artherconan

شارك على مواقع التواصل

ما إن وصلتُ إلى قمة طريق الجرف حتى تنبَّهتُ لشيءٍ ما. لقد تذكرتُ في لمح البصر
ذلك الشيءَ الذي ضاع جهدي الشديد سُدًى وأنا أحاول فهمه. ستعرفون، أو لعل واطسون
قد كتب دون جدوى، أنني أمتلك مقدارًا وافرًا من المعلومات النادرة، ولكن من دون ترتيب
علمي، ولكنها مفيدة جدٍّا لمتطلبات عملي. إن عقلي أشبه بحجرة تخزين مكتظة برزمٍ من
جميع الأنواع، وهي مخزنة في مكان ما داخلها؛ ولكنها كثيرةٌ إلى حد بعيدٍ بحيث من الوارد
جدٍّا ألا أعرف غير معرفة مبهمة عمَّا بالداخل. لقد كنت أعرف أنه يوجدشيءٌ ما من الممكن
أن تكون له علاقة بتلك القضية. كان لا يزال غامضًا، ولكن على الأقل كنتُ أعرف كيف
يمكنني أن أجعله يتضح. لقد كان شيئًا رهيبًا لا يصدقه العقل، ورغم هذا فدائمًا ما كان
محتملًا، وسوف أختبره على أكمل وجه ممكن.
توجد بمنزلي الأثير عُلَيَّة كبيرة مملوءة بالكتب، فاندفعتُ داخلها بسرعة وأخذت أفُتش
مدَّةَ ساعة. وفي نهاية هذه المدة خرجتُ بمجلد صغير مُلوَّن باللونَين الفضيوالبني الداكن.
ثم فتحتُه في لهفةٍ على الفصل الذي كنتُ أذكره بصورة ضعيفة. نعم، لقد كان افتراضًا
غيرَ واردٍ وبعيد الاحتمال، ولكن لم أستطع أن أطمئن قبل أن أتأكد إن كان من الممكن أن
يكون كذلك حقٍّا أم لا. كان الوقت متأخرًا عندما أويتُ إلى فراشي وذهني متلهفٌ إلى عمل
الغد.
غير أن ذلك العمل تعرَّضلمقاطعة مزعجة؛ فما إن احتسيتُ فنجاني المبكر من الشاي
وشرعتُ في طريقي إلى الشاطئ حتى تلقيتُ مكالمة من الضابط باردل منشرطة ساسكس؛
وهو رجل هادئٌ قويٌّ باردُ الطبع ذو عينَين متأملتَين، وقد راح ينظر إليَّ في تلك اللحظة
وعلى ملامح وجهه اضطرابٌ شديد.
إنني أعلم بشأن خبرتك الواسعة يا سيدي. وهذه زيارة غير رسمية تمامًا، » : وقال
من دون شك، وينبغي ألا يعلم بها أحد غيرنا. لكنني واقعٌ في ورطة كبيرة بسبب قضية
«؟ مكفارسن هذه. والسؤال هو: أأقبضعليه أم لا
«؟ أتقصد السيد إيان ميردوك »
نعم يا سيدي. فإذا ما فكرتَ في الأمر فلن تجد غيره في الواقع. وتلك هي فائدة أن »
تكون دائرة الاشتباه محدودة هكذا، فهي مقصورة عليه وحده. إذا لم يكن هو الفاعل،
«؟ فمَن إذن
«؟ وما الذي تأخذه عليه »
كان الضابط باردل له المآخذ نفسها التي راودتني عليه. فكان من بينها شخصيةُ
ميردوك، وذاك الغموضُالذي كان يحيط به، ونوباتُ غضبه العارمة؛ كما ظهر في حادثة
الكلب، وواقعة شجاره مع مكفارسن في الماضي، كما كان يوجد مُبرِّر وجيه للاعتقاد بأنه
ربما يكون قد اغتاظ من ملاطفاته للآنسة بيلامي. لقد توصَّل إلى كل النقاط التي توصَّلتُ
إليها، ولكنه لم يزد عليها سوى أن ميردوك كان — فيما يبدو — يأخذ استعداداته كلها
للرحيل.
كان الرجل «؟ كيف سيكون موقفي لو تركته يهرب وكل هذه الأدلة قائمة ضده »
الضخم الجثة البارد الطبع قلقًا للغاية.
