hindawiorg

شارك على مواقع التواصل

الناس الذين يعيشون هناك في الشمال. كما ترى، في هذا الحلم — أَيٍّا ما كان — »
كنتُ رجلًا عظيمًا، رجلًا من النوع الذي يضع الناسُ ثقتهم فيه، ويتجمَّعون حوله. كان
ملايين من الرجال الذين لم يروني قطُّ على استعدادٍ للقيام بأشياء والمُخاطَرة بأشياء بسبب
ثقتهم في شخصي. ظللتُ ألعب تلك اللعبة لسنوات، تلك اللعبة الكبيرة الشاقة، تلك اللعبة
السياسية الغامضة، الوحشية وسط المكائد والخيانات، والخطب والتحريضات. كان عالَمًا
مضطربًا شاسعًا، وفي النهايةصار لي نوعٌ من الزعامة على الجماعة — كما ترى كان يُطلَق
عليها الجماعة — وحاولتُ التعايُشَ مع المخطَّطات الوضيعة والأطماع الدنيئة والحماقات
والشعارات الشعبية الانفعالية الهائلة. تلك الجماعة التي أبقت العالَمَ في حالةٍ من الصخب
وإخفاء الحقائق عامًا تلو عام، وطوالَ ذلك الوقت كان العالَم ينجرف، ينجرف نحو كارثةٍ
لا حدَّ لها. بَيْد أنني لا يمكنني أن أتوقَّع منك أن تفهم ظلالَ وإشكالاتِ عامٍ مستقبلي غير
محدَّد. لقد كنتُ أعرف كلَّ شيء — حتى أدق التفاصيل — في حلمي. أفترِض أنني كنت
أحلم بالأمر قبل أن أصحو، وظلَّتْ عالقةً بذهني لمحةٌ آخِذة في التلاشيلتطوُّرٍ جديدٍ غريب
كنت قد تصوَّرتُه أثناءَ فَرْكي عينيَّ. كانت مسألةٌ ما قَذِرة هي التي جعلَتْني أشكر الربَّ
على نور الشمس. جلست على الأريكة وظللتُ أنظر إلى المرأة، شاعرًا بالفرح؛ شاعرًا بالفرح
أنني ابتعدتُ عن كل ذلك الاضطراب والحماقة والعنف قبل فوات الأوان. وقلت لنفسي:
هذه هي الحياة على أي حال؛ حب وجمال، رغبة وسرور، أليس كلُّ هذا جديرًا بكل تلك
الصراعات الكئيبة من أجل نهايات غامضة وهائلة؟ ولُمْتُ نفسي لأنني سعيت يومًا لأن
أكون قائدًا، في حين أنه كان من الممكن أن أَهَبَ أيامي للحب. وقلتُ لنفسي: ولكنْ لو لم
أكن قد أمضيتُ أيامي الأولى في شدةٍ وشَظَف، لَربما كنتُ سأهدر نفسي على نساءٍ تافهات
ووضيعات. وعندما جالَتْ تلك الفكرةُ بخاطري، استغرَقَ كلُّ كياني في حبٍّ وحنانٍ نحو
خليلتي الغالية، حبيبتي الغالية، التي جاءت أخيرًا وأجبرَتْني — أجبرَتْني بسحرها الذي لا
أملك قهره — على أن أتخلَّى عن تلك الحياة.
أنتِ تستحقين. أنتِ تستحقين » : فقلت وليس في نيتي أن أجعلها تسمع ما أقول
« عليك » يا محبوبتي؛ تستحقين الفخرَ والمديحَ وكلَّ الأشياء. أيها الحب! إن الحصول
فاستدارت على إثر صوت همهمتي. «. يَعْدِلها مجتمعة
تعالَ وانظرْ. (أستطيع سماعها الآن) تعالَ وانظرْ إلىشروق الشمس على » : وصاحت
«. جبل سولارو
أتذكر كيف أسرعتُ بالوقوف وانضممتُ إليها عند الشرفة. وضعَتْ يدَها البيضاء على
كتفي وأشارَتْ نحو كُتَل هائلة من الحجر الجيري بَدَتْ وكأنها تنبض بالحياة. نظرتُ
إليها، ولكني انتبهت أولًا إلىضوء الشمسعلى وجهها وهو يلاطِف قسمات خدَّيْها وعنقها.
