artherconan

شارك على مواقع التواصل

والآنَ لديَّشيء غريب جدٍّا لأخُبِرك به. لقد قصصتُ شعري في لندن كما تعلم، ووضعتُه
في بَكَرةٍ كبيرة في قاع حقيبَتي. في إحدى الليالي بعد أن أوى الطفلُ إلى الفراش، بدأتُ أسُلِّي
نفسي بفحص أثاث غُرفتي وبإعادة ترتيب مُتعلَّقاتي البسيطة. وجدتُ صندوقَ أدراجٍ
قديمًا في الغرفة، كان الدُّرْجان العُلويَّان مفتوحين وفارغَين، وكان الدُّرْج السُّفليُّ مُقفلًا.
وضعتُ ملابسيفي الدُّرجَين العُلويَّين حتى امتلآ. وبما أنَّني كان لا يزال لديَّ الكثير لأضعه،
كان من الطبيعي أن أنزعج لعدم قُدرتي على استخدام الدُّرج الثالث. فكَّرتُ في أنه قد
يكون قد أقُْفِلَ سهوًا، فأخرجتُ سلسلةَ مَفاتيحي وحاولتُ فتحَه. ناسَبَ الِمفتاحُ الأول القُفل
تمامًا، وفتحتُ الدُّرْج. لم يكن فيه سوىشيءٍ واحد، ولكنَّني مُتأكِّدة من أنك لن تُخمِّن أبدًا
ما هو هذا الشيء. لقد كانت بَكرة شعري المقصوص.
أخذتُها وفحصتها؛ كان لونُه نفس الدَّرَجة المُميزة من اللون الكستنائي، وله سُمك
شعري نفسه. ولكن استحالة الأمر تَملَّكتْني، فكيف يُمكن أن يكون شعري مُقفلًا عليه
في الدُّرْج؟ فتحتُ حقيبتي بيدَين مُرتعِشتَين وأفرغتُ مُحتوياتِها وسحبتُ بكرةَ شعري
من قاعها. وضعتُ خُصلتَي الشَّعر إلى جانب بعضهما، وأؤكد لكَ أنَّهُما كانتا مُتطابِقَتَين.
أوليس أمرًا غريبًا؟ كانت الحيرة تَملؤني بحيثُ لم أتمكَّن من فكِّ لُغز الأمر برمَّتِه. أعدتُ
الشَّعر الغريب إلى الدُّرْج، ولم أقُلْ عن الأمر شيئًا للسيد والسيدة روكاسل، إذ إنَّني شعرتُ
أنَّني قد ارتكبتُ خطأً بفتحي لدُرجٍ كانا قد أغلَقاه.
أناسريعة المُلاحظة بطبيعتي، كما قد تكون لاحظتَ يا سيد هولمز، وسُرعان ما رسمتُ
خريطةً جيدة للمنزِل بأكمِلِه في عقلي. ومع ذلك، فقد بدا أنَّ هناك جناحًا واحدًا لم يكن
يَسكنه أيُّ شخصٍعلى الإطلاق. كان هناك بابٌ يُفضيإلى هذا الجناح ويقَع في مُقابل الباب
الذي يُفضيلمسكن السيد والسيدة تولر، ولكنَّه كان مُغلقًا باستمرار. ولكن في يومٍ قررتُ أن
أصعَدَ السُّلَّم، فقابلتُ السيد روكاسل في طريقي وهو يخرُج من هذا الباب ويحمِل مفاتيحه
في يدِه وقد ارتسمتْ على وجهه نظرةٌ جعلته يبدو شخصًا مُختلفًا للغاية عن الرجل المُبتسِم
الذي اعتدتُ عليه. كانت وجنتاه حَمراوَين وحاجِباه مَعقودَين غضبًا والعُروق تنفِر من
جَبينِه انفعالًا. أغلق الباب ومرَّ أمامي دُون أن ينظُر إليَّ أو ينبِس ببنتِ شَفة.
