آلـة الزمـن
طرحت أفلام الخيال العلمي فكرة آلة الزمن اللي بتقدر تنقلك من زمنك للماضي أو المستقبل، وفضلت فكرة مثيرة لحد دلوقتي، ونفسنا تبقى حقيقة، بس الواقع إنها حقيقة فعلًا.
الدنيا كتير بتحطنا في لحظات صادمة، الوقت بيقف عندها، ضغطنا بيعلى وبنحس بالبرد حتى لو كنَّا في أغسطس، الدنيا بتلف ٣٦٠ درجة في ثانية، روحك بتطلع، نفسك مش بينتظم ،وعقلك بيتشل وبعدها بتكون شخص تاني خالص مختلف تمامًا عن الشخص اللي كان موجود من دقيقة، وكأنك دخلت آلة زمن ومش عارف تخرج منها، بتكبر سنين في دقايق معدودة، وبتلاقي حكمة رجل في السبعينات بتظهر فجأة، وتتكلم بلسانك، وتتصرف بدالك.
حاجات كتير بنتعرضلها فجأة ممكن تعمل كده بسهولة جدًّا، فقد عزيز، مرض، ألم، خسارة معينة، خذلان، خيانة أو أي حاجة تانية، وبتفضل ذكرى في ركن وحيد في روحك عمرك ما هتقدر تتجاهله، كل ما هتحاول تنساه هتلاقيه بيتسرّب لصورة من مشهد واضح قدامك عمرك ما قدرت تنسى تفاصيله، من لون وريحة وإحساس.
بعد كده هتلاقي الشوارع زي ما هي مافيش حاجة اتغيرت، العربيات ماشية، والناس بتشتري وتحاسب، وناس تانية في مطعم بتاكل، هتلاقي مسج دعوة لفرح، هتلاقي الهزار والبوستات على الفيس بوك مكملة زي ما هي، والناس هتشوفك عادي بنفس ملامحك، وممكن تكون بدأت تضحك وتاكل وتشرب بس ده كله من برا، وأنت من جواك بقيت واحد تاني، أنت بس بتتعايش لأن الدنيا مش بتقف عند لحظة، ولا بتقف على حد، أنت بتتجاوز عشان لازم تعيش وتكمل، وهي دي الحياة.
من دون مدة صلاحية
قد ننسى المواقف والتفاصيل، قد ننسى الأرقام والتواريخ والبشر، ولكن ثمة شيء لا يُنسى أبدًا حتى لو أُصبت بفقدان الذاكرة، شعورك تجاه الأشخاص والأشياء، إحساسك نحو الأماكن.
المشاعر من دون مدة صلاحية، في أحيان كثيرة نجد الذاكرة تخوننا، فتهرب منَّا ذكريات معينة، لكن سرعان ما نشعر بشيء يرتسم في وجوهنا، قد لا نفهم ولا ندرك ماهيتها، ولكن فقط نشعر.
موقف واحد
الدنيا مليانة مواقف كتير مع ناس أكتر، بس الإنسان هو موقف واحد، مش محتاج عمر ولا عِشرة عشان تعرف معدن اللي قدامك، موقف واحد بس كفيل يبين حقيقة الشخص.
إحنا بس اللي مش بناخد بالنا، أو بننسى، أو بمعنى أصح بنتناسى وبنتغافل ليبقى الود، خوف من المواجهة بقا، أو خوف من خسارة الناس، أو أي حاجة تانية هي السبب، المهم إن موقف واحد جميل قادر ينسيك أي مواقف وحشة قديمة، أو موقف واحد وحش يفكرك بكل المواقف الوحشة القديمة اللي أنت كنت بتتناساها.
لكل عملة وجهتان، ومحدش فينا كامل، ولو أنت عايز تشوف الحلو أو الوحش من اللي قدامك هتشوف ده، بس إحنا هنا مش بنتكلم عن مواقف عادية، إحنا لازم نتعامل مع الناس على أنهم بشر فيهم الخير والشر، إحنا بنتكلم عن موقف الحقيقة اللي بيبين الصورة الكاملة للي قدامك.
