Za7makotab

شارك على مواقع التواصل

مليكة: وكيف تراني بعقلك وقلبك؟
خالد: أراكِ نقية كماء المطر، لن يرزقني الله إلا بمثل نقائك، لأنني عاهدته ألا أحدّث فتاة، لا أنتوي الزواج منها.
وتوالت الأيام، وتوالت المكالمات بينهما، ولا يمر يومٌ إلا وقد تحدثا معًا، أصبح الحديث اليومي بينهما كأنه غذاء روحي، كأنه الهواء الذي يستنشقانه.
خالد: هل تقبلين الزواج مني؟
مليكة: لا أعرف الجواب؛ فأنا هنا في المغرب وأنت هناك في مصر بعيدًا عني فكيف سيكون ذلك؟ وهل أستطيع مغادرة بيتي وبلدي، دعني أفكر.
ثم أنهت الكلام معه ونظرت إلى النافذة على الجبل وكأنّ هناك رابطًا يربطها بذلك الجبل. رابط غير مرئي؛ محسوس فقط. ثم فكرت أن تتشارك الرأي مع أمها.
بالفعل أخبرت أمها بعرض الزواج وأنها ستغادر المغرب لو وافق أبوها الحاج عرفة على ذلك.
وكان الحاج عرفة رجلًا طيبًا يحب ابنته مليكة جدًّا وكان يميل إلى علاج مليكة بالقرآن. ولم يكن يعرف أي شيء عما فعلته الأم مع العرافة وأنها قد لجأت إليها لعلاج مليكة.
ذهبت مليكة إلى الحاج عرفة في ورشته الصغيرة في وسط القرية، وأخبرته بعرض الزواج الذي قدمه خالد المصري. كان الأب أكثر فرحًا بهذا الموضوع من أمها.
كانت الأم مرتبطة ارتباطًا شديدًا بمليكة وكانت تميل إلى أفكار الشعوذة وتهوى اللجوء إلى العرافة طوال الوقت. فوجد الأب من هذا العرض للزواج والسفر بعيدًا عن المغرب حلًّا لحياة مليكة وفرصة للخروج من تأثير الأم عليها في هذه الأمور. فرحّب بهذا العرض وأخبر مليكة أنه يشعر بالراحة لهذا الموضوع. وطلب منها أن تطلب منه بياناته بالكامل. وأن يأتي إلى المغرب لزيارتهم لمدة أسبوع على الأقل ليمكث معهم فترة وجيزة في البلدة للتعرف عليه، كل ذلك بينما كانت الأم غير راضية عن ذلك الموضوع ولكنها رضخت لهما على استحياء.
أسرعت مليكة إلى البيت للتحدث إلى خالد واتصلت به قائلة له:
- لقد تحدثتُ مع أبي في عرض الزواج، وأخبرته عن رغبتك في ذلك.
فأجابها خالد بفرح:
- لا أصدق أنّ أباكِ وافق على الزواج. أنا أطير فرحًا الآن وسأبدأ من الغد عمل ما يلزم للسفر. أشعر أن هذا الأسبوع سيكون أسعد أيام حياتي.
تحاورا معًا في حبٍّ وسعادةٍ وبالفعل بدأ خالد في إجراءات السفر للمغرب وحصل على إجازة من العمل واتصل بمليكة وأخبرها بميعاد وصوله.
شعرت مليكة بالسعادة الغامرة وأخبرت أمها وأباها بميعاد وصوله. ولكنّ الأم لم تكن سعيدة بذلك، فتركتهما يرتبان المنزل للاستعداد لقدوم العريس "خالد" وذهبت إلى العرافة الساكنة في الكهف المظلم في ظلام الليل الدامس.
مشت الأم على أطراف أصابعها حتى وصلت إلى الكهف المظلم، لتشاور العرافة بأمر ابنتها وكالعادة شعرت بالخوف الشديد؛ لأن المكان أصبح مخيفًا أكثر مما كان عليه في السابق وظهرت العرافة فجأة لها، لتخبرها بأن ما جاءت إليه لن تستطيع الوقوف دون حدوثه قائلة:
- ما الذي جاء بكِ إلى هنا؟
وقبل أن تخبرها الأم بشيء أجابتها العرافة:
- لن تستطيعي أن تفعلي شيئًا. كل شيء مكتوب، كل ما أستطيع أن أفعله لكِ أن تأخذي هذه الحبوب وحاولي أن تواظب "مليكة" على تناولها يوميًّا. فهذا سيحميها، انصرفي الآن.
فرجعت الأم مسرعة إلى البيت، وسألها الحاج عرفة:
- أين كنتِ؟
- كنت هنا قريبًا عند جارتي.
