artherconan

شارك على مواقع التواصل

لَمعَت عيناه وراء نظَّارته الضَّخمة. كان من الواضح أن السيد ناثان جاريديب لن
يَدَّخر جهدًا في العثور على شخصٍيحمِل الاسم نفسه.
لقد اتصلتُ لأتعرَّفعليك فحسبُ. ليسلديَّ أيسبب لأشغلك عن أبحاثك. » : قال هولمز
أفُضِّل تكوين علاقةٍ شخصية مع مَن أعمل معهم، وأرغب في سؤالك بعضالأسئلة؛ إذ إنني
مُلمٌّ بقصتك بكل وضوح، وقد أكملتُ ما كان ينقصها عندما اتصل بي هذا الرجل الأمريكي.
«؟ كما أفهم، أنت لم تكن على علمٍ بوجوده حتى هذا الأسبوع، صحيح
«. أجل، لقد اتصل بي الثلاثاء الماضي »
«؟ هل أخبرك بمقابلتنا اليوم »
«. أجل، لقد اتَّصل بي مباشرة وكان يَستشيط غضبًا »
«؟ ولماذا كان غاضبًا »
كان يعتقد بأن الأمر شكلٌ من أشكال الإساءة لسُمعته، ولكنه عندما عاد من مُقابلتك »
«. كان في مِزاجٍ جيِّد كما كان في البداية
«؟ هل اقترحَ أي خطة عمل »
«. لا يا سيدي، لم يفعل »
«؟ هل سبق أن أخذ أو طلب منك أيَّ مال »
«! كلا البتة يا سيدي »
«؟ هل ترى أيَّ هدفٍ محتملٍ لديه »
«. لاشيء باستثناء ما يقوله »
«؟ هل أخبرته عن موعدنا الذي حدَّدناه عبرَ الهاتف »
«. أجل يا سيدي، أخبرته »
سرح هولمز في أفكاره، كنت أستطيع رؤية الحيرة في عينَيه.
«؟ هل لديك أي مقالاتٍ قَيِّمَة ضمن مجموعتك »
«. لا يا سيدي، فأنا لست رجلًا غنيٍّا؛ إنها مجموعةٌ جيدة، ولكنها ليست قَيِّمَة »
«؟ ألا تخشى اللُّصوص »
«. لا، إطلاقًا »
«؟ منذ متى تعيشُ في هذا المكان »
«. ما يقرُب من خمس سنوات »
قاطع استجواب هولمز صوت طرقٍ مستمرٍّ على الباب. وبمجرد أن فتح عميلنا الباب،
اندفع المحامي الأمريكي داخل الغرفة مُفعمًا بالحماسة.
ها أنت ذا! فكرتُ في أنني يجب أن آتي » : صاح قائلًا وهو يُلوِّح بورقة فوق رأسه
في الوقت المحدَّد لأضمن وجودك. تهانيَّ يا سيد ناثان جاريديب، لقد صرتَ رجلًا غنيٍّا
يا سيدي! لقد تم الأمر بنجاح وكل شيءٍ على ما يُرام. أمَّا بالنسبة لك يا سيد هولمز، فلا
«. يسعنا سوى الاعتذار منك إذا كنا قد تسبَّبنا لك في أيِّ متاعبَ بلا طائل
سَلَّمَ الورقة إلى عميلنا، الذي وقفيُحدِّق في إعلانٍ موضوعٍ عليه علامة. مِلتُ أنا وهولمز
إلى الأمام وقرأنا ما كُتِب في الإعلان من فوق كتفه:
هوارد جاريديب
مهندسآلاتٍ زراعية
آلات حزم وحصد وبخار، ومحاريث يدوية، وآلات حفر، وجرافات، وعربات
مزارعِين، وعربات بأربع عجلات يجرها الخيول، وكل المستلزمات الأخرى.
حساب نسب الآبار الارتوازية.
راسلنا على مباني جروسفينور، أستون.
