artherconan

شارك على مواقع التواصل

«؟ وهل كنتِ تعرفينه في ذلك الحِين »
نعم، لقد كنتُ أعرِفه جيدًا؛ فقد كان يَتودَّد إليَّ قديمًا طالبًا الزواج منِّي، والحمد لله »
أنني ألُهِمتُ الابتِعادَ عنه والزواجَ برجُلٍ أفضل منه، وإن كان أفقر منه. لقد كنتُ خطيبتَه،
يا سيد هولمز، حين سمعتُ قصةً صادِمةً تصفُ كيفَ أطلقَ قطةً لتنقضَّ على قفَص
«. طيور، وقد فزعتُ جدٍّا من قَسوته الوَحشية بحيث لمْ أعُد أجِد أيَّ شيءٍ يُبرِّر بقائي معه
وأخذَت تفتِّش في مكتب، ثم أبرزَتْ من توِّها صورةَ امرأة، وقد طُمِستْ وشُوِّهتْ بطريقةٍ
هذه صُورتي الخاصة، وقد أرسلَها إليَّ على هذه الحالة، » : مُخزية باستِخدام سكين. وقالت
«. مصحوبةً بلَعَناته، صبيحة زفافي
«. حسنٌ، على أيَّةِ حالٍ لقد سامحكِ الآن؛ حيثُ تركَ لابنِكِ مُمتلكاتِه كلَّها » : قلتُ
لا أنا ولا ابني نُريد أيَّشيءٍ من جونيسأولديكر، لا في حياته » : فصرختْ بحسمٍ كامل
ولا بعد موته. إنَّ في السماء ربٍّا يا سيد هولمز، وهذا الربُّ الذي عاقبَ ذاكَ الرجلَ الخبيث
«. هو نفسُه مَن سيُظهِر — في الوقت المُناسب — أنَّ يدَي ابني بريئتانِ من دَمِه
حسنٌ، لقد تتبَّعتُ دليلًا أو اثنين، لكنْ لمْ أستطِع الوصولَ إلى أيِّشيءٍ يُمكنه تعضيدَ
فرضيَّتِنا، بل توصَّلتُ إلى عدةِ نقاطٍ تستطيع أنْ تُعارِضها. فتوقفتُ عن المُحاولة في النهاية
وغادرتُ إلى نوروود.
هذا المكان، ديب دين هاوس، فيلَّا حديثة كبيرة مَبنية من الطوب اللافت للنظر، وهي
تقوم في الجُزء الخلفي من مساحةٍ من الأرضِالتابعةِ لها والمُحيطةِ بها، ويمتدُّ أمامها مَرْجٌ
من آجامِ نباتات الغار. أما في جِهة اليمين وعلى مسافةٍ ما خلفَ الطريق كان يقَع مَخزن
الأخشاب الذي حدثَ فيه الحريق. وها هو ذا مُخطَّطٌ تقريبيٌّ للفيلَّا على وَرقةٍ من دفترِ
مُلاحظاتي. هذه النافذةُ على اليسار هي النافذة المُطِلَّة على غرفة أولديكر. يُمكنك النظرُ
داخلَها من مَوضعك في الطريق، كما ترى. هذه تقريبًا هي مسحةُ العَزاء الوحيدة التي
حصلتُ عليها اليوم. لمْ يكن لستريد هناك، لكنَّ كبيرَ ضباطه أدَّى الواجب؛ فقد أنجزوا
لتوِّهم اكتشافًا عظيمًا. لقد أمضىالرجال الصباحَ يُنقِّبون بين رماد كومة الحطب المُحترقة،
وبالإضافةِ إلى البقايا العضويةِ المُتفحِّمة فقد عثروا على عدَّة أقراصٍمعدِنية مُتغيِّرة اللَّون.
وقد فحصتُها بعنايةٍ، ولا شكَّ في أنها كانتْ أزرارَ بنطلون. بل لاحظتُ أيضًا أن أحدَها كان
الذي كان الخياطَ الخاصَّبأولديكر. مسحتُ بعد ذلك المرجَ بعنايةٍ « هايامز » مَوسومًا باسم
شديدةٍ بحثًا عن إشارات وآثارٍ، لكنَّ هذا الجفاف قد جعلَ كلَّ شيءٍ في صلابة الحديد. لمْ
يكن هناك ما يُمكن رؤيتُه باستثناء أنَّ جسمًا أو حزمةً ما كانت قد سُحِبتْ عبر سياجٍ
مُنخفِضٍ من شُجيراتِ الحنَّاء موازٍ لكومة الحطب. كان هذا كله، بالتأكيد، يتناسَب مع
النظرية الرسمية التي تتبنَّاها الشرطة. ظللتُ أزحَفُ فوق المرْج وشمسُ أغسطس تلفَح
ظهري، ولكنِّي قمتُ بعد ساعةٍ ولمْ أزدَدْ بصيرةً عن ذي قبل.
حسنٌ، بعد هذا الإخفاق التام توجَّهتُ إلى غرفة النوم وفتَّشتُها هي الأخرى. كانت
بُقَعُ الدم ضئيلةً جدٍّا، مُجرَّد بُقَع ولطخات، لكنها تبدو حديثةَ العهد بلا شك. وقد أزُِيلت
العصا، لكنَّ علاماتِ الدم عليها كانتْ قليلةً كذلك. ما من شكٍّ أن العصا هي ملك عميلِنا،
وهو مُقِرٌّ بهذا. يُمكن تمييزُ آثار أقدامِ كلا الرجُلَين على السجاد، لكن لا وجودَ لِآثارِ أقدام
أيِّ شخصٍثالث، وهي حُجةٌ أخرى لصالِح الطرف الآخر. لقد كانوا يَجمعون نقاط التقدُّم
طوال الوقت بينما ظللْنا نحن نراوِح مكاننا.