«… كيف يمكنني أن أصف لك المشهد الذي كان أمامنا؟ كنا في جزيرة كابري
« فيرو كابري » سبَقَ أنْ كنتُ هناك. لقد تسلَّقتُ جبلَ سولارو وشربتُ عند القمة » : قلت
«. — وهو مشروب داكن اللون يشبه نبيذ التفاح
حسنًا! إذن ربما يمكنك أن تخبرني؛ فسوف تعرف » : قال الرجل ذو الوجه الشاحب
إنْ كانت هذه هي بالفعل جزيرة كابري أم لا؛ لأنني في هذه الحياة لم أَزُرْها مطلقًا. دَعْني
أصفها لك: كنا في غرفة صغيرة، كانت واحدة من عدد هائل من الغرف الصغيرة، وكانت
أنيقة جدٍّا ومشمسة، ومحفورة في الحجر الجيري بما يشبه اللسان البحري، ومرتفعة جدٍّا
فوق البحر. كانت الجزيرة كلها فندقًا واحدًا ضخمًا، معقَّدًا على نحوٍ يفوق الوصف، وفي
الناحية الأخرى كانت الفنادق العائمة تغطي أميالًا، كما كانت توجد منصات عائمةضخمة
بالطبع، لم يكن أيٌّ من ذلك .« مدينة المتعة » كانت تهبط إليها الطائرات. أطلقوا عليها اسم
أيٌّ من ذلك. « الآن » موجودًا « ليس » : موجودًا في زمنك — أو بالأحرى، ينبغي عليَّ أن أقول
بالطبع. الآن! — نعم.
حسنًا، غرفتنا هذه كانت عند أقصىاللسان البحري، بحيث يتسنَّى للمرء رؤية الشرق
والغرب. شرقًا كان يوجد جُرْف عظيم، ربما كان ارتفاعه ألفَ قدم، لونُه رمادي شاحب
عدا حافَّة ذهبية برَّاقة، وبعده توجد جزيرة سيرنز، وشاطئ منحدِر تلاشى واندمج في
شروق الشمس المتوهج. وعند تحوُّل المرء نحو الغرب، كان يوجد خليج صغير بادٍ وقريب،
وشاطئ صغير هاجع في الظل. ومن وسط ذلك الظل برز جبل سولارو، مستقيمًا وشاهقًا،
ومتلألئًا وذا قمةٍ ذهبيةٍ، كجميلة متربعة على عرشها، والقمر الأبيض يسبح خلفها في
السماء. وأمامنا من الشرق إلى الغرب امتد البحر المخضب بألوان كثيرة تتناثر على سطحه
كله قواربشراعية صغيرة.
إلى جهة الشرق — بالطبع — كانت هذه القوارب الصغيرة رماديةً وشديدةَ الدقة
والوضوح، ولكن إلى جهة الغرب كانت قوارب صغيرة ذهبية؛ لونها ذهبي لامع على نحوٍ
أشبه بنيران صغيرة. وتحتنا تمامًا كانت توجد صخرةٌ نُحِت خلالها قوسٌ. وتحوَّلَ لون
ماء البحر الأزرق إلى لون أخضروقد أحاط الزَّبَد بالصخرة، وجاءت سفينةشراعية كبيرة
«. تنزلق خارجةً من القوس
«.« فاراليوني » إنني أعرف هذه الصخرة. كدت أغرق هناك. إنها تُدْعى » : قلت
عليها ذلك الاسم. « أطلقت » نعم، لقد ؟« فاراليوني »» : قال الرجل ذو الوجه الشاحب
«… كانت هناك قصة ما … ولكن ذلك
لا، لقد نسيتُ هذه القصة. » : وضع يده على جبهته ثانيةً، وقال
حسنًا، ذلك هو أول شيء أذكره، أول حلم حلمت به، تلك الغرفة الصغيرة الظليلة
والهواء والسماء البديعان وسيدتي المحبوبة تلك، بذراعيها اللامعتين وثوبها الأنيق،
وجلوسنا وحديث أحدنا للآخر بصوت أعلى قليلًا من الهمس. تحدَّثنا همسًا، ليس لأنه
كان هناك أحد يسمعنا، ولكن لأنه كان ما زال هناك جِدة كبيرة في العقل فيما بيننا، حتى
إن أفكارنا كانت — حسبما أظن — خائفة قليلًا من أن تجد نفسها أخيرًا في كلمات؛ ولهذا
خرجت بنعومة.