«! رائع! لقد وجدنا ثالثنا » : شهق مُضيفنا قائلًا
لقد أجريتُ تحقيقاتٍ في برمنجهام، وقد أرسل لي وكيلي هناك هذا » : قال الأمريكي
الإعلان منصحيفةٍ محلية. لا بد أن نتحرك على الفور لنتمم الأمر بنجاح، لقد أرسلت جوابًا
«. لهذا الرجل وأخبرتُه أنك ستقابله في مكتبه بعد ظهر الغد في الرابعة عصرًا
«؟ أن أقابله « أنا » هل تريدني »
ما رأيك يا سيد هولمز؟ ألا تجد أن هذا أكثر حكمة؟ فأنا لن أكون سوى أمريكيٍّ »
مُرتحِل يقص حكايةً مدهشة، فلِمَ سيُصدق ما أقوله؟ ولكن أنت بريطانيٌّ ذو أصول
عريقة، وهو ما سيجعله ينتبه لما تقول. يُمكنني أن آتي معك إذا أردتَ، ولكن يومي غدًا
«. سيكون مشغولًا، ويمكنني أن أَلحَق بك في أي وقت في حال واجهتَ أيَّ مشكلة
«. حسنًا، لم أقُمْ برحلةٍ كهذه منذ سنوات »
الأمر بسيط يا سيد جاريديب، لقد وجدتُ مَن نحتاجُه بالفِعل. ستغادر في الثانية »
عشرة ظهرًا وستصل هناك بعد الثانية بقليل، ثم يُمكنك أن تعودَ في الليلة. كل ما عليك
القيام به هو رؤية هذا الرجل وشرح الأمر له، والحصول على إقرار يُثبت وجوده على قيد
أعتقد أن سفرك مائة ميل لإتمام هذا الأمر لا يُعتبر » ، هكذا أضاف بحَنق «! الحياة. يا إلهي
«. أيَّشيء مقارنة بما فعلتُه، أنا من أتيتُ من وسط أمريكا
«. هذا صحيح، أعتقد أن ما يقوله هذا الرجل صحيح تمامًا » : قال هولمز
حسنًا إذا كنت تُصِرُّ على أن أذهب، » : هز السيد ناثان جاريديب كتفَيه بكآبة، وقال
«. فبلا شك يصعب عليَّ أن أرفُضلك أيَّ طلب مقارنة بالأمل العظيم الذي جلبتَه لحياتي
«. إذن فقد اتفقنا، وبلا شك ستُبلِغني بما حدَث في أقرب وقتٍ ممكن » : قال هولمز
لا بد أن » : ثم أردف وهو ينظر إلى ساعته قائلًا «. سأحرصعلى ذلك » : رد الأمريكي
أذهب، سأتصل بك غدًا يا سيد ناثان؛ لأصطحبك إلى برمنجهام. هل أنت ذاهبٌ يا سيد
«. هولمز؟ حسنًا، إذن إلى اللقاء وأتمنى أن يكون لدينا أخبارٌ جيدةٌ لك غدًا
لاحظتُ أن وجهصديقي قدصفا عندما غادر الأمريكي الغرفة، واختفت نظرة الحَيرة
العميقة.
أتمنى لو كنتُ أستطيع رعاية مجموعتك يا سيد جاريديب؛ » : قال للسيد جاريديب
«. ففي مهنتي، تفيد كل أنواع المعرفة الغريبة، وغرفتك هذه مستودعٌ لتلك المعارف
أشرق وجه عميلنا سعادةً ولَمعَت عيناه من وراء نظارته الكبيرة.
لقد سمِعتُ دومًا يا سيدي أنك رجلٌ شديدُ الذكاء، يمكنني أن آخذك في » : ردَّ قائلًا
«. جولةٍ الآن إن كان لديكَ وقت
لا للأسف، ليس لديَّ وقت. ولكن هذه العيِّنات مُعنونةٌ ومصنَّفة بعناية بحيث إنها »
لا تتطلب منك أن تُقدِّم ليشرحًا. لا أعتقد أنك ستعترضلو زُرتك زيارةًسريعةً غدًا لأُلقي
«؟ عليها نظرة، اتفقنا
بالطبع، مجيئُك على الرُّحب والسَّعة. سيكون المكان مُغلقًا بالطبع، ولكن السيدة »
«. سوندرز تكون في القَبو حتى الرابعة، وستُدخلك بمفتاحها
حسنًا، لن أكون مشغولًا غدًا بعد الظُّهر؛ لذا سأكون شاكرًا لو أبلَغتَ السيدة سوندرز »
«؟ بقدومي. بالمناسبة، مَن هو سمسار تأجير العقار
اندهش عميلُنا من السؤال المفاجئ.
