artherconan

شارك على مواقع التواصل

هذه إذن هي خاتِمة البرقية التي أرسلها جودفري ستونتن قبل ساعاتٍ قليلة من »
قف إلى جانِبِنا » — اختفائه. لقد فاتَتْنا ستُّ كلماتٍ على الأقلِّ من الرسالة؛ ولكن ما تبقَّى
يُثبتُ أنَّ هذا الشابَّ رأى خطرًا جسيمًا دانِيًا منه، وأن شخصًا آخر كان — «! بحقِّ الرب
لاحِظوا هذا! كان هناك شخص آخَرُ مقصود ،« جانبنا » . يستطيع حمايته من هذا الخطر
أيضًا، مَن تُراه يكون غير هذا الرجل الشاحِب الوجه ذي اللحية، والذي بدا هو نفسه في
حالةٍ شديدة من القلق؟ ما الرابط إذن بين جودفري ستونتن والرجل المُلتحي؟ ومَن هو
الطرف الثالث الذي ناشَدَاه الغَوْثَ من الخطر المُحدِق؟ لقد صار تحقيقنا مُنحصِرًا في تلك
«. التساؤلات
«. يَلزمُنا فقط أن نكتشِف لِمَن أرُسِلَت تلك البرقية » : فقلتُ مُقترحًا
بالضبط عزيزي واطسون، إن فكرتك، برغم صُعوبتها، قد خطرَتْ بذِهني، ولكنِّي »
أظنُّ أنك ربما تكون قد لاحظتَ أنك إذا دخلتَ مكتَبَ بريدٍ وطلبت الاطِّلاع على بيانات
رِسالة شخصٍ آخَرَ فرُبَّما يكون هناك بعض المُمانَعَة من جِهة المُوظفين في أن يُؤدُّوا إليك
هذه الخِدمة، فهذه الأمور يُعرقِلها الكثير من الإجراءات الرُّوتينية! ومع ذلك، فأنا مُوقنٌ
أنه بقليلٍ من الكِياسة والبَراعة سَيُمكن بلوغُ الغاية. والآن، أحُبُّ — وأنت موجود يا سيد
«. أوفرتن — أن أفحصَهذِه الأوراق التي تُرِكتْ على الطاولة
كان هناك عددٌ من الخِطابات والفواتير والمُفكرات، فأخَذَ هولمز يُقلِّبها ويتفحَّصُها
لا شيء هنا. بالمُناسبة، أعتقد » : بأصابع عَجِلةٍ مُتوتِّرةٍ، وأعينٍ سريعة ثاقِبة، ثم قال أخيرًا
«؟ أن صديقك كان شابٍّا يتمتَّعُ بصحَّةٍ جيدة. أما كان يُعاني منشيء
«. بل كان في كامِلِ الصِّحة »
«؟ أما شِهدْتَه مريضًا قط »
ولا ليومٍ واحد. لقد اضطُرَّ يومًا للمُكوث في الفِراشعلى إثر تَعرُّضه لإصابةٍ في قصبة »
«. رِجله، وانزلقتْ رَضْفَةُ ركبتِهِ ذات مرَّة، ولكن لم يكن لهذا تأثير
رُبما لمْ يكن قويٍّا جدٍّا كما تعتقِد، وأظنُّ أنه ربما كان يُعاني مُشكلةً صحيَّةً ما »
يُخفِيها. وإذا أذِنْتَ لي فسأضعُ واحدةً أو اثنتَين من هذه الأوراق في جَيبي؛ عسى أن يكون
«. لها علاقة بتحقيقنا في المستقبل
صاح بهذه الكلمات صوتٌ مُتذمِّرٌ، ونظرْنا فإذا برجلٍ عجوز «! انتظروا! انتظروا »
ضئيل البِنية غريب الأطوار يرتعِش وينتفِضعند مدخل الباب. كان يرتدي ملابِس سوداء
باهِتة، ويعتمِرُ قُبَّعةً عالية ذات حَوافٍ عريضة للغاية ورابطة عُنق بيضاء مفكوكة. كان
مظهره في مُجمَلِه مظهرَ كاهنٍ شديد الجَلافة أو نادبٍ تابعٍ لحانوتي. ولكن، على الرغم من
رَثاثة بل حتى سَخافة مَظهره، فقد كان لصَوتِهِ خَشخَشةٌ حادَّة، وفي أسلوبه حِدَّة نَزِقة
تستحوِذ على الانتباه.
