artherconan

شارك على مواقع التواصل

«؟ ماذا فعلتما بها »
«. في الواقع، لقد تركناها هناك فحسب »
«؟ كان هذا تصرفًا حكيمًا. تقول إن السير روبرت كان بالخارج البارحة. هل عاد »
«. نتوقَّع عودته اليوم »
«؟ متى تخلَّصالسير روبرت من كلب شقيقته »
كان هذا منذ أسبوع فحسب. كان الكلب يعوي خارج منزل البئر القديم، وفي هذا »
الصباح كان السير روبرت في إحدى نوبات غضبه، فأمسك بالكلب، وظننا أنه كان سيقتله.
ثم أعطاه إلى خَيَّال السِّباق، ساندي باين، وطلب منه أن يأخذ الكلب إلى العجوز بارنز في
«. حانة جرين دراجون؛ لأنه لا يريد أن يراه ثانيةً
جلس هولمز لبعضالوقت يفكِّر في صمت. كان قد أشعل أقدم وأقذر غليون لديه.
ليس واضحًا بعدُ لي يا سيد ماسون ما تريد مني فعْله في هذا الشأن. ألا » : وأخيرًا قال
«؟ يمكنك أن تكون أكثر تحديدًا

«. ربما من شأن هذه أن تجعل الأمور أكثر تحديدًا، يا سيد هولمز » : قال زائرنا
أخرج ورقة من جيبه وفضَّها بحرص، فكشف عن شظية متفحِّمة لعظْمة.
تفحَّصها هولمز باهتمام.
«؟ من أين حصلتَ عليها »
يوجد فرن مركزي للتدفئة بالقَبْو أسفل غرفة الليدي بياتريس. ظل الفرن خامدًا »
لبعضالوقت، ولكن السير روبرت اشتكى من برودة الجو وأمر بإيقاده مجددًا. هارفي هو
مَن يشغِّله؛ وهو أحد الفتية الذين يعملون تحت إمرتي. في صباح يومنا هذا جاءني بهذه
«. القطعة التي وجدها عندما كان ينظِّف الفرن من الرماد؛ إذ لم يَستسِغْ شكلها
«؟ ولا أنا أيضًا. ما الذي تستنبطه منها يا واطسون » : قال هولمز
كانت قد احترقَت حتى أصبحَت متفحِّمة، ولكن لم يكن ثمَّة شكٌّ فيما يتعلَّق بأهميتها
التشريحية.
«. إنه الِمفْصل العلوي لعظْمة فَخِذ بشرية » : قلت
«؟ بالضبط! متى يذهب هذا الفتى إلى الفرن » : قال هولمز وقد أصبح جادٍّا جدٍّا
«. يذهب كل ليلة لينظفه ثم يغادر »
«؟ إذن فأي شخصيستطيع أن يذهب هناك أثناء الليل، أليس كذلك »
«. نعم يا سيدي »
«؟ هل تستطيع أن تدخله من الخارج »
يوجد باب من الخارج. ويوجد آخرُ يؤدي عن طريق سُلَّمٍ إلى الرواق الذي توجد فيه »
«. غرفة الليدي بياتريس
هذه مسألة خطيرة، يا سيد ماسون؛ خطيرة وقذرة نوعًا ما. تقول إن السير روبرت »
«؟ لم يكن بالبيت البارحة، أليس كذلك
«. بلى يا سيدي »
«. إذن، فمَن كان يحرق العظام، أيٍّا مَن كان، لم يكن هو »
«. هذا صحيح يا سيدي »
«؟ ما اسم الحانة التي ذكرتها »
«. جرين دراجون »
ظهر على وجه المدرِّب «؟ هل يوجد صيد جيد للأسماك في هذه المنطقة من بيركشاير »
الصريح تعبيراتٌ تدل على اقتناعه بأن مخبولًا آخرَ قد دخل حياته المنهكة.