في ذاك الوقت شعرنا بالجوع، وخرجنا من غرفتنا، مارَّيْن بممر غريب له أرضية
متحركة، حتى وصلنا إلى غرفة الإفطار الكبرى؛ هناك كانت توجد نافورة وموسيقى. كان
مكانًا يبعث على البهجة والفرح، بما فيه من ضوء الشمس ورذاذ الماء، ودندنة النقر على
الأوتار. جلسنا وأكلنا وابتسم كلٌّ منا للآخر، ولم أبُالِ برجلٍ كان يراقبني من طاولة قريبة.
وبعد ذلك تابعنا سيْرَنا إلى قاعة الرقص، لكنني لا أستطيع أن أصف هذه القاعة؛ كان
المكان شاسعًا، أكبر من أي مبنًى رأته عيناكَ من قبلُ، وفي أحد الأماكن كانت توجد بوابة
كابري العتيقة، معلَّقة عاليًا على جدارِ بهوٍ مُعَمَّد. وعوارضُ الإضاءة، والجذوعُ والعروق
الذهبية، انبثقَتْ من الأعمدة كالنافورات، وتدفَّقت كشفقٍ عبر السقف وتداخلت، مثل …
مثل خدع سحرية. وفي أرجاء دائرة الراقصين الكبيرة كانت هناك أشكالٌ جميلة، وتنانينُ
غريبة، وأشكالٌ معقَّدة ورائعة منحوتة من فن الجروتسك حاملة للأضواء. كان المكان
مغمورًا بضوء صناعي يفوق ضوء النهار الوليد. وأثناء سيرنا عبر الحشد استدار الناس
ونظروا إلينا؛ لأن اسمِي ووجهي كانا معروفين في كل أنحاء العالم، وكان معروفًا كيف أني
فجأةً قد نبذتُ مكانتي وكفاحي حتى أذهب إلى هذا المكان. ونظروا أيضًا إلى السيدة التي
كانت بجواري، على الرغم من أن معظم قصةِ كيف جاءتني أخيرًا كانت غير معروفة أو
أسُِيئَتْ روايتها. وأعرف أن قلة من الرجال الذين كانوا هناك اعتبروني رجلًا سعيدًا، على
الرغم من كل الخزْي والعار اللذين لحقَا باسمي.
كان الهواء مُشبعًا بالموسيقى، مُشبعًا بعطور متناغمة، مُشبعًا بإيقاع الحركات
البديعة. احتشد آلاف الناس الِملَاح في أنحاء القاعة، وازدحمت بهم الأروقة، وجلسوا في
عددٍ لا يُحصَى من الخلوات؛ كانوا يلبسون ثيابًا ذات ألوان رائعة ومُتوَّجين بالزهور،
رقَصَ الآلاف في أرجاء الدائرة الكبيرة تحت الرسوم البيضاء للآلهة القديمة، وتعاقَبَتْ
جَيْئةً وذهابًا جماعاتٌ عظيمة من الشبَّان والصبايا. ورقصكلانا، ليس الرقصات الرتيبة
الكئيبة الموجودة في أيامكم — أقصد في هذا الزمن — ولكن رقصات كانت جميلة، وتسلب
اللبَّ. وحتى الآن يمكنني أن أرى حبيبتي ترقص؛ ترقص رقصًا يبعث على الابتهاج.
أتعْرِفُ؟ كانت ترقص بوجهٍ جاد؛ كانت ترقص بجلال جاد، ومع ذلك كانت تبتسم لي
«. وتلاطفني؛ تبتسم وتلاطف بعينَيْها
كانت الموسيقى مختلفة؛ كان لحنها … لا يمكنني وصفه، ولكنه كان » : ثم تمتم قائلًا
أكثرَ ثراءً وتنوُّعًا بما لا حدَّ له من أيِّ موسيقى عرضَتْ لي من قبلُ وأنا مستيقظ.
ثم بعد ذلك — عندما انتهينا من الرقص— جاء رجل ليتحدث إليَّ. كان رجلًا نحيلًا،
ثابت العزم، وكانت هيئته مكتسية بجدية بالغة لا تليق بذلك المكان، وكنتُ من قبلُ قد
ميَّزتُ وجهَه وهو يراقبني في قاعة الإفطار، وبعد ذلك بينما كنا نسلك الممر، تجنَّبتُ النظرَ
إليه. ولكن الآن، بينما كنا نجلس في مختلًى نبتسم لابتهاجِ كلِّ الناس الذين مضوا جَيْئةً
وذهابًا عبر الرَّدْهة المتلألئة، جاء ولمسني وتحدث إليَّ؛ لذا كنتُ مُجبَرًا على الإنصات إليه.