«؟ من أنتَ يا سيدي؟ وبأيِّ حقٍّ تمَسُّ أوراق هذا الرجل » : وتساءل قائلًا
«. إنَّني مُحقِّقٌ خاص، وأنا أحاوِل تفسير اختفائه »
«؟ أوه، هكذا أنت! أليس كذلك؟ ومَن وَكَل إليك هذه المُهمة. ها »
إنه هذا الرجل المُحترَم، صديق السيد ستونتن، وقد أحالته إليَّ شُرطة سكوتلاند »
«. يارد
«؟ من أنت يا سيِّدي »
«. أنا سيرل أوفرتن »
أنت إذن من أرسلَ إليَّ ببرقِيَّة، أنا اللورد ماونت-جيمس، لقد أتيتُ بأقصى سُرعةٍ »
«؟ استطاعت حافلة مَحطَّة بيزوتر أن تُحضِرَني بها. أوَكَّلْتَ مُحقِّقًا إذن
«. نعم يا سيدي »
«؟ وهل أنت مُستعدٌّ لدفْع الأتعاب »
أنا مُتأكد يا سيدي أنَّ صديقي جودفري سيكون مُستعدٍّا — عندما نجِدُه — لفِعل »
«. هذا
«! ولكن إذا لمْ يُعْثرْ عليه أبدًا! ها؟ جاوِبْني »
«… لا شكَّ في هذه الحال أنَّ عائلته »
لن يكون شيءٌ من هذا يا سيدي! لا تطلُبْ مِنِّي » : فصرَخ الرجل الضئيل البِنية قائلًا
بِنسًا، ولا بِنسًا واحدًا! أتفْهَم ذلك يا سيادة المُحقِّق؟ إنني أنا عائلةُ هذا الشابِّ كلُّها، وأؤكد
لك أنني لستُ مسئولًا. لو كان لديه أيُّ أملٍ في الفَوز بإرثٍ، فهذا لأنَّني لم أبُدِّد المال قطُّ،
ولا أنتوي البدْءَ في فعل هذا الآن. أمَّا بخصوصتلك الأوراق التي تتصرَّف فيها بِحُريَّة تامَّة،
فأستطيع أن أقول لك إنه إذا كان بَينها أيُّشيءٍ له أيَّةُ قِيمةٍ فسوف تكون مسئولًا مسئوليةً
«. صارِمة عن توضيح ما سوف تفعله به
مفهوم يا سيدي. أتسمَح لي بالسؤال في الوقت نفسه إن كان » : قال شيرلوك هولمز
«؟ لدَيك أنت شخصيٍّا أيَّةُ فكرةٍ عن سبب اختفاء هذا الشاب
لا يا سيدي، ليس لديَّ فكرة، إنه كبير وناضِجٌ بما يكفي لكي يَعتني بنفسه. وإذا »
كان هو من الحَماقة بِمكانٍ كي يُضَيِّع نفسه فأنا أرفُض تمامًا تحمُّلَ مسئولية البحث
«. عنه
إنني أتفهَّمُ موقفك تمامًا. ربما » : فقال شيرلوك هولمز وعيناه تلتمِعان التِماعةً عابِثة
أنت لا تفْهَم مَوقفي أنا جيدًا. من الواضح أنَّ جودفري ستونتن كان رجلًا فقيرًا، ولو
أنه كان اختُطِف فلا يُمكن أن يكون هذا من أجل أيِّ شيءٍ يَمتلِكُه هو نفسه. إن شُهرةَ
ثروتك قد بلغَتِ الآفاق يا لورد ماونت-جيمس، ومن المُمكن جدٍّا أن تكون عِصابةُ لصوصٍ
قد احتجَزُوا ابن أخيك ليَحصُلوا منه على بعض المعلومات عن أشياء مثل منزلك وعاداتك
«. وثروتك
فاستحال وجه ضَيْفِنا البغيضالضئيل أبيضَكبياضرابطة عُنقه.