أثار هذا فُضولي، لذا عندما خرجتُ للتنزُّه في الفناء وأنا أحمل الطفل،سرتُ إلى الجانب
الذي سأتمكن خلالَه من رُؤية نوافذ هذا الجُزء من المنزل. كانت هناك أربع نوافذ مُتتالية،
ثلاثٌ منها كانت مُتَّسِخة، بينما كانت النافذة الرابعة مُغلقة؛ كان من الواضِح أنها جميعًا
مَهجورة. وبينما كنتُ أذرَعُ الفناء جيئةً وذهابًا وأنا ألُقي عليها نظرةً خاطفة أحيانًا، خرج
السيد روكاسل نحوي، وهو يبدو مَرِحًا ومُبهِجًا أكثر من أيِّ وقت.
أوه! مِن المُؤكَّد أنك تَظنِّين أنَّني تصرفتُ بشكلٍ وقحٍ حينَ مَررتُ إلى جانِبِك دُون » : قال
«. أن أقول أيَّشيءٍ يا سيِّدَتي العزيزة؛ فقد كنتُ مَشغولًا بأمورٍ تتعلَّق بالعمل
بِالمُناسَبة، يبدو أنك لدَيْكَ مجموعة من » : أكدتُ له أنَّني لم أشعُر بأيِّ إهانة، وقلت
«. الغُرَف الإضافية بالأعلى، ونافذة إحداها مُغلَقة
بدا مُتفاجئًا ومَذهولًا بعضَالشيء من المُلاحظة التي أبديتُها.
التصوير الفوتوغرافي هو إحدى هُواياتي. لقد جهَّزتُ غرفة مُظلمة لهذا الغرَض » : قال
بالأعلى. ولكن يا إلهي! لقد صادفتْنا شابَّةٌ دقيقة المُلاحَظة بحق، من كان سيصدِّقُ ذلك؟
كان يتحدَّث بنبرةٍ مازِحة، ولكن نظرة عينَيه وهو «؟ من كان سيُصدِّق ذلك على الإطلاق
ينظر إليَّ لم تكن كذلك. وجدتُ في نظرته الشكَّ والانزِعاج، ولم يكن فيها أيُّ دُعابة.
حسنًا، منذُ هذه اللحظة يا سيد هولمز فهمتُ أنَّ هناك شيئًا ما يتعلَّق بهذه الغُرَف
لم أكن أعرِفه، وكنتُ أتحرَّقُ شوقًا لدخولها. لم يكن الأمر مُجرَّدَ فضول، على الرغم من أنَّني فضوليَّة لا أنُكِر ذلك، بل كان شعورًا بالمسئولية؛ شعورًا أنَّ دخولي هذا المكان قد يَجلُب بعض الخير. إنهم يَتغنَّون بغريزة المرأة؛ ربما كانت غريزة المرأة هي ما أعطتْني هذا الشعور. كان الشعور موجودًا على أيِّ حال، وكنتُ أترقَّبُ بِحِرصٍ شديد أيَّ فرصةٍ لأمَُرَّ من الباب المُحَرَّم.
لم تُواتِني هذه الفُرصة سوى أمس فحسب. يُمكنني أن أخبرك أنه بخلاف السيد روكاسل، فإن كل من تولر وزوجته يفعلان شيئًا ما في هذه الغرف المهجورة، وقد رأيتُه ذات مرَّةٍ يحمِل معه حقيبة كبيرة من القماش الأسود وهو يَمرُّ من الباب. كان يُفرِط في الشَّراب مُؤخَّرًا، وقد كان ثَمِلًا ليلةَ أمس؛ وعندما صعدتُ بالأعلى وجدتُ المفتاح في الباب. ليس لديَّ أيُّ شكٍّ على الإطلاق أنَّهُ قد ترَكه هُناك. كان كلٌّ من السيد والسيدة روكاسل في الطابق السُّفلي وكان الطفل مَعهما؛ لذا كانت لديَّ فرصة رائعة. أدرتُ المفتاح بِرفقٍ في الباب وفتحتُه وتسلَّلتُ عبْرَه.
