artherconan

شارك على مواقع التواصل

كانت ليلةً قارصة البرودة، فارتدَينا معطفَينا وغَطَّينا رقبتَينا جيدًا برابطتَي عنق.
بالخارج، كانت النجوم تتلألأ في سماءٍ صافية وأجواءٍ باردة، وكانت أنفاس المارة تنبعث
على شكلِ دُخان وكأنها طلقاتٌ نارية كثيرة العدد. كان وقْع أقدامنا عاليًا وحادٍّا بينما
كنَّا نجُول في حيِّ الأطباء وشارع ويمبول وشارع هارلي، وكذا شارع ويجمور وصولًا إلى
شارع أكسفورد. وصلْنا في ربع ساعة إلى بلومزبيري عند نُزُل ألفا، وهو فندقٌ صغير في
زاوية أحد الشوارع التي تمتدُّ إلى هولبورن. دفع هولمز باب الحانة الخاصَّة وطلَبَ كوبَين
من الجِعة من صاحب المكان ذي الوجه المتورِّد والذي كان يرتدي مِئزرًا أبيضاللون.
«. لا بُدَّ أن تكون جِعتك ممتازةً إذا كانت على نفس القدْر من جودة إوزِّك » : قال هولمز
«! إوَزِّي » : بدا الرجل مُندهشًا وقال
أجل، لقد كنتُ أتحدَّث منذ نصفِ ساعة مع السيد هنري بيكر، العُضو في نادي الإوزِّ »
«. الخاصبك
«. أوه! أجل فهمتُك، ولكن كما ترى يا سيدي، فإوزَّته لم تكن من عندي »
«؟ فعلًا! فمنْ كان مصدرها إذن »
«. حسنًا، لقد حصلتُ على درزينتَين من الإوزِّ من بائعٍ في كوفينت جاردن »
«؟ حقٍّا؟ أعرف بعضهم. من كان البائع »
«. اسمه بريكينريدج »
أوه! لا أعرفه، حسنًا في نخب صحتك الجيدة وازدهارِ نُزُلك أيها المدير، تُصبح على »
«. خير
وأردف وهو يُزرِّر معطفه بمجرَّد «. والآن لنذهب إلى السيد بريكينريدج » : قال هولمز
تذكَّر يا واطسون أنه على الرغم من أنَّ لدَينا شيئًا » : خروجنا في الأجواء شديدة البرودة
بريئًا كالإوزَّة من ناحية، فإن لدينا من ناحيةٍ أخرى رجلًا سيُحكم عليه بالتأكيد بالحبس
لمدة سبعِ سنواتٍ مع الأشغال الشاقَّة ما لم ننجَحْ في إثبات براءته. من الممكن أن تؤكِّد
تحقيقاتُنا أنه مُذنب، ولكن، على أيِّ حال، لدَينا خيطٌ مفقود أغفلَتْه تحقيقاتُ الشرطة،
ولقد وقع في أيدينا من قبيل الصدفة. دعنا نتتبَّعه حتى نهايته المريرة. لنتوجَّه جنوبًا إذن
«! بخطوةسريعة
مَررْنا عبر هولبورن إلى شارع إيندِل وعبرَ سلسلةٍ من الأحياء الفقيرة إلى سوق كوفينت
جاردن. حَملَ واحدٌ من أكشاك البيع الكبيرة اسم بريكينريدج، وكان مالِكُه رجلًا ضخمًا
ذا وجهٍ حادٍّ وسوالفَ مُشذَّبةٍ ويُساعد صبيٍّا في إغلاق مِصراع المتجر.
«. مساء الخير، إنها ليلةٌ باردة » : قال هولمز
أومأ البائع وألقى نظرةً خاطفة مُتشكِّكة على رفيقي.
وأشار إلى الألواح الرخامية «. لقد بيعَتِ الإوزُّات كلها كما أرى » : أردف هولمز قائلًا
الخالية.
