والآن أيها الإنسان، قد ترى أن من الغريب أن نفكر » : تابع أهريمان بنبرة متعالية
— نحن الأرواح الشريرة — بالرغم من جبروتنا وما نُثيره من هلع في النفوس، أن نفكر
في أي ترتيب آخر لجسدك التافه وطبيعتك الحقيرة خلاف محو وجودك تمامًا. لكننا في
الواقع نعتقد أنه من الملائم أن يكون بيننا إنسان أو اثنان للقيام بالعمل الشاق للجماعة،
لسنا بالكسالى، لكننا » : ثم أضاف ،« وللمساعدة في تطوير الموارد الطبيعية الضخمة للكهف
في فترة تقاعدنا المبجلة قد أصبحنا على الأرجح أقل نشاطًا وحماسًا من ذي قبل؛ ولهذا
السبب نقدم لك الفرصة للاستمتاع بالمزايا الرائعة لهذه الرفقة الأبدية مع كائنات عظيمة
وتابع هذا الشيطان المروع وهو يستخدم ذيله المسنن، والذي لم أكن قد لاحظته «. مثلنا
يا للهول! إنَّ الجو حار! مولوخ، خذ هذا الإنسان بعيدًا؛ فكثرة الكلام » : من قبل، في التهوية
«. ترهقني للغاية
الحق أنني شعرت ببعض القلق إثر سماع هذا الاسم الذي طالما أرعب البشر عند
سماعه على مدى قرون طويلة. ثمةشيء وحشيفي فكرة الذهاب مع مولوخ القاسيالمتعطش
للدماء، والذي أريقت على مذابحه دماء الآلاف من البشر قربانًا له. غير أن ظهور حارسي
الجديد كان مطمئنًا؛ فقد ظهر مولوخ بابتسامة ودود، وربَّت على رأسي، وعرض عليَّ أن
يُريني الكهف. كان شيطانًا سمينًا، حسن الطباع، يبدو عليه الكسل، له وجه غريب ولمعة
مرحة في عينَيه، وقد أحببته من أول وهلة.
سأخبرك بدعابة جيدة، ما أسخفالأمم التي عاشت على وجه الأرض؟ » : همسفي أذني
«. ها، ها! إنها جيدة، أؤكد لك
«. ليس لديَّ أدنى فكرة » : أجبته
لماذا؟ أسخفالأمم هم الآشوريون » : قال وقد بدأ يهتز كقنديل البحر وهو يكتمضحكه
ثم انفجر مولوخ في نوبة من الضحك. «؟ وأهل نينوى وأهل بابل، أفهمت
ضحكت بصدق وقد بدا ممتنٍّا للغاية لتقديري لحس الفكاهة لديه، فقال بثقة:
سأخبرك بأخرى أفضل منها فور أن أتذكر الإجابة؛ فقد نسيتُها. إنها عن فتاة لَعوب »
وضفدع مغامر، كلا، لست متأكدًا، لكنها من أفضل الدعابات التي يمكن أن تسمعها على
«. الإطلاق إن قيلت بالطريقة الصحيحة
في طريقنا للخروج من غرفة المقابلات إلى أحد الحقول الموجودة تحت سقف الكهف
الظليل، والذي رأيت فيه مختلف الشياطين، والتي لم يكن يبدو على مظهرها ما يوحي
بأنها قد تُسبِّب أذى، وإنما كانت تعزق الأرض وتنظف الذرة مما حولها من حشائش،
هؤلاء الشياطين الذين تراهم هناك هم من الآشوريين وعفاريت » : واصل مولوخ حديثه
بريتا والراشكا المرعبين من الهندوكا. لقد اعتادوا أن يطوفوا الأرضبألسنة دامية وأسنان
كأسنان الغيلان وشهية كشهية آكلي لحوم البشر. أما الآن، فهم لا يأكلون إلا العشب
ثم أضاف «. والحشائش. حسنًا، لقد شهد جنسنا تطورًا كبيرًا منذ أن تقاعدنا عن العمل
يمكنك أن تقول إنها » : وقد بدت عليه أماراتصراع عنيف من أجل كتم الضحك بداخله
«. مسيرة الحضارة
مررنا بشيطان عملاق يجلس على صخرة تهتز به، ويُمسك بقبضته اليمنى الضخمة
إنه تايفون، وهو الإله سِت عند قدماء المصريين، كان » : قارورة من الخوص. همس مولوخ
سِت ينفث النيران والدخان ويقذف أعداءه بالصخور الملتهبة. لعلك تذكر أنه قد أرعب
الآلهة جميعًا ذات مرة، وطردهم من البلاد، لكنه لن يؤذيَك؛ فقد أصبح مسالمًا للغاية الآن،
حتى وهو ثَمِل. إنه يشرب الكثير من الخمر، وهي في غاية الضرر عليه الآن، كما تلاحظ.
«. سيت، سات، سوت » : ثم أضاف مولوخ وهو يضحك «. لقد تدهور سِت كما ترى
«! يا لك من مهرج كبير يا مولوخ » : فتحدثت قائلًا
إنها طريقتي في المزاح فحسب؛ فأنا أستمتع بالدعابات الجيدة. » : أجابني مولوخ
أحيانًا يخرجونني إلى المنفذ المؤدي إلى كانان كي أضُحك وأرُهب مواطني القرية الموجودين
«؟ بالخارج. هل تلاحظ ذلك المرح الاستثنائي في عيني
على مدى جولتي مع مولوخ في مجتمع الاسبلرجلز أدركتُ كم أنَّ هذه البعابع العتيقة
كائنات مسالمة وساذجة. فحتى إن كانوا من قبلُ كائناتٍشريرة؛ فقد تخلَّوا عن ذلك يوم أن
نبذتهم الخرافة. وكغيرهم من السادة النبلاء المتقاعدين في مختلفالمجالات، لا يزال بعضهم
يفتخر بشرِّهم القديم، لكنَّ ذلك الظل الباهت كان سخيفًا، على عكس المادة الحقيقية. راح
مولوخ الودود يتحدث إليَّ ويخبرني بالعديد من الدعابات الظريفة التي لا أتذكرها للأسف،
وأخبرني أيضًا بأنَّ الشياطين الأحدث والأكثر عصرية قد حلوا بعقيدتهم ومذهبهم محل
شياطين الزمن القديم، فانسحبوا من فوق وجه الأرض، وجاءوا يتقاعدون في هذا الكهف
تحت جذور هذا الجبل الثلاثي. هنا جاءت الشياطين التي كانت قد استنفدت قواها الأعوام
الطويلة التي قضتها في العمل على مدى أربعين قرنًا، لتخبو هنا وتصدأ تدريجيٍّا لتصبح
على الحالة التي وجدتهم عليها حين سُحبتَ سحبًا إلى مجتمعهم.
لقد حافظ أهريمان على قدراته العقلية بصورة » : راح مرشدي، مولوخ المرح، يشرح لي
أفضل منا، ولهذا فهو يتزعمنا، لكن دعني أسرُّ لك بيني وبينك، أنا لا أعتقد أنه أكثر قوة
«. أوشرٍّا من أي واحدٍ منا
رأيتُ بالَ وتحدثتُ معه، وقد بدا أنَّ عقله قد خبا بعضالشيء، وكان يعمل في مطبخ
«. إنَّ حساءك اليوم لامع » : البناية، ويُعِدُّ حصص الحساء الفسفوري اللامع. علَّقتُ قائلًا
فلم أجد ما هو أفضل من ذلك كي أقوله.
«. أجل، إنه يلمع، إنه يلمع » : أجاب الشيطان المتقاعد وقد بدا متفاجئًا بقوة تعليقي
ثم توقف وكأنما لم يستطع استيعاب ضخامة الفكرة، ووضع ذراع المغرفة على جبينه؛
فراح يتساقط منها سيل من الحساء على ملابسه، وراح يُردِّد، غير مدرك ما حل بثيابِه
بعد ذلك، راح يغرف «. إنه يلمع، إنه يلمع، وثمةشيءٌ ما يطن ويطن في رأسي » : من فوضى
«. إنه يلمع، إنه يلمع؛ إنه يطن ويطن » : الحساء وهو يغمغم لنفسه بذلك التجانس الركيك
صار بعضُنا أسوأَ حالًا من بال، ولهم مكان مخصص في المؤسسة. » : تحدث مولوخ
إنهم شياطين مساكين، لا يفعلون شيئًا سوى الجلوس أو التجوال بلا هدف، وبالكاد
يعرفون كيف يتناولون طعامهم وشرابهم. يجب أن ترى أبادون. إنَّ القلب ليرثي له عند
«. رؤيته. لقد أصبحت حالته سيئة للغاية، حتى إنه لم يعد يستحسن الأحاجي الجيدة
بعد ذلك شرفت بلقاء ليليث، وهي عشيقة آدم التي أنجبت له ذرية فتاكة من
الشياطين. كانت سيدة مسنَّة لطيفة كجداتنا، وحين رأيتها، كانت تغزل زوجًا من الجوارب
الصوفية الثقيلة لبليال، وهو شيطان بليد وكسول ومستهتر. ورأيت أزموديوس الذي
كان يقرأ خطابات تيموثي تيتكوم إلى الشباب، وبدا أنه يستمتع بقراءتها استمتاعًا
واضحًا. والتقيتُ أيضًا بليفياثان ونرجال وبيلفجور، وقد كانوا يخافون ويرتعشون إن
تحدثت بكلمة قاسية. وتحدثتُ أيضًا مع ريمون وداجون وكوهاي وبيهموث وأنتيكرايست،
وكانوا جادين ووقورين كالمواطنين الشرفاء الذين كانوا يلتقون كل ليلة في متجر الشمَّاس
بليمبتون.
خلال إقامتي مع الاسبلرجلز لعدة أسابيع شعرت ببعض الخزي؛ إذ وجدت أنَّ
معاييرهم الأخلاقية حَرِيَّة بأن تُخْجِل عادات البشر وممارساتهم؛ فقد كانوا كائنات غير
مؤذية، ولم أرَ منهم ما يشير إلى سمعتهم في الخبث الشيطاني؛ أما حياتهم الخاصة، فكانت
بعيدة كل البعد عن أي شبهة. لا يسرقون ولا يكذبون، ويقدسون الثقة كل التقديس، أما
حسن ضيافتهم، فأشهد عليه بنفسي. لم أعرف فيهم أي رذيