darbovar

شارك على مواقع التواصل

عدْتُ إلى جلستي الأُولى مستندًا بظهري على الحائط، محدقًا في النافذة، اشتاق للحرية مثل عصفور أسير في قفص معدني، فجأة سمعت شخشخة مفاتيح، وخطوات أقدام كثيرة خارج غرفتي، حينها راودتني أسئلة كثيرة، هل استجاب الله بهذه السرعة لرغبتي؟! هل حضروا لإعدامي؟
اعتدلت في جلستي، وعيناي على الباب لا تتحركان منتظر تلك الأجوبة، سمعت صوت باب زنزانة أخرى يُفتح، يبدو أنَّها زنزانة جاري المحكوم عليه بالإعدام مثلي، وبعد دقائق معدودة سمعت صوت ذلك المسجون المسكين، وهو يصرخ ويبكي متوسلًا إليهم : اتركوني، اتركوني فلا أريد الموت.
لمَ يهاب الجميع الموت؟ هل هو بهذا السوء؟ ماذا في الحياة يجعلهم متمسكين بها هكذا؟!، رغم كون الحياة مليئة بالمتنمرين، والطماعين، والخائنين، وهاجري أحبتهم، وأصحاب القلوب المتحجَّرة، والأخيار فيها مثل زهرة تتوسط صبار الصحراء، دقائق وتلاشى صوته، وتوقف صراخه، علمتُ حينها انه انتهى أمره ، لقد رحل إلى حيث لا رجوع، الموت إما مكافأة للصالحين على ما تحملونه من معاناة في تلك الدنيا، أو عقاب للأشرار على جرائمهم، وهذا ما كنت أفعله، جعلت نفسي نائب عزرائيل أقطف أرواح الأشرار؛ ليصبح العالم أجمل من دونهم.
مجددًا أسمع صوت أقدام، ونفس صوت المفاتيح، تلك المرة باب غرفتي هو الَّذي يُفتح، هل جُنّوُ ؟! سيعدمون شخصين في آن واحد؟!
حمداً لله كان الصول "عبد البار" قد أحضر غدائي، كاد قلبي يسقط بين قدمي مِن الخوف، رغم كل شيء ؛ فأنا أيضًا أخاف، ليس مِن الموت، ولكن خائف من لقاء خالقي الذي لم أعد يومًا للقائه.
-دنا مني ووضع طعامي على الأرض قائلًا: لقد حضرتُ طعامك أيها المخبول.
-قلت بتعجرفٍ: هل اللحم نصف نضوج كما أمرتكُ في المرة الماضية ؟.
-قال بغيظٍ: أنا في هذا السجن منذ عشر سنوات، رأيت فيها مئات المحكومين عليهم بالإعدام، وصدقًا أنت أغرب شخص مر عليّ، من أين لك بتلك الشهية المفتوحة؟ وهذا المزاج الصافي؟.
-وماذا يعكر صفوي، ويغلق شهيتي يا صول عبد البار؟.
-أَليس الحكم بالإعدام كفيل بقتل مزاجك عن كل شيءٍ؟
-الموت لا يخيف سوى أصحاب القلوب الضعيفة المعلَّقة بالدنيا، أما أنا فالموت بالنسبة لي حياة، فهو انتقام أذيقه لأعدائي وأحقق بهِ العدالة، جعلت نفسي نائب عزرائيل، أقطف أرواح الأشرار؛ ليصبح العالم أجمل مِن دونهم.
-أنت مخبول، لقد قتلت أشخاص، وأكلت أعضائهم!، أَتسمي هذه عدالة؟
-إن للعدالة وجوهًا كثيرة، فَلتسمِ هذا وجهٌ من وجوهها، واقتصاص من مجرمين لم يتمكن قانونكم من عقابهم، دعكَ مِن هذا الهراء، أريد أن أطلب منكَ طلبًا، وأرجو أن تحققه لي!
-وأخيرًا تطلبهُ!، ظننت أنك لن تطلبه أبدًا.
-أَتعلم ماذا سيكون طلبي؟
-بالطبع، كل من سبقوك هنا طلبوا أمرًا واحدًا، مصحف، وسجادة صلاة للاستغفار عن جرائمهم.
-تبسمت بسخرية وقلت: لقد تأخر وقت توبتي كثيرًا، وللحقِ لا أشعر بالندم على قتل هؤلاء الأوغاد.
-قائلا بتعجب : لا تشعر بالندم على قتل روحًا خلقها الله!.
-وهل شانقي سيشعر بالندم بعد قتلي؟!
-بالطبع لا، فهو ينفذ حكم المحكمة، وأنت تستحق الإعدام جراء ما فعلت.
-بنبرة باردة قلتُ: وهم أيضًا يستحقون الموت جزاء ما فعلوا، أنت لا تعلم كيف هو الشعور بكونك نكرة، كرامتك تُغتصب أمام عينك ، وأنت عاجز عن الدفاع عنها؟!.
-رد عليّ مستنكرًا : لو أن كل شخص واجه اضطهادًا، أصبح سفاحًا مثلكَ لأصبحت الدنيا غابة.
-سأخبركَ سرًا سيدي، الدنيا أسوأ بكثير مِن أن تكون غابة، الحقيقة إنَّها بيت رعب كبير مليء بالوحوش.
-لن أتحمل المزيد من هذا الهراء، ليس لديّ وقت لهرائك، ماذا تريد إذًا؟!
-أريد نوعًا من العطور تحضره لكي أضع منه قبل إعدامي.
-عطر! هل قالوا لكَ أنك هنا من أجل حفل زفافك؟! ألَّا تريد مصفقا للشعر أيضًا؟! الأكل عندك أيها المخبول، تأكل، أو لا، فلا يهم.
-تركني والتفت ليغادر، وعندما فتح باب الزنزانة أوقفته قائلًا: يا هذا، هل تريد أن تربح خمسة ملايين جنيهًا؟!
-ماذا قلت؟!
-قلت أنني يمكنني أن أحولك من صولٍ عجوز أوشك على الخروج إلى المعاش، إلى رجلٍ غني يضمن مستقبل أولادهِ، ويحيا حياة كريمة ما تبقى مِن حياته.
-وكيف ستفعل هذا أيها الشيطان؟!
-أحضر ليَ العطر، واجعل الطباخ لا يسوي اللحم جيدًا، وسأخبرك حينها كيف سأفعل ذلك؟!
-يقف حائرًا ينظر لي ولا يعرف ماذا يقول، أو ماذا يفعل! وبعد صمت طويل قال: ما اسم العطر الذي تريده؟!
-خرجت بسمة المنتصر من بين شفتيَّ وأتبعتها قائلًا: عطر"Spice Bomb" زجاجة على هيئة قنبلة يدوية محاطة بشريطٍ أسود.
-قنبلة! سأبحث عنها يا غريب الأطوار، ولكن أعلم إن كنت تهزأ بي، فَسأجعل ما تبقى مِن أيامك جحيم.
خرج وعُدت مجددًا لجلستي، و لنافذتي، ولوحدتي مِن جديد.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.