لم يَلُح لي غيرُ بريقِ أملٍ واهنٍ وحيد، لكنَّه لم يُسفِر عن أي شيء. فقد فحصتُ
مُحتوَيات الخِزانة، التي كان معظمُها قد أخُرِج وتُرِك على الِمنضدة. كانت الأوراقُ مُجمَّعةً
في أَظرُفٍ مختومة، وقد فَتحت الشرطةُ واحدًا أو اثنين منها، لكنَّها — وبقدر ما استطعتُ
أن أقُيِّمها — لمْ تكن لها أيُّ قيمةٍ كبيرة، ولمْ يكُن دفتر الحساب المصرفي يدلُّ على تمتُّعِ
السيد أولديكر بهذا القدرِ الكبير من الثراء. لكنْ بدا لي أنَّه لمْ تكن الأوراقُ جميعُها موجودة؛
حيث كانت هناك إشاراتٌ إلى بعضالمُستندات — وربما الأكثر قيمةً — التي لمْ أستطِع أن
أجدها. ويُمكن لهذا بالطبع، إذا استطعْنا إثباتَه على نحوٍ قاطع، أنْ يُحوِّلَ حُجَّةَ لستريد
ضدَّه، فمَن ذا الذي يرغبُ فيسَرِقةشيءٍ إذا كان يعلمُ أنه عمَّا قريبٍ سيرِثه.
وأخيرًا، وبعد أنْ سبرتُ غَورَ كلِّ دليل آخَر ولمْ أعثر على أيِّ خيط، جرَّبتُ حظِّي مع
مُدبِّرة المنزل؛ السيدة ليكسينجتون، هكذا تُدعى، وهي سيدةٌ ضئيلة البنية، داكِنة البشرة،
قليلة الكلام، تنظُر إليك من طرفيَْ عينَين مُريبتَين. كان بإمكانها أن تُخبِرنا شيئًا ما لو
أرادتْ، أنا على قناعةٍ بذلك، لكنها كانتْ تكتمُ أسرارَها كالقبور. أجل، لقد استقبَلَت السيد
مكفارلن في التاسعة والنصف، وودَّتْ لو أنَّ يدَها قد شُلَّت قبل أن تفعل ذلك، ثم أوَت إلى
فراشِها في العاشرة والنصف. كانتْ غرفتُها في أقصىالجانب الآخر من المنزل، فلمْ تستطِع
سماعَ شيءٍ ممَّا حدَث. كان السيد مكفارلن قد ترك قُبَّعته، وفي أقصىما يبلُغه ظنُّها ترَك
عصاه أيضًا، في الغرفة. لم يُوقِظها إلاصوتُ إنذار الحريق. لقد قُتِلَ سيِّدُها العزيز المسكين
بالتأكيد. أكان لدَيه أيُّ أعداء؟ حسنٌ، كلُّ رجلٍ له أعداء، لكنَّ السيد أولديكر كان مُنعزِلًا
للغاية عن الآخرين، ولمْ يكنْ يُقابل الناسَ إلَّا بخصوص العمل. وحين رأت الأزرارَ كانت
على يقينٍ من أنها أزرارُ الثِّياب التي كان يرتديها الليلة الماضية. كانت كومة الحطب جافَّةً
جدٍّا؛ حيث إن السماء لمْ تُمطِر منذ شهر، ولذا اشتعلتْ كأنها الصُّوفان، وعندما وَصلَت
السيدة ليكسينجتون إلى مَوقع الحادِث لمْ يكن هناك ما يُمكن رؤيتُه غير ألْسِنة اللَّهب،
وقد شمَّتْ هي ورجالُ الإطفاء جميعُهم رائحةَ الجسدِ المُحترِق المُنبعثةَ منه. وفيما يَخصُّ
الأوراق، لم تعلمْ أيَّشيءٍ عنها، ولا عن شُئون السيد أولديكر الخاصة.
وأطبَقَ «… هكذا، عزيزي واطسون، ذاك هو تقريري عن إخفاقي. ولكن … ولكن »
أنا مُوقنٌ أنَّ هذا » : هولمز يدَيه النَّحيلتَين وقد انتابَتْه فجأةً حالة من اليقين الراسِخ، وقال
كلَّه غير صحيح. قلبي يُحدِّثُني بذلك. هناك شيءٌ ما لمْ يتَّضِح، ومُدبِّرةُ المنزل تلك تعرِفه.