يا إلهي، سيدي، يا لها من فكرة! ما خطر ببالي مثل هذه النذالة قطُّ. يا لِما في » : وقال
الحياة من أوغاد همَجيِّين! لكن جودفري فتًى طيب؛ إنه فتًى مُخلِص، ما منشيءٍ سيدفعه
إلى التخلِّي عن عمِّه الهَرِم. سوف أَنْقُل التُّحَفَ إلى البنك هذه الليلة، أمَّا الآن فلا تَدَّخِرْ وُسعًا
سيدي المُحقِّق! أتوسَّل إليك ألا تترُك سبيلًا لردِّه آمنًا إلَّا طرقْتَه. أما عن المال، حسنًا، فيُمكنك
«. دائمًا أن تلجأ إليَّ ما دامتِ الحاجة إلى المال لم تتجاوَزْ خمسةً أو حتى عشرة جُنيهات
لم يستطع الثريُّ الشحيح أن يُمِدَّنا بمعلومة تُساعدنا حتى وهو في حالته النفسية
الأكثر تهذيبًا؛ لأنه لم يكن يَعلم إلَّا القليل عن حياة ابن أخيه الخاصَّة. كان مِفتاحنا الوحيد
يكمن في هذه البرقية المَبتورة، وقد بدأ هولمز — وفي يدِهِ نُسخةٌ منها — رحلةَ البحث عن
حَلْقةٍ ثانية في سلسلة أدلَّتِه. تَخلَّصْنا من اللورد ماونت-جيمس، وذهب أوفرتن للتَّشاوُر
مع أعضاء فريقه الآخرين حول المُصيبة التي حاقَتْ بهم.
كان يُوجَد مكتب تِلغراف على مسافةٍ قصيرة من الفندق، فحطَطْنا رحالنا خارِجَه.
الأمر يستحقُّ المُحاولة يا واطسون، كان بإمكاننا قطعًا أن نُطالِب برؤية » : قال هولمز
بيانات البرقية مُستعينِين بمُذكرة تفتيش، لكنَّنا لمَّا نصِل إلى هذه المرحلة بعد. لا أظنُّ أنهم
«. يتذكَّرون الوجوه في مكانٍ مليء بالحركة كهذا، فلنُغامِر بالمُحاولة
أعتذِر على » : قال هولمز للفتاة الجالِسَة خلفَ الحاجز المُشبَّك بأرقِّ أسلوب لديه
إزعاجك، ولكن يُوجَد خطأ صغير في برقيةٍ أرسلتُها أمس. فأنا لمْ أتلقَّ ردٍّا، وأخشى بِشدَّة
«؟ أن أكون قد نَسيتُ كتابةَ اسمي في نهايةِ البرقية. هلَّا أخبرتِني إن كان الأمر كذلك
أخذتِ الفتاة تُقَلِّب في حزمة أوراقٍ تحتوي على بيانات البرقيات.
«؟ متى أرسلتَها » : وسألتْ
«. بعد السادسة بقليل »
«؟ وكانت مُوجَّهةً لمن »
كانت » : فوضع هولمز إصبَعَهُ على شفتَيه واختلس النَّظر إليَّ، وهمس كمن يقول سرٍّا
«. إنَّني قلقٌ جدٍّا لعدَم تلقِّي رد « بحقِّ الرب » آخِر كلمات مكتوبة فيها
فأخرجتِ الفتاة أحد نماذج البرقيات.