في الحقيقة يا سيدي، سمعت أنه يوجد سمك سلمون مرقَّط بالقناة التي يُستعان »
«. بمياهها لإدارة الطاحونة، ويوجد سمك الكراكي ببحيرة هال
هذا ممتاز، أنا وواطسون صيادا سمك مشهوران؛ أليس كذلك يا واطسون؟ يمكنك »
أن تبعث برسائلك إلينا لاحقًا على حانة جرين دراجون. من المتوقَّع أن نصلها الليلة. وأنا
لست بحاجة إلى أن أقول إننا لا نريد أن نراك يا سيد ماسون، ولكن رسائلك ستصلنا،
ويمكنني بلا شك العثورُ عليك إن أردتُ لقاءك. وحين نُحرِز بعض التقدُّم في القضية،
«. سأعطيك رأيًا مدروسًا فيها
وإذ كان ذلك في أمسية صافية من شهر مايو؛ وجَدْنا أنفسنا أنا وهولمز وحْدَنا في
عربة قطار من الدرجة الأولى، وفي طريقنا لمحطة شوسكوم الصغيرة التي لا يتوقَّف فيها
القطار إلا بناءً على طلب أحد المسافرين. كان الرَّف فوقنا تغطيه فوضىهائلة من صنانير
الصيد والبكرات والسلال. وبعدما وصلنا إلى وِجهتنا قطعنا مسافة قصيرة بالعربة حتى
وصلنا إلى حانة قديمة الطراز؛ حيث أدخل صاحبُ الحانة المقامر، جوزياه بارنز، نفسه
بلهفة في خُططِنا للفتكِ بالأسماك في الجوار.
«؟ ماذا عن بحيرة هال وفرصة صيد سمك السلمون المرقَّط هناك » : قال هولمز
هذا غير مناسب يا سيدي؛ فقد تُجازِف بأن تجد » : تجهَّم وجهُ صاحب الحانة وقال
«. نفسك ملقًى بك في البحيرة قبل أن تنتهيَ من الصيد
«؟ كيف هذا إذن »
إنه السير روبرت يا سيدي؛ فهو شديد الرِّيبة من جواسيس خيل السباق. أنتما »
غريبان عن تلك الأنحاء، فلو اقتربتما من مهجع التدريب الخاصبه هكذا، فسوفيُلاحِقكما
«. حتمًا. إن السير روبرت لا يترك شيئًا للصدفة، لا يترك شيئًا
«. لقد سمعت أنه يمتلك حصانًا سيدخل سباق الديربي »
نعم، وهو مُهر جيد أيضًا. لقد وضعنا كل أموالنا عليه من أجل السباق، وكل أموال »
بالمناسبة، أظن أنكما لستما » : ثم نظر إلينا بعينَين فاحصتَين وقال «. السير روبرت أيضًا
«؟ ضمن المراهِنين في السباق، أليس كذلك
نعم، بالتأكيد. نحن مجرد شخصَين لندنيَّين منهكَين، بحاجة ماسةٍ إلى بعض من »
«. هواء بيركشاير العَليل
حسنًا، أنتما في المكان المناسب لذلك، وهذا المكان عامر به. ولكن احرصا على تذكُّر »
ما قلتُه لكما عن السير روبرت؛ فهو من النوع الذي يضرب أولًا ويتحدث بعد ذلك. ابتعِدا
«. عن الحديقة

بالتأكيد يا سيد بارنز! بالتأكيد سنفعل. بالمناسبة، هذا الكلب من فصيلة السبانيِل »
«. الذي كان يَعْوي في الرَّدْهة هو من أجمل الكلاب من هذه الفصيلة
«. أقر بذلك؛ فهو من سلالة شوسكوم الأصلية. لا توجد سلالة أفضل منها في إنجلترا »
أنا أيضًا مولَع بالكلاب. إذا سمحتَ لي أن أسألك، كم يساوي ثَمَن كلب » : قال هولمز
«؟ قيِّم كهذا
أكثر مما في مقدوري دفعه يا سيدي. لقد كان السير روبرت هو مَن أعطاه لي بنفسه؛ »
لهذا يتعيَّن أن أبقيه مربوطًا إلى مِقْود؛ لأنني إن أطلقتُه سينطلق مغادرًا إلى بيت السُّكنى
«. في شوسكوم في لمح البصر
إننا بصدد تجميع بعض أوراق اللعب في » : بعد أن تركَنا صاحبُ الحانة، قال هولمز
القضية في أيدينا يا واطسون. لن تكون لعبة سهلة، ولكننا قد نتبيَّن طريقنا في خلال يوم
أو اثنَين. بالمناسبة، إن السير روبرت ما زال في لندن، حسبما سمعت. ربما نستطيع أن
نَدخل النطاق المحرَّم الليلة دون أن نخشى التعرُّض لاعتداء بدني. يوجد نقطة أو اثنتان
«. أحتاج إلى أن أتأكَّد منهما
«؟ هل لديك أية نظرية يا هولمز »
فقط هذه يا واطسون؛ وهي أن ثمَّة أمرًا ما حدث منذ أسبوع أو نحوِ ذلك، وأحدثَ »
تأثيرًا بالغًا على حياة أفراد منزلضيعة شوسكوم. ما هو هذا الأمر؟ ليسبوُسعنا سوى أن
نُخمِّن ماهيته من تأثيراته. يبدو أنهما شخصيَّتان معقَّدتان على نحوٍ يبعث على الفضول.
ولكن ذلك سوف يُساعدنا بالتأكيد؛ فالقضية الخالية من التنوُّع، والتي لا يوجد بها الكثير
«. من الأحداث، هي وحدها القضية الميئوس منها
دعنا نتأمَّل المعلومات التي بحوزتنا. لم يَعُد الأخُ يزور شقيقته العزيزة والعليلة، »
«؟ وأخذ منها كلبها المفضَّل وأهداه … كلبها يا واطسون! ألَا يَلفِت هذا انتباهَك إلىشيء
«. لاشيء سوى غضب شقيقها منها »
حسنًا، ربما يكون الأمر كذلك أو — في الواقع — ثمَّة خيارٌ آخر. الآن دعنا نستأنف »
استعراضَنا للموقف من الوقت الذي بدأ فيه الشجار، إن كان قد حدث شجار بالفعل. تلزم
السيدة حجرتها، وتغيِّر عاداتها، ولم يَعُد أحدٌ يراها إلا عند مغادرتها للمنزل في العربة
مع خادمتها، وتأبى التوقُّف عند الإسطبلات لإلقاء التحية على حصانها المفضل، وصارت
«؟ مقبلة على الشرب. هذا يُغطي أحداث القضية، أليس كذلك
«. عدا مسألة السرداب »