كانَ هُناكَ ما يُشبِه التحدِّي الواجِم في عينَيها، الذي لا يُرافِق إلَّا التَّستُّر المُتعمَّد على جريمة
ما. ومع ذلك، فلا طائل من وَراء الحديث عن الأمر أكثر من هذا يا واطسون، لكنْ إذا لمْ
يُواتِنا شيءٌ من حُسن الحظِّ فإنَّني أخشى حينئذٍ أن قضيَّة اختفاء نوروود لن تظهَر في
سِجلِّ نجاحاتنا، وهو أمر أتوقَّع أنَّ الجمهور الصَّبور سيكون عليه أن يتقبَّلَه عاجِلًا أم
«. آجلًا
من المؤكد أن هيئة الشاب سوف تنجَح في استِعطاف أيَّةِ هيئةِ مُحلَّفين. أليس » : قلتُ
«؟ كذلك
هذه حُجةٌ يكتنِفُها الخطرُ، عزيزي واطسون. أتَذْكرُ ذلك القاتِلَ الفظيع، بيرت »
ستيفنز، الذي أراد منَّا أن نُخلِّصه من العقوبة سنةَ ١٨٨٧ ؟ أكان هناك شابٌّ من طُلَّاب
«؟ مدارس الأحد أرقَّ أخلاقًا منه قَط
«. هذا صحيح »
إذا لمْ ننجحْ في إيجادِ نظريةٍ بديلةٍ فسيضيعُ هذا الشاب. إنكَ لا تكاد تجِدُ ثغرةً »
في القضية التي يُمكن الآن طرْح جميع حيثياتها ضدَّه، وقد أسهم كلُّ تحقيقٍ إضافيٍّ
في تعزيزِها. بالمُناسبة، فإنَّ هناكَ ملحوظةً صغيرةً لافتةً للانتباه بخصوص تلك الأوراق
ويمكنُ أن نتَّخِذَها نقطةَ انطلاقٍ لتحقيقنا: فعند فحصدفتر الحساب المصرفي، وجدتُ أنَّ
انخِفاضَ حالةِ الرصيد راجعٌ في الأساس إلى تحرير عددٍ كبيرٍ من الشيكات المصرفية على
مدار العام الماضيلصالِح السيد كورنيليس. وأقُرُّ بأنني مُتشوِّقٌ لمَعرفةِ من عساهُ يكونُ
السيد كورنيليس هذا كي يعقِدَ معه بنَّاء مُتقاعدٌ مثلَ هذه المُعاملات المالية الضخمة. هل
من المُمكن أن تكون له يدٌ في القضية؟ ربما كان كورنيليس سمسارًا، لكننا لمْ نجِد أيَّ
صكٍّ يتطابَق مع هذه المدفوعات الكبيرة. نظرًا لإخفاقي في إيجاد أيِّ دليلٍ آخر، فينبغي أنْ
تتَّجهَ تحرِّياتي الآن إلى إجراءِ استِعلامٍ في البنك عن ذلك السيد الذيصرَفَ تلك الشيكات.
ولكنِّي أخشى، يا رفيقي العزيز، أن تنتهيَ قضيَّتُنا نهايةً غير مُشرِّفة يُعدِمُ فيها لستريد
«. عميلَنا شنقًا، وسيكون هذا بالتأكيد انتِصارًا لشرطةِ سكوتلاند يارد
لا أدري مِقدارَ ما حصل عليه شيرلوك هولمز من النومِ تلكَ الليلة، ولكن عندما نزلتُ
لتناوُلِ الإفطار وَجدتُه شاحِبًا مُنهَكًا، وقد أصبحَت عيناهُ المُتألِّقتان أكثرَ تألُّقًا لِمَا أحاطَ
بِهما من ظِلالٍ قاتمة. كانتْ أعقابُ السجائر والطبعات الأولى من جرائد الصباح مُبعثرةً
فوق السجاد المُحيط بكرسيِّه، وعلى الِمنضدةِ برقية مفتوحة.
«؟ ما رأيكَ بهذه، يا واطسون » : سألَ وهو يَقذِفُ بالبرقيةِ إليَّ
كانتْ من مُقاطعةِ نوروود، وكان فيها:
ظهور دليل جديد مُهم. إدانة مكفارلِن ثابِتة لا محالة. أنصحُك بتركِ القضية.
لستريد
«. تبدو نبرةُ الكلامِ جادَّة » : قلتُ
إنَّه لستريد يتشدَّق بصَيحاتِ النصر » : فأجاب هولمز، وعلى وَجهه ابتسامة ساخِرة
التافِهة. لكن ربما لا يزال تركُ القضية سابقًا لأوانه. على كلِّ حال، فإنَّ الدليلَ الجديدَ المُهِمَّ
سلاحٌ ذو حدَّين، وربما يُصيب في اتِّجاهٍ مُخالفٍ تمامًا لذاكَ الذي يَتخيَّله لستريد. تناولْ
فُطوركَ يا واطسون، وسوف نَخرُج معًا ونرى ما يُمكننا فعلُه. فأنا أشعرُ وكأنني سأحتاجُ
«. إلى مُرافقتِك ودعمِك المعنوي اليوم
لمْ يتناولْصديقي نفسه إفطارَه، حيث كانتْ إحدى عاداته الغريبة أنه لمْ يكن يسمح
لنفسه بِتناوُل أيِّ طعامٍ عندما يكون في أكثر أوقاته انفِعالًا، وقد رأيتُه يستغلُّ في هذا قُوَّتَه
لا يُمكنني الآن إهدارُ طاقتي ولا قوَّة أعصابي » . الحديديةَ حتَّى غُشِيَ عليه من شدَّة الإعياء
هكذا كان ردُّ هولمز على اعتِراضاتي الطبيَّة. ولذلك، لمْ أفُاجأ في هذا «. في عملية الهَضم
الصباح عندما تركَ وَجبتَه التي لمْ تُمسَّوانطلَقَ معي إلى نوروود. كان حشدٌ من المُتفرِّجين
المَهووسين بتَتَبُّعِ أخبار الحوادث لا يزال مُتجمِّعًا حول منزل ديب دين هاوس، الذي كان
فيلَّا كبيرةً واقعةً بضاحية المدينة تمامًا كما تخيَّلتُه. استقبلَنا لستريد عندَ البوابة، بوجهٍ
مُتهلِّل بالنَّصروهيئةٍ مُنتشِية بالظَّفَر إلى حدِّ المُبالَغة.