«. ها هي ذي، لا يُوجَد اسم عليها » : وقالتْ وهي تُسوِّيها على النَّضَدِ المُقابل للحاجز
إذن هذا بالطبع يُفسِّرعدمَ حصولي على رد. يا لَخَيبة أملي، كم أنا غَبيٌّ، » : فقال هولمز
وأخذ يَضحك بينَه وبين «. بلا شَك! طاب صباحُك يا آنِسَتي، وشكرًا جزيلًا لطمأنتك بالي
نفسه ويفرُك يديه عندما وجدْنا أنفسنا في الشارع مرة أخرى.
«؟ والآن » : وسألتُه
نحن نُحرِز تقدُّمًا يا عزيزي واطسون، نُحرِز تقدُّمًا. لقد كان لديَّ سبعُ خططٍ »
«. مُختلِفة لكي ألُقي نظرةً على هذه البرقية، ولكنِّي لم أكن آمُلُ أن أنجح من أول مرة
«؟ وعلامَ حصلت »
«. إلى محطة كينجز كروس » : ونادى عرَبَة أجُرة قائلًا «. نقطة انطلاق لتحقيقنا »
«؟ سنذهب في رحلةٍ إذن. أليس كذلك »
بلى، أظنُّ أنه يلزمُنا التوجُّه إلى كامبريدج معًا. يبدو لي أن كلَّ الدلائل تُشير إلى ذلك »
«. الاتجاه
أخبِرْني يا هولمز، ألم تَشتبِه » : فسألتُه والعرَبَة تُقعْقِع بنا فوق طريق جرايز إنْ روود
بعدُ في أيِّ شيءٍ قد يكون سببًا في اختِفاء الرجل؟ لا أعتقد أني صادفتُ قضيةً بين جميع
قضايانا دوافِعُها أكثر غُموضًا من هذه. من المؤكد أنك لا تعتقِدُ حقٍّا أنه ربما يكون قد
«؟ اختُطف لكي يُفصِح عن معلوماتٍ ضِدَّ عمِّهِ الثري. أليس كذلك
أعترِف يا عزيزي واطسون أن هذا لم يَرُق لي باعتباره تفسيرًا شديدَ الرُّجْحان، »
ولكنه خطَرَ ببالي لأنه كان التفسيرَ الأقربَ إلى إثارة اهتِمام ذلك الشخص العجوز البالِغِ
«. البَشاعة
«؟ لقد أثار اهتمامه بالتأكيد، ولكن ما هي تفسيراتك البديلة »
يُمكنني ذِكر العديد منها. يجِب عليك الاعتراف بأنه من اللَّافِت للنظر والمُثير للتفكير »
أن تقَع هذه الحادثة عَشيَّةَ هذه المُباراة المهمة، وأن يتورَّط فيها الرجل الوحيد الذي يبدو
وجوده ضروريٍّا من أجل فوز الفريق. من المُمكن — بالطبع — أن يكون هذا من قبيل
المُصادفة، ولكنه مُثير للانتباه. إنَّ رياضة الهُواة خاليةٌ من المُراهنات، ولكنَّ قدْرًا لا بأس
به من المُراهنات الخارجية يجري بين الجمهور، ومن المُحتمَل أنَّ شخصًا ما قد اعتقد أنه
من الجدير بالمُحاوَلة النَّيلُ من أحد اللاعبين، تمامًا كما ينال همَجِيُّو مِضمار السباق من
أحد الخيول. هذا تفسير، ويُوجَد تفسيرٌ ثانٍ واضحٌ للغاية، وهو أنَّ هذا الشاب هو حقٍّا
الوَريثُ الشرعيُّ لثروةٍ عظيمة، برغم ما قد تكون عليه مَوارِدُه المالية من ضآلةٍ في الوقت
«. الراهن، وليس من المُستحيل أن تُدَبَّر مَكيدةٌ لاحتِجازه من أجل الحصول على فِدية
«. هذه النظريات لا تضع البرقية في الاعتبار »
هذا صحيحٌ تمامًا يا واطسون؛ فلا تزال البرقيةُ الدَّليلَ الملموس الوحيد الذي يَلْزَمُنا »
التَّعامُل معه، وعلينا ألَّا نسمحَ لانتباهِنا أن يَحيد بعيدًا عنها، ولسنا في طريقنا الآن إلى
كامبريدج إلا لإلقاء الضوء على الغرَض من هذه البرقية. إن مسار تحقيقنا مُبهَمٌ الآن،
ولكنني سأكون مُتفاجِئًا للغاية إذا لمْ نُزِل ما يكتنِفُه من غموضٍأو نُحرِز تقدُّمًا ملحوظًا
«. فيه قبل حلول المساء
كان الظلام قد أقبل بالفعل عندما وصلْنا إلى المدينة التي تحتضن الجامعة العتيقة،
فأخذ هولمز عربة أجُرة من عند المحطة، وأمر الرجل أن يقودها إلى منزل الدكتور ليزلي
أرمسترونج. وبعد دقائقَ قليلةٍ توقَّفْنا عند قصرٍكبير في أكثر الشوارع ازدحامًا. اصطحَبَنا
أحدُهم إلى الداخل، وبعد انتظارٍ طويل سُمح لنا أخيرًا بدخول غُرفة الفحص، حيث وجدنا
الطبيب جالسًا خلف مكتبه.