ذلك خيطٌ آخرُ للأفكار. يوجد خيطان، وأرجوك ألا تَخلط بينهما؛ الخيط الأول، الذي »
«؟ يخصالليدي بياتريس، له نكهة منذِرة بشرٍّ غامض، أليس كذلك
«. لا يمكنني أن أستخلصشيئًا منه »
حسنًا، الآن، دعنا نتناول الخيط الثانيَ والذي يخص السير روبرت. إنه حريص »
حرصًا محمومًا على الفوز بالديربي. وهو واقعٌ في قبضة المرابين اليهود، ومن الممكن في أية
لحظة أن تُباع كلُّ ممتلكاته وأن يستوليَ مُقرِضوه على إسطبلات السباق الخاصة به. إنه
رجل جَرِيء ومتهور. وهو يَستمد دخله من شقيقته. وخادمة شقيقته أداةٌ طيِّعة في يده.
«؟ حتى الآن يبدو أننا على أرضصُلبة نوعًا ما، أليس كذلك
«؟ ولكن ماذا عن السرداب »
آه، نعم، السرداب! لنفترض يا واطسون — إنه محض افتراض شائن، فرضية »
«. نطرحها على سبيل الجدل — أنَّ السير روبرت قد تخلَّصمن شقيقته
«. عزيزي هولمز، هذا أمر غير وارد »
بل مُحتمَل جدٍّا يا واطسون. إن السير روبرت رجل من أسرة نبيلة، ولكنك أحيانًا ما »
تجد غُرابَ جيَفٍ وسطَ العُقْبان. دعنا لوهلةٍ نتطرق إلى هذا الافتراض. إنه لا يستطيع أن
يغادر البلاد قبل أن يكون قد جنى ثروته، وهذه الثروة لا يمكن أن تُجنى إلا بنجاحه في
القيام بضربة موفَّقة مع شوسكوم برنس. لذلك، ما زال عليه أن يبقى في مكانه. ولكي يفعل
ذلك سيكون عليه أن يتخلص من جثةِ ضحيته، وسيكون عليه أيضًا أن يَعثر على بديلٍ
لينتحل شخصيتها. وبوجود خادمةٍ مؤتمَنة على أسراره فلن يكون ذلك مستحيلًا. يمكن
أن يُنقل جسد المرأة إلى السرداب؛ فهو مكان نادرًا ما يَزوره أحد. ويمكن أن يتخلصمنه
«؟ فيسريةٍ بالفرن ليلًا، تاركًا خلفه الدليل الذي رأيناه بالفعل. ما رأيك في ذلك يا واطسون
«. حسنًا، كلشيء وارد إذا ما تحققتَ من افتراضك الشنيع »
أعتقد أن ثمَّة تجرِبةً صغيرة يمكننا أن نُحاول إجراءها غدًا يا واطسون، لكي »
نستبين الأمر بعضالشيء. في غضون ذلك، إذا أرَدنا أن نحافظ على شخصيتينا، أقترح أن
نستضيف مضيفَنا لاحتساء كأس من خمر معنا، وإجراء محادثة مطوَّلة حول الأنقليس
والسمك النهري؛ حيث إن هذا يبدو الطريقَ المباشر لِنَيْل وُدِّه. ربما نصادف في إطار ذلك
«. بعضَالنميمة المتداوَلة المفيدة
في الصباح اكتشف هولمز أننا كنا قد أتينا من دون طُعم الملعقة لسمك الجاك، وهو ما
أعفانا من الصيد ذلك اليوم. في حوالي الساعة الحادية عشرةشرَعْنا في أخذ جولة، وحصل
هولمز على إذنٍ من بارنز بأخذ الكلب السبانيِل الأسود معنا.