حسنٌ سيد هولمز، ألمْ تُثبِتْ بعدُ أنَّنا مُخطئون؟ هل وجدتَ » : صاح لستريد مُتسائلًا
«؟ ذلك الصعلوك
«. لمْ أكُوِّن أيَّ استِنتاج على الإطلاق » : فأجاب رفيقي
لكننا كوَّنَّا استنتاجاتِنا بالأمس، والآن ثَبتتْ صحتُها؛ لذا يجِبُ عليك الاعتِرافُ بأننا »
«. تقدَّمْنا عليك قليلًا هذه المرَّة، يا سيد هولمز
«. إنَّ هيئتكَ تؤكدُ وقوعَشيءٍ غيرِ عادي » : قال هولمز
إنَّ كراهيَّتك للهزيمة لا تزيدُ عن أيِّ واحدٍ منَّا، » : فضحِك لستريد بصوتٍ عالٍ، وقال
لكن لا يُمكن للمرءِ أن يتوقَّعَ أنْ تسير الأمورُ على هواه دائمًا. أليس كذلك يا دكتور
واطسون؟ اتبَعوني من فضلِكم أيها السادة، فأنا أعتقدُ أنني أستطيعُ أن أقُنِعكم، وعلى
«. نحوٍ حاسمٍ، أنَّ جون مكفارلن هو من ارتكَب هذه الجريمة
قادَنا لستريد عبر الرَّدهة، ومنه إلى قاعةٍ مُظلِمةٍ في الجانب الآخر.
هذا هو المكان الذي لا بُدَّ أنَّ الشابَّ مكفارلن قد خرَج إليه لجلْبِ » : قال لستريد
أشعلَ لستريد عودَ ثقابٍ بطريقةٍ درامية «. قُبَّعته بعد تنفيذ الجريمة. والآن، انظروا إلى هذا
مُفاجئة وكشفَ بضوئه بقعةَ دمٍ على الحائطِ المَطليِّ بالكلس. وعندما قرَّبَ عودَ الثقاب
اكتشفتُ أنها كانتْ أكثر من مُجرَّد بُقعة. كانتْ بصمةَ إبهامٍ واضِحة.
«. انْظر إلى ذلك بعدسَتِك المُكبِّرةِ يا سيد هولمز
«. نعم، ها أنا أفعل »
«؟ أتعرِفُ أنه لا تتطابَقُ بصْمَتا إبهامَين »
«. سمعتُ بشيءٍ من هذا القبيل »
حسنٌ إذن، هلَّا تفضَّلتَ بمُضاهاةِ تلك البصمة بهذه الطبعة الشَّمعِية لبصمة إبهامِ »
«؟ مكفارلن الأيمن، التي أمرتُ بنَسخِها هذا الصباح
وعندما قرَّبَ البصمةَ الشمعيةَ من بُقعةِ الدَّمِ لمْ يتطلَّب الأمرُ عدسةً مُكبرةً للتأكُّدِ من
أن الاثنتَين كانتا من الإصبع نفسها بلا شك. بدا لي جليٍّا أنَّ عميلنا البائس قد هلَك.
«. ذلك دليل حاسِم » : قال لستريد
«. نعم، إنه حاسِم » : فرددتُ لا إراديٍّا
«. إنه حاسم » : وقال هولمز
جذبَ شيءٌ ما في نبرةِ صوتِه أذُني، فاستدرتُ كي أنظرَ إليه. لقد اعترى وجهَه تغيُّرٌ
عجيب، فقد كانَت ملامِحه تُصارِع شُعورًا داخليٍّا بالبهجة. كانت عيناه تلمَعان كالنجوم،
وقد بدا لي أنه كان يُحاوِل باستماتةٍ أنْ يكبحَ نوبةً من الضحك الهيستيري.
يا للعَجَب! يا للعَجَب! حسنٌ الآن، من كان عساه أن يُصدِّق ذلك؟ وكم » : ثم قال أخيرًا
بإمكان المظاهر أن تكون خادِعة، بالتأكيد! يا له من شابٍّ يبدو للرائي لطيفًا! إنه درْس
«؟ يعلِّمُنا ألَّا نثِقَ في أحكامنا الشخصية. أليس كذلك يا لستريد
كانت «. نعم، فبعضُنا كثير المَيل إلى الثِّقة المُفرِطة في ذاته يا سيد هولمز » : فقال لستريد
غطرسة الرجُل مُستفزَّةً، لكنَّنا لمْ نستطِع التعبير عن استيائنا منها.
يا له من تصرُّفٍ حكيم أنْ يضغطَ هذا الشابُّ إبهامه اليُمنى على الحائط وهو يأخُذ »
«. قُبَّعته من على الِمشجَب! وإنه، علاوة على ذلك، لتَصرُّفٌ طبيعي جدٍّا، إذا أعملتَ فيه عقلك
كان هولمز هادئًا ظاهريٍّا، لكنَّ جِسمه كلَّه كان ينتفِض وهو يتحدَّثُ انتِفاضة من يكبِتُ
«؟ بالمناسبة، يا لستريد؛ من قام بهذا الاكتِشاف الرائع » . انفِعالَه
إنها مُدبِّرة المنزل، السيدة ليكسينجتون، هي التي لفَتَت انتِباهَ شُرطيِّ الدَّورية »
«. المسائية لهذا
«؟ وأين كانشُرطي الدورية المسائية »
لقد ظلَّ قائمًا على حراسة غرفة النوم حيث ارتُكِبت الجريمة، كيما يتأكَّد أن شيئًا »
«. لم يُمَس
«؟ لكنْ لمَ لمْ ترَ الشرطةُ هذه البصمةَ بالأمس »
حسنٌ، لأنه لمْ يكن لدَينا دافِع مُحدَّد لفحص القاعة فحصًا دقيقًا. ثم إنها لمْ تكن »
«. في مكانٍ ظاهرٍ جدٍّا، كما ترى
كلا، كلا، بالطبع لا. أحسَب أنه ما من شكٍّ في أن البصمة كانت هناك بالأمس. أليس »
«؟ كذلك
نظرَ لستريد إلى هولمز وكأنه يعتقِد أنه قد فقدَ صوابه، وأعترِف أنني شخصيٍّا كنتُ
مُتفاجئًا بكلا الأمرين؛ طريقتُه الجذِلة وملاحظاته الجزافية.