فكِّر في كل الثغرات الأساسية في قضيتك. إنه يستطيع يقينًا أن يثبتَ غيابه عن » : فقلتُ
مسرح الجريمة صبيحةَ وقوعها؛ فلقد كان مع طلابه حتى آخر لحظة، ثم ظهر بالصدفة
من خلفنا بعد لحظات قليلة من ظهور مكفارسن. ثم تذكَّرْ أنه من المستحيل تمامًا أن
يكون قد تمكَّن بمفرده من إيقاع هذا العدوان على رجلٍ لا يقل قوةً عنه بحال. وأخيرًا،
«. يبقى هذا السؤال حول الأداة التي استُخدمت في إحداث تلك الإصابات
«؟ ماذا عساها أن تكون سوى سَوْط أو مِقْرَعةٍ لدنةٍ من نوعٍ ما »
«؟ هل فحصت العلامات » : فسألته
«. لقد رأيتها. كذلك فعل الطبيب »
«. ولكنني فحصتُها جيدًا جدٍّا بواسطة عدسة. إن لها ميزات خاصة »
«؟ وما هي يا سيد هولمز »
هذه هي طريقتي في » : خطوتُ باتجاه مكتبي وأخرجتُ صورةً مكبَّرة. وقلتُ موضِّحًا
«. مثل تلك الحالات
«. إنك حقٍّا تنجز الأمور بعناية يا سيد هولمز »
لو لم أفعل هذا لكان من الصعب أن أكون ما أنا عليه. والآن لنتأمل هذه الكدمة »
«؟ الممتدة حول الكتف اليمنى. ألا تلاحظ شيئًا غريبًا
«. لا أستطيع أن أقول بلى »
من الواضح دون شك أنها غير مُتَّسقة في حدَّتها. يوجد كمية قليلة من الدم المرتشِح »
«؟ هنا، وأخرى هناك. وثمة علامات مشابهة في تلك الكدمة هنا. ترى ما معنى هذا
«؟ ليس لديَّ فكرة، أتعرف أنت »
ربما أعرف، وربما لا، ولكن ربما سأتمكَّن من قول المزيد قريبًا. إن أيَّ شيءٍ من »
«. شأنه أن يوضِّح سبب هذه العلامة سيقرِّبنا كثيرًا من المجرم
إن هذه لَفكرةٌ غريبةٌ من دون ريب. لكن لو أنَّ شبكةً من » : فقال ضابط الشرطة
الأسلاك المُحْمَاة كانت قد وُضعتْ على ظهره، فستكون هذه النقاط الأكثر وضوحًا تمثيلًا
«. لأماكن تقاطع خيوط الشبكة مع بعضها بعضًا
تشبيه بالغ البراعة. أو ربما يكون سَوْطًا صلبًا جدٍّا متشعِّبَ الأطراف، وفي كل طرفٍ »
«!؟ منه عُقَدٌ صغيرة صلبة، أليس كذلك
«. يا إلهي، يا سيد هولمز. أظن أنك قد توصَّلتَ إلى الحل »
أو ربما هناك سببٌ ما مختلفٌ تمامًا، يا سيد باردل. لكنَّ حجتك أضعف بكثير »
لبدة » ؛ جدٍّا من أن تُخَوِّلك القبضَ عليه. وعلاوةً على ذلك، فإن لدينا تلك الكلمات الأخيرة
«.« الأسد
«… لقد كنت أتساءل إن كان إيان »
نعم، لقد فكَّرت في هذا؛ فيما إذا كانت الكلمة الثانية تحمل أيَّ تشابه مع كلمة »
لبدة » ولكنها لم تكن كذلك. لقد نطق بها صارخًا تقريبًا. أنا متأكد أنها كانت ،« ميردوك »
«.« الأسد
«؟ ألا توجد لديك أي نظرية بديلة يا سيد هولمز »
ربما عندي واحدة. ولكني لا أحب أن أناقشها قبل أن يكون هناك ما يصلح للاعتماد »
«. عليه بصورة أكبر عند المناقشة
«؟ ومتى سيكون هذا »
«. في ظرف ساعة واحدة، وربما أقل »
أخذ الضابط يحكُّ ذقنه وينظر إليَّ بعينَين متشككتَين.