عندما أشرَفْنا على بوابة حديقة عالية ذات درفتَين يعلو كلٌّ منهما تمثال لحيوان
هذا هو المكان. أبلغَني السيد بارنز » : الجريفن الأسطوري الذي يَرمز إلى النبالة، قال هولمز
أنه عند الظهيرة تقريبًا، تأخذ السيدة العجوز جولتها، ولا بد أن تُبطئ العربةُ سرعتها
بينما تُفتَح البوابة. عندما تمر العربة، وقبل أن تَزيد من سُرعتها، أريدك، يا واطسون،
أن تُوقِف الحُوذيَّ وتسأله بعض الأسئلة. لا تَشغَل بالَك بي، سأكون واقفًا خلف شجيرة
«. البَهْشِيَّة هذه وأشاهد ما يمكنني مُشاهدته
لم نستغرق وقتًا طويلًا؛ ففي غضون ربع الساعة رأينا عربةً فاخرة ضخمة صفراءَ
اللون ومكشوفة، آتيةً عبْر الدرب الطويل، وفي عَريشها حِصانَا عربةٍ رائعان رماديَّا اللون
عالِيَا الخُطى. جثم هولمز مع الكلب خلف الشجيرة. وقفتُ غيرَ مكترث في الطريق ألوِّح
بعصًا. ركضالحارس خارجًا وفتح البوابة.
كانت العربة قد أبطأت من سرعتها حتى صارت في سرعة المشي، وتمكنتُ من أن
ألقي نظرة فاحصة على راكبيها؛ وكانت تجلس جهةَ اليسار امرأةٌ شابة متوردة الوجه
ذاتُ شعر كتاني اللون وعينَين وقحتَين، وعلى يَمينها تجلس سيدةٌ عجوز مقوَّسة الظهر
وحول وجهها وكتفَيها حشدٌ من الشالات وهو ما أظهر مرضها. عندما وصل الحصانان
إلى الطريق الرئيسي، رفعتُ يدي في إشارة آمِرة، وعندما توقَّف الحُوذيُّ سألته عما إذا كان
السير روبرت في شوسكوم أولد بليس.
في نفس اللحظة خرج هولمز من مخبئه وحرَّر الكلب السبانيِل. انطلق الكلب نحو
العربة وهو يُطلِق صيحةَ فرحٍ وقفز فوق الدَّرَج، ثم في لحظةٍ تحوَّل تَرحابُه الحار إلى
غضب شديد، وأطبق بفَكَّيه على طرَف التنُّورة السوداء المتدلي فوق الدرَج.
ضرب الحوذيُّ الحِصانَينبالسوط، «! واصِل المسير! واصل المسير » : صرخصوتٌ أجَش
وتُرِكْنا واقفَين في قارعة الطريق.
حسنًا يا واطسون، » : قال هولمز، وهو يربط مِقوَد الكلب السبانيِل المتحمِّسِ إلى عنقه
هذا يَفي بالغرض. لقد اعتقد الكلبُ أنَّ مَن في العربة هو سيدته، ولكنه وجدَها شخصًا
«. غريبًا. الكلاب لا تخطئ
«! ولكنه كان صوتَ رجل » : صِحتُ قائلًا
بالضبط! لقد أضفنا ورقةَ لعب إلى ما لدينا من أوراقٍ يا واطسون، ولكن يلزم أن »
«. نلعب بها بحذر؛ كشأن كل الأوراق الأخرى