«. يمكنني أن أبيع لك خمسمائة صباح الغد »
«. هذا لا يُفيد »
«. حسنًا، يُوجَد البعضفي هذا الكشك الذي لدَيه شُعلة غاز »
«. أوه، ولكنهم نصحوني بالتوجُّه إليك »
«؟ من الذي رشَّحني لكَ »
«. مالكُ نُزُلِ ألفا »
«. أوه، أجل، لقد بِعْتُهُ بضع عشراتٍ منها »
«؟ لقد كانت طيورًا جيدة أيضًا. من أين حصلتَ عليها »
لدهشتي، أثار هذا السؤال موجةً من الغضب في نفس البائع.
حسنًا إذن، ما الذي » : قال ورأسه مائلٌ لأحد الجانبَين وذِراعاه موضوعتان على خصره
«. تقصده يا رجل؟ لنتحدَّث بوضوحٍ الآن
«. إنني واضح بما يكفي. أودُّ معرفة من الذي باعك الإوزَّ الذي بعتَهُ لنُزُل ألفا »
«!؟ حسنًا، لن أخُبرك. ماذا الآن »
«! أوه، إنها مسألةٌ غير مهمة، ولكنني لا أعلم لِمَ يُغضبك أمرٌ تافِه كهذا »
لِمَ أنا غاضِب؟! قد تُصبح غاضبًا إذا تعرَّضتَ للإزعاج مِثلي. عندما تدفع مبلغًا جيدًا »
من المال لتحصُل على سلعةٍ جيدة، فلا بُدَّ أن يتوقَّف الأمر عند هذا الحد، ولكن بدلًا من ذلك،
ما المبلغ الذي تُريده » و «؟ لمن بعتَ الإوز » و «؟ أين الإوز » ، تجد نفسك مُحاصرًا بالأسئلة
عندما يسمع المرء كلَّ هذه الجلَبَة المُثارة حول الإوز، يظنُّ أنه الإوزُّ الوحيد في «؟ لقاء الإوز
«! العالم
حسنًا، ليست لديَّ أي صِلةٍ بأيِّ أشخاص آخَرين كانوا » : قال هولمز بلا مُبالاة
يستفسرون عن الأمر. إذا لم تُخبرنا، فلن يعود الرهان قائمًا. هذا هو كلُّ ما في الأمر.
ولكن فيما يخصُّ الطيور، أنا على استعدادٍ دائم لأن أدعم رأيي، وأراهن بورقة خمسةِ
«. جنيهاتٍ على أنَّ الإوزَّة التي أكلتُها قد تَرَبَّت في الريف
«. حسنًا، إذن فقد فقدْتَ مَالَك؛ لأنها تَرَبَّت في المدينة » : سارع البائع قائلًا
«. هذا غيرُ صحيحٍ على الإطلاق »
«. بل صحيح »
«. لا أصُدِّق ذلك »
هل تعتقد أنك تعرِف عن الطيور أكثر منِّي، أنا من أرُبِّيها منذ أن كنتُ طفلًا؟ أقول »
«. لك إنَّ كلَّ الطيور التي بيعتْ لنُزُل ألفا قد تربَّت في المدينة
«. لن تُقنعني أبدًا لأصُدِّق ذلك »
«؟ هل تُراهن إذن »
ستخسَرمالك فحسْب، لأني أعلم أنني على صواب. ولكني سأرُاهنك على جنيهٍ ذهبي »
«. فقط لأُلقِّنك درسًا ألا تكون عنيدًا
«. أحضِرليَ الدفاتر يا بيل » : ضحِك البائع بشراسةٍ وقال
أحضَرَ الفتى الصغير دفترًا صغيرًا رفيعًا وآخَرَ ضخمًا ذا ظهرٍ مُشحَّم ووضعهما
أسفلَ الِمصباح المعلَّق.