ليتني أستطيع معرفة ما يجول في ذهنك يا سيد هولمز. لعلها قوارب الصيد » : وقال
«. تلك
«. لا لا، لقد كانت بعيدة جدٍّا »
حسنٌ إذن، أهو السيد بيلامي وابنه الضخم هذا؟ فهما لم يكونا لطيفَين كثيرًا مع »
«؟ السيد مكفارسن. أمن الممكن أن يكونا تسبَّبا له في الأذى
لا لا، لن تأخذ مني معلومةً قبل أن أصبح مستعدٍّا. والآن، أيها » : فقلتُ وأنا أبتسم
«… المحقِّق، إن لدى كلٍّ منا عملًا يقوم به. وربما لو استطعتَ أن تقابلني هنا وقتَ الظهيرة
ما إن وصلنا إلى هذه النقطة حتى وقعت المقاطعة الهائلة التي كانت بداية النهاية.
انفتح باب منزلي الخارجي بعنف، وسمعتُ وقع أقدام مرتبكة في الممر، ثم دخل إيان
ميردوك الغرفة وهو يترنَّح، كان شاحبًا شعثًا، وكانت ملابسه في فوضىعارمة، وكان يحفر
ثم «! براندي! براندي » : الأثاث بيدَيه الناتئتَي العظام ليعتدل في وقفته. وراح يقول لاهثًا
سقط فوق الأريكة وهو يَئِن.
لم يكن بمفرده؛ فقد أتى ستاكهيرست على إِثْره لاهثًا حاسرَالرأس، وكان ذاهلًا تقريبًا
كرفيقه.
نعم نعم، براندي! إن الرجل يلتقط أنفاسه الأخيرة. كل ما استطعتُ » : وصاح قائلًا
«. فعله هو أن آتي به إلى هنا. لقد أغُمي عليه مرتَين ونحن في الطريق
أحدث نصف قدحٍ من الكحول الصِّرف فرقًا عجيبًا. فدفع بنفسه وقام مُعتمدًا على
لأجل الرب، دهانًا، أفيونَ، » : ذراعٍ واحدة وألقى معطفه من فوق كتفَيه، وأخذ يصيح
«! مورفينَ! أيَّشيءٍ يسكِّن هذا الألم اللعين
صرختُ أنا والضابط من هول المنظر. كان يتصالبُ على كتفه العاري نفسُ الشكل
المتشابك الغريب من الخطوط الحمراء الملتهبة التي تسبَّبت في موت فيتزروي مكفارسن.
من الواضح أن الألم كان فظيعًا ولم يكن موضعيٍّا وحسب؛ لأن تنفُّس الضحية كان
يتوقف لفترات قصيرة، وكان لون وجهه يتحوَّل إلى الأسود، ثم كان يضرب بيده على قلبه
مُطلِقًا زفرات حادةً، بينما كان جبينه يقطر حباتٍ من العرَق. كان من الممكن أن يموت في
أي لحظة. كان يصبُّ في حلقه المزيد والمزيد من البراندي، كانت كل جرعة جديدة تعيده
إلى الحياة من جديد. ويبدو أن الضمادات القطنية المُشبَعة بزيت الطعام قد أذهبت الألم
من تلك الجروح الغريبة. في النهاية أهوى رأسُه بقوة على الوسادة. لاذَ بدنُه المُنهَك بآخر
مستودع من مستودعات حيويته. كانت حالةً بين النوم والإغماء، لكنها على الأقل كانت
إعفاءً من الألم.