بدا أن رفيقي لم يكن لديه خططٌ إضافية لهذا اليوم، وبالفعل استخدمنا عُدَّة الصيد
الخاصة بنا للصيد في قناة الطاحونة، وكانت النتيجة أننا حصَلْنا على طبق من سمك
السلمون المرقَّط على العشاء. وبعد العشاء مباشرة أبدى هولمز علاماتٍ تدل على تجدُّد
نشاطه. ومرة أخرى وجَدنا أنفسنا في نفسالطريق الذي كنا فيه في الصباح، وهو ما قادنا
إلى بوابة الحديقة. كان في انتظارنا هناك شخصٌطويل بملابسَداكنة، اتضح أنه الشخص
الذي تعرَّفنا عليه في لندن، وهو السيد جون ماسون، المدرب.
طاب مساؤكما أيها السيدان. تلقَّيت رسالتك يا سيد هولمز. لم يَعُد السير روبرت » : قال
«. بعدُ، لكنني سمعتُ أن مِن المتوقَّع عودتَه الليلة
«؟ كم يبعُد هذا السرداب عن المنزل » : سأل هولمز
«. حوالي ربع ميل »
«. إذن أعتقد أن بوُسعِنا أن نتجاهله تمامًا »
لا يسَعُني القيام بذلك يا سيد هولمز؛ ففي اللحظة التي سيصل فيها، سيطلب رؤيتي »
«. ليسألني عن آخر أخبار المُهر شوسكوم برنس
فهمت! في هذه الحالة يجب أن نقوم بهذه المهمة من دونك يا سيد ماسون. يمكنك »
«. أن تُريَنا السرداب وتتركنا
من دون القمر كان الظلام حالكًا، ولكن ماسون قادَنا فوق أرضٍ عُشبية حتى
لاح أمامنا هيكل مظلم اتضح فيما بعدُ أنه الكنيسة الصغيرة العتيقة. دخَلْنا عبْر فُرجة
متصدِّعة كانت فيما مضى مدخلَ الكنيسة، ومشى مُرشدنا بحرص، وهو يتعثر وسط
ركامٍ من الحجارة المتبعثرة، تُجاه زاوية البناء؛ حيث يوجد درَجٌ حادٌّ يؤدي إلى السرداب
بالأسفل. أشعل عودَ ثقاب فأضاء هذا المكان الكئيب؛ كان موحشًا ويوحي بالشر، وله
حوائطُ متداعية من الحجارة غير المصقولة، وأكوامٌ من التوابيت، بعضها من الرَّصاص
وبعضها من الحجارة، تمتد على جانبٍ واحد حتى السقفالمقوَّسالذي يلتقي عنده جانبان
من جوانب السرداب، واختفى السقف في الظلال فوق رءوسنا. أضاء هولمز فانوسه، الذي
صنع قُمعًا ضئيلًا من الضوء الأصفر المشِع وسط هذا المشهد الكئيب. انعكسَت أشعَّتُه عن
ألواح التوابيت، التي كان العديد منها مُزْدانًا بالجريفن، وتاج هذه العائلة القديمة التي
حملَت أمجادها حتى بوابةِ الموت.
لقد تحدثتَ بخصوصبعضالعظام يا سيد ماسون، هل يمكن أن تُريَنا إياها قبل »
«؟ أن تذهب