«؟ هولواي وستييل، في طريق إدجوير، ولكن لِمَ تَسأل »
أنا عالم آثارٍ عندما يتعلَّق الأمر بالمنازل، كنت أتساءل ما إن » : قال هولمز وهو يضحك
«. كان المنزل على الطراز الجورجي أم الملكة آن
«. الطراز الجورجي، بلا أدنى شك »
حقٍّا؟ كنت أظنه أقدم قليلًا، ومع ذلك، فقد تأكد الأمر بيُسر. حسنًا، إلى اللقاء يا سيد »
«. جاريديب، أتمنى لك النجاح في رِحلتِك إلى برمنجهام
كان مقر شركة سمسار تأجير العقار قريبًا، ولكننا وجدناه مُغلقًا، فعدنا باتجاه
شارع بيكر. لم يُشِر هولمز إلى الموضوع إلا بعد العشاء.
تقترب مشكلتنا الصغيرة من الحل، لا أشكُّ في أن لديك تصوُّرًا عن الحل في » : قال
«. ذهنك
«. أنا في حَيرة من أمري؛ لا يمكنني تبيُّن رأسِ الأمر من ذَيله »
رأسُه واضح بما يكفي. أما بالنسبة لذَيله، فسنعرفه غدًا. أوَلم تلاحظ أيشيءٍ غريبٍ »
«؟ في الإعلان
«. مكتوبةٌ إملائيٍّا بشكلٍ خاطئ « محراث » وجدتُ أن كلمة »
أوه، هل لاحظت ذلك؟ بِربِّك يا واطسون، إنك تتطور طُوالَ الوقت. أجل، لقد كانت »
لغةً إنجليزيةً سيئة، ولكنها أمريكيةٌ سليمة. لقد طُبِعَ طِبقًا لما استلموه مكتوبًا. ثم إن كلمة
الآبار » عربات بأربع عجلاتٍ يَجرُّها حِصان) أمريكيةٌ أيضًا. كما أن عبارة ) buckboards
يشيع استخدامُها هناك عنها هنا. لقد كان إعلانًا أمريكيٍّا مثاليٍّا، ولكنه يَزعم « الارتوازية
«؟ أنه منشركةٍ إنجليزية؛ فما الذي تستَنجُه من ذلك
يمكنني الافتراضفقط بأن هذا المحامي الأمريكي هو من نشَر الإعلان، غيرَ أنني لا »
«. أفهم هدفه من ذلك
حسنًا، تُوجد تفسيراتٌ بديلة. على أية حال، كان يرغب في أن يُرسل هذه الحفرية »
القديمة إلى برمنجهام، هذا أمرٌ واضح. كان يمكنني أن أخُبِره بأنه ذاهب لمطاردةٍ برِّية،
ولكن بعد إعادة تفكير، بدا لي أنه من الأفضل أن أفُسِح له المجال بالذَّهاب إلى هناك. غدًا
«. يا واطسون؛ حسنًا، غدًا سيُفصِح عن خباياه
استيقظ هولمز وخرج باكرًا، وعندما عاد في وقتِ الغَداء، لاحظتُ أن وجهه كان شديد
التجهُّم.