وجدتُ مَمرٍّا صغيرًا أمامي جُدرانه غير مكسوَّةٍ بوَرَق الحائط وأرضيتُه تخلو من
السجَّاد وينعطِف إلى اليمين في نهايته. كان هناك ثلاثة أبواب مُتتالية عند هذه الزاوية،
وكان أولها وثالثها مَفتوحَين. كان كلاهما يُفضيلغُرفتَين فارغتَين مُترِبَتَين وكئيبتَين، في كلِّ
واحدةٍ منهما نافذة تتراكم عليها أوساخ كثيفة، حجبتْ ضوء المساء فلم يتسلَّلْ منه إلَّا قدرٌ
خافِت. كان الباب الأوسط مُوصدًا، وبطوله كان مُثبَّتًا عليه واحدٌ من القضبان العريضة
لأحد الأسِرَّة الحديدية ومُقفلًا عند إحدى نهاياته بحلقةٍ مُثبَّتة في الحائط، ومعقودًا بحبلٍ
قوي من الجهة الأخرى. كان الباب نفسه مُوصدًا كذلك، ولم يكن به مفتاح. تَوافَقَ هذا
الباب المَتروس تمامًا مع النافذة المُغلَقة التي رأيتُها بالخارج، إلَّا أنَّني عرفتُ من بصيص
الضوء الذي يخرج من أسفل الباب أنها لم تكن مُظلمة. كان من الواضح أنه تُوجَد كوَّة
تسمح بدخول الضوء من الأعلى. بينما كنتُ أقف في المَمرِّ أحُدِّق بالباب المشئوم وأتساءل
عن السرِّالذي يُخفيه وراءه، سمعتُ فجأةًصوت خطواتٍ داخل الغرفة ورأيتُ ظلٍّا يمرُّ إلى
الأمام وإلى الخلف من خلالشريط الضوء الصغير الخافِت الذي كان يأتي من خلف عتبة
الباب. انتابني خَوفٌ جُنونيٌّ غير منطقي عند رؤية ذلك يا سيد هولمز، وخانتْني أعصابي
المُرتعِبة فجأة، فاستدرتُ وركضت؛ ركضتُ كما لو أنَّ يدًا مُروِّعةً كانت تُلاحِقُني وتُحاوِلُ
الإمساك بتنُّورة ثَوبي. هُرِعتُ بطول المَمر، عبر الباب، نحو ذراعَي السيد روكاسل الذي
كان ينتظر بالخارج.
كُنتِ أنتِ إذن. لقد فكرتُ في أنَّهُ لا بُدَّ أن تكوني أنتِ » ، هكذا قال وهو يبتسِم «. حسنًا »
«. عندما رأيتُ الباب مفتوحًا
«! أوه، أنا مُرتعِبة » : قلتُ لاهِثة
لا يُمكنك أن تتخيَّل كم كانت طريقتُه «! أوه يا شابَّتي العزيزة! أوه يا شابَّتي العزيزة »
«؟ وما الذي أخافَكِ يا شابَّتي العزيزة » ، حَنُونةً وتَبْعَثُ على الهدوء
ومع ذلك، فقد كان صوتُه مُتصنَّعًا؛ كان يُبالِغُ في إظهار الحنان، فكنتُ حريصةً على
تَوخِّي الحذَر منه.
كنتُ حمقاء بما يكفي لدُخول الجناح الفارغ. ولكنَّه كان مُوحشًا بِشدَّة » : أجبتُه قائلة
ومُخيفًا في هذا الضوء الخافت، فشعرتُ بالخَوف وركضتُ إلى الخارج مرَّةً أخرى. أوه، إنَّ
«! الصمت قاتل هناك
«؟ هذا فحسب » : قال وهو ينظرُ إليَّ مُتفحِّصًا
«؟ لماذا؟ ما الذي ظننْتَه » : فأجبتُه
«؟ لِمَ تعتقدين أنَّني أوصِدُ هذا الباب »
«. أنا لا أعلم على الإطلاق »
كان لا يزال مُبتسِمًا بِودٍّ «؟ لأمنعَ من ليس لهم شأنٌ من الدخول. هل تَرَينَ ما أعني »
شديد.
