طموحها في الوصول إلي حياته، وفي التفريق بينه وبين زوجته، وأستجاب لكل ما طلبت، وحصلت عليه كزوج.
قالت له لا صداقة بينك وبين نساء أخريات ولا تذهب إلي المقهى وتتركني، وتوقف كل الكلام الجميل الذي كان يسمعه، وظهرت غيرتها من كل الناس، وخوفها من تأتي أخري لتفعل ما فعلت هي.
وفقد هو الاهتمام به، وفقدت الاهتمام بنفسها، وأكتشف أن زوجته الأولي كانت أجمل في كل شيء، وكانت محبة بصدق، وكانت تغار حقيقة بدافع الحب.
وعلم أنه خسر كل شيء ومن أجل لا شيء، بل أكتشف أنها خائنة، وأن لها أصدقاء غيره، وأنه كان مجرد رقم فقط، من الأرقام التي كانت تحتفظ بها من أجل أن تصطاد عريسا، وأنه هو الصيد الغرير.
وسقطت الأقنعة ورآها كما هي، وشكلها الجميل نوعا ما ظاهريا يخفي قبحا كبيرا من القبح الداخلي والذي لا تستطيع أن تمحوه المساحيق ولا أن تعدله الرتوش التي تضعها والألوان، ولكن بعد أن ضاع كل شيء.
أكتشف أنه هو لا يعدو إلا أن كنزا من الأموال تأخذ منه ما تريد لنفسها ولأهلها، ولا يستطيع الاعتراض، فقد حكمت قبضتها حوله بكل إحكام، أصبح لا يستطيع التخلص منها، أو ربما لا يريد التخلص منها، لأنه يعلم أن ما خسره أبدا لن يسترده.
وإنما كل ما في الأمر، سقطت الأقنعة.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.