darbovar

شارك على مواقع التواصل

823م
خوض معركة ساحلية أشبه بعملية انتحارية، تلك الجملة التي طرأت على لسان السير انطونيوس في اجتماعه مع طاقم السفن، ولكن خوض المعركة لا مفر منه. ظلم السلطان لم يعد يطاق، السماء تتلون بلون الدماء، والأرض لا يمكنك أن تخطو خطوة واحدة من كثرة جثث الموتى، فأما الموت أحرارا، أو العيش أذلاء طيلة العمر، فالظلم جعل من تلك البلدة أغلال وقيود لا حصر لها.
يوم المعركة
الأمور على ما يرام، السير انطونيوس يودع ابنته أيلين فهو دائما ما يستمد القوة من براءة عينيها
أيلين: ستعود مرة أخري من أجلي يا ابي اليس كذلك!؟
انطونيوس ربت على كتفيه قائلا: سأعود طالما عهدتي والدك دائما شجاع، لا يهاب أحدا.
أيلين بصوت حزين: اخشي ان تنهزم، ويكون الظلم القادم اسوء مما كان، قاتل يا أبى! من أجلي من أجل البلدة كلها، تذكر ما فعلته من أجلي أنا، وأمي منذ أعوام، تذكر سيرك على جثث الموتى، وانهار الدماء الجارية كالسيل في شوارع بلدته، تذكر هذا السجن اللعين في قصر هذا المتغطرس، كنت أعلم بأنك قادم وتحرر قيودي. وها أنا الان جالسة بين أحضانك، وسنخبر أمي الراقدة في ترابها عن نصر يحكي لأجيال وأجيال.
أنطونيوس: اعدك يا حورية القلب، بأن خلاص هذا المتغطرس سيكون على يدي، والآن حان وقت الرحيل.. قالها وهو يطبع قبله صغيرة على جبينها.
بدأت السفينة بالتحرك قبيل الفجر، فالبحر يبدو أنه غاضب، والسماء ملبدة بالغيوم، الموج يحرك السفينة كيفما شاء. وعلي متن السفينة يقف انطونيوس يلقي بنظره بعيدا، امواج البحر تضرب خواطره، صوت البحر يدب فيه القوة دائما..
أحد البحارة: الان كل شيء على اتم الاستعداد، المؤن في الطابق السفلي، والذخائر اشاره من يدك، ويعلو صوتها في سماء البحر. هل من أمر آخر سيدي؟
أشار انطونيوس له وأمره بالانصراف.
بعد مرور دقيقة...
سيدي علينا رفع الشراع الان، الرياح عاتية، لا يمكننا التغلب عليها، لا أستطيع التحكم الان
الآن توجهوا إلى أماكنكم، خذوا حذركم، نحن جئنا إلى هنا من أجل آبائنا وأمهاتنا، وأطفالنا، ارفعوا كافة الأشرعة، جهزوا أسلحتكم، البحر يقدم إلينا سلامة الخاص، لا تخافوا لا تخافوا!
لا ظلم، لا دماء لا خراب، هيا يا رجال البحر له اذان صاغية.
ووقف انطونيوس من أعلي نقطة في السفينة يقول: جئنا اسره وسنعود أحرارا، نحن أسري الظلم، والقهر اصغ لي الآن، نحن جئنا في وسط أمواجك الهائجة، ورياحك العاتية لنيل الحرية، انت يا منبع الحرية كن معنا ولا تكن علينا.
والبحارة تردد: لا ظلم، لا قهر .....
وفي وسط تلك الأجواء الغاضبة، الإعصار يلتف على أنطونيوس مثل الأفاعي في التافه حول فريستها.
ويسافر به إلى عالم آخر.
وبعد أن هدأت العاصفة، البحارة تفتش يمينا ويسارا
ولا أثر للسير المغوار، أين ذهب!؟، ماذا حل به؟
لا أحد يدري.
أنطونيوس لا يعلم ماذا حدث؟ لا يدرك اين هو الآن؟ هل انتهي العالم؟ وما هذه الملابس؟ وما تلك اللغة التي يتحدث به هؤلاء؟!!
أسأله لم يجد لها إجابة، كل ما يراها الآن، حورية ذات شعر اسود به بعض من الخصلات البنية، عينها نهر مصفي من العسل، قومها كغزالة في مرحلة النضوج، وما كان ابهي تلك الحسنة المرسومة على جبينها، تجلس على كرسي وسط غرفة بيضاء، بها جهاز يصدر صوتا غريبا، إنه جهاز نبض القلب.