«… تأكَّد أنَّني لو كنتُ أعلم »
وهنا في لحظةٍ — «… أنتِ تعلمين الآن. إن وضعتِ قدمًا على تلك العتَبَةِ مرَّة أخرى »
قَسَتِ ابتسامتُه الحنونة وتحوَّلتْ إلى تكشيرةٍ غاضبة ونظرَ إليَّ والشَّرَر يتطايَرُ من عَينِه
«. سألُقي بكِ إلى كلب الماستيف » — فصار وجهه كوجهِ الشيطان
كنتُ أشعُر بالهلَع الشديد بحيث إنَّني لا أعرف ما الذي فعلته. أعتقد أنَّني تَجاوزتُه
مُندفعة نحو غُرفتي. لا أتذكر أيَّشيءٍ حتى وجدتُ نفسيمُستلقيةً علىسريري وأنا أرتعِدُ
من رأسي حتى أخمص قدمي. فكرت فيك حينئذٍ يا سيد هولمز، لم يعُد يُمكِنُني العَيش
هناك دون بعض النُّصح. لقد كنتُ خائفة من المنزل ومن الرجل وزوجته ومن الخدَم،
وحتى من الطفل. كانوا جميعهم مُروِّعين بالنسبة لي. فقط لو كان يُمكنني أن أصطحِبك
معي لكان كلُّشيءٍ سيصير على ما يُرام. كان يُمكنني بالتأكيد أن أهرُب من المنزل، ولكنَّ
فضولي كان بنفسقوَّةِ مَخاوفي. لذا عقدتُ العزمَسريعًا على أن أرُسِلَ لك تلغرافًا، فارتديتُ
قُبَّعتي وعباءتي وذهبتُ إلى مكتب البريد الذي يبعُد حوالي نِصف ميلٍ من المنزل، ثم عدتُ
وأنا أشعر بالراحة الشديدة. راوَدَني شكٌّ رهيب عندما اقتربتُ من الباب خوفًا من أن يكون
الكلب طليقًا، ولكنَّني تذكرتُ أن تولر كان قد أفرَطَ في الشراب حتى الثَّمَل ذلك المساء وأنه
كان الشَّخصالوحيد في المنزل الذي يستطيع التحكُّم في هذا المخلوق المُتوحِّش أو أن يُطلِق
سراحه. تَسلَّلتُ في أمانٍ، ولم أتمكَّن من النوم مُعظمَ الليل من فرْطِسُروري لأنَّني سأراك.
لم أجد صعوبةً في الحصول على إذنٍ للقُدوم إلى وينشستر هذا الصباح، ولكنَّني لا بُدَّ أن
أعود قبل الثالثة عصرًا؛ لأن السيد والسيدة روكاسل سيقومان بزيارةٍ وسيَغيبان المساء
كله، ومن ثَمَّ لا بُدَّ أن أعتني بالطفل. والآن ها قد أخبرتُك بكلِّ مُغامراتي يا سيد هولمز،
وسأكون في غاية السعادة إن كنتَ تستطيع أن تُخبِرَني بمعنى كلِّ ذلك. والأهمُّ، بما يتَوَجَّب
«. عليَّ فعله
استمعتُ أنا وهولمز إلى هذه القصة الاستثنائية في ذهول. نهضَصديقي وأخذ يَذرَعُ
الغرفة جَيئةً وذَهابًا ويداه في جُيوبه وترتسِم الجِدِّيةُ الشديدة على وجهه.
«؟ هل لا يزال تولر مخمورًا » : سأل قائلًا
«. أجل، لقد سمعتُ زوجته وهي تُخبِر السيدة روكاسل أنها لم تتمكَّن من إفاقته »
«؟ هذا جيد، وسيخرُج آل روكاسل الليلة. أليس كذلك »
«. بلى »
«؟ هل يُوجَد قَبوٌ في المنزل ذو قفلٍ جيد »
«. أجل، قَبو النَّبيذ »
لقد تصرَّفتِ في خِضمِّ كلِّ هذه الأحداث، كما يبدو لي، بشجاعة وحِكمة شديدتَين »
يا آنسة هانتر. هل تَظُنِّين أنه بإمكانك أن تؤدِّي عملًا إضافيٍّا؟ لم أكن لأطلُب هذا منكِ إن
«. لم أكن أرى أنك امرأة استثنائية
«؟ سأحاول. ما هو العمل »
سنَصِل أنا وصديقي إلى كوبر بيتشيز في حوالي السابعة. بحلول هذا الوقت سيكون »
آل روكاسل قد رحلوا بالفعل، أما تولر، حسنًا، فلنأمُل أن يكون مخمورًا. لن يتبقَّى سوى
السيدة تولر التي قد تُشكِّل خطرًا. إن أمكنَكِ أن تُرسليها إلى القَبوِ في مُهمَّةٍ ما، ثُم تُوصِدي
«. بابَهُ بالِمفتاح، فَستُسهِّلين الأمور كثيرًا
«. سأفعل »
ممتاز! سنبحث الأمر بالتفصيل إذن. لا يُوجَد سوى تفسيرٍ واحد منطقي بلا شك، »
وهو أنهم أحضروكِ لتُجسِّدي دَورَ شخصٍ بعينه، وأنَّ هذا الشخص مَحبوسٌ في هذه الحُجرة؛ هذا واضِح. أما بالنِّسبة لهوية هذا السجين، فهي بلا شك الابنة؛ الآنسة أليس
روكاسل، إن كنتُ أتذكَّر جيدًا، التي قيل إنها قد سافرتْ إلى أمريكا. لقد اختاروكِ قَطْعًا
لأنك تُشبهينَها في الطول والهيئة ولون الشعر. من المُحتمَل جدٍّا أن شعرها قد قُصَّ أثناء
مرَضٍ ما كانت تُعاني منه، ومن ثَم كان لا بُدَّ من التضحية بشعركِ أنتِ أيضًا بالتأكيد.