لا أدري إن كنتَ تظنُّ أن مكفارلن قد خرج من السجن في غياهِب الليل » : قال لستريد
كيما يُعزِّز دليلَ إدانته. إني لأدَعُ لأيِّ خبير بصماتٍ في العالَم مُهمَّة إخبارنا ما إذا كانت
«. هذه بصمة إبهامه أم لا
«. إنها بصمة إبهامه بلا جِدال »
ها قد انتهَينا، هذا يكفي. إنني رجلٌ عملي يا سيد هولمز، وعندما أحصل » : قال لستريد
على الدليل أتوصَّل إلى النتائج. إذا كان لديك أيُّ شيءٍ تُريد أن تقولَه فستجِدُني أكتُب
«. تقريري عن القضية في غرفة الجلوس
كان هولمز قد استعادَ اتِّزانه، رغم أني ظللْتُ ألمَح في تعابير وَجهه وَمَضاتٍ من التلذُّذ.
وا أسفاه! هذا تطوُّر مؤسِف جدٍّا للوضع يا واطسون. أليس كذلك؟ وبالرغم » : وقال
«. من ذلك، فإن هذا التطوُّر تكتنِفه نِقاطٌ غريبة تلُوحُ ببعضالآمال لعَميلِنا
يُسعِدني أن أسمع ذلك، فلقد خَشيتُ أن يكون الأمر كله قد حُسِم » : فقلتُ بحماسة
«. بالنسبة إليه
لم أكن لأتشاءم إلى هذا الحدِّ عزيزي واطسون. فالحقيقة هي أنَّ هناك ثغرةً واحدة »
«. خطيرة حقٍّا في هذا الدليل الذي يُوليه صاحِبُنا كثيرًا من الأهمية
«؟ حقٍّا يا هولمز؟! وما هي هذه الثغرة »
فقط هذه النُّقطة؛ إنني مُوقنٌ أن هذه البصمة لمْ تكن موجودةً عندما فحصتُ القاعةَ »
«. بالأمس. والآن يا واطسون، لِنتنزَّه قليلًا في ضوء الشمس
رافقتُ صديقي في نُزهةٍ حول الحديقة بعقلٍ مُشوَّش، ولكن بقلبٍ بدأ يعود إليهشيءٌ
من دفء الأمل. أخذ هولمز يفحَص واجهات المنزل واحدةً تلوَ الأخرى بعنايةٍ فائقة، ثم
تقدَّم إلى الداخل وفتَّشالمبنى بالكامل من طابِقه الأرضيوحتى الأخير. كانت غالبيَّةُ الغُرَف
خاليةً من الأثاث، لكن وبرغم هذا فقد فتَّشَها هولمز جميعها بدقَّة. وأخيرًا، وفي المَمرِّ العُلوي،
الذي يمتدُّ خارجَ ثلاثِ غُرَف نومٍ خالية، استولتْ عليه مرةً أخرى نوبةٌ من البهجة.
هناك بالفِعل بعضالسِّمات البالِغة التفرُّد في هذه القضية يا واطسون، وأظنُّ » : وقال
أنه قد حان الوقتُ الآن لنأتَمِن صديقنا لستريد على أسرارِنا. لقد نَعِم بابتساماته البغيضة
على حسابنا، وربما نستطيع أن نَنْعَم بمِثلها على حِسابه إذا ثَبتتْ صحَّةُ قراءتي لهذه
«. القضية. أجل، أجل، أظنُّ أنني أعرِف كيف يَجدُر بنا أن نتعامل معها
كان مُفتششرطة سكوتلاند يارد لا يزال يكتُب في غرفة الجلوس، وإذا بهولمز يُقاطِعه
قائلًا:
«. لقد فهِمتُ أنك كنتَ تكتبُ تقريرًا عن هذه القضية »
«. وهكذا أفعل »
ألا تظنُّ أن هذا قد يكون سابقًا قليلًا لأوانه؟ فأنا لا أستطيع الكفَّ عن الاعتِقاد بأن »
«. أدلَّتك غير مُكتمِلة
كانت مَعرفة لستريد بصديقي أقوى بكثيرٍ من أن يَتجاهَل كلماته تلك، فوضَع قلَمَه
ونظرَ إليه باهتمام.
«؟ ماذا تعني يا سيد هولمز »
«. أعني فقط أن هناك شاهدًا مُهمٍّا لمْ تَرَه بعد »
«؟ أتستطيعُ إحضاره »
«. أظنُّ ذلك »
«. فلْتفعل إذن »
«؟ سأبذُل قصارى جهدي. كمشرطيٍّا لدَيك »
«. هناك ثلاثة رهْن الاستِدعاء »
عظيم! هل لي أن أسأل إن كانوا جميعًا رجالًا ضِخامًا، أقوياءَ البنية، » : قال هولمز
«؟ أصحاب أصوات جهورية
«. لا أشكُّ أنهم كذلك، لكني لا أفهَمُ ما علاقة أصواتهم بالموضوع »
ربما أستطيع مُساعدتك على فَهْم هذا وأمرٍ أو أمرَين آخرَين كذلك. من » : قال هولمز
«. فضلك استدْعِ رجالك، وسوف أحاوِل
وبعد خمس دقائق تجمَّع ثلاثةٌ من رجال الشرطة في القاعة.
ستجِدون في المبنى الإضافي كميةً كبيرةً من القش. أستأذِنُكم أن » : فقال لهم هولمز
تأتوا بِحُزمتَين منه. أعتقِد أنه سيكون له أكبر إسهامٍ في إحضار الشاهِد الذي أرُيده. شكرًا
جزيلًا لكم. أعتقِد أنَّ لدَيك بعضأعواد الثِّقاب في جَيبك يا واطسون. والآن يا سيد لستريد،
«. أستأذِنكم جميعًا أن تُرافِقوني إلى مُنْبَسَط الدَّرَج العلوي
كما قلتُ من قبل، كان يُوجَد ممرٌّ واسِع هناك، وهو يمتدُّ خارجَ ثلاث غُرفات نوم
خالية. عند أحد طرفيَ المَمرِّ أخذَ شيرلوك هولمز يُنظِّمنا جميعًا، فراح رجال الشرطة يُقطِّبون
جِباهَهم وأخذ لستريد يُحدِّق في صديقي بملامِحَ فيها مشاعر الذُّهول والترقُّب والتَّهكُّم
يُطارِد بعضها بعضًا، أمَّا هولمز فقد وَقف أمامنا بهيئة ساحرٍ يَستعدُّ لأداء إحدى خدَعِه.