والآن أيها السيد المغرور، كنتُ أظنُّ أنني قد بعتُ الإوزَّ كلَّه، ولكن قبل » : قال البائع
«؟ أن أغُلِق ستجِد أنه لا تزال هناك واحدةٌ فقط. هل ترى هذا الدفتر الصغير
«! حسنًا »
هذه هي قائمة الأشخاصالذين أشتري منهم. هل ترى؟ حسنًا، هنا في هذه الصفحة »
القائمة الخاصة بمُورِّدي الريف، والأرقام التي تلي أسماءهم تُشير إلى أماكن سجلَّاتهم في
دفتر الحسابات الكبير. والآن! هل ترى هذه الصفحة المكتوبة بالحبر الأحمر؟ حسنًا، هذه
قائمة بمورِّدي المدينة الذين أتعامَل معهم. والآن انظر إلى ذلك الاسم الثالث، واقرأه لي
«. فحسْب
«. السيدة أوكشوت، ١١٧ طريق بريكستون، ٢٤٩ » : قرأ هولمز
«. بالضبط. والآن ابحث عن هذا الرقم في دفتر الحسابات الكبير »
ها هو المكتوب. السيدة أوكشوت، » : فَتَحَ هولمز الدفتر على الصفحة المُشار إليها وقال
«. ١١٧ طريق بريكستون، مُورِّدة بَيضودواجن
«؟ والآن، ما آخِر بندٍ مُسجَّل »
«. ٢٢ ديسمبر، ٢٤ إوزَّة بسعر سبعة شلنات وستة بنسات »
«؟ بالضبط، ها أنت ذا. وأسفله »
«. بيعت إلى السيد وينديجيت من نُزُل ألفا مُقابل اثنَي عشر شلنًا »
«؟ ما الذي ستقوله الآن »
بدا هولمز مُحبطًا بشدَّة، وسحب جُنيهًا ذهبيٍّا من جَيبه وألقاه على اللَّوح الرُّخامي
واستدار وعلى وجهه تعبيرٌ بالامتعاض الشديد الذي لا يمكن أن يصِفه الكلام. وعلى بُعد
يارداتٍ قليلة، توقَّف هولمز أسفلَ أحدِ أعمدة الإنارة وضحِك من أعماقه ضحكته الصامِتة
التي كانت تُميِّزه.
عندما ترى رجلًا سوالِفُه مقصوصة بهذا الشكل وجريدة بينك أون تبرُز » : وقال
من جيبه، فيمكنك دائمًا أن تطرح رهانًا لاستدراجه. أعتقد أنني لو كنتُ قد وضعتُ
مائة جُنيهٍ إسترليني أمام هذا الرجل، لم يكن ليُعطيني معلوماتٍ كاملةً كالتي حَصلتُ
عليها منه فقط من خلال إقناعه بأنه يهزمني في رهان. حسنًا يا واطسون، أظنُ أننا نقترِب
من نهاية رحلتنا، والأمر الوحيد الذي علينا تقريره هو ما إذا كان يتعيَّن علينا الذهاب إلى
السيدة أوكشوت الليلة أم أن نُرجئ ذلك إلى الغد. واضحٌ مما قاله هذا الرجل الفظُّ أنه
«… يُوجَد آخرون غيرنا يهتمُّون بالأمر، وعليَّ أن
قطع كلامه فجأةً صوتُ هرَج ومرَج صاخِب آتٍ من كشك البيع الذي كنَّا قد غادَرْناه
لتوِّنا. وعندما استدَرْنا، رأينا رجلًا ثملًا صغير الحجم يقِف في منتصف دائرة الضوء
الأصفر الآتي من الِمصباح المُتأرجِح، بينما كان بريكينريدج يقِف في باب كُشكِهِ وهو يهزُّ
قبضتَيه بقوة في اتجاه الرجل المُنكمِش.
