MazagElkotob

شارك على مواقع التواصل

في جُنح الليل

- هل علمتِ لماذا تصولين البوادي بغير سرج ولا لجام؟
= أفضل أسر البقاء في حزني على أن افزع إلى هول فرح زائف؛ فشعائري في قلبي دفينة المُصلّى، وكل خراب داخلي إنما يُلبّي صراخ امتلائي بحروف مبعثرة.. تهمهم بتمائم أُمليها فجرًا على المئذنة.
فتميل على أذني: "ثم ذهب إلى أهله يتمطّى. أولى لك فأولى. ثم أولى لك فأولى"
- يكاد جوابي يتحشرج بكاءً: ليسوا بأهل ولا أولى ولا "فأولى"
هذي يا مئذنتي فتنة السقيا. فتنة الماء الغدق.
فكل ما وجدتُ فوق يابستكم إنما هو ماء للغرق.
= يا ابنتي اصطناع نسيان الواقع لا يُجدي فحتام الهروب من مصيدة القدر.
- لا تزرعي بودياني حطبًا فإن أسفلها مواقد فكري تشتعل فلن أترك موضعًا أجد فيه السكينة والأمان لأجل أن أصير شريدة الطرقات والأزقة.. فأنتِ تعلمين أن غاية سؤل الأنثى هو رشفة أمان على مقاهي السكينة والامتنان لحاضر تُحبّه وقادم لا تهابه فكيف سأنتقل من مبيت الأمان إلى مبيت الوحشة إلا لو كان هذا ما تراه أعينكم فقط وأن الأماكن هذه مبعثرة حقيقتها.
إن الطرقات العابرة لهي وطن لمن أحاطته جدران بيته بالغربة وإن الأزقة لهي حضن لمن لفظه أهله من أذرع حبهم.. قد أظن أحيانًا أن الله تعالى حين قال: "وحنانًا من لدُنّا" إنما بعث لي حنانه في ممالك تضم رياض آل بيت نبيه _صلى الله عليه وسلم_ وإلا فلا وطن لي.
= صدقًا تتحدثين ولكن حديث الناس لن يتوقف عنكِ بالسوء فألسنتهم أكثر أذى من السم القاتل.
_ فلأدعهم وما ينطقون فحديثهم لن يقتل من ماتت ألف موتة قبل أن تستطيع نطق جملة غابت كثيرًا عنها بملء شفتيها: الآن أحيا!
فرقٌ كبير جدًا بين أن تحيا مدفوعًا من قِبَل رياح عاتية لا طاقة لك بها، وبين أن تقف بوجه الرياح وتقول ها أنا ذا. فهي حتى لو قتلك ألف مرة لن تحيا حقًا إلا حينما تقف وسط هوجها كالجبال الراسية، لا ينطق عنك أحد بدلًا منك، ولا يتوقّع أحدٌ ما ستنطقه ولا يرسمون لك طريقًا بديهيًا قد سلكه العالم أجمع من قبلك. لكن هذه سنوات أهداها لك الله ناظرًا إليك ما أنت صانع بهديته.. فإذا سِرت كذرَّة تراب وسط سيلٍ عارم لا تؤمن بوجهته، إذن فما قيمة قدميك التي طوَّعها الله لإرادتك؟
أمّا إذا أرسيت دعائم اليقين في قلبك سيُغيّر السَيل مساره خشية أن تصدمه صلابتك. فصم أذنك عن كل ما تكره خشية أن يُهدر في الأسى دم قلبك، وإن نسيت إغلاق أذنك عنهم فلتضع حاجزًا يحول بين الأذن والقلب ولتمضي قدمًا ظافرًا بمعيّة اليقين الأعظم والحنان الإلهي، ولتدع كل من أحرقته نار اعتراضه _على بصمة العشق الإلهي في قلبك_ محترقًا بما كسبت يداه؛ فلن تطالك نيران تخطّيتها على بساطٍ من نور ولن يحرقك هشيم لم تمر بطريقٍ يقود إليه.
"محضتني النصح لكن لستُ أسمعه. إن المُحب عن العزال في صمم".
- بردة البوصيري.