أتسمحُ بإرسالشرطيٍّ من رجالك لإحضار دلوَيْ ماء؟ضعوا القشَّعلى الأرضهنا، »
«. وأبعِدوه عن الحائط من كلا الجانِبَين. والآن أظنُّ أننا جميعًا مُستعِدُّون
بدأ وجهُ لستريد يزداد احمرارًا وغَضبًا.
لا أدري إن كنتَ تلعَب لُعبةً معنا يا سيد شيرلوك هولمز. إذا كنتَ تعلَم أيَّ » : ثم قال
«. شيءٍ فبإمكانك الإفصاح عنه بالتأكيد من دون كلِّ هذه السخافة
أؤكد لك عزيزي لستريد، أن لديَّ سببًا وَجيهًا لكلِّ ما أفعله. ولعلَّك تذكُر أنك تندَّرتَ »
عليَّ قليلًا منذ بِضع ساعات، عندما بدَت الشمسفي الجانب الذي كنتَ تقِف فيه من السياج،
فيجدُر بك ألَّا تَستكثِرَ عليَّ بعض الزَّهوِ والاحتفال. والآن، إذا سمحتَ لي يا واطسون، هل
«؟ تتفضَّل بفتْح تلك النافذة، ثم إشعال عود ثِقابٍ في طرف كَومة القش
فعلتُ ذلك، فأخذَتْ سحائب الدُّخان الرَّمادِيَّة تدُور في الممرِّ مُتأثِّرةً بتيَّار الهواء،
وراحت كومة القشِّ تُطقطِقُ وتضطَرِم.
ينبغي الآن أن نرى ما إذا كنَّا نستطيع أن نجِد لك هذا الشاهِد يا لستريد. أتَسمَحون »
«… الآن إذن؛ واحد، اثنان، ثلاثة ؟« حريق » بمُشاركتي جميعًا في الصِّياح بكلمة
«! حريق » : فَصِحْنا جميعًا
«. أشكركم. سوف أثُقِل عليكم ثانيةً »
«! حريق »
«. مرة أخرى وفقط أيها السادة، وفي وقتٍ واحد »
لا بُدَّ أنَّ الصِّياح قد دوَّى في أرجاء نوروود. «! حريق »
وما كاد الصَّوتُ يتلاشى حتى حدَث شيءٌ مُذهِل. لقد انفتح بابٌ فجأةً ممَّا بدا أنه
حائط مُصمَت عند نهاية المَمر، واندَفَع منه رجلٌ هَرِم ضئيل البِنية، وكأنَّه أرنَب يقفِز من
جُحره.
ممتاز! واطسون، دلوًا من الماء على القش؛ سوف يَفي هذا » : قال هولمز بهدوء
«. بالغرَض! لستريد، اسمح لي أن أهُدِيَك شاهِدَك الرئيسي المفقود؛ السيد جونيس أولديكر
حدَّق المُحقِّق في الوافد الجديد باندِهاش تام. وكان الأخير يفتَح عينَيه بصعوبةٍ في
ضوء الممرِّ الساطع، ويُحدِّق إلينا وإلى دُخان النار الخابِية. كان وَجهه بغيضًا: له ملامِح
ماكِرة،شريرة، خبيثة، وعينان مُراوِغتان ذَواتا لَونٍ رمادي فاتِح وأهدابٍ بِيض.
«؟ ما هذا إذن؟ ماذا كنتَ تفعل طِيلة هذه المدَّة، ها » : قال لستريد في النهاية
فضحِك أولديكر ضحكةً مُرتبِكةً وهو يَتقهقَر بعيدًا عن وَجه المُحقِّق الغاضِب وقد
احمرَّ حنَقًا.
«. لمْ أؤذِ أحدًا »
لمْ تُؤذِ أحدًا؟ لقد بذلتَ قُصارى جهدك لتتسبَّب في إعدام رجلٍ بريء، ولولا وجود »
«. هذا الرَّجُل المُحترَم هنا، لَمَا كنت واثقًا من إخفاقِك فيما أردْتَ
فشرعَ الكائن الوَضيع في النَّشيج.
«. أنا مُتأكد يا سيِّدي؛ ليس سوى مَقلَب »
أوه! مَقلَب، أهكذا كان؟ لن يكون الِمزاح في صالِحِك، أعِدُك بذلك. خُذوه للأسفلِ »
سيد هولمز، لمْ أستطِع » : وبعد ذَهابهم، استأنَف قائلًا «. وأبقُوه في غُرفة الجلوس حتى آتي
الحديث أمام رجال الشرطة، لكنني لا أجِد غَضاضةً في أن أقول أمام الدكتور واطسون، إنَّ
هذا أذكى شيءٍ قُمتَ به حتى الآن، رغم كوْن كيفية قِيامك به لُغزًا بالنسبة لي. لقد أنقذتَ
«. حياة رجلٍ بريء، ومنعتَ فضيحةً خطيرة كانت ستُدمِّر سُمعَتي بين رجال الشرطة
فابتسم هولمز وربتَ على كَتِف لستريد.