لقد ضِقتُ ذرعًا بك وبإوزِّك، أتمنى أن تذهبوا جميعًا إلى » : صاح بريكينريدج قائلًا
الجحيم. إذا أتيتَ لتُضايقني مرَّةً أخرى بكلامك السَّخيف، فسأطُلِقُ كلبي عليك. أحضر
السيدة أوكشوت إلى هنا وسأجُيب عليها، ولكن ما علاقتك أنت بالأمر؟ هل اشتريتُ الإوزَّ
«؟ منك
«. لا، ولكن إحداها كانت مِلكًا لي » : تأفَّف الرجل الصغير قائلًا
«. حسنًا، اطلُبها من السيدة أوكشوت إذن »
«. قالت لي أن أطلُبها منك »
حسنًا، يمكنك إذن أن تَطلُبها من ملك بروسيا، لا يُهمُّني. لقد نِلتُ كفايتي. أخرج »
ثم هُرِع بقوة إلى الأمام، فرحل السائل بسرعة واختفى في الظلام. «! أنفك من هذا الأمر
أوه! قد يوفِّر هذا علينا زيارةً لطريق بريكستون. تعالَ معي » : همس هولمز قائلًا
ذرَع رفيقي الشارع عبر التجمُّعات «. وسنرى ما الذي يُمكننا معرفته من هذا الرجل
المُبعثرة من الناسالذين كانوا يتسكَّعون حول الأكشاك المُضاءة، وسرعان ما لحِقَ بالرجل
الصغير ولمسَكتِفَه. وثَبَ الرجل وهو يستدير، وفيضوء المصباح الغازي، تمكنتُ من رؤية
وجهه الذي هربتْ منه الحيوية وصار شاحبًا.
«؟ من أنت إذن؟ ما الذي تُريده » : سأل بصوتٍ مُرتعش
مَعذرة، لقد سمعتُ دون قصدٍ الحديث الذي دار بينك وبين البائع » : قال هولمز بلطف
«. الآن، وأعتقِد أنني يمكنني مُساعدتُك
«؟ أنت؟ من أنت؟ كيف يمكن أن تعرف أيَّشيءٍ عن الأمر »
«. اسمي شيرلوك هولمز، ومهنتي هي أن أعرف ما لا يعرفه الآخرون »
«!؟ ولكن كيف يمكن أن تعرف شيئًا عن هذا الأمر »
معذرةً ولكني أعرِف كلَّ شيء عنه. إنك تُحاول تتبُّع أَثَر بعض الإوزِّ الذي باعتْه »
السيدة أوكشوت، من طريق بريكستون، إلى بائعٍ يدعى بريكينريدج، الذي باعه بدَوره إلى
السيد وينديجيت من نُزُل ألفا، الذي عَرضَهم للبيع في ناديه الذي يحمل السيد هنري بيكر
«. عضويته
أوه، إنك مَن كنتُ أتوق » : صاح الرجل الصغير بيدَين ممدودتَين وأصابع مُرتعشة
«. للقائه يا سيدي. لا يمكنني أن أصِف لك كم أنا مُهتمٌّ بهذا الأمر
في هذه الحالة، من الأفضل أن نُناقِش » : نادى هولمز على عربةِ أجُرة كانت تمرُّ وقال
الأمر في غرفةٍ مريحة، وليس في هذه السوق العاصفة، ولكن قبلَ أيِّشيء، أخبرْني أرجوك
«؟ من الذي سأحظى بشرَفِ مُساعدته
«. اسمي جون روبينسون » : تردَّد الرجل للحظةٍ وقال ناظرًا إليه بِطرْفِ عينه
لا، لا، اسمك الحقيقي. من الغريب دائمًا العمل مع صاحِب اسمٍ » : فقال هولمز بلُطف
«. مُستعار
«. حسنًا، اسمي الحقيقي هو جيمس رايدر » : تورَّدتْ وجنات الغريب الشاحبة وقال
بالطبع، كبير خادمي الغُرَف بفندق كوزموبوليتن. استقِلَّ العربة أرجوك، وقريبًا »
«. سأخُبرك بكلِّ ما تَودُّ معرفته
وَقفَ الرجل الضئيل الحجم وهو يتنقَّل ببصره سريعًا بيني وبين هولمز بمزيجٍ من
الخوف والأمل كشخصٍ حائر لا يعرِف ما إن كان على مشارفِ كارثةٍ أم فَرَج، ثمَّ استقل
العربة. وفي غضون نصف ساعة كنَّا قد عُدنا إلى غُرفة الجلوس في شارع بيكر. لم يتحدَّث
أيٌّ مِنَّا أثناء رحلتنا، إلا أنَّ صوت الأنفاس المرتفع لرفيقنا الجديد، وعقْدَه لِيدَيه ثُمَّ حلَّها
مرةً أخرى، كانا يعكسان التوتُّر العصبي الداخلي الذي كان يُعانيه.