حضرة الطبيب! الغريب عاد إلى وعيه الآن (جملة قالتها فيروز)
الطبيب أسرع إليها قائلا: لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة، كيف حالك الان
أنطونيوس لا يستجيب للحديث، كل ما يفعله هو النظر الى تلك الحسناء
بدأ الطبيب في الكشف على انطونيوس، اعطي له بعض الأدوية. لعله يستجيب للحديث
إذا حدث شيء ما أخبرني على هذا الهاتف، انه يعاني من فقدان مؤقت في الذاكرة
(جملة قالها الطبيب إلى فيروز)
ظل الأمر هكذا لمدة ثلاث شهور، وأنطونيوس حالته الصحية تتحسن، لكن دون حديث ...
فيروز أخصائية تخاطب، تعمل في أحد المراكز، العلاجية بالإسكندرية عملت بأن الأمر المتعلق بأنطونيوس ليس مجرد بحاله الصحية، انما حاله نفسيه يمر بها، أخبرت الطبيب بهذا الأمر، ومن ثم بدأت في إجراء الجلسات.
الجلسات صارت لمدة عام تقريبا، تعلمه الحروف، وتكوين الجمل، وطرق إخراج الحروف، وتدريبات للنفس، وتدريبات للأحبال الصوتية، ...
الأمر لم يكن هيناً، فيروز لعلها أول مرة تهتم برجل، ليس كاهتمام بمريض، لا في الوقت الذي كان يعود فيه انطونيوس إلى المستشفى مرة أخري لاستكمال علاجه، كانت تشعر بغصة في قلبها، كأن ابن ما فرق حضن أمه، ولكن فيروز تكذب نفسها هي تخشي الوقوع في مصيدة الحب.
عاد البحارة إلى البلدة كعودة منتخب البلاد بعد الخسارة، لكن اي خسارة حدثت لا أحد يعرف
أهالي البلدة ينظرون إليهم والعيون تعزف دموعها، والقلب يلحن على أوتار الخيبة والخوف، والأجساد مرتعشة فهي تعلم ماذا يحل بها من عتمة قادمة
أيلين: أين أبي؟
أحد البحارة: لا نعلم، يبدو ان العاصفة التي حلت بنا، ارادت ان تذهب به إلى عالم آخر، وقص عليها ما حدث ....
أيلين بنظرة حادة آخر، وقص عاهدني أبي علي الرجوع، سيعود ابي مرة أخري.
(طارق انت طارق)
تلك الجملة التي قالها حسام والد فيروز في إحدى الجلسات، فكلما أراد حسام حضور جلسات بنته مع ذلك الغريب. فقد تمكن طارق من الحديث بفضل مجهودات تلك الحورية بعد مرور عام آخر، ومع مرور العام الآخر، نمي شعور داخلي لدي كل من طارق وفيروز، الأمر فقط لم يقتصر على جلسات التخاطب، فطارق لا يعلم شيئا عن عالمه الجديد، فأخبرته عن كل شيء: عن السيارات العمارات، والتعامل مع الغير، والدين، والأخلاق، والرياضة، كأنه ام تعلم ابنها كل شيء،
حسام: ما أمر طارق الان!؟
فيروز: بخير يا أبي.
حسام بلهجة حادة: الأمر أصبح ملفت للأنظار، الان طارق يتحدث، يمكننا أن نعرف منه ما حدث له ومن ألقى به إلى الشط.
فيروز: ولكن يا ....
قطع حسام حديث فيروز قائلا: لا حديث بعد الان، غدا اريد معرفة كل شيء.
وصلت الأميرةُ الصغيرة (أيلين) ومعها القائد إلى مغارة الكاهنِ، تلك المغارةُ الموجودة أعلى "جبل الظلام" في مكانٍ شديدِ الخطورةِ لم تطئه قدمُ إنسانٍ من قبل.
طرق القائد الباب، سمعا صوتا من الداخل يقول:
"أيتها الأميرةُ، كنت أنتظرك، فلتدخلي".