وطلب أن يتحدث إليَّ لوقت قصير على انفراد.
«؟ لا، ليس لديَّ أسرار لأخفيها عن هذه السيدة. ماذا تريد أن تخبرني » : قلت
قال إنه أمر عديم الأهمية — أو على الأقل أمر ممل — لا يستحق أن يُلقى على سمعِ
سيدة.
«. لعله لا يستحق أن يُلقى على سمعي » : قلت
نظر إليها، كما لو كان يستعطفها، ثم سألني فجأةً إنْ كنتُ قد سمعت عن تصريحٍ
جللٍ وانتقاميٍّ أدلى به جريشام. للتوضيح، كان جريشام دومًا الرجلَ التالي لي في قيادةِ
ذلك الحزب العظيم في الشمال. كان رجلًا عنيفًا، وقاسيًا، وعديمَ اللياقة، وكنتُ أنا الوحيد
القادر على التحكُّم فيه وكَبْح جماحه. كان هو السببَ، وربما أكثر مني — حسبما أظن —
فيما أبداه الآخَرون من جزع شديد لانسحابي؛ لذا فهذا السؤال عمَّا قد فعله أيقَظَ لِلَحْظة
فقط شغفي القديم بالحياة التي كنتُ قد نحَّيْتُها جانبًا.
«؟ إنني لم أوُلِ اهتمامًا بأي أخبار منذ وقت طويل. ما الذي كان جريشام يقوله » : قلت
حينها ابتدأ الرجلُ الكلامَ وهو شديد الحماس، ويجب أن أعترف على أي حال أنني
شعرت بالصدمة من حماقة جريشام الهوجاء في العبارات الطائشة والتهديدية التي
استخدمها. وهذا الرسول الذي أرسلوه إليَّ لم يخبرني بكلام جريشام فحسب، ولكنه
أيضًا مضى يطلب النصحَ ويبيِّن ما كانوا يحتاجونه مني. وبينما كان يتحدث، جلسَتْ
حبيبتي مائلةً إلى الأمام قليلًا تراقب وجهَه ووجهي.
فرضَتْ عاداتي القديمة الخاصة بالتخطيط والتنظيم نفسَها من جديد، بل إني كنت
أستطيع حتى أن أرى نفسي وقد عدتُ فجأةً إلى الشمال، وكلَّ التأثير الدرامي الناتج عن
الأمر؛ فكلُّ ما قاله ذلك الرجل شهد بالاختلال الواقع في الحزب بالتأكيد، ولكن ليسبخرابه.
ينبغي عليَّ أن أرجع أقوى مما جئتُ، ثم فكَّرتُ في حبيبتي. كيف يمكنني أن أخبرك؟ كانت
هناك خصائصمعينة اتَّسمت بها علاقتُنا — وبالوضع الحالي لستُ بحاجةٍ إلى أنْ أخبرك
عن ذلك — وتلك الخصائص كانت ستجعل وجودَها معي مستحيلًا؛ لذا كان يتعيَّن عليَّ
تَرْكها. في واقع الأمر، كان يتعين عليَّ أن أهجرها بوضوح وصراحة، إنْ كنتُ سأفعل كلَّ
حتى حين تحدَّث إليها وإليَّ، ،« ذلك » ما في مقدوري فعله في الشمال. وكان الرجل يعرف
عرف — مثلما عرفَتْ هي — أن خطواتي نحو أداء الواجب كانت: الانفصالَ عنها أولًا،
وهجْرَها ثانيًا. وما إنْ جالَتْ تلك الفكرة بخاطري حتى تحطَّمَ حلمي بالعودة، واستدرتُ
فجأةً نحو الرجل بينما كان يتخيَّل أن بلاغته كانت تحرز تقدُّمًا معي.
ما الذي من المفترضبي أن أفعله الآن؟ لقد انتهَتْ صلتي بهم. أتظن أنني » : فقلت له
«؟ أتدلَّل على قومك بمجيئي إلى هنا
«… لا، ولكن » : قال
لماذا لا تدعني وشأني؟ لقد انتهيتُ من هذه الأمور. لقد توقَّفتُ عن كلِّشيء وأرغب »
«. أن أكون رجلًا يهتمُّ بحياته الخاصة
حسنًا، ولكنْ هل فكَّرتَ في الأمر؟ هذا الحديث عن الحرب، وهذه التحديات » : رد قائلًا
«… الهوجاء، وهذه الأعمال العدائية البربرية
فانتصبتُ واقفًا.
