Darebhar

شارك على مواقع التواصل

لماذا حياة؟
هل أحببتها حقاً؟
وما الذي فيها يُحب؟
هل أدمنت وجودها؟
حياة لم تكن إنسانة عادية، ولكن شخص أشبه بالملاك وأقرب من رجوع الحياة للإنسان، جعلت قلبي ينبض من جديد، والروح تجري وتسعد بداخلي، جعلتني أرى الحياة بعيونها.
كلمة حُب لا تكفي للبوح بمشاعري لها، لا كلامي يعطيها ويكفيها حقها، نعم أحببتها وعشقتها، وكيف ذلك؟! لا أعلم، هل خُلقت بحبها؟ هل تقودني الأحداث لأرى حياة؟ هل هذا مقدر لي؟ أسئلة كثيرة ليس لها إجابة.
يُحب فيها كل شيء ويُغار عليها بشدة، فقد جعلت مني شخصاً أخر، وكأن بيدها خيوطاً تقربني منها رغم كل شيء، كالموج الهائج مع الهواء قرب الغروب وهي تشدك وتمسك بك رغم مقاومتك، لتصبح غريق في بحر حبها، وعشقها يملأ جسدك كالمياه حتى تصبح غريقُها.
أدمنتُ حبها فحبها ليس له مثيل ولا بديل، فمن ذاق الحب منها يدمنها، فأنا دونها شخص بلا هوية ولا مكان ولا زمان، فحبها يرويني وينمو بداخلي كوني أنا.
نعم أدمنت حبها أقولها كثيراً ولا أخشى، فحبها يجري بين عروقي ووجوده ينعش قلبي وينقي هوائي، فحبها يصعب الابتعاد عنه وكذلك التفكير في هجرها، فسريعاً ما أعود إليها.
أدمنتها للحد الذي به اعتنقت هواها
وأوصدت الأبواب وأعيش على ذكراها
أوقدت شموع كل ليلة لقلب يحيياها
وأخذتها معي كل صلاة بدعواها
معها أحببت دائي ودائي عشقها وأهواها
أحبها غاليتي.. فكيف للروح أن تنساها
كنت شخصاً طبيعياً جداً وعادياً للغاية وانطوائياً لا جديد في حياتي ولا استمتاع بها، حياتي عبارة عن عمل وأكل ونوم، لا لعب ولا سهرة مع الأصدقاء كأي شاب في عمري، أعمل كمهندس مدني بإحدى الشركات الهندسية.
كانت الحياة باهتة بلا معنى، ولا لون، كان السواد يعم أي مكان لا فرحة ولا بهجة، كأني دائما أعيش في فصل الخريف لا أرى ولا أعلم أن الشجر به زهور وألوانها جميلة كفصل الربيع، حتى جاءت حياة وتلونت الدنيا بأجمل الألوان.
أُدرك أن بداية كل يوم هو شروق الشمس حين رأيت حياة، ورأيت ابتسامتها فعلاً؛ هي بداية كل يوم سعيد، ضحكتها تبعث الفرح والسرور، وكأن شروق الشمس يبدأ من بين شفاها.
حياتي عبارة عن خيوط معقدة بين عقدة وعقدة شيء بسيط للغاية حتى أدركت أنها مليئة بالعقد، عند فك العقدة تُعقد مرة أخرى، حتى جاءت حياة فأمسكت الخيوط بيديها وحبل أفكاري بعقلها وبدأت تفك هذه العقد واحدة تلو الأخرى حتى أصبح الخيط سهلاً، والعقل بكلامها لين لا يعرف غير الحب والعطاء.
كانت مختلفة، مميزة، في الشكل والتفكير، كل شيء فيها مميز حتى الكلام معها لا تريده أن ينتهي ولا الحديث معها يشبعني، وكلما تحدثت معها تتمنى أن الحديث يستمر ولا ينتهي مهما حصل، كانت تفهمني بمجرد أن أتفوه بالكلام كُنت بالنسبة لها كتاباً مفتوحاً وهي حروفه وكلماته.
ملامحها بسيطة عيونها جريئة واسعة، صافية، نقية، أرى نفسي بداخلها من نقاء قلبها، لمعة عيونها تسحرني وكأن حب الدنيا كله داخل عينيها، عيونها تضحك قبل الشفاه، وأنا أكتب هذا الكلام أرى ملامحها فأبتسم.