ها نحن ذا! تبدو النار مُناسبةً تمامًا في » : قال هولمز بمرح ونحن ندخل الغرفة
هذا الجو. يبدو أنك تشعُر بالبرد يا سيد رايدر. تفضَّل بالجلوس على الكرسي الخيزران.
سأرتدي شبشبي قبل أن نُسوِّي هذه المسألة الصغيرة التي تخصُّك. والآن إذن! هل تُريد
«؟ أن تعرف ماذا حلَّ بذلك الإوز
«. أجل يا سيدي »
أو بالأحرى، كما أعتقد، ما حلَّ بتلك الإوزَّة؟ إنك مُهتمٌّ كما أعتقد بإوزَّةٍ واحدة »
«. بعينها؛ إوزَّةٍ بيضاء اللون لها خطٌّ أسود على ذَيلها
أوه يا سيدي، هل يمكنك أن تُخبرني أين » : ارتجفَ رايدر بالحماس وصاح قائلًا
«؟ ذَهبَت
«. لقد أتتْ هنا »
«؟ هنا »
أجل، ولقد اتَّضح كم كانت إوزَّةً غير عادية. لا أتعجَّب لاهتمامك بها فلقد وضعَتْ »
بيضةً زرقاء بعد مَوتها؛ أجمل وألمع بيضةٍ زرقاءَ صغيرة رأيتُها على الإطلاق. إنها لديَّ هنا
«. في مُتحفي
ترنَّح زائرنا واقفًا وأمسك برفِّ المَوقِد بيده اليمنى. فتح هولمز خزانته وأمسك
بالجوهرة الزرقاء، التي تَلألأتَ كالنجمة وخَرجتْ منها العديد من الأشعَّة المُستدقَّة الباردة
البرَّاقة. وقفَ رايدر يُحملق بوجهٍ مُتوتِّر، وكان مُتردِّدًا هل يُطالب بها أم يتبرَّأ منها.
لقد انتهتِ اللعبة يا رايدر. تماسَكْ يا رجل وإلا ستقع في النار! » : قال هولمز بهدوء
ساعِدْه ليعود إلى كرسيه مرةً أخرى يا واطسون. إنه لا يمتلك الشجاعة الكافية ليرتكِب
جنايةً دون أن يُعاقَبَ عليها. أعطِهِ القليل من البراندي. حسنًا، يبدو أنَّ القليل من الدماء
«! قدسرتْ في عروقه الآن. يا لكَ من شخصٍضعيف
ترنَّح رايدر للحظة وكاد أن يسقُط، ولكن أعاد البراندي القليل من الحيوية إلى وَجنتَيه،
وجلس يُحدِّق بعينَين خائفتَين في الشخصالذي يُوجِّه له الاتهام.
لديَّ جميع الخيوط في يدي تقريبًا، وجميع الأدلَّة التي قد أحتاجها؛ لذا ليس هناك »
سوى القليل من الأشياء التي تحتاج إلى أن تخبرني بها. وعلى الرغم من ذلك، نحتاج
لاستيضاح هذا القليل لنستكمل القضية. لقد سمعتَ يا رايدر، عن جوهرة الكونتيسة
«؟ موركار الزرقاء، أليس كذلك
«. لقد كانت كاثرين كيوساك هي من أَخبرتْني عنها » : أجاب بصوتٍ مُتحشرِج
أجل، خادمة الكونتيسة. حسنًا، لقد كان يصعُب عليك مقاومةُ إغراءِ تحقيقِ ثراءٍ »
سريع بكلِّ سهولة، كما كان الحال من قبلُ مع رجالٍ آخرينَ أفضلَ منك، ولكنك لم تكن
دقيقًا في استغلال الوسائل التي استخدمتَها. يبدو لي يا سيد رايدر أنه ينمو بداخلك جانبٌ
شِرِّير بحق؛ فقد كنتَ تعرف أن هذا الرجل، السبَّاك هورنر، قد تورَّط في أمرٍ مُماثل من
قبل، وأن أصابع الاتهام ستُوجَّه إليه بلا شك. ما الذي فعلتَه إذن؟ لقد افتعلتَ مشكلةً
صغيرة في غرفة الكونتيسة أنت وشريكتك كيوساك، ونجحتَ في أن يكون هورنر هو من
يُرسَل لإصلاح هذه المشكلة. وعندما غادر، سرقتَ عُلبة الحُلي وأعلنتَ عن السرقة وتسبَّبتَ
«… في القبضعلى هذا الرجل المسكين. وبعد ذلك
ارحمْني، » : ألقى رايدر نفسه فجأةً على السجادة وأمسك بركبتَي هولمز وصرخ قائلًا
أرجوك! فكِّر في أبي وفي أمي! سيَفطُر هذا قلبهما. لم أحِدْ عن الطريق الصواب من قبل!