لم يبدُ على وجه الحاج عرفة الاطمئنان، ولكنه حاول التحدث في أمور أخرى، لكي لا يلفت انتباه "مليكة" عما تفعله أمها. وقرر التركيز مع خالد أكثر مما كان ينوي.
وبالفعل جاء ميعاد وصول الطائرة، فذهب الحاج عرفة لاستقبال خالد في المطار.
كان خالد يتمتع بالنظر إلى الطبيعة الخلابة في بلاد المغرب في أثناء سيرهما. وأخبر الحاج عرفة أنه يشعر بالسعادة كثيرًا فهو متشوق لرؤية مليكة. وطلب منه الإسراع في السؤال عنه وعن عمله وأهله لكي يبدأ في عمل الورق اللازم للزواج.
وصلا إلى القرية واقتربا من البيت. ثم طرق الأب الباب ففتحت لهما "مليكة" ووجها يملؤه الشغف لرؤية وجه حبيبها. فهي تراه لأول مرة على الطبيعة.. فتصافحا يدًا بيدٍ طويلًا، ولم يشعرا كم طال من الوقت ويدهما متلامستان، إلا أن "خالد" قد شعر برهبة بسيطة في قلبه حينما نظر إلى عيني مليكة التي تشبه عيون القطة، هما عينان جميلتان تلمعان، من شدة جمالهما قد أصبحتا مخيفتين. ولكنه أفاق نفسه بسرعة وتدارك أنه الجمال الخلاب الذي يبهر العين. ثم سلَّم على الأم، حيث شعر منذ الوهلة الأولى أنها لا ترحب به، ولكنه قد فسر ذلك لنفسه قائلًا: "إن حبها الشديد لابنتها هو وراء تلك النظرات".
كان الأب قد جهز غرفة الضيوف خارجًا بالفناء، وطلب منه الذهاب إلى تلك الغرفة للاستراحة.
بعد تناول الطعام ذهب خالد إلى غرفة الضيوف ونام حتى منتصف الليل، وعندما استيقظ شعر بهدوءٍ شديدٍ في الخارج، ولكنه سمع صوت خرفشة خارج الغرفة.
لم يكن خائفًا في البداية ظانا منه أنها قطة ولكنه عندما أزاح ستار الغرفة بهدوء شديد، وتخفى من وراء الستارة، صُدم بوجهٍ أسودَ غريبٍ ملاصقٍ للزجاج أمام عينيه ففزع وصرخ صرخة كبيرة سمعها البيت كله فنزلت مليكة من غرفتها مسرعة هي وأبوها وأمها.
طرقت "مليكة" الباب بشدة، ففتح خالد باب الحجرة، وتصرف كأنه لم يرَ شيئًا البتة. فسألته الأم قائلة:
- لماذا صرختَ بشدة؟
فأجابها:
- أنا لم أسمع أي صرخة أو أي صوت، لقد كنت نائمًا.
فتحدث الأب قائلًا:
- لعل الصوت جاء من جانب الجبل، وقد اختلط علينا الأمر، فلتأتِ معنا لنشرب القهوة ونتحدث قليلًا.
لقد كذب خالد بشأن صرخته؛ لم يشأ أن يرتاب الحاج عرفة منه، أو يظنه شابًّا ضعيفًا في نفسه.
ذهب خالد معهم إلى داخل البيت وبدأوا في الحديث.
كان الأب مشغولًا بالاتفاق مع خالد على أمور الزواج، وكانت "مليكة" فرحة بأمر زواجها. أما الأم فكانت قلقة وغير مطمئنة له، إلا أنها كانت مطمئنة لما قالته لها العرافة.
بدأ خالد يخرج مع "مليكة" للتنزه فأخذتهما أرجلهما للتنزه في طريق الجبل الذي كانت "مليكة" دائمة النظر إليه منذ صغرها.
خالد: ما هذا الجمال الساكن في ذلك الجبل؟! أترين؟! جمال عينيكِ يتناسب مع جمال الجبل يا "مليكة".
فاحمر وجهها خجلًا وقالت له:
- كنت أخاف من ذلك الجبل، أما الآن فأنا أحبه لأنني معك.
فأمسك بيدها؛ ليقبلها قبلة الأمراء وكأنه فارسٌ يمتطي الجواد ومن ورائه الأميرة الجميلة ذات عيون القطة البراقة.
استمتعا بأوقاتهما وكأنهما يطيران من فوق الأرض، ثم عادا إلى البيت واتفقا على النزول إلى البلدة في اليوم التالي.
وكانت "مليكة" تشعر ببالغ السعادة.