سار المدرب نحو الزاوية، ثم توقَّف في دهشة صامتة «. إنها هنا في هذه الزاوية » : قال
«. لقد اختفَت » : حين وجَّهْنا ضوءنا ناحية المكان. قال
هذا ما توقَّعته. وأتصور أن رمادها يمكن » : قال هولمز، وهو يضحك ضحكة خافتة
«. العثورُ عليه الآن بداخل ذلك الفرن الذي أحرَق بالفعل جزءًا منها
ولكن لماذا، بحق السماء، يريد أيُّ أحد أن يُحرِق عظام » : تساءل جون ماسون قائلًا
«؟ رجل مات منذ ألف سنة
ذلك ما نحن هنا من أجل اكتشافه؛ يمكن لهذا أن يَعنيَ بحثًا مطوَّلًا، ولا » : قال هولمز
«. نريد أن نؤخرك. أتصور أننا يمكن أن نعثر على الحل قبل الصباح
عندما تركنا جون ماسون،شرَع هولمز في العمل، فأخذ يفحصالقبور فحصًا دقيقًا،
بدءًا من قبرٍ قديم جدٍّا في المنتصف، اتضح أنه ساكسونيٌّ، مرورًا بسلسلة طويلة من الهوجو
والأودو النورمانديين حتى وصَلْنا إلى السير ويليام والسير دينيس فالدر من القرن الثامن
عشر. استغرَقْنا ساعة أو أكثر قبل أن يَصل هولمز إلى تابوت من الرصاص يقف عموديٍّا
أمام مدخل القبو. سمعتُ صيحة الارتياح الخافتةَ التي أصدرَها، وأدركتُ من حركاته
المتعجلة، والتي كانت مع ذلك هادفة، أنه كان قد وصَل إلى مُبتغاه. استخدم عدسته المكبِّرة
ليتفحَّصبلهفة حافَات الغطاء الثقيل، ثم أخرَج من جيبه عتَلة صغيرة، تُستخدَم في فتح
الصناديق، غَرَزها في شِق، رافعًا الجزء الأماميَّ كاملًا، والذي بدا أنه لم يكن مغلقًا سوى
بزوجٍ من المفصلات. وعند فتحه أصدر صوتَ تشقُّقٍ وتمزُّق، ولكنه لم يَنفتح إلا قليلًا،
وظهرَت المحتويات جزئيٍّا قبل أن توقفنا مقاطَعةٌ غير متوقعة.
كان شخصٌما في الكنيسة الصغيرة بالأعلى. كانت خطوة ثابتة وسريعة لشخصٍجاء
لهدف معيَّن، ويعرف جيدًا طبيعة الأرض التي يَسير عليها. انساب ضوءٌ عبْر الدرَج إلى
الأسفل، وبعد لحظة كان حاملُه يَظهر في المدخل القوطي المقوَّس. كان مظهره مرعبًا؛ إذ
كان ذا بِنْيةضخمة وطِباعشرسة. كان يحمل أمامه فانوسًاضخمًا من فوانيسالإسطبلات
انعكس ضوءُه إلى الأعلى على وجهه؛ ليُظهر ملامحَ قاسيةً وشاربًا كثيفًا وعينَين غاضبتَين،
ظل يُجيل النظر بهما بنظراتٍ حادة في جميع تجاويف القبو، وأخيرًا ثبَّتهما بنظرة تبعث
على الرعب عليَّ أنا ورفيقي.
وإذ لم «؟ مَن تكونان بحق الجحيم؟ وماذا تفعلان في أملاكي » : دوَّى صوته كالرعد
يقدِّم له هولمز جوابًا، تقدَّم خطوتَين إلى الأمام ورفع عصًا غليظة كان يحملها.صرخ قائلًا:
كانت هِراوَته تهتزُّ في الهواء. «؟ أتسمعانِني؟ مَن أنتما؟ وماذا تفعلان هنا »

ولكن هولمز، بدلًا من أن ينكمش، تقدَّم لمواجهته.
أنا أيضًا لديَّ سؤال لك يا سير روبرت. جثةُ مَن » : قال هولمز بنبرته الأكثر صرامة
«؟ هذه؟ وماذا تفعل هنا
استدار ثم فتح غِطاء التابوت الكائن خلفه بقوة. وتحت وهجِ ضوء الفانوس رأيتُ
جثةً ملفوفة في مُلاءة من الرأسوحتى القدَم، ولها ملامحُ مروِّعة كملامح الساحرات، يغلب
عليها الأنف والذقَن اللَّذان يَبرزان من الوجه ويتَّجهان نحو نهاية واحدة، أما العينان فكانتا
معتمتَين وتُحدِقان من وجهٍ شاحب ومتغضِّن.
ترنَّح البارونيت راجعًا للخلف وهو يَصيح، وأسندَ جسده إلى تابوت حجري.
وما » : ثم، مع بعض العودة لأسلوبه العدواني، قال «؟ كيف عرفت هذا » : صاح قائلًا
«؟ شأنك أنت بهذا
اسمي هو شيرلوك هولمز. من المحتمل أن يكون الاسمُ مألوفًا لك. على » : قال رفيقي
أية حال، شأني هو شأن كل مواطن صالح؛ وهو مساندة القانون. يبدو لي أن لديك الكثيرَ
«. من الجرائم التي عليك أن تتحمل مسئوليتها
لوهلةٍ نظر السير روبرت إليه نظرة غاضبة، ولكنصوت هولمز الهادئ وأسلوبَه البارد
الواثق كان لهما وقعُهما.
قسمًا بالرب يا سيد هولمز، إن كلشيء على ما يُرام. أقرُّ بأن المظاهر تبدو في » : فقال
«. غيرِ صالحي، ولكن لم يكن بوُسعيشيء آخرُ لأفعله
سيكون من دواعيسروري أن أعتقد ذلك، ولكن يؤسفني القول إن تفسيراتك يجب »
«. أن تكون أمام الشرطة
حسنًا، إذا كان لا بد من ذلك، فلا » : هزَّ السير روبرت كتفَيه العريضتَين، ثم قال
«. مَناص. فلتأتِ إلى المنزل ويمكنك أن تحكم بنفسك على حقيقة الوضع
بعد ربع ساعة وجدنا نفسَينا في غرفة الأسلحة بالمنزل القديم؛ حسبما استطعت أن
أخمِّن من صفوف مواسير البنادق المصقولة خلف أغطية زجاجية. كانت مجهَّزة بأثاث
مريح، وتركَنا السير روبرت في هذا المكان لبضع دقائق، وعندما عاد كان بصحبته مُرافقان؛
أحدُهما كان السيدة الشابة المتورِّدة الوجه التي كنا قد رأيناها في العربة؛ أما الآخر، فكان
ذا وجهٍ صغير كالفأر، تظهر عليه أمارات المكر على نحوٍ لا يبعث على الراحة. ظهر الذهول
التامُّ على ملامح هذَين الاثنَين، مما أظهر أن البارونيت لم يكن لديه الوقت ليشرح لهما
المنحَى الذي آلت إليه الأحداث.