ولن أحيدَ عنه بعد ذلك أبدًا، أقُسم على ذلك! أحلِف بالكتاب المقدَّس أنني لن أفعل ذلك.
«! أوه، لا تُحِلِ الأمر إلى القضاء! بحقِّ الربِّ لا تفعل
عُد إلى كرسيك! إنه الوقت المناسب لتتذلَّل وتركع، ولكنك لم تُفكِّر » : قال هولمز بصرامة
«. كثيرًا في هورنر المسكين الذي يقبَعُ خلف قفصِالاتهام لجريمةٍ لا يعرف شيئًا عنها
سأهرُب يا سيد هولمز. سأغُادر البلد يا سيدي. عندئذٍ، ستسقُط التهمة الموجَّهة »
«. ضدَّه
هممم! سنتحدَّث عن ذلك، والآن لتُخبرنا بالقصَّة الحقيقية لما حدَث بعد ذلك. »
كيف وصلتِ الجوهرة إلى داخلِ حوصلة الإوزَّة؟ وكيف وصلتِ الإوزَّة إلى السوق؟ أخبرْنا
«. بالحقيقة؛ إذ إنها أمَلُكَ الوحيدُ في النجاة
سأحكي الأمر تمامًا كما حدث يا سيدي: » : مرَّر رايدر لِسانه على شفتَيه الجافَّتَين وقال
عندما اعتُقِلَ هورنر، بدا لي أنه من الأفضل لي أن أهرُب بالجوهرة على الفور؛ لأنني لم
أكن أعرِف في أي لحظةٍ ستُقرِّر الشرطة أن تُفتِّشني وتفتِّش غرفتي. لم يكن هناك أي
مكانٍ آمِنٍ في الفندق؛ لذا خرجتُ، كما لو كنتُ في مُهمَّةٍ ما، وتوجهتُ لمنزل أختي. كانت
قد تزوَّجَت من رجلٍ يُدعى أوكشوت وكانت تعيش في طريق بريكستون حيث كانت تقوم
بتسمين الطيور لبيعها في السوق. وطَوالَ طريقي إلى منزلها، بدا لي وكأن كلَّ رجلٍ قابلتُه
كان شرطيٍّا أو مُحققًا، وبالرغم من أنها كانت ليلةً باردة، فقد كُنت أتصبَّب عرقًا قبل أن
أصِل إلى طريق بريكستون. سألَتني أختي ما الخطبُ وأَرادَت أن تعرف سبب شحوبي،
ولكنَّني أخبرتها أنني كنتُ أشعُر بالضِّيق من واقعةِ سرقةِ الجوهرة بالفندق. بعد ذلك،
ذهبتُ إلى الفِناء الخلفي ودخَّنتُ غليونًا وفكرتُ فيما يمكن أن يُعد التصرُّف الأفضل.