لقد رأيتِ خُصلةَ شعرِها بالصُّدفة. أما الرجل الذي كان ينتظِر على الطريق، فهو بلا شكٍّ
صديقٌ لها، وربما يكون خطيبها. وقطعًا عندما ارتديتِ ثَوبها وبَدَوتِ مِثلها، فقد اقتنَع
من ضَحِكك كُلَّما رآكِ، وبعد ذلك من لفتاتكِ، أنَّ الآنسة روكاسل في غاية السعادة، وأنها لم
تعُد ترغَبُ في اهتمامه. أما الكلب، فيُطلِقونسراحه ليلًا ليمنعوه من مُحاولة الاقتراب منها.
هناك الكثير من الأشياء الواضحة تمامًا، ولكن النقطة الأكثر خطورة في القضية كلها هي
«. تصرُّفات الطفل وطبيعته
«؟ ما علاقة ذلك بالأمر » : انفعلتُ قائلًا
يا عزيزي واطسون، إنك كطبيب تكتسِبُ معلوماتٍ كاشفة باستمرار عن مُيول »
الطفل من خلال دراسة أبَوَيْه. أفلا ترى أنَّ العكس صحيح أيضًا؟ كثيرًا ما أكتَسِبُ أولَ
نظرةٍ حقيقية عميقة عن شخصية الآباء من دراسة سلوك أطفالهم. سلوك هذا الطفل قاسٍ
بشكلٍ غير طبيعي، قَسوة لأجل القسوة فحسب، وسواء كان يَستمدُّ ذلك من أبيه الدائم
«. الابتسام كما أظن، أو من أمُِّه، فهذا يُنبئ بالشرِّ للفتاة المسكينة التي وقعت بين أنيابهم
إنني أستحضِر » ، هكذا صاحت عميلتنا «. أنا مُتأكدة من أنك على حقٍّ يا سيد هولمز »
الكثير من المواقف التي تَجعَلُني أقطع بأنك قد أصبْتَ كبد الحقيقة. أوه، دَعْنا لا نُضيِّع
«. ولو لحظةً واحدة وأن نُسارع بمُساعدة هذه المخلوقة المسكينة
إنَّنا نتعامَلُ مع رجلٍ شديد المكر؛ لذا لا بُدَّ أن نكون حذِرين. لا يُمكننا القيام بأيِّ »
شيء حتى الساعة السابعة، فبِحلول هذا الوقت سنكون معكِ، ولن يَمرَّ وقتٌ طويل قبل أن
«. نحلَّ هذا اللغز
التزمْنا بالميعاد الذي حدَّدْناه، فكانت الساعة السابعة بالضبط عندما وصلْنا كوبر
بيتشيز بعد أن رتَّبْنا فخٍّا في حانةٍ عامَّة تقَع على أحد جوانب الطريق. كانت مجموعة
الأشجار ذات الأوراق الداكنة التي تتلألأ كالمَعدِن المصقول في ضوء شمس الغروب كافية
لتمييز المنزل، حتى وإن لم تكن الآنسة هانتر تقِف مُبتسمةً على الباب.