هذان هما السيد والسيدة نورليت. والسيدة » : قال السير روبرت وهو يُشير بيده
نورليت، أو إيفانز، وهو اسمها قبل أن تتزوج، كانت لبِضْعِ سنوات الخادمةَ الخصوصية
لشقيقتي. أحضرتُهما هنا لأنني أشعر أن أفضل مسار لي هو أن أشرح لكما حقيقة موقفي،
«. وهما الشخصان الوحيدان على وجه الأرضاللذان بوُسعهما أن يُثبتا صحَّة ما أقوله
«؟ هل هذاضروري يا سير روبرت؟ هل فكَّرتَ فيما أنت فاعل » : صاحت المرأة قائلة
«. أنا، من ناحيتي، أتنصَّل تمامًا من أي مسئولية » : أما زوجها فقال
أنا سأتحمل المسئولية كاملة. والآن يا سيد » : نظر له السير روبرت باحتقار، ثم قال
هولمز، استمع لعرضٍواضحٍ بالوقائع.
من الواضح أنك تعمقتَ بشدة في شئوني، وإلا ما كنتُ سأجدك حيث وجدتُك. ومن
ثَمَّ أنت، على الأرجح، تعرف بالفعل أن لديَّ حصانًا لا يتوقَّع أحدٌ فوزه في سباق الديربي،
وأن كل شيء يَعتمد على نجاحي؛ إذا فزتُ فسيصبح كل شيء على ما يُرام، أما إذا خسرت
«! ففي الواقع لا أجرؤ على التفكير في ذلك
«. أتفهَّم الموقف » : قال هولمز
أنا معتمِدٌ على شقيقتي، الليدي بياتريس، في كل شيء، ولكن من المعروف جيدًا أن »
حقَّها في الانتفاع بالضَّيعة يظل ساريًا طيلةَ حياتها فقط. أما أنا فواقعٌ في قبضة المرابين
اليهود. ولطالما عرَفت أنه إن ماتت شقيقتي سينقضُّالدائنون على ضيعتي كسِرْب الطيور
الجارحة. سيتحفَّظون على كلشيء؛ إسطبلاتي، وخيولي، كلشيء. في الواقع يا سيد هولمز،
«. لقد تُوفِّيت شقيقتي منذ أسبوع
«! وأنت لم تُخبِر أحدًا »
ماذا كان بوسعي أن أفعل؟ لقد واجهَني شبحُ الخراب المطلق. لو استطعتُ تأجيل »
الأمر لثلاثة أسابيع فسيُصبح كل شيء على ما يُرام. زوج خادمتها — هذا الرجل الماثل
أمامك — يعمل ممثلًا. خطر لنا — أو خطر لي — أنَّ بوُسعه خلال هذه المدة القصيرة
أن يَنتحل شخصية شقيقتي. لم يَزِد الأمر عن الظهور كلَّ يوم في العربة؛ إذ لا حاجة إلى
دخول أي أحد غرفتها عدا الخادمة. ولم يكن من الصعب ترتيبُ الأمر. تُوفِّيت شقيقتي
«. جراء داء الاستسقاء الذي أصابها لفترة طويلة
«. ذلك سيكون متروكًا للطبيب الشرعي ليقرره »
«. سوفيشهد طبيبها بأن الأعراضالتي كانت لديها لشهور كانت تُنذِر بهذه النهاية »
«؟ حسنًا، ماذا فعلت »