إن عدَم معرفتي باسم ليزلي أرمسترونج لَيَنمُّ عن الدرجة التي بلغتُها من فُقدان
الصِّلة بمِهنتي، لكنَّني عرفتُ الآن أنه ليس فقط أحد عُمداء كلية الطب بالجامعة، ولكنه
أيضًا مُفكرٌ ذائع الشهرة في أوروبا، ذو خِبرة في أكثر من فرع من فروع العلم. بالرغم
من ذلك، فحتى وإن لمْ يَعرِف المرءُ شيئًا عن سِجِلِّ إنجازاته الحافل، فلا يُمكِنه ألَّا يمتلئ
إعجابًا من مُجرَّد نظرةٍ خاطِفةٍ إلى الرجل، إلى الوجه المُربَّع الكبير، والعينَين المُتأمِّلتَين تحت
حاجبَيه الكثيفَين، والهيكل الصُّلب لِفَكِّه الجامد. رجل ذو نزاهةٍ شديدة، رجل ذو عقل
يَقِظ، مُتجهِّم، زاهد، مُتحفِّظ، وقور؛ هكذا رأيتُ الدكتور ليزلي أرمسترونج. أمسك بطاقة
التعريف الخاصَّة بصاحبي في يدِه، ونظر إلينا وليس على ملامِحِه الصارمة ما يَنمُّ عن
كثيرِ رضًا.
سمعتُ باسمك من قبل يا سيد شيرلوك هولمز، وأعرِف مِهنتَك، وهي مِهنة لا » : وقال
«. أستسيغُها على الإطلاق
في هذه الحال يا دكتور، ستجِد نفسك على تَوافُقٍ في الرأي » : فقال صديقي في هدوء
«. مع كلِّ مُجرمٍ في البلاد
طالما أنَّ جُهودك مُوجَّهةٌ إلى منع الجريمة يا سيدي، فلا بُدَّ أن تحظى بتأييد كلِّ »
عُضوٍ عاقلٍ من أعضاء المجتمع، على أنَّني لا أستطيع أن أشُكَّ في أنَّ الجهات الرسمية كافية
جدٍّا لتأدِيَةِ هذا الغرَض. إن مِهنتَكَ تكون أكثر عُرضةً للنقد عندما تتتبَّعُ أسرار الأفراد،
وعندما تنبِش الشئون العائلية التي يَحسُن إخفاؤها، وعندما تُهدِرُ من دون قصدٍ أوقات
رجالٍ هم أكثر انشِغالًا منك. ففي اللحظة الراهنة، على سبيل المثال، كان من المُفترَضأن
«. أكون مُنهمِكًا في كتابة بحثٍ بَدَلَ الحديث معك
من دون شَكٍّ يا دكتور؛ ولكن ربما يَتبيَّنُ أنَّ المُحادثة أكثر أهمية من البحث. واسمح »
لي بالمُناسبة أن أقولَ لك إنَّنا نقوم بنقيضهذا الذي لك كلَّ الحق في انتقاده، وإنَّنا نسعى
لمنع أي شيءٍ من قَبيل كشف الشئون الخاصَّة للعَلَن، وهو ما يقَع بالضرورة بِمُجرَّد أن
تُصبح القضية فعلًا في يد الشرطة الرسمية. يُمكنك النظر إليَّ ببساطةٍ على أنَّني جُندي
غيرُ نِظامي يُمهِّد الطريق بتقدُّمه أمام قوات البلاد الرسمية. لقد أتيتُ لأسألك عن السيد