إنها مسألةٌ أكثر خُطورةً مما توقعتُ يا واطسون. من الإنصاف أن أخُبرك بذلك، على »
الرغم من أنني أعلم أن ما سأقوله لن يكون سوى سببٍ إضافي لِتُقحِم نفسك في المخاطر؛
«. فأنا أعرفك تمام المعرفة الآن. ولكن تُوجد مخاطر، ويجب أن تعلَمها
حسنًا، إنها ليست المرَّة الأولى التي نعمل فيها معًا يا هولمز، وأَتمنَّى ألَّا تكون الأخيرة. »
«؟ ما هو الخطر هذه المرة
إننا نُواجه قضيةً صعبةً للغاية، لقد اكتَشفتُ أن السيد جون جاريديب المستشار »
«. المعروف بِشرِّه ودمويته « إيفانز القاتل » القانوني، هو نفسه
«. ما زلتُ لا أفهم شيئًا »
أوه، حِفظُ نسخةٍ من سجلَّات سجن نيوجيت في ذاكرتك لا يُعتبر جزءًا من مِهنتك. »
لقد ذهبتُ لرؤية صديقي لستريد في شرطة سكوتلانديارد؛ فعلى الرغم من أنهم يُعانون
هناك من نقص الخيال أحيانًا، فإنهم يأتون في صدارة العالم لدقتهم ومنهجيتهم. لقد
واتتني فكرة وهي أننا قد نقتفي آثار صديقنا الأمريكي في سجلاتهم، وكما هو متوقع،
وجدتُ وجهَه السمين يبتسم لي في مَعرض صور المُجرمِين. أسفل صورته كُتب الآتي:
سحب .« إيفانز القاتل » معروف باسم موركروفت، واسمه المستعار هو ،« جيمس وينتر »
لقد دوَّنتُ بعضَالمعلومات من ملفه؛ سِنه أربعة وأربعون » : هولمز ظرفًا من جَيبه وأردَف
عامًا، من مواليد شيكاجو، معروف بأنه قد أطلق النار على ثلاثة رجال في الولايات المتحدة،
هرَب من السجن عن طريق النفوذ السياسي. أتى إلى لندن في عام ١٨٩٣ ، أطلق النار
على أحد الرجال بسبب خلاف على أوراق اللعب في نادٍ ليلي بطريق ووترلو في يناير عام
١٨٩٥ ، لقي الرجل حتفه، ولكن تبين أنه كان هو المعتدي في هذا الشجار. تَمَّ التعرُّف على
القتيل، وهو روجر بريسكوت المشهور بأنه مُزوِّر ومُزيف عملات في شيكاغو. تم إطلاق
في ١٩٠١ ، وهو قيد مراقبة الشرطة منذ ذلك الحين، ولكنه معروفٌ « إيفانز القاتل » سراح
بأنه يعيش حياةً صالحةً حتى الآن. رجلٌ شديد الخطورة، عادةً ما يَحمِل الأسلحة ويكون
هذا هو طائرُنا يا واطسون — وهو طائرٌ مُسلٍّ، لا بدَّ أن تعترف «. مستعدٍّا لاستخدامها
«. بذلك
«؟ ولكن ما هي خُطَّتُه »
حسنًا، لقد بَدأَت خطته في الكشف عن نفسها. لقد ذهبتُ إلى سمسار تأجير العقار. »
كما أخبرنا عميلُنا، فإنه يعيش هناك منذ خمس سنوات، وقبل ذلك ظلَّت الشقةُ سنة كاملة
دون أن تؤجر. كان المستأجر السابق رجلًا محترمًا بشكل عام واسمه والدرون؛ لقد تذكروا
مظهرَه جيدًا في المكتب. لقد اختفى فجأةً ولم يُسمَع عنه أيُّ شيء بعد ذلك. كان طويلًا
كان، طبقًا « إيفانز القاتل » ذا لحيةٍ وملامحَ داكنة. حسنًا، بريسكوت الرجل الذي قتله
لسكوتلانديارد، رجلًا طويلًا داكنَ البشرةِ وذا لحيةٍ. كافتراضٍعملي، أعتقِدُ أننا يمكن أن
نَعتبر أن المجرم الأمريكي بريسكوت كان يعيش في نفس الغرفة التي يُخصِّصها صديقُنا
«. البريء الآن لِمُتحفه. أخيرًا حصَلنا على حلقة وَصلٍ كما ترى
«؟ وماذا عن حلقة الوصل التالية »
«. حسنًا، يجب أن نذهب الآن بحثًا عنها »
أخرج مسدسًا من الدُّرج وأعطاه لي.