فيما مضىكان لي صديق يُدعى مودزلي، وهو الذي سلك طريق السوء، وحُكم عليه
وقضى مدة عقوبته في سجن بينتونفيل. قابلني في أحد الأيام بعد أن خرج من السجن،
وتحدَّث عن حِيل اللصوصوكيف ينجحون في التخلُّصمماسرقوه. كنتُ أعلم أنه سيكون
صادِقًا معي؛ لأنني كنتُ أعرف عنه بعض المعلومات؛ لذا قررتُ أن أتوجَّه مباشرةً إلى
كيلبيرن حيث يسكن، وأن أطُلِعه على أمري. كان سيُعلِّمني كيف يمكنني تحويلُ الحجَر
الكريم إلى مال، ولكن كيف يمكنني أن أصل إليه بأمان؟ فكرتُ في المعاناة التي مررتُ
بها منذ خروجي من الفندق وفي أنهم قد يُوقفونَني في أي لحظة ويفتِّشونني ويجدون
الجوهرة في جيب صدريتي. كنتُ أَستنِد على الحائط في ذلك الوقت وأنظُر إلى الإوزِّ الذي
كان يتجوَّل حول قدَمي، وفجأة، واتتْني فكرةٌ ظننتُ أنني من خلالها يمكنني التغلُّب على
أفضلِ المحقِّقين على الإطلاق.
أخبرتْني أختي قبل بضعةِ أسابيع أنني يُمكنني اختيار إوزَّة من إوزِّها كهدية عيد
الميلاد، وكنتُ أعرف أنها تُوَفيِّ بوعودها دائمًا. كنتُ سآخُذ إوزَّتي الآن وأضع فيها الجوهرة
واتَّجه إلى كيلبيرن. كانت تُوجَد حظيرةٌ صغيرة في الفناء، ومن الجزء الخلفي منها، سُقْتُ
إحدى الإوز، وكانت إوزَّةً كبيرة بيضاء ذات ذيلٍ مُخطّط. أمسكتُ بها وفتحتُ مِنقارها
ودسَسْتُ الجوهرة أسفل حلقِها إلى أبعد نقطة تَمكَّن إصبعي من الوصول إليها. ابتلَعتِ
الإوزَّة الجوهرة وشعرتُ بها وهي تهبط بطولِ حلقِها وتستقرُّ في حوصلتها، ولكنها ظلَّت
تُرفرف وتُقاوم، فخرجَتْ أختي لترى ما الخطب. وبينما كنتُ أستدير لأتحدَّث إليها، أفلتتِ
الإوزَّة من يدي ورفرفَتْ وانضمَّتْ إلى باقي الإوز.
«؟ ما الذي كنتَ تفعله بهذه الإوزَّة يا جيم » : سألتْني أختي قائلة
حسنًا، لقد قلتِ إنكِ ستُعطينني واحدةً كهديةِ عيد الميلاد، وكنتُ أنظُر أيُّها » : قلت
«. أسمن
أوه، لقد خصَّصنا إوزة لك؛ إوزة جيم، هكذا نُسمِّيها. إنها البيضاء الكبيرة » : قالت
«. هناك. يُوجَد ستةٌ وعشرون منها؛ واحدةٌ لك، وواحدةٌ لنا، ودرزينتان للسُّوق
شكرًا لكِ يا ماجي، ولكن بما أن الأمر سيانِ بالنسبة إليكِ، فأنا أفُضِّل الحصول » : قلت
«. على الإوزَّة التي كنتُ أمُسِكها للتو
«. الأخرى أثقَلُ ثلاثة أرطال، لقد سَمَّنَّاها أكثر من أجلك » : قالت
«. لا يهم، سآخُذ الأخرى، وسآخُذها الآن » : قلت
«؟ أوه، كما تحب. أي إوزَّة تُريد إذن » : قالت بشيءٍ من الحنَق
«. البيضاء هذه ذات الذيل المُخطَّط، التي تُوجَد في وسط السِّرب تمامًا »
«. أوه، حسنًا. اذبحْها وخُذها معك »
حسنًا، لقد فعلتُ كما قالت يا سيد هولمز، وحملتُ الإوزَّة معي إلى كيلبيرن. أخبرتُ
رفيقي بما فعلتُه؛ فقد كان من السهل أن أخُبر رجلًا مثله بشيءٍ كهذا، فضحِك حتى كاد
أن يختنِق، وأحضرْنا سكينًا وشققْنا الإوزَّة. ولكني فَزِعتُ عندما لم أجد أيَّ أثرٍ للجوهرة،
وأدركتُ أن خطأً فادحًا قد وقع. فتركتُ الإوزَّة وعُدتُ إلى أختي وهُرِعْتُ إلى الفناء الخلفي،
ولكنني لم أجد إوزةً واحدة هناك.