فماذا أقول عن عيونها!
عيونها... ساحرة ماهرة
من نفسي أنا قد سلبتني
فأنا الأسير لجمالها
فما أجمله من امتلاك
لا أقوى على النظر إليها
أسلاسل من فضة تزينها!
وتتلألأ من شدة بريقها!
ستبقين على عرش قلبي
متوجة يا أحلى ملاك
غواص أنا أبحر في أعماقها
لا يضاهيها أحد من الحوريات
ولا أدري كم دقيقة مضت
أو كم جرت من الساعات
أعشقها بجنون حد الهلاك
كيف كان لقائي الأول بها، كيف وصلت إلى حياة؟ هل عن طريق الصدفة أم كان واقعاً وحلماً يتحقق؟!
أتذكر كل شيء خاصة هذا الموقف المشهود الذي تغيرت حياتي بعده كاملة، هكذا كان اللقاء...
أكانت صدفة!
تلك التي أزهرت
ياسمين حبك
في ثنايا القلب
أم قدرا محتوماً لألقاك...
أتذكر حين قررت أن أذهب إلى ذلك المقهى لأستمتع بعض الوقت وأرى وجوها جديدة؛ فحياتي أصبحت باهتة المعاني فالمكان مزدحم، والطرق شبه مغلقة، ولا أستطيع أن أصل للمكان الذي فكرت فيه.
فقررت في ذلك الوقت أن أنزل أقرب مكان لأحتسي فنجاناً من القهوة، تغيرت وجهتي تماماً وكأن القدر يريد أن يجمعني بها في نفس المكان.
دخلت المكان وجلستُ أمام أخر طاولة حتى أبتعد عن الناس وجاءني النادل يسألني ماذا أريد؟
فريد: لو سمحت ممكن فنجان من القهوة
النادل: حاضر يا فندم
وبعد لحظات شعرت بنسيم من الهواء وتغيرت رائحة المكان وكأنه يتزين لاستقبال شخص هام، ولم أعلم هل هذا إحساسي وأنا فقط من أحس به؟! ألوان المكان كادت أن تتغير ويتغير معها الديكور، حتى أصبحت في عالم من الخيال.
دخلت وكأنها تتحرك وكل شيء عداها ثابت لا يتحرك حتى الشارع أصبح هادئاً، سمعت خطواتها خطوة تلو الأخرى، يا له من قدر! يجمعني بها في نفس المكان ولم يكن على البال والخاطر، جلست أمام طاولة بجواري وطلبت فنجاناً من القهوة، ثم فتحت كتاباً كانت تحمله، تابعتها دون شعور مني، فقد كانت ترتدي فستاناً كالأميرات مليئاً بالزهور المبهجة.
المكان كان باهتاً لا روح ولا حياة، ولكن طاولتها كانت منيرة بأجمل الألوان وكأنها زهرة ملونة بين الزهور الجفاء في فصل الخريف، كالوردة التي أشرقت وظهرت من بين طيات الصخور تُجبرك على النظر إليها وتقول سبحان من خلق فأبدع.
على ما يبدو أن هناك مشكلة، فقد أتى النادل لها لتحدثه عن شيء ما بالقهوة.
حياة: لو سمحت القهوة على ما يبدو قد تغيرت فقد طلبت قهوة فرنسية وهذه تركية.
النادل: أسف لحضرتك يا فندم، غالباً تبدلت
حياة: ولا يهمك، شكراً لك
وعاد النادل إليّ أنا أيضا متأسفاً لما بدر منه خطأً فقد تم التبديل بين طلبي وطلبها، ولكن كنت معه رحيماً مثلما هي فعلت، فقد أبدل لها فنجان القهوة، أما أنا فأخبرته بأن القهوة الفرنسية جميلة فلا داعي لتغيرها.
يا له من حظ حتى أمسك فنجان قهوتها! كانت قهوة فرنسية غنية بالبندق، حتى اختيارها للأشياء كان مميزاً، كنتُ أنظر لها دائماً؛ فقد خطفت بصري، بل وقلبي من أول نظرة.