الموقف اللي بيشيل الصدأ من عينيك، ويخليك تقيم الشخص، وتحطه في مكانه المظبوط، فساعتها تكتشف إنك لازم تحطه وسط الدايرة الأقرب ليك، أو تكتشف العكس، إنك لازم تشيله من الدايرة أصلًا.
لحظة الحقيقة صعبة، خصوصًا لو بتكتشف حقيقة وحشة، بس لحظة مهمة عشان تكمل حياتك بصحة نفسية أفضل، عشان متتوقعش حاجة كويسة من شخص وميعملهاش، فتُحبط وتزعل وقلبك ينكسر.
حب نفسك قبل أي حد، واعرف إن صحتك النفسية أهم حاجة في الدنيا، ما دام مش بتأذي حد، الدنيا صغيرة أوي أوي وبتجري، فمش مستاهلة إنك تضيعها وتبذل مجهود مع اللي ميستاهلش، ببساطة عشان أنت اللي تستاهل.
ندوب الطفولة
بعض الجروح لا تُشفى، بل تكون ندوب مقاومة للأعوام والتجاعيد والمنطق، ندوب عالقة في أعماق الروح ليس لها مخرج، فقط لأنها ندوب الطفولة، ندوب جرحت أنامل ملساء لقلب لا يملك للشر مكان، ولا يعرف من الألوان غير البياض.
نكبر ونعيش أيامنا بها لا نقدر تغيير الماضي، ولا نستطيع إزالتها من داخلنا، فالحل هو الرفق بذلك الطفل الذي يعيش بداخلك ومعك وإلى الأبد، حاول أن تستوعبه وتحنو عليه، وكأنك ترى نفسك اليوم وأنت طفل، وتعتذر لها مما تألمت، وتقول لها ها أنا ذا اليوم، الشخص الذي طالما حلمنا سويًّا بأن نكون.
سلامًا ووردة
جرت العادة أن تُقاس قيمة الأشياء بندرتها، فكلما كانت نادرة الوجود زادت القيمة المادية والمعنوية لها، تتلألأ العيون وتضيء بمجرد النظر إليها، ويصبح اقتناؤها حلمًا تتمناه القلوب.
ولكن دائمًا مقياس البشر له رأي آخر، فندرة وجود الأشخاص من حولك لا يرتفع بهم مكانة، ولا يضعهم في قائمة الأشخاص المفضلين أو المحبوبين، لن تتذكره في خلوات صلاتك، ولن تذكره أصلًا في ذكرياتك.
على عكس هؤلاء الذين يحفرون مكانتهم الخاصة في الذاكرة، ويجبرون القلوب على محبتهم، والألسنة على الدعوات لهم، أولئك لا تخلو المواقف من ذكرهم، ولا المحن من حضورهم.
فسلاما على قلوبكم ووردة.
عندما تقرر النوم
عندما تقرر النوم وبينما تضع رأسك على الوسادة، تبدأ تلك الأفكار في النمو، وكأنها فرصتها الوحيدة، تتوقع أن تدخل في سبات عميق، و فجأة ترى نفسك غوّاصًا تسبح في بحر لا ينتهي، ولا ترى له شاطئ.
تُصاب بداء التفكير، ذلك الداء اللعين المعدي لكل أبناء جيلك، لا تجد له دواء مهما حاولت، يصاحبك حيثما كنت، حتى في نومك، وبين جفون أحلامك، تموت كل يوم وكل ساعة من فرط التفكير في كل ما حدث، والذي يحدث، والذي سوف يحدث، والذي لم يحدث أصلًا.
ما بين ذكريات الماضي، وتخيلات المستقبل، ودوافع الأمور وجوانبها، لتستلقي مجددًا مثقل بهموم رجل تسعيني خط العمر على وجهه تجاعيد الأيام، تسرح في الأمس والحاضر والغد، وتسأل أسئلة بلا مجيب.
وعندما ترى أنه لا جدوى تقرر أن تسجد لله، سجدة طويلة، بها دعاء وبكاء، شكوى ورجاء، تبوح بكل ما هو بداخلك، وترى الأفكار تتسرب واحدة تلو الأخرى بلا عناء، وتقوم بسكون وراحة عجيبة تسللت إلى أوردتك، فتشعر بالهواء لأول مرة داخل رئتيك، لتستلقي مجددًا وكأن شيئًا لم يصيبك.