معي مسدسي القديم المفضَّل، إذا حاول صديقنا راعي البقر أن يعود لممارساته »
القديمة، فلا بد أن نكون مُستعِدَّين له. سأعُطيك ساعةً للقَيلولة يا واطسون، وأعتَقد أن
«. بعدها سيَحين الوقتُ لمُغامرتنا في شارع رايدر
كانت الساعة لم تَتعدَّ الرابعة حينما وصَلنا شقة ناثان جاريديب العجيبة. كانت
السيدة سوندرز حارسة المنزل على وشك المغادرة، ولكنها لم تتردَّد في إدخالنا. أغُلِقَ الباب
بقفلٍ زنبركي، ووعدها هولمز بأنه سيتأكَّد من أن كل شيءٍ آمنٌ قبل مغادرتنا. بعد ذلك
بفترةٍ وجيزة أغُلِقَ الباب الخارجي، ورأينا قبعتَها تمرُّ عبر النافذة البارزة، فعرفنا أننا
صِرنا وحدنا في الطابق السفلي من المنزل. فحصهولمز المبنى فَحصًا سريعًا. كانت تُوجد
خزانة في ركنٍ مظلم تَبعُد قليلًا عن الحائط. جثَمنا وراءَها أخيرًا، بينما أفصح هولمز عن
لقد أراد أن يُخْرِج صديقَنا اللطيف من غرفته؛ هذا في غاية الوضوح، » : نوايا القاتل قائلًا
وبما أنه لم يَخرُج منها قَط، فقد احتاج الأمر إلى بعضِالتخطيط؛ كل قصة اسم جاريديب
المزيفة هذه لم يكن لها أي هدفٍ آخرَ كما يبدو. يجبُ أن أقول يا واطسون إنَّ هذه الخطة
تتَّسم بشيء من البراعة الشيطانية؛ حتى ولو كان اسم المستأجر الغريب هو ما أوحى له
«. بفكرةٍ لم يكن ليتوقعها قَطُّ؛ فقد حاكَ مؤامرته ببراعةٍ استثنائية
«؟ ولكن ما الذي يريده »
حسنًا، هذا هو ما نحن هنا لأجله. بقَدْر ما أستطيع قراءة الوضع حتى الآن، فالأمر لا »
يتعلق من قريب أو من بعيد بعميلنا، بل بالرجل الذي قتله وربما كانشريكه في الجريمة.
تُخبِّئ هذه الغرفةسرإدانةٍ بين جدرانها، هكذا رأيتُ الأمر. في البداية، كنت أظن أنصديقنا
قد يكون لديه شيءٌ في مجموعته أعظمَ قيمة مما يعلم؛ شيء يستحق لفت انتباه مجرمٍ
عاتٍ. ولكن تشير حقيقة أن روجز بريسكوت ذا السمعة السيئة كان يسكن في هذه الغرفة
إلى سببٍ أعمق. حسنًا يا واطسون، يجب أن نتحلى بالصبر ونرى ما قد تحمله لنا الساعة
«. القادمة
لم تمر الساعة علينا ببطء؛ فقد جثم كلٌّ منا قريبًا من الآخر في الظلام، ونحن نسمع
صوت الباب الخارجي يُفتح ثم يُغلق. ثم سمعناصوت طقطقةٍ معدنيةٍ حادةٍ لأحد المفاتيح،
وصار الأمريكي داخل الغرفة. أغلق الباب بهدوءٍ خلفه، وألقى نظرةً ثاقبةً سريعة حوله
ليتأكد من أن كلَّ شيء كان آمنًا، ثم ألقى بمِعطفه وسار تجاه الطاوِلة الرئيسية بحماسِ
مَن يعلم ما يَتحتَّم عليه فعله بالضبط. دفع الطاوِلة إلى أحد الجوانب ومزَّق جزءًا من
البساط الذي كانت الطاولة موضوعةً فوقه، ثم طَواه بالكامل وسحب عتَلةً صغيرةً من
جيبه الداخلي، وركع وبدأ يعمل بسرعةٍ فيشيءٍ ما على الأرض. سمعنا صوت ألواحٍ مُنزلِقة،
ثِقابًا وأضاء « إيفانز القاتل » وبعد ثوانٍ معدودة، فُتِحَ مربَّع في الألواح الخشبية. أخرج
عُقب شمعة واختفى عن أنظارنا.
حان وقت تدخُّلنا كما هو واضح. لمس هولمز مِعصَمي كإشارة لنتحرك، وسرنا معًا
بهدوء نحو الباب السري المفتوح. وعلى الرغم من أننا كنا نتحرك بخفَّة، لا بد أن الأرضية
القديمة قد أصدَرَت صوت طقطقةٍ أسفل قدمَينا؛ إذ إن رأس صديقنا الأمريكي استدار
بقلَق، ونظر حوله بحثًا عن مصدر الصوت وظهر رأسه فجأةً من الباب المفتوح. تحوَّل
وجهه نحونا ونظر إلينا بمزيج من الغضب والحَيرة اللذَين تحوَّلا تدريجيٍّا إلى ابتسامة
خِزيٍ عندما أدرك وجود مسدسَين موجهَين نحو رأسه.