فريدة، أنيقة، جميلة، كالماسة الزرقاء المضيئة في المكان وتخطف الأنظار إليها كساحرة سحرتني من أول نظرة، أتابعها وأراقب حركاتها كنت أخاف أن ترمش عيني حتى لا ينقطع شعاع النظر إليها.
أرجوك ألا ترحلي؛ لا تتركيني ها هنا وحدي أرجوك بعض تمهل فأنا لا أعرف كيف عصف بي في كونك الجديد الغريب، أهذا صحيح؟! أيكون عشقاً من النظرة الأولى؟! هل ما قاله شوقي صحيح؟! (نظرة.. فابتسامة)
لا نظرة ولا ابتسامة؛ ربما “بل والأكيد" أنها لا تشعر بوجودي بينما أنا أكاد أن أغرق عشقاً وأصارع أمواجاً قوية، ماذا فعلت بي؟! أساحرة أنتِ؟ أم هذا قدري أعشق من أول نظرة؟
تلك النظرة التي
ملأت فؤادي
شوقاً وحنيناً عند رؤياك
عندها أيقنت تماماً
أن مخاض نسيانك
أمرٌ عسير
بدأت حياة ترتب أغراضها وتنتظر دفع الطلب من النادل حتى تقوم بدفع الفاتورة وتذهب، خرجت حياة من المكان بعد فترة وجيزة بعدما انتهت من فنجانها، يبدو أنها على عجل من أمرها.
أنا لا أعلم ماذا أريد؟ ترددت كثيراً، هل أذهب وراءها؟ أم أجلس مكاني وأقوم بسؤال النادل عنها؟
تسمرت أقدامي، الجو حار وأنا بداخل المكان أشعر بالبرودة فقد هربت الدماء من وجهي وأصبحت شاحباً هل هذا إحساس الحب؟ أم صدمة هذا الإحساس؟ شعور جديد وإحساس لأول مرة أتذوقه.
المكان بدونها أصبح بدون حياة، فهي حياة لكل شيء، لا داعي لوجودي هنا فقد ذهبت وذهب معها قلبي، تحدثتُ إلى النادل وسألته عن هويتها.
فريد: لو سمحت
النادل: نعم، تفضل
فريد: هل تأتي هنا دائما؟
النادل: منْ؟
فريد: الفتاة التي كانت تجلس على هذه الطاولة وذهبت الآن
النادل: إنها المرة الأولى
فصُدمّت، وخرجت مُسرعاً من المكان أبحث عنها في كل مكان، كالمجنون يذهب ولا يعلم وجهته وما الذي يبحث عنه، هل فقدت هويتك يا صديقي؟ هل ستحدثها عندما تراها أم تسير وراءها فقط؟ أشاهدها من بعيد بين الزحام وأذهب مسرعاً إليها؛ ولكن كان طيفها يلوح مبتعداً وألمحها مرة أُخرى من بعيد فأسارع إليها، ولكن لم تكن هي، لا تفقد الأمل يا صديقي فهي في عيونك لا تغيب.
هل هذا حلم؟ أم حقيقة ما أتمنى؟ سأنتظرها غداً في نفس المكان وأتمنى أن أراها مرة أُخرى ومرات عديدة، ذهبتُ إلى المنزل وأنا شخص جديد كمولود للحياة، سعيد بالحياة وعندي أمل في التغير، وكأن اللقاء بها كان كمثابة حياة جديدة تغير ما كان من قبل.
بين صمتي والأنين
وواقع حروفي الصماء
تنشغل في ذهني ألف حكاية
كل ليلة من أجلها وكل تفاصيلها هي
فهي زهر حبي الوليد
والشيء الجميل بداخلي
حتى وإن كان مجرد خيال قد رسمته
ولكنه أجمل من الواقع
خيال لا حياة ببعده
بل شوق جارف عنيد
نعم.. ذلك الخيال
الذي يحمي ما تبقى مني
ويلملم ما تبعثر من كسرات وحسرات
كسرات نفس وحسرات روح
من خذلان مكرر عتيد
كمن يتشبث بعصى
وسط أمواج البحر المتلاطمة
ترى هل سيقوى على الاستمرار
أم تلك العصا ستخذله
ونعود لصمتنا وأناتنا من جديد
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.