بدلًا من تدمير سُمعتِك، سيدي الكريم، ستجِد أنها قد تعزَّزتْ بصورةٍ كبيرة. فقط »
أدخِلْ قليلًا من التعديلات على ذلك التقرير الذي كنتَ تكتُبه، وسوف يُدرِكون مدىصعوبة
«. مُخادَعة المُفتِّش لستريد
«؟ وأنتَ لا تُريد لاسمك أن يَظهر »
مُطلقًا؛ فالإنجاز مكافأة في حدِّ ذاته وربما يُنسَب لي الفضلُ أيضًا يومًا ما في المستقبل »
البعيد، عندما أسمَح لمؤرِّخي الهُمام بنشرِ أوراقِه مرةً أخرى … أليس كذلك يا واطسون؟
«. حسنٌ، والآن، لنرَ أين كان يختبئ ذلك الفأر
كان يَمتدُّ عبر الممر جدارٌ داخليٌّ فاصلٌ مصنوع من ألواح الخَشب والجصِّ على بُعْد
ستَّة أقدامٍ من نهاية المَمر، وبه بابٌ مَخفيٌّ فيه ببراعة، وكان داخِلُه مُضاءً بشقوقٍ موجودة
تحت الأفاريز. لاحَظْنا وجودَ القليل من قِطَع الأثاث ومئونة من الطعام والشراب بالداخل،
بالإضافة إلى عددٍ من الكُتب والأوراق.
تلك هي فائدةُ أن يكون المرء بنَّاءً؛ لقد استطاع تجهيزَ » : قال هولمز، عندما خرجْنا
مَخبئه الصغير دُون مُساعدة أيِّ حليف … ما عدا، بالتأكيد مُدبِّرة مَنزله الغالية تلك، التي
«. يَجدُر بي ألَّا أهُدِر الوقت قبل وَضْعِها في حقيبة غنائمك يا لستريد
«؟ سوف آخُذ بنصيحتك. لكن كيف عرفتَ بوجود هذا المكان يا سيد هولمز »
لقد أيقنتُ أن الرجل كان يَختبئ في المنزل؛ فعندما قِستُ بخُطايَ أحدَ الممرَّات »
ووجدتُه أقصرَ من نظيره الذي في الأسفل بِمقدار ستَّة أقدام، تبيَّنْتُ بوضوح أين كان
يَختبئ، واعتقدتُ أنه لمْ يكن يَملك من الشجاعة ما يُبقيه هادئًا في وجود إنذار حريق. لقد
كان بإمكاننا، بكلِّ تأكيد، أن ندخُل إلى هناك ونقبِضعليه، ولكن راقَني أن أجعلَه يكشِف
نفسه، بالإضافة إلى أنني كنتُ مَدينًا لك بقليلٍ من الإرباك يا لستريد، بسبب تَندُّرِك عليَّ في
«. الصباح
حسنٌ يا سيدي، لقد تعادلتَ معي بالتأكيد في ذلك الشأن. لكن كيف بربِّك تأتَّتْ لك »
«؟ معرفة أنه كان موجودًا في المنزل أصلًا
بصمة الإبهام يا لستريد. لقد قلتَ إنها كانتْ حاسِمة؛ وقد كانت كذلك، لكن بطريقة »
مُختلِفة تمامًا. كنتُ أعلم أنها لمْ تكن موجودةً في اليوم السابق. وأنا أوُلي مسألةَ التفاصيل
قدْرًا كبيرًا من الاهتِمام، لعلَّك لاحظت ذلك، وكنتُ قد فحصتُ القاعةَ وتأكدتُ أن الحائط
«. كان نظيفًا؛ لذا، فقد وُضِعتْ في أثناء الليل
«؟ لكن كيف »
ببساطةٍ شديدة، عندما خُتِمتْ رِزَمُ الأوراق تلك، طلب جونيسأولديكر من مكفارلن »
أن يُحكِم غلْقَ أحد الأختام بوضعِ إبهامه على الشمع الطري. لا شكَّ أن الأمر تمَّ بسرعةٍ
شديدة وبصورة طبيعية جدٍّا لدرجةِ أنَّني أظنُّ أنَّ الشابَّ نفسه لا يذكُر عنه شيئًا. من
المُرجَّح جدٍّا أن الأمر قد جرى على هذا النحو، ولم يكن لدى أولديكر نفسِه فكرةٌ عما
سوف يَستغلُّه فيه، وعندما أطال التفكير في القضية داخل وَكْرِه ذاك، خطرَ ببالِه فجأةً كم
هو دليلٌ مُهلِك قطعًا ذاك الذي يستطيع تلفيقَه ضدَّ مكفارلن إذا استغلَّ بَصمةَ الإبهام
تلك. لقد كان من أسهل ما يُمكِن بالنسبة إليه أن يأخُذَ طبعةً شمعيَّة من على الخاتم، ثم
يُخضِّبها بما يستطيع الحصول عليه من دماء من وَخزة دبُّوس، ثم يَضع البصمة على
الحائط أثناء الليل، إما بيده هو نفسه أو بيد مُدبِّرة منزله. إذا فتَّشْتَ بين تلك المُستندات
«. التي أخذَها معه إلى مأواه، فإني أراهِنُك أنك ستجِد الخاتم الذي يَحمِل بصمةَ الإبهام
رائع! رائع! لقد أضحى الأمر كله واضحًا كالشمس بتفسيرك إياه. لكن » : قال لستريد
«؟ ما الغاية من وراء هذا الخِداع المُعقَّد يا سيد هولمز
لقد راق لي أن أرى كيف استحال فجأةً أسلوبُ المُحقِّق المُتغطرِسأسلوبَ طفلٍ يَطلُب
من مُعلِّمه إجابةَ أسئلته.