أعتقد أنني » ، هكذا قال ببرود وهو يصعَد بسرعة خروجًا إلى السَّطح «! حسنًا، حسنًا »
لم أكن ندٍّا لك يا سيد هولمز. لقد كشفتَ لُعبتي، كما أفترض، واعتبرتَني مغفَّلًا منذ البداية.
«… حسنًا يا سيدي، أعترف بتفوُّقك؛ لقد غلَبتَني و
في طرفة عين كان قد أخرج مسدسًا من جيبه وأطلق طلقتَين. شعرتُ بحُرقةٍ مفاجئة
كما لو أن قطعة من الحديد الملتهب قد ضُغِطَت على فخذي.ضرب هولمز بكعب مسدسه
رأسالأمريكي فسُمِعَصوتُ ارتطام، ورأيتُه وهو يقع مُمدَّدًا على الأرضوالدماء تسيل على
وجهه بينما كان يُفتِّشه هولمز بحثًا عن أي أسلحة. ثم وجدت ذراعَي صديقي النحيلتَين
القويتَين تُحيطان بي وهو يقودني إلى أحد المقاعد.
«! أنت لم تُصَب يا واطسون، أليس كذلك؟ بحق الرب أخبرني بأنك لم تُصَب »
كان الأمر يستحق جُرحًا، بل الكثير من الجروح، لأعلم مدى الولاء والحب الذي يُخفيه
هولمز خلف هذا القِناع البارد. خَفتَ بريق عينَيه الواضحتَين القاسيتَين لوهلة، واهتزت
شفتاه الحازمتان. شهِدتُ للمرة الأولى والوحيدة لمحةً تُبيِّن كم أن قلبه جميل وعقله عظيم.
بَلغَت كل سنوات عملي المتواضعة والمتفانية أَوجَها في تلك اللحظة الكاشفة.
«. ليس بالأمر الكبير يا هولمز، إنه مجرد خَدش »
مزَّقسروالي بسِكين جيبه.
كان «. أنت مُحق، إنه جرحٌ سطحيٌّ إلى حدٍّ ما » : صاح وهو يتنفس الصُّعَداء ارتياحًا
وجهه جامدًا كالحجر وهو ينظر بسَخَط إلى سجيننا الذي كان يَجلِس ووجهه مذهولٌ، ثم
بحق الرب! هذا من حُسن حظك؛ فلو كنتَ قتلتَ واطسون، ما كنت ستخرج من هذه » : قال
«؟ الغرفة حيٍّا. والآن يا سيدي، ماذا لديك لتقوله دفاعًا عن نفسك
لم يكن لديه ما يقوله، فقط كان يجلس عابسًا. مِلتُ على ذراع هولمز، ونظرنا معًا
إلى أسفلَ داخل القَبو الصغير الذي ظهر بعد أن انفتح الباب الأرضيالسري. كان لا يزال
مُضاءً بنور الشمعة التي أخذها إيفانز معه إلى الأسفل. وَقعَت أعيُننا على كتلة من الآلات
الصدِئة، ولفائفَ ضخمةٍ من الورق ومجموعةٍ من الزجاجات المُبعثَرة، وعددٍ من الحِزَم
الصغيرة الأنيقة التي وُضِعَت بعنايةٍ على طاولةٍ صغيرة.
«. آلة طباعة؛ المُعدَّات التي يستخدمها المُزَوِّر » : قال هولمز
هكذا قال سجيننا وهو يترنَّح ببطءٍ ليقفعلى قدمَيه ثم انهار جلوسًا «. أجل يا سيدي »
إنَّه أعظمُ مُزَوِّرٍ شَهِدَته لندن على الإطلاق. هذه آلة بريسكوت، » : على المقعد وأردف قائلًا
وتلك الحِزم على الطاولة هي ألفا جنيهٍ من نقود بريسكوت من فئة المائة جنيه ويُمكِن
التعامل بها وقَبولها في أيِّ مكان. تفضَّلوا يا سادة، لنُسمِّها صفقةً ودعوني أمضيإلى حال
«. سبيلي
ضحك هولمز.