«؟ هل تمكَّنتِ من القيام بالأمر » : سأل هولمز
هذه السيدة » : سُمِعَ صوت ضجيجٍ عالٍ آتيًا من مكانٍ ما بالطابق السُّفلي. قالت هانتر
تولر في القبو. زَوجها غارقٌ في النوم يُشَخِّر على سجَّادة المطبخ. ها هي المفاتيح، وهي
«. نُسخة طِبق الأصل من مفاتيح السيد روكاسل
والآن قُودي الطريق، وقريبًا » . هكذا صاح هولمز بحماس «! لقد قمتِ بعملٍ جيِّدٍ حقٍّا »
«. سنشهَدُ نهاية هذا الأمر المُظلم
صعدْنا الدَّرَج وفتحنا الباب ومَشَيْنا بطول أحدِ الممرَّات، ووجدنا أنفسنا أمام المتاريس
التي كانت الآنسة هانتر قد وصفتْها لنا. قطع هولمز الحبْل وأزاح القضيب العريض، ثم
جرَّبَ مفاتيحَ مُختلفة لفتح القفل، ولكن دون نجاح. لم يَصدُر أيُّ صوتٍ من الداخل،
فجعل هذا الصمتُ وجه هولمز مُكفهِرٍّا.
أنا واثقٌ من أنَّ الأوان لم يفُتْ بعد. أعتقد يا آنسة هانتر أنه من الأفضل أن » : قال
ندخل من دونك. والآن يا واطسون، ادفَعِ الباب بكتِفك، وسنرى إن كنَّا سنستطيع الدخول
«. أم لا
كان بابًا قديمًا مُتهالِكًا، فانفتحَ على الفور دون أن نحتاج لأن نُوحِّد قُوانا لدفعه.
هُرِعنا سويٍّا داخل الغرفة، كانت فارغة. لم يكن هناك أيُّ أثاث سوى سريرٍ مصنوع من
القشِّ وطاولة صغيرة وسلَّةٍ مليئة بالملابس. كانت الكوَّة الموجودة في السقف مفتوحة، ولم
تكن السَّجينة موجودة.
كان بعضُ الشرِّ يكمُن هنا؛ لقد خمَّن هذا الرجل الجميل نوايا الآنسة » : قال هولمز
«. هانتر وأخذ ضحيَّتَه بعيدًا
«؟ ولكن كيف »
تسلَّق نحو السقف مُتأرجِحًا «. عبْر الكوَّة. سنرى عمَّا قريبٍ كيف تمكَّن من فِعل ذلك »
أوه أجل! ها هي نهاية سُلَّمٍ طويل خفيفموضوع في مُقابل إفريز السقف؛ » : ثمَّصرخ قائلًا
«. هكذا نفَّذ الأمر
ولكن هذا مُستحيل، لم يكن السُّلَّم موجودًا عندما خرج » : قالت الآنسة هانتر
«. آل روكاسل
لقد عاد ووَضَعه. أقول لكِ إنَّه رجل ذكي وخطير؛ لن أتفاجأ إن كان ما أسمَعُه الآن »
هو صوت خطواته على الدَّرَج. أعتقِد يا واطسون أنه سيكون من الأفضل لك أيضًا أن
«. يكون مُسدَّسك جاهزًا
لم يلبَثْ أنِ انتهى من قول هذه الكلمات قبْل أن يظهر رجلٌ عند باب الغرفة، رجلٌ
سمين قويُّ البِنية يحمِل عصًا ثقيلةً في يدِه. صرخَتِ الآنسة هانتر وانكمشَتْ مُواجِهةً
للحائط عند رُؤيته، إلَّا أنَّ شيرلوك هولمز اندفع إلى الأمام وواجَهَهُ.
«؟ أيُّها الشرير! أين ابنتك » : وقال شيرلوك
أدار الرجل السمين عينَه ناظرًا في أرجاء المكان، ثم نظر إلى الكوَّة المفتوحة.
هل تُوجِّهُ هذا السؤال لي أنا؟! أيُّها اللُّصوص! جواسيس ولُصوص! » : وصرخ قائلًا
استدار وهبطَ الدَّرَج «! لقد أمسكتُ بكم. أليس كذلك؟ أنتم في قبضتي وسألُقِّنُكم درسًا
بأسرَعِ ما يُمكنه مُحدِثًا جَلَبة.