كان استجوابه مستحيلًا، لكن بمجرد أن اطمأننَّا على حالته التفتَ إليَّ ستاكهيرست
«؟ يا إلهي! ما هذا يا هولمز؟ ما هذا » : وصاح قائلًا
«؟ أين عثرتَ عليه »
عند الشاطئ. في المكان نفسه الذي لقي فيه المسكين مكفارسن مصرعه. لو أن قلب »
هذا الرجل كان ضعيفًا كقلب مكفارسن لَمَا كان هنا الآن. لقد ظننتُ أكثر من مرة وأنا
أحُضره إلى هنا أنه قد تُوفيِّ. لقد كان الطريق إلى مؤسسة ذا جيبلز طويلًا جدٍّا، لذا أتيتُ
«. إليك
«؟ هل رأيته على الشاطئ »
لقد كنتُ أتمشى على الجرف فسمعتُ صراخه. كان على حافة المياه، وكان يترنَّح »
كالسكران. فأسرعتُ بالنزول، وألقَيتُ بعض الملابس عليه، ثم أتيتُ به إلى هنا. أرجوك
يا هولمز، استخدم كل إمكانياتك ولا تدَّخر جهدًا في رفعِ هذه اللعنة عن هذا المكان، فالحياة
«؟ أصبحت لا تُطاق. ألا تستطيع، بالرغم من شهرتك العالمية هذه كلها، أن تفعل لنا شيئًا
أظن أنني أستطيع يا ستاكهيرست. سِرْ معي الآن! وأنت يا حضرة الضابط، تعال »
«. معنا! سنرى إن كنا نستطيع تسليمكم هذا القاتل أم لا
بعد أن تركنا الرجل الفاقد الوعي في رعاية مدبرة منزلي، مَضَيْنا نحن الثلاثة إلى ذلك
الهَوْر المميت. كان ثمة كومة صغيرة من المناشف والملابس تركها الرجل المصاب مُكدَّسةً
فوق حصباء الشاطئ. فمشيتُ ببطء حول ضفة المياه، وتبعني صاحِباي في صفٍّ، واحدًا
تلو الآخر. كان معظم البِركة ضحلًا تمامًا، لكنها كانت بعمق أربع أو خمس أقدام أسفل
الجرف في البقعة المُجوَّفة من الشاطئ. مَن يريد الاستحمام سيدخل إلى هذا الجزء بطبيعة
الحال، لأنه كان يُشكِّل بِركةَ سباحةٍ خضراءَ صافيةً جميلةً رائقةً كالبِلَّوْر. وكان فوقها
سلسلة من الصخور عند قاعدة الجرف، فتقدَّمتُ رفيقيَّ على طول هذه السلسلة، وأخذتُ
أحدِّق بحرصٍفي أعماق المياه أسفلَ مني. عندما وصلتُ إلى البقعة الأكثر عمقًا وسكونًا من
البِركة التقطتْ عيناي ما كانتا تبحثان عنه، فأطلقتُصرخة انتصار.
«! سايانِّيا! سايانِّيا! ها هي لبدة الأسد » : وصحتُ قائلًا
كان الشيء الغريب الذي أشرتُ إليه يشبه بالفعل كتلةً متشابكةً مقطوعة من لبدة
أسد. كانَ جاثمًا على رفٍّصخري على بعد حوالي ثلاث أقدام تحت المياه، كان مخلوقًا غريبًا
مُتموِّجًا يُطلِق ذبذبات ويكسوه الشعر، وكان بين جدائله الصفراء خطوط دقيقة فضية
اللون. وكان يتحرك في خفقاتٍ من التمدُّد والتقلُّصالوئيد الثقيل.
لقد تسبَّب في الأذى بما فيه الكفاية. لقد انتهى يومه! ساعدني » : فصرخت قائلًا
«. يا ستاكهيرست! لنقضِعلى القاتل إلى الأبد
كان ثمة جلمود ضخم فوق الحافة الصخرية مباشرة، فدفعناه حتى سقط في المياه
مُطلقًا رَشَاشًا هائلًا. وعندما سكنتْ تموُّجاتُ الماء وجدنا أنه استقرَّ فوق النتوء الصخري
الذي بالأسفل، وأظهرتْ رفرفةُ طرَفِ نسيجٍ حيوانيٍّ أصفرِ اللونِ أنْ ضحيتنا كانت تحت
الجلمود. ثم راحتْ رغوةٌ زيتيةٌ ثخينةٌ تَنِزُّ من تحت الجلمود حتى لوَّثت المياه من حولها
وهي تطفو ببطء إلى السطح.
حسنٌ، إن هذا ليحيِّرني! ما كان هذا يا سيد هولمز؟ لقد » : وهنا صاح الضابط قائلًا
ولدتُ وترعرعتُ في هذه الأنحاء، ولكنني لم أرَ شيئًا كهذا من قبل قَطُّ. إنه دخيلٌ على أرض
«. ساسكس
من الطبيعي أن يحدث هذا في ساسكس، ربما تكون » : فعقبتُ على كلامه قائلًا
العاصفة الجنوبية الغربية هي التي جلبته إلى هنا. تعالَيا كلاكما لنرجع إلى بيتي، وسوف
أقصُّعليكما التجربة المرعبة التي خاضها شخصٌجديرٌ به أن يتذكَّر مواجهتَه مع خطر
«. البحار هذا نفسه
عندما وصلنا إلى حجرة مكتبي وجدنا ميردوك وقد تعافى بقدرٍ محدودٍ، بحيث كان
يستطيع الجلوس. كان في حالة ذهول، يرتجف بين الحين والآخر عندما تصيبه نوبة من
نوبات الألم. ثم وضَّح لنا بكلماتٍ مُتقطِّعة أنه ليست لديه فكرة عمَّا حدثَ له، غير أنَّ
وخزاتٍ رهيبةً أصابته فجأة، وأن الأمر قد احتاجَ إلى إبراز تجلُّده كله من أجل أن يصل إلى
الضفة.