لم يكن ممكِنًا للجثة أن تبقى هناك. في الليلة الأولى حمَلناها أنا ونورليت خارجًا إلى »
منزل البئر القديم، والذي لم يَعُد يُستخدَم الآن مطلقًا. غير أن كلبها السبانيِل الأليف تَبِعَنا
وظل ينبح باستمرار عند الباب؛ لذا شعرتُ أننا بحاجة إلى مكانٍ أكثر أمانًا. تخلصتُ من
الكلب السبانيِل، وحملْنا الجثة إلى سرداب الكنيسة. لم يَحدث أية إهانة أو عدم احترام
«. يا سيد هولمز. لا أشعر أنني اقترفتُ أي خطأ بحق الموتى
«. يبدو لي تصرُّفك بلا عذر يا سير روبرت »
من السهل أن تعِظ. ربما لو كنتَ في موقفي، » : هزَّ البارونيت رأسه بنفادِ صبر، وقال
لكان شعورُك مختلفًا. لا يمكن أن يرى المرء منَّا كلَّ آماله وكلَّ خططه تتحطَّم في اللحظة
الأخيرة ولا يبذل أيَّ جهد لإنقاذها. لقد بدا لي أننا إن وضَعْناها في الوقت الراهن في واحد
من توابيت أسلاف زوجها، الراقدة فيما لا يزال أرضًا مقدسةً للموتى، فإن ذلك سيكون
مستقرٍّا لائقًا بها. ففتَحْنا أحدَ تلك التوابيت، وأخرَجْنا محتوياته ووضعناها كما رأيتَها. أما
بشأن البقايا القديمة التي أخرجناها، فلم نستطِع أن نتركها على أرضالسرداب؛ لذا قمتُ
أنا ونورليت بإزالتها، ونزل هو ليلًا وأحرقها في الفرن المركزي. تلك هي قصتي يا سيد
هولمز، ومع ذلك فإنني لا أملك من الكلمات ما أصف به الطريقةَ التي أجبَرْتَني بها على
«. سردها
جلس هولمز لبعضالوقت مستغرقًا في التفكير.
يوجد عَوارٌ واحد فيسَرْدك يا سير روبرت. فمُراهناتك على السباق، ومِن » : وأخيرًا قال
«. ثَمَّ آمالك المستقبلية، ستظل قائمة حتى وإن استولى دائنوك على ضيعتك
إن الحصان سيكون جزءًا من الضيعة، فلماذا سيَكترثون بمراهناتي؟! مِن المحتمل »
أنهم لن يَجعلوه يشارك في السباق على الإطلاق. دائني الرئيسيهو، مع الأسف، ألدُّ أعدائي،
وهو شخص لئيم يُدعَى سام بروير، والذي اضطُرِرتُ في إحدى المرات إلى جَلْده بسوط
«؟ الحصان في مرج نيوماركت هيث. أتظن أنه سيُحاول إنقاذي
في الواقع يا سير روبرت، هذه المسألة يجب » : قال هولمز، وهو يقوم من مجلسه
بالتأكيد أن تُحال إلى الشرطة. كان مِن واجبي أن أظُهِر الحقائق للنور، ويجب عليَّ أن
أتركها على هذا النحو. أما فيما يتعلق بالأخلاق أو التهذيب في مَسلكك، فليس مِن شأني
أن أبُديَ رأيًا فيه. لقد قارب الوقت على منتصف الليل يا واطسون، وأعتقد أنه يمكننا أن
«. نعود أدراجنا إلى مسكننا المتواضع

من المعروف للجميع الآن أن هذه الواقعةَ الفريدة انتهت على نحوٍ أسعدَ مما استحقَّتْه
أفعال السير روبرت؛ فقد فاز المُهر شوسكوم برنسبالفعل بسباق الديربي، وحصل مالكُه
المقامر على مبلغٍ صافٍ من المراهنات يُقدَّر بثمانين ألف جنيه، وكفَّ الدائنون أيديَهم
عنه حتى انتهى السباق، وعندئذٍ دُفِعَت لهم أموالهم بالكامل، وما بقي كان كافيًا ليُعيد
السير روبرت إلى مكانةٍ مُرْضية في الحياة. كان لكلٍّ من الشرطة والطبيب الشرعي نظرةٌ
متساهلة بشأن إجراء نقل الجثة، وباستثناء تأنيبٍ خفيفِ اللهجة على تأخُّره في تسجيل
وفاة السيدة؛ أفلتَ المالكُ المحظوظ دون أن يناله أذًى من هذه الواقعة الغريبةضمن مسيرةِ
حياةٍ تجاوزَت ظلال الماضي، وتُبشِّر بخاتمة كريمة في سنِّ الشيخوخة
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

فصول العمل

الفصل الأول الفصل الثاني
اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.