«! سيأتي بالكلب » : صرختِ الآنسة هانتر قائلة
«! مُسدَّسيمعي » : فقلتُ
وهُرِعنا جميعًا نهبِط الدَّرَج. «. من الأفضل أن تُغلِقَ الباب الأمامي » : صرخ هولمز قائلًا
ولم نلبَثْ أن وصلنا إلى الرَّدْهة فسمِعنا صوت نباحِ كلبٍ وصرخةَ ألمٍ حادَّةٍ صاحَبَها صوتٌ
مُقلقٌ كان من المُروِّع سماعه. خرج عجوز ذو وجهٍ أحمر وأوصالُه ترتَعِد، من بابٍ خلفي.
يا إلهي! لقد قام أحدهم بإطلاق سراح الكلب! لم يُطعِمه أحدٌ منذ » : وصرخ قائلًا
«! يَومَين. بسرعة، بسرعة قبل فوات الأوان
هُرِعتُ أنا وهولمز خارجين من المنزل وركضْنا حول جانِبِه وتولر يُسرع خلفَنا. رأيْنا
الوَحْشَ الضَّخم الجائع وخطمه الأسود مدفونًا في نحْر روكاسل، وهو يتلوَّى ويصرُخ
على الأرض. ركضتُ نحوَه وأطلقتُ النار على دِماغه، فوقَعَ أرضًا وأسنانُه البيضاء الحادَّة
لا تزال مدفونة في ثنايا رقبة روكاسل. أزحْناه عن الكلب بعْدَ عناءٍ شديد وحملناه إلى المنزل،
كان لا يزال حيٍّا، ولكنَّه كان مُشوَّهًا بصورةٍ مُروِّعة. وضعناه على أريكة، وفعلتُ كلَّ ما
في وُسعي لأخفِّف ألمَهُ بعدما أرسلتُ تولر حاملًا الأخبار لزَوجته. كنَّا جميعًا مُلتفِّين حوله
عندما انفتح الباب ودخلتِ الغرفة امرأةٌ نحيلةٌ طويلةُ القامة.
«! السيدة تولر » : صرخت الآنسة هانتر
أجل يا آنسة هانتر. لقد أخرَجَني السيد روكاسل عندما عاد قبل أن يصعد إليكم. »
أوه، من المُؤسِف أنكِ لم تَدَعيني أعلَم ما كنتِ تُخطِّطين له يا آنسة هانتر، كنتُ سأخُبِرُك أنَّ
«. مجهوداتك ستضيع هباءً
يبدو أنَّ السيدة تولر تعلم عن هذا » . هكذا قال هولمز وهو ينظر إليها بتمعُّن «! هه »
«. الأمر أكثر من أيِّ شخصٍ آخَر

«. أجل يا سيِّدي هذا صحيح، وأنا على أتَمِّ الاستعداد أن أخُبِرَك بما أعرِف »
إذن اجلسيأرجوكِ ودَعِينا نَسمعكِ؛ إذ إنَّ هناك العديد من النقاط التي أعترِف أنَّني »
«. ما زلتُ أجهلها
سأوضِّحُ لك كلَّ شيءٍ الآن، وكنتُ سأفعل ذلك من قبل لو كنتُ قد » : فردَّتْ قائلة
تمكَّنتُ من الخروج من القبو. إن وصلَ هذا الأمر إلى مَحكمة الجُنح، فستتذكَّر يا سيد
هولمز أنَّني كنتُ أنا من وقَفَ إلى جانب صديقتِك، وأنَّني كنتُ صديقة الآنسة أليس أيضًا.