«؟ أين الإوزُّ يا ماجي » : صحتُ قائلًا
«. لقد بعناه إلى التاجر يا جيم »
«؟ أيُّ تاجر »
«. بريكينريدج، في كوفينت جاردن »
ولكن هل كانت تُوجَد إوزَّةٌ أخرى لها ذيلٌ مُخطَّط تمامًا كالإوزَّة التي » : سألتُها
«؟ اخترتُها
أجل يا جيم، كانت تُوجَد إوزَّتانِ ذواتا ذَيلَين مُخطَّطين، ولم أتمكَّن قَطُّ من التفرقة »
«. بينهما
حسنًا، بالطبع فهمتُ ما حدَث، وركضتُ بأسرعِ ما يمكن لقدَمي تَحمُّله إلى هذا الرجل
الذي يُدعى بريكينريدج، ولكنه كان قد باع الإوزَّ كله جملةً واحدة، ورفضأن يُخبرني ولو
كلمةً واحدة عمَّن اشتراه. لقد سَمِعتُماه بأنفُسِكما الليلة، لقد كان دائمًا ما يُجيبني على هذا
النحو. تعتقد أختي أنني سأصُاب بالجنون، وأحيانًا أعتقد أنا نفسيذلك. والآن، والآن فقد
أصبحتُ مَوصومًا بالسرقة دون أن تمسَّ يداي حتى الثروةَ التي بِعتُ مُقابلَها سُمعَتي.
وانفجر في نوبةِ بكاءٍ مُتشنِّج ووجهُه مدفون بين يدَيه. «! ليُساعدني الرَّب! ليُساعدني الرَّب
عمَّ الصمتُ طويلًا، ولم يكسِره سوى صوتِ تنفُّسه الثقيل والنقْر المنتظِم لأطراف
«! اخرج » : أصابع هولمز على حافةِ الطاوِلة، ثم نهضهولمز وفتح الباب وقال
«! ماذا! يا سيدي! أوه، فليُباركك الرَّب »
«! كفاك كلامًا. اخرج »
وبالفعل لم يكن هناك حاجةٌ للمزيد من الكلام. هُرع رايدر مُندفعًا، وسُمِع صوت
جلَبة على السُلَّم وصفقة بابٍ وصوتُ وقْعِ أقدامٍ تجري في الشارع.
على أيِّ حالٍ » : قال هولمز وهو يمدُّ يدَه ليُحضر غليونه المصنوع من الفخَّار
يا واطسون، لم تُوكِّلني الشرطة لأسُدَّ أوجُهَ القصور لدَيها. لو كان هورنر في خطر،
لأصبح الوضع مختلفًا، ولكن هذا الرجل لن يشهد ضدَّه، وستنهار القضية. أعتقِد أنني
أخُفِّف العقوبة في إحدى الجنايات، ولكني بذلك قد أنُقذ رُوحًا من الهلاك. لن يرتكب هذا
الرجل أيَّ خطأٍ آخر؛ فهو مُرتعبٌ للغاية. إذا دخل السجن الآن، فسيُصبح مجرمًا مدى
الحياة. وإلى جانبِ ذلك، فهذا الموسم هو موسم المغفرة. لقد وضعَتِ الصدفة في طريقنا
قضيةً غريبة وفريدة من نوعها، وحلُّها هو جائزتها. لو تفضَّلتَ بقرْع الجرسيا واطسون،
«. فسنبدأ تحقيقًا آخرَ سيلعب فيه طائرٌ أيضًا دورًا أساسيٍّا
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

فصول العمل

الفصل الأول الفصل الثاني
اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.