كان ذلك صوتُ الكاهن دخلت أيلين ومعها قائد البحارة فقال الكاهن مبادرا:
"الأميرُ لم يمت لقد سحبه الإعصار في منطقة التحولات الزمنية تلك المنطقة التي تدور فيها أزمنة العالم القديم والحديث، كثيرون حاولوا من قبل أن يسافروا عبر الزمن ولكنهم لم يستطيعوا الرجوع مرة أخرى، وأظن أنه لم ينجح فيهم أحدٌ، وأنَّ مصيرهم كان واحد من أمرين: إما الموت أو التيه ما بقي من حياتهم.
قاطعته أيلين قائلة: وكيف سنستعيده أيها الكاهن؟".
الكاهن: "لابد أن تسافري ليه عبر الزمنِ؛ لأنه لا يتذكر شيئًا عن عالمه هو الآنَّ شخص آخر تماما، ولكن لو لم تأت به فستظل روحك تائهة بين الأزمان ولن تستطيعِي العودة لجسدك أبدا".
نظرت له الأميرةُ بحزن وقالت: لا مفرَّ لقد علم الملك بتمرد المملكة عليه وقريبًا سيحول المملكة إلى بحار من الدماء، لابد أن يعود الأمير من أجلنا جميعا.
***
ذهبت فيروز إلى طارق في إلى يوم التالي، أخبرته عما دار بينها وبين أبيه، كلما رآه طارق شعر بنور ساطع يملأ روحه يبتسم وجه حين يراها.
فيروز: لقد غيرتني يا طارق أصبحت امرأة أخرى، من الغريب أن أصفُ نفسي بامرأة بدلًا من فتاة، لطالما كنت فتاة قبل لقائنا لكنني أصبحت امرأةٌ كاملة بعدما عرفتك، لا تتركني وحيدا في هذا الزمان
طارق: كيف لي ان اترك من علمتني نطق حروف الحب، حتى تقال من اجلك، من علمتني كيف تكون الحياة، من كانت لي ام، ووطن.
أقسم بمن خلق السماء والأرض، أنت براءة هذا العالم، ودفئ الشمس بعد ليلة من المطر، وعطر الورد في ربيعها، وجمال الفجر عند صلاته.
احببت عالمكم لأجلك، أعتقد بوجودي في جنه الخلد حين رأيتك جالسه بجواري، يا حورية القلب والروح أنت لي.
قال الكاهن يجب أن نذهب إلى منطقة التحولات الزمنية يجب أن يتم الانتقال من هناك ذهبوا جميعا إلى المنطقة كانت الشمس قد غابت بأشعتها، أحضر الكاهنُ البلورة الزمنية، نامت الأميرةُ في تابوتِ الشهب الزمنية ثم قال لها الكاهن: "قد تكون هذه اللحظة آخر لقائي بك ولكني أتمنى لك العودة سالمة".
ودعت الأميرة الرجلان ثم أضاء الكاهن البلورة الزمنية وأغلق التابوت فتم الاتصال.
طارق: بدون ابنتك لما كنت أنا على هيأتي الآن، هي من علمتني النطق، علمتني كل شيء في عالمكم، احببتها ولا اعرف للحب معني سوا قلبه، احببتها كشرف جندي يأبى الهزيمة، وهي شرف لي، وأنتم أهل الشرف، إلى يوم اطلب الزواج من فيروز.
(طارق إلى حسام)
ابتسم حسام: وأنت اهل ثقة لهذا الشرف.
وفي يوم الزفاف شعر طارق بألم غريب في رأسه، وكأن كرة حديدة سقطت على رأسه "يبدو أن أيلين أتت له الآن عبر منطقه الأزمان".
سمع صوتا يقول: لا ظلم، لا قهر.
أيها السير انطونيوس أين أنت الان؟!
ما هذا الصوت؟
أنا أيلين ابنتك، أين عهدك الان؟!، لا بد أن تعود الجميع ينتظرك الان، البلدة ستكسوها الدماء، لا بد أن تأتي معي، عليك تذكر كل شيء يا انطونيوس، عندما سمع طارق اسم انطونيوس بدأت أن تعود له الذاكرة.
أيلين بصوت متقطع: أنقذنا يا آبي، البلدة ستنهار،
طارق ينظر إلى فيروز في فستان زفافه أشبه بملكه على عرش الجمال، ويسمع صوت أيلين وهي تبكي من الخوف، فما كان للصداع أن يأخذ الحيز الأكبر، وما كان للوطن الا تلبية النداء فقد علم طارق بأن الواقع ليس هنا بل في المعركة وانقاذ الشعب، والعهد الذي قطعه على نفسه سابقا مع أيلين.



أحمد صالح.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.