ها هو ذا الكتابُ الذي كان أوَّلَ شيءٍ ألقى الضوءَ » : فقلتُ وأنا أتناول المجلد الصغير
للباحث الشهير في ،« في العراء » على ما كان من الممكن أن يظل مُبهَمًا إلى الأبد. إنه كتاب
علم التاريخ الطبيعي؛ جاي جي وود. لقد كادَ وود نفسُه أن يهلك نتيجة الاحتكاك بهذا
هذا هو « سايانِّيا كابيلاتا » . المخلوق البغيض، لذا فقد كتب عنه من واقعِ خبرةٍ غنية جدٍّا
الاسم الكامل لهذا الوغد، ويمكنُ أن تبلغَ خطورتُه على الحياة خطورةَ لدغة الكوبرا وأن
تفوقها ألَمًا بكثير. اسمحوا لي أن أقرأ هذا الاقتباس الموجز:
إذا تصادف أن رأى مَن يسبح في المياه جسمًا رخوًا مستديرًا يتكوَّن من أليافٍ
وأنسجة حيوانية صفراء مائلة للون البنيِّ، وكان شيئًا أشبه بقبضةٍ كبيرة جدٍّا
من لبدة الأسد والورق الفضيِّ، فليأخذ حذره، فإن هذا هو المخلوق ذو اللسعات
المرعبة؛ سايانِّيا كابيلاتا.
أمن الممكن أن يوصف صاحِبُنا الشِّرِّير هذا بأوضح من هذا؟
ثم يستطرد في الحديث ليخبر عن مواجهته هو نفسه بأحد هذه المخلوقات عندما
كان يسبح بعيدًا عن شاطئ مقاطعة كِنت. لقد اكتشف أن هذا المخلوق كان ينشرخيوطًا
رفيعةً لا تكاد تُرى في دائرة يبلغ قطرُها خمسين قدمًا، وأن أيَّ أحدٍ يُوجد داخل حدود
هذه المسافة المحيطة بالمركز المُهلك يكون معرَّضًا للموت. لقد كاد يكون تأثيرُها على وود
مُهلِكًا حتى من بُعد.
كانت الخيوطُ الغزيرةُ تُحدث خُطوطًا قرمزيةً خفيفةً على الجلد؛ يتَّضح عند
فحصها عن قُرب أكثر أنها بثراتٌ أو نِقاطٌ دقيقةٌ، وكانت كل نقطة وكأنما هي
مُزوَّدة بإبرةٍ ملتهبةٍ تتَّخذ لنفسها طريقًا إلى الأعصاب.
كان الألم الموضعي — كما يُوضِّح وود — أقلَّ أجزاء هذا العذاب الشديدِ قسوةً.
أسقطتني الوخزات التي تلقيتُها في صدري وكأنما تلقَّيتُ رصاصة. كان نبضي
سيتوقف، لكن القلب وثب بعد ذلك ست وثباتٍ أو سبعًا، وكأنه كان سيندفع
خارج صدري.
لقد كادتْ أن تقتله، على الرغم من أنه تعرَّض لها فقط في مياه المحيط الهائجة
وليس في مياه بركة السباحة الهادئة الضحلة. ويقول إنه استطاع بالكاد أن يتعرَّف على
نفسه بعد ذلك، فقد كان شديد الشحوب، وكان وجهه مُتجعِّدًا مُتَغَضِّنًا. لكنه راح يعبُّ
من البراندي؛ ما يملأُ قنينة كاملة، ويبدو أنها قد أنقذتْ حياته. إليكَ الكتابَ أيها الضابط.