لم تكن الآنسة أليس سعيدةً في المنزل قطُّ منذ أن تزوَّج والدها مرَّةً أخرى. كانت
تشعُر بالتَّهميش ولم يكن لها رأيٌ في أيِّ شيء، ولكن لم تَصِرالأمور سيئةً بحقٍّ بالنسبة
لها إلَّا عندما قابلتِ السيد فاولر في منزل أحد الأصدقاء، بحسْب ما أعرف. تتمتَّع الآنسة
أليس بحقوقٍ حسْب الوصية، ولكنَّها كانت شديدة الهدوء والصَّبر، بحيث إنها لم تَقُلْ
أيَّ شيءٍ عن الأمر، وتركتْ كُلَّ شيء تحت تصرُّف السيد روكاسل. كان يَعلَمُ أنه لا خوفَ
منها، ولكن عندما لاحت في الأفُُق فُرصة وجود زَوج سيُطالِبُ بكلِّ ما يُمكن أن يُعطيَهُ له
القانون، فكَّرَ والدها أنه قد حان الوقت ليضعَ حدٍّا للأمر. كان يُريدُها أن تُوقِّع ورقةً تسمَحُ
له باستِخدام مالها في حالة زَواجها أو عدمه. وعندما رفضتْ أن تُوقِّع هذه الورقة، ظلَّ
يضغط عليها حتى أصيبَتْ بِحُمَّى دِماغية، ولِمُدَّة ستَّةِ أسابيع كانت على وَشْك المَوت. وعلى
الرغم من أنَّها قد تحسَّنَتْ أخيرًا بعدما قصَّتْ شعرَها الجميل، فقد كانت مُنهكةً وفي شدَّةِ
الإعياء، إلَّا أنَّ ذلك لم يُؤثِّر في خطيبها الشاب، فظلَّ مُتمسِّكًا بها بإخلاصٍكما يتصرَّفُ أيُّ
«. رجلٍ حقيقي
أعتقِد أنَّ ما تكرَّمتِ بإخبارنا به يُوضِّح المسألة تمامًا، » ، هكذا قال هولمز «. هاه »
وأنَّني يُمكنني استنتاج الباقي؛ إذن فقد لجأ السيد روكاسل بعد ذلك لأسلوب الحَبْس.
«؟ أليس كذلك
«. بلى يا سيدي »
«. وأحضرالآنسة هانتر من لندن ليتخلَّصمن الإصرار المُزعِج للسيد فاولر »
«. أجل يا سيدي »
ولكن لأنَّ السيد فاولر رجل مُثابِرٌ، كما يَجِبُ أن يكون البَحَّار، فقد راقَبَ المنزِل، »
«. وبعدما تقابلتُما نجح في إقناعِك بِحُجَجٍ وكلامٍ معسول أو غير ذلك، أنَّ مَصلحتكما مُشتركة
«. كان السيد فاولر سخيٍّا ومعسول الكلام » : ردَّتِ السيدة تولر بهدوء

وبهذه الطريقة نجَحَ في أن يُوفِّر ما يكفي من الشَّراب لزَوجِكِ حتى لا يُفيق من »
«. الثَّمَل، وفي تجهيز سُلَّمٍ في اللحظة التي يُغادِرُ فيها سيِّدُك المنزل
«. أنت محقٌّ يا سيدي، هذا هو ما حدَث تمامًا »
إذ إنَّك وضَّحتِ » ، هكذا قال هولمز «. أنا مُتأكد من أنَّنا ندين لكِ بالاعتِذار يا سيدة تولر »
لنا بِلا أدنى شكٍّ كلَّ ما كان يُحيِّرنا. ها هو جرَّاح البلدة والسيدة روكاسل قد أتيا، لذا
أعتقد يا واطسون أنَّنا من الأفضل أن نَصطَحِبَ الآنسة هانتر إلى وينشستر مرَّةً أخرى؛ إذ
«. إنَّ وجودنا هنا حاليٍّا يبدو لي غير مُبرَّر
وبذلك حُلَّ لُغز المنزل المُقبضالذي تقبَعُ أشجار الزان النُّحاسية أمام بابه. نجا السيد
روكاسل، ولكنه عاشمُحطَّمًا. فقط ما أبقاه حيٍّا هو رعاية زَوجتِه المُخلِصة. لا يزال السيد
والسيدة روكاسل يعيشان مع خادِمَيهِمَا القَديمَين، اللذين على الأرجح يَعرِفان الكثير عن
تاريخ آل روكاسل، بحيث إنَّه يجِد صعوبة في الابتِعاد عنهما. تزوَّج السيد فاولر والسيدة
روكاسل بِرُخصة خاصَّة في ساوثامبتون بعد فِرارِهما بيوم، بعدها حصل فاولر على تكليفٍ
حكومي في جزيرة موريشيوس. أما بالنسبة للآنسة فيوليت هانتر، فقد خيَّبَصديقي هولمز
أملي ولم يُبدِ أيَّ اهتمام آخَرَ بها بعدَما لم تَعُد مركزَ واحدةٍ من مُعضِلاتِه التي يَسعى
لحلِّها، وهي الآن تترأَّس مدرسةً خاصَّة في والسول، وأعتقِد أنها حقَّقتْ فيها نجاحًا كبيرًا.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.