ليست هذه الطريقة التي نعملُ بها يا سيد إيفانز؛ لا يُوجد مكانٌ آمن لتهرُب إليه في »
«؟ هذا البلد. لقد أرديتَ السيد بريسكوت قتيلًا، أليس كذلك
بلى يا سيدي، ونِلتُ حكمًا بخمس سنوات لِقاءَ ذلك، على الرغم من أنه هو من أشهر »
سلاحه في وجهي أولًا. سُجِنتُ خمسسنوات، في حين أنني كان يجب أن أَحصُل على ميداليةٍ
بحجم صَحْن الحَساء. لا يُمكن لأيِّ إنسان على الأرض أن يُميِّز ما بين نقود بريسكوت
المُزوَّرة ونقود بنك إنجلترا، ولو لم أَقتلْه لكان قد غمر لندن بها. كنتُ أنا الشخصالوحيد
في العالم الذي يعلم أين كان يصنع تلك النقود. هل يُمكِنك أن تُثبِت بأنني كنت أريد
الحصول على هذه الغرفة؟ وهل يمكنك أن تُثبِت بأنني عندما وَجدتُ هذا المجنون المعتوه
صائد الحشرات الذي لا يَبرَح غرفته أبدًا هو واسمه الغريب مُعلَّقًا على الباب، كان لا بد
أن أفعل كل ما بِوُسعي لِأخُرجه منها؟ ربما كان من الحصافة أن أقتله. كان الأمر سيكون
سهلًا بما يكفي، ولكنني رجلٌ طيب القلب لا يُبادر بإطلاق النار إلا إذا كان من أمامه
يحمل مُسدسًا. ولكن على أية حال، أخبِرْني يا سيد هولمز ما هو الخطأ الذي ارتكبتُه؟ أنا
«؟ لم أستخدم هذا المسدَّس، ولم ألُحِق الأذى بهذا الرجل العجوز، فما الذي تُدينُني به
على حسب ما أرى حتى الآن، فقط تهمة الشروع في القتل. ولكن هذا » : قال هولمز
ليس عملنا، سيأتي هذا الأمر لاحقًا. ما كنا نرغب فيه حاليٍّا هو الإمساك بك فحسب. اتَّصِلْ
«. بشرطة سكوتلانديارد يا واطسون أرجوك، لن يكون الأمر مفاجئًا بالنسبة لهم
كانت هذه إذن هي الحقائق الخاصة بالقاتل إيفانز وقصته البارعة التي تتعلق
بالرجال الثلاثة الذين يَحمِلون اللقب جاريديب. سمعنا لاحقًا أن صديقنا العجوز المسكين
لم يتجاوَزْ صدمةَ أحلامه التي ضاعت هباءً أبدًا. وعندما انهارت قِلاع الأحلام التي رسمَها
في خياله، دُفِن هو أسفل حُطامها. وكان آخر ما سُمع عنه أنه دخل دارًا لرعاية المسنِّين في
بريكستوت. أمَّا بالنسبة لشرطة سكوتلانديارد، فقد سَعِدوا باكتشاف مُعدَّات بريسكوت؛
فعلى الرَّغم من معرفتهم بوجودها، فلم يتمكَّنوا قَط بعد مَوته من معرفة مكانها. أسدى
إيفانز بالطبع خدمةً عظيمةً، وتسبَّب في أن ينام العديد من رجال قسم التحقيق الجنائي
المُهمِّين نومًا هنيئًا؛ إذ كان هذا المُزَوِّر مَوضوعًا في تصنيفٍ قائمٍ بذاته كتهديدٍ للأمنِ العام.
كان من الممكن أن يُوافِقوا على اقتراح هذا المجرم بمنحِه ميداليةً بحَجمصحن الحَساء، غير
أنَّ القاضيغير المُتعاطِف كانت له وجهةُ نظرٍ أخرى. وها قد عاد القاتل إيفانز مرةً أخرى
إلى ظُلمات السجن التي كان قد خرج منها لتوِّه
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

فصول العمل

الفصل الأول الفصل الثاني
اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.