«. إنني أتركه لك، ولا شكَّ أنه يحتوي علىشرحٍ وافٍ لمأساة المسكين مكفارسن
وبرَّأني كذلك بالمناسبة. أنا لا ألومك أيها » : فعقَّب إيان ميردوك بابتسامةٍ ساخرة
الضابط، ولا أنت يا سيد هولمز، لأن شكوككما كانت أمرًا طبيعيٍّا. لكنني أشعر برغم ذلك
«. أن ما أبرأ ساحتي في ليلة القبضعليَّ هو أنني نلتُ نصيبي من مصير صديقي المسكين
لا يا سيد ميردوك. لقد كنتُ أسير بالفعل في المسار الصحيح، ولو كنتُ خرجتُ من »
«. البيت مبكرًا كما نويتُ فلربما كنتُ أنقذتُك من هذه التجربة المُروِّعة
«؟ لكن كيف عرفت يا سيد هولمز »
إنني قارئ نَهِمٌ ذو ذاكرة قادرة على الاحتفاظ بالتفاصيل الدقيقة بصورة مذهلة. »
تتردَّد على ذهني. وأدركتُ أني كنتُ قد رأيتُها في مكان ما « لبدة الأسد » لقد ظلَّتْ عبارة
في سياق غير متوقَّع. ولقد رأيتم أنها تصف ذلك المخلوق بالفعل. وليس لديَّ شك في أنه
كان يسبح في الماء عندما رآه مكفارسن، وأن هذه العبارة كانت هي العبارة الوحيدة التي
«. استطاع أن يبلغنا بها تحذيرًا من ذلك المخلوق الذي تسبَّب في موته
أنا بريءٌ إذن على الأقل. لكنْ ثمة » : فقال ميردوك، وهو ينهض ببطءٍ على قدميه
توضيح صغير عليَّ أن أقُدِّمه، لأنني أعرف الوجهةَ التي كان يسير فيها تحقيقك. صحيحٌ
أنني أحببتُ هذه الفتاة، ولكن منذ أن اختارتْصديقي مكفارسن أصبحتْ رغبتي الوحيدة
هي أن آخذ بيدها إلى السعادة. لقد رضيتُ تمامًا بالانسحاب وبلعب دور الوسيط بينهما.
وكثيرًا ما كنتُ أحمل رسائلهما، وحيث إنني كنتُ موضع ثقتهما وكانت هي عزيزة عليَّ
جدٍّا فقد سارعتُ بإخبارها بوفاة صديقي، وذلك خشيةَ أن يسبقني شخصٌ ما إلى قول
هذا بطريقةٍ أقلَّ رفقًا وشفقة. وهي لمْ تشأ أن تخبرك بعلاقاتنا يا سيدي خوفًا من
أنْ تستنكرها أنتَ وأنْ أعُاني أنا. لكنك عندما ترحل، عليَّ أن أحُاول العودة إلى مؤسسة
«. ذا جيبلز، فسيسرني النوم على فراشيللغاية
لقد كانت أعصابنا جميعًا متوترةً للغاية. فلتعفُ عما » : مدَّ ستاكهيرست يده، وقال
وخرجا معًا «. مضى يا ميردوك. وسيتفهَّم بعضنا بعضًا بصورة أفضل في مقبل الأيام
وذراعاهما متشابكتان بطريقة ودودة. أما الضابط فبقي، وظل محدِّقًا بي في صمت
بعينَيه الشبيهتَين بعينَي الثور.
حسنًا، لقد فعلتَها! لقد قرأتُ عنك، لكنني لم أكن أصدق » : ثم صاح في النهاية قائلًا
«! ما قرأته قط. إن هذا لأمر مذهل
اضطررتُ لهز رأسي. لقد كان القبول بمثل هذا الثناء انخفاضًا بمبادئ المرء الأخلاقية.
لقد كنتُ مُتبلِّد العقل في البداية؛ مُتبلِّد العقل بطريقة تستوجب اللوم. ولو كان عُثِر »
على الجثة في المياه لكان من الصعب ألا أدُرك الأمر. إن المنشفة هي التيضلَّلتني، فالمسكينُ
لم يُفكِّر قط في تجفيف جسمه، لذا فقد أدى بي هذا بدوره إلى الاعتقاد بأنه لم ينزل قط
إلى المياه. فكيف كان سيخطر ببالي إذن أن يكون قد وقع هجوم من أي كائن بحري؟ هذه
هي النقطة التي ضللتُ الطريق عندها. حسنٌ حسنٌ أيها الضابط، فكثيرًا ما تجرَّأتُ على
اقتربتْ جدٍّا من « سايانِّيا كابيلاتا » السخرية منكم أيها السادة من رجال الشرطة، ولكنَّ
«. الانتقام لجهاز الشرطة البريطانية
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

فصول العمل

الفصل الأول الفصل الثاني
اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.