متاهات السِوَى

ما الذي أتى بك إلى هنا؟
ربما لا تدري حقًا أي طريق سلكت، وإن كنت تتذكّر فحتمًا ستتخطى أهم التفاصيل التي وضعَت نقاطًا وهميّة حدّدت مسيرتك.
** بعد فترة من وصول روحك إلى حالة روحانية من السكينة سوف تجد نفسك عاجزًا عن تذكّر معالم الطريق الذي أتيت منه إلى هذا البراح العجيب الذي صرت تسكنه، سوف تنسى ذلك الدرب الصعب الذي دُست أشواكه للوصول إلى حيث لم تقصد مطلقًا، ولكنك لن تنسى الصُدف الإلهية التي أودعت قلبك جداول ماء الفرج؛ فغيَّر مسار طريقك الطويل إلى حيث تتمنى.
سوف تؤمن كثيرًا بحديث هؤلاء الذين يحاولون أن يُقنعوك بأنك لا بُد وأن تمتلك هدفًا دنيويًا تسعى وراءه وتعكف على تحقيقه وتلاحق أي إشارة أمل تلوِّح لك من جهته؛ مخفين وراءهم وجه الحقيقة المطليَّة بالخنوع والضعف لكنها في صميم معناها كل الحق، وهي أن النجاح الحقيقي الذي قد يطاله الإنسان هو ألا يبرح حدائق تلقائيته، وألا يكتسب لونًا صناعيًا ليلقى ترحابًا من أشخاص يود أن يؤنسوا طريقه.
فكل السعادة أن ترمي بأحجار نردك في يد تدابير حضرة القدس وإن تصنع من أسئلتك خطابات مُرسلة إلى ذي الحِجر؛ ولو صوّرت لك وقتًا دقاتك الفانية أنه تأخر عليك في إرسال الجواب؛ فاعلم أنها ليست سوى حكمة إلهية معهودة عند أرباب القلوب البصيرة.
يُحكى أن عبدًا كان يدعو الله وقتًا طويلًا ثم توقّف عن الدعاء؛ فبعث الله له الخضر -عليه السلام- فسأله الخضر: إن الله قد أرسلني إليك لأسألك عن سبب توقّفك عن الدعاء، فقال له الرجل إني دعوت الله كثيرًا ولم أتلقَّ الإجابة، وأخشى أن يكون الله قد أغلق أبوابه في وجهي..
فقال الخضر -عليه السلام-: إن الله أرسلني إليك لأخبرك أن مسألتك هذه كانت لتقربك منا، وأن وراء كل كلمة اللهم الكثير الكثير من لبيك عبدي، لبيك عبدي.
إذن فالثمرة الأساسية من تأخر الإجابة هو أن دعاءك الكثير وتضرّعك إلى الله يُحبه الله ويُقرّبك به إليه، وهل تُقاس مسألتك بشيء أمام القرب الإلهي؟!
فحكمته تعالى معلومة أما مرادها فعنده، وتأكّد بأن لكل سؤال إجابته سواء بادرك بها أم احتفظ بها عنده لخير لك.
فدُر في الدنيا إن أردت ستصطدم يومًا بجدار حقيقتها الذي يحوي الوهم.. والبس ما شئت من حليها، لست ترتدي سوى حلل الأشجان. لن يبقى من متاعها ولذتها إلا ما تذوقت روحك من جميل قرب، أو حلاوة مناجاة، أو سجدة في السَحَر.


دوائر خانقة

هذه طينتي تهوى تأبين الأشياء الفانية قبيل رحيلها؛ فيعزف قلبي على أهوال فزعه ونقَمه على كل ما هو متوارٍ خلف حجب لم يطوِها الزمان بعد؛ رغم أنه مدرك أن كل شيء منسي فور مروره عبر بوابة الدنيا هادئًا كان مروره أم صاخبًا.
قلت للفؤاد مهدئة من روعه: وماذا يقدر على تسكين النفس سوى الحب، وما أصدق من حب تسلّى بالنظر إلى جمال محبوبه؟
فنسوة المدينة قطّعن أيديهن غير شاعرين بأية آلام عندما تسلّت أعينهن برؤية جمال أذهل القلوب؛ فأودى بالحواس على ركاب ريح غير مستقر، فاجعل محبوبك نصب عينيك وانصب له محرابًا داخلك؛ تُسكِر بخمر جماله حواسك عن الشعور بوعثاء السفر.
بين الجموع النائمة
يعلو طيفك ابتسامة
أعرفها.
تتوه لذتها رويدًا
ريثما تُنادي الأطيافُ أضوائي
وارتعاشة أطلالك
وفجائع الموت المُنسدل
بين أغلالٍ وقضبان
من صُنع نفسها
الموت حارسي
وهاجسي
الجميل القريب
لعلك تراني دومًا بقبضته
تبتلعني أزهاره البنفسجية
كي أرسم على المُهج حاراته
فكيف أُصافحك
والمدينة كلها أنت!
والشوارع تتهدل من جداول مائك
ترقُب الضوضاء المتقوقعة
في دُرر وجهك المبتهج
في محضرك..
عقلي غارق في العدم
وباللا شيء يهذي
ويتمعّن
في تلاشي الأضداد

"الأرواح التي فيها شيء من روحك تعرف كيف تُخاطبك بلا كلمات".
جلال الدين الرومي
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.