في اليوم التالي انطلق العروسان إلى البلدة بكلّ نشاطٍ وهمة. وكانت "مليكة" تود التجول في طرقات البلدة إلا أن "خالد" دائمًا يتجه صوب الجبل، وكأن شيئًا ما يدفعه للسير إلى هناك.
كانت مليكة تقنعه للدخول إلى عمق الزحام في القرية. إلا أنه كان ينسحب بشكل هادئ ورقيق فهو عاشق للهدوء والمناظر الطبيعية.
وتجد "مليكة" نفسها متجهة معه صوب الجبل وكأنها تساق سوقًا إليه.
في بداية اليوم كانا يستمتعان وكانا يتبادلان الحوار بشكل لطيف، ثم بدأت الشمس تغيب.
تحدثت مليكة قائلة:
- خالد! هيا بنا..... لا أستطيع المكوث في هذا المكان عند الظلام.. المكان صار يخيفني. هيا بنا نستعد للرجوع فأنا خائفة.
فأجابها خالد:
- أتخافين وأنا معك؟ لا تقولي ذلك مرةً أخرى فأنا حارسك الأمين يا مولاتي.
نظر في عينيها الجميلتين التي تشبه عيون القطة وأمسك بيدها برفق ليقبلها قبلة الملك لملكته، لكنها فزعت بشدة وارتجفت وبعدت عنه. ثم بدأت تجري مسرعة للابتعاد عن الجبل.
لم يكن خالد يتوقع ردة فعل "مليكة" وبدأ باللحاق بها إلا أنها أسرعت بشكل جعلها تختفي بين الأشجار حتى أنه لا يستطيع أن يراها فقد بدأ الظلام يسود شيئًا فشيئًا....
- أين أنت يا مليكة؟ مليكة! أين أنت؟ لا أستطيع أن أراكِ.
فزع خالد وبدأت أعصابه تتوتر... ثم صار يمشي في هدوء بين الأشجار لا يسمع سوى صوت الغابة الملاصقة للجبل وكأن كل شيء قد تغير فجأة؛ فقد تحولت الصورة البريئة للجبل التي كان يعشقها إلى صورة مخيفة ومرعبة.
لم يستسلم خالد وظل يجري بين الأشجار للبحث عن حبيبته التي اختفت بعد أن كانت بين يديه منذ لحظات.
بينما خالد ينادي على مليكة إذ بيدين تطبطب على كتفه ففزع وتسمّر مكانه كالصنم وهرب دمه وشل لسانه عن النطق. ثم التفت إلى الوراء ليرى من يكون، فوجد مليكة تمسك به وهي خائفة وتلتصق به كالطفلة التي تحتمي بأبيها.
مليكة: قلت لك أريد أن أرحل من هنا.
خالد: ما الذي أفزعكِ هكذا؟! ما الذي جعلكِ تركضين بهذه السرعة؟
مليكة: لا شيء. أتوتر من وجودي بالقرب من هذا الجبل.
فهدأها خالد وعادا راجعين إلى البيت.
لم يكن يدرك خالد ما يحدث لمليكة، شرد بذهنه قليلًا..... لكنه لم يمعن التفكير بعمق عما حدث لها.
وصلا إلى البيت ويعلو وجهيهما الشحوب قليلًا.
نصبت الأم عينها على ابنتها قائلة:
- ما بكِ يا مليكة، يعلو وجهك الخوف وكأنك كنتِ تركضين.
تلاعبت "مليكة" بالكلام مع أمها، وأبدت لها الفرحة المزيفة والضحكة المصطنعة، حتى لا تشك في كلامها. ثم دخل الحاج عرفة من الباب سائلًا عن العشاء.
فأسرعت الأم إلى المطبخ هي و"مليكة" لإعداد العشاء، وذهبا كلّ من خالد والحاج عرفة للجلوس في الفناء خارجًا.
سأل خالد الحاج عرفة قائلًا:
- يسعدني أن أطلب منك يا عمي، يد ابنتك "مليكة".
فسكت الحاج عرفة قليلًا، ثم أجابه:
- أشعر بطيبتك يا خالد. كما أستشعر حبك لابنتي، سألت عنك في عملك وعلمت نزاهتك واجتهادك. لذا........ أقولها الآن، أنا موافق يا خالد.
فطار خالد فرحًا وسعادةً واحتضن الأب ثم أسرع مناديًا لمليكة.
فجاءت "مليكة" ملبية نداء حبيبها وعريسها، وهي تحفها الفرحة. فقد استشعرت موافقة أبيها.
عمَّت الفرحة البيت كله، إلا أنّ الأم لم تكتمل فرحتها؛ فهي خائفة من شيء ما.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.