«. جودفري ستونتن
«؟ ما شأنه »
«؟ أنت تعرِفه. أليس كذلك »
«. إنه أحد أصدقائي المُقرَّبين »
«؟ أتعرِف أنه اختفى »
لم تتغيَّر ملامح الطبيب الصارمة. «! آه، حقٍّا »
«. لقد غادر الفُندق الذي كان يُقيم به في الليلة الماضية، ولم يعرِف أحدٌ عنه شيئًا »
«. لا شَكَّ في أنه سيعود »
«. إنَّ غدًا هو مَوعِد مُباراة الجامعة »
أنا لا أحبُّ هذه الألعاب الصِّبيانية. بالنِّسبة إلى مصير الفتى، فهو يُهمُّني بشدَّة؛ »
«. لأنني أعرفه وأحُبُّه، أمَّا مُباراة الكرة فلا تقَع ضِمن نِطاق اهتماماتي على الإطلاق
فأنا أستحقُّ تَضامُنَك معي إذن في تحقيقي بشأن مصير السيد ستونتن. أتعلمُ »
«؟ مكانه
«. بالتأكيد لا »
«؟ ألم تَرَهُ منذ أمس »
«. نعم، لمْ أرَه »
«؟ أكانت صِحَّة السيد ستونتن جيدة »
«. دون أدنى شك »
«؟ هل رأيتَه مريضًا من قبل قطُّ »
«. إطلاقًا »
إذن فرُبما ستشرَح سِرَّ هذه » : فوضع هولمز وَرقةً أمام عَينَي الدكتور فجأة، وقال
الفاتورة بقِيمة ثلاثة عشر جُنيهًا، وقد سدَّدها السيد جودفري ستونتن الشهر الماضي
للدكتور ليزلي أرمسترونج القاطِن في كامبريدج. لقد التقطتُها من بين الأوراق التي كانت
«. على مكتبه
فاحمرَّ وجهُ الطبيب غضبًا.
«. لا أرى أنه يُوجَد أيُّ سببٍ يدعوني لتقديم تفسير لك يا سيد هولمز » : وقال
إذا كنتَ تفضل تقديم تفسيرٍ علنيٍّ فلا بُدَّ » : فأعاد هولمز الفاتورة إلى مُفكرته قائلًا
أن ذلك سيحدُث عاجِلًا أم آجِلًا. لقد قُلتُ لك بالفعل إنني أستطيع إخفاء ما سيتحتَّمُ على
«. الآخرين إعلانُه، وسوف تكون أكثرَ حكمةً حقٍّا إذا أطلعْتَني على كامل أسرارك
«. أنا لا أعلم شيئًا عن هذه الفاتورة »
«؟ هل تلقَّيْتَ أية رسالة من السيد ستونتن وهو في لندن »
«. بالتأكيد لا »
يا إلهي، يا إلهي؛ مكتب البريد ثانيةً! لقد أرسل إليك » : فقال هولمز مُتنهِّدًا في ضَجَر
جودفري ستونتن برقيَّةً مُستعجِلة جدٍّا من لندن، أرسلها في الساعة السادسة والرُّبع من مساء أمس، وهي برقية لها علاقة باختفائه لا محالة، ولكنك برغم هذا لمْ تتسلَّمْها. إنَّ هذا «. لجدير باللَّوم، سأتوجَّهُ حتمًا إلى المكتب هنا وأسُجِّل شكوى
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.