حسنٌ، لا أظنُّ أن هذا يَستعصيكثيرًا على التفسير. إنه شخصداهِية وشرير وحقود »
جدٍّا، ذلك الرجل الذي يَنتظرنا الآن بالأسفل. هل تعلَم أن والِدة مكفارلن رفضت الزَّواج
منه من قبل؟ لا تعلم! لقد أخبرتُك أنه ينبغي لك الذَّهابُ إلى مُقاطعة بلاكهيث أولًا ثم
نوروود بعد ذلك. حسنٌ، لقد ظلَّتْ هذه الإساءة — كما رآها هو — تعتَمِلُ في عقله الشرير
الماكر، وظلَّ طوال حياته يَتوق للانتِقام، دون أن تَسنَح له فرصةٌ قط. وخلال السنة أو
السنَتَين الماضيتَين سارت الأمورُ في غير صالِحه بسبب مُضارباتٍسرِّية في البورصة — على
ما أظنُّ — ووجد نفسَه في وضعٍ سيئ، فعزَمَ على خِداعِ دائنيه؛ ومن أجل هذا الغرَضدفَع
شيكاتٍ مصرفيَّة بقِيَمٍ ضخمةٍ لشخصٍبعينِه يُدعَى السيد كورنيليس، الذي أتخيَّل أنه هو
أولديكر نفسه، ولكن تحت اسمٍ آخَر. أنا لمْ أتتبَّع هذه الشيكات بعدُ، لكنِّي لا أشكُّ أنها
قد أوُدِعتْ مصرفًا ما تحتَ ذلك الاسم في إحدى مُدن المُقاطعات حيث كان يحيا أولديكر
هناك، من وقتٍ لآخر، حياةً مُزدوَجة. نوى أولديكر أن يُغيِّر اسمه بالكليَّة، وأن يسحَب هذا
«. المال ثم يختفي، ليبدأ حياته من جديد في مكانٍ آخر
«. حسنٌ، إن ذلك مُحتملُ الحدوث بما يكفي »
ولعلَّه قد خطَر بذهنِه أنه يستطيع باختفائه أن يتخلَّصمن كلِّ المُلاحَقات، وأن يَنتقِم »
في الوقت نفسه من حبيبتِه القديمة انتقامًا كبيرًا وساحِقًا، وذلك إذا تمكَّنَ من أن يُعطي
انطباعًا أنه قد قُتِل على يد ابنِها الوحيد. لقد كانتْ خُطَّته تُحفةً من تُحَفِ النذالة، وقد
نفَّذَها تنفيذَ البارِعين؛ ففكرةُ الوصية، التي يُمكِن أن تُقدِّم دافعًا واضحًا لارتكاب الجريمة،
والزيارةُ السرِّية التي لا يعلَم بها والِدا الشاب نفسه، واستبقاءُ العصا، وآثارُ الدم، وجثةُ
الحيوان والأزرار التي ألقاها في كومة الخشب؛ كلُّها كانتْ تفاصيلَ مُثيرةً للإعجاب. لقد
كانتْ شبكةً بدا لي منذ ساعاتٍ قليلةٍ مَضتْ أنه لا يُمكن الهروب منها. لكنَّه كان يفتقِر لتلك
المَوهِبة الفائقة التي يتمتَّع بها الفنان؛ أن يعرِف متى يتوقَّف. لقد تمنَّى تحسينَ ما كان
مُمتازًا بالفعل — كي يُضيَّق الخِناق أكثرَ حولَ رقبة ضحيَّتِه الِمسكينة — وبهذا أفسدَ كلَّ
«. شيء. هيا بنا ننزِل يا لستريد، فأنا أودُّ أن أطرَح عليه سؤالًا أو سؤالَين
كان الكائن الخبيث جالسًا في غرفة الجلوس الخاصَّة به، وعن يمينه ويساره رجُلا
شرطة.
لقد كانتْ مُزحة سيدي الكريم، مَقلبٌ مُضحِك » : راحَ يتذمَّر ناحِبًا كالأطفال بلا توقُّف
لا غير. أؤكد لك يا سيدي أنَّني أخفيتُ نفسي فقط لأرى نتيجةَ اختفائي، وأنا مُتأكد أنَّكم
لن تكونوا جائرين لدرجةِ أن تتخيَّلوا أنَّني كنتُ سأسمَح بإلحاقِ أيِّضرَرٍ بالشاب الِمسكين
«. السيد مكفارلن
ستُقرِّر هيئةُ المُحلَّفين بشأن هذا، وعلى أية حال، فسوف نقبِض عليك » : قال لستريد
«. بتُهمة التآمُر، إن لمْ يكن بتُهمة الشُّروع في القتل
«. وربما ستجِدُ دائنيك يُصادِرون الحسابَ البنكيَّ للسيِّد كورنيليس » : قال هولمز
فانتفضَالرجل الضئيل البِنيَة واقِفًا وحوَّل عينَيه الخَبيثتَين نحوَ صديقي.
«. عليَّ أن أشكرك لأجل الكثير والكثير، وربما أتمكَّن من توفيةِ حقِّك يومًا ما » : وقال
أتصوَّر أنَّ وقتك سيكون مشغولًا جدٍّا لبضع سنواتٍ » : فابتسم هولمز بتسامُح، وقال
قليلة قادِمة. بالمُناسبة، ما الذي وضعتَه في كومة الحطب بالإضافة إلى سراويلك القديمة؟
أكان كلبًا مَيِّتًا، أم أرانِب، أم ماذا؟ ألن تقول؟ يا للعَجَب! ما أقساك! حسنٌ، حسنٌ، أظنُّ أن
زَوجَين من الأرانِب يكفِيان لتفسير كلٍّ من الدَّم والرُّفات المُتفحِّم. إذا سردتَ القصةَ يومًا
«. يا واطسون، فيُمكن أن تؤدِّي الأرانبُ الغرَض
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

فصول العمل

الفصل الأول الفصل الثاني
اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.