لا، لن أستمِعَ إليك. لقد وضعتُ في حسباني كلَّ تلك الأمور وقيَّمْتُها، » : وصحتُ قائلًا
«. وعزلتُ نفسي عن كل هذا
بَدَا عليه أنه يفكِّر في إمكانية الإلحاح؛ فنقل نظره مني إلى حيث جلسَتِ السيدة التي
كانت تنظر إلينا.
ثم تحوَّلَ عني ببطء ومضىبعيدًا. «. الحرب » : وقال وكأنه يكلِّم نفسه
وقفت، وأنا واقع في دوَّامة من الأفكار التي أطلقَتْها مناشدتُه لي.
وسمعت صوت حبيبتي.
«… ولكن يا حبيبي إنْ كانوا بحاجةٍ إليكَ » : قالت
لم تستكمل جملتها، وتوقَّفت عن مُواصَلة الحديث عند هذا الحد. وتحوَّلتُ بناظِرَيَّ
صوبَ وجهها العَذْب، وشعرتُ باتزانِ حالتي المزاجية يضطرب ويَخْتل.
إنهم يريدونني فحسب أن أفعل الشيء الذي لا يجْرُءون على فعله بأنفسهم. » : قلت
«. إن كانوا لا يثقون في جريشام، فعليهم تسوية الأمر معه بأنفسهم
نظرتْ إليَّ في تشكُّك.
«… ولكن الحرب » : قالت
رأيتُ شكٍّا باديًا على وجهها، كنتُ قد رأيتُه من قبلُ، شكٍّا في نفسها وفيَّ؛ الطيف الأول
للاكتشاف الذي لا مناصَمن أن يفرِّق بيننا إلى الأبد — حسبما ارتأيتُ بقوةٍ وبلا شك.
حينها، كنتُ أملك عقلًا أكبر من عقلها، وبإمكاني أن أقنعها بهذا المعتقَد أو ذاك.
يا حبيبتي، لا حاجةَ لأنْ تكلِّفي نفسَكِ عناءَ الانشغال بهذه الأمور. لن تكون » : قلت
هناك حرب. بالتأكيد لن تكون هناك حرب؛ لقد ولَّى زمان الحروب. وثقي في معرفتي
بعدالة هذا الظرف؛ فهم ليس لهم — يا حبيبتي — أيُّ حقٍّ عليَّ، وليس لأحدٍ حقٌّ عليَّ. لقد
«. كنتُ حرٍّا في اختيار حياتي، ولقد اخترتُ هذه الحياة
«… « الحرب » ولكن » : قالت
فجلستُ بجوارها. ووضعتُ إحدى ذراعيَّ خلف ظهرها وأمسكتُ بيدها، وعقدتُ النيةَ
على أن أبُعِدَ عنها ذلك الشك؛ عقدتُ النية على أن أملأ عقلَها بأمورٍ سارَّة ثانيةً. لقد كذبتُ
عليها، وبكذبي عليها كنتُ أكذب على نفسي أيضًا. وكانت هي على أتمِّ استعدادٍ لتصديقي،
كانت على أتمِّ استعدادٍ للنسيان.
جروتا ديل » سرعان ما ذهب عنا الطيف ثانيةً، وكنا نحثُّ الخُطَى صوبَ مسبحنا في
حيث كان من عادتنا أن نسبح كلَّ يوم. سبحنا ورششنا الماء أحدنا على ،« بوفو مارينو
الآخَر، وفي تلك المياه المبهجة بَدَا أنني أتحوَّل إلىشيءٍ أخفَّ وأقوى من كوني رجلًا. وأخيرًا
خرجنا تتقاطر المياه من جسدَيْنا وأخذنا نمرح وتسابقنا وسطَ الصخور. ثم لبستُ رداءَ
استحمامٍ جافٍّا، وجلسنا ننعم بأشعة الشمس، وعندئذٍ أملتُ رأسي، وأرحتُها على ركبتها،
ووضعتْ يدها على شعري ومرَّرتْ يدها عليه برقةٍ بينما أخذتني غفوةٌ. وفجأةً، وكما لو أن
الأمر حدث مع نقرة شديدة على وتر كمان، استيقظتُ، ووجدتُ نفسي في فراشي في مدينة
ليفربول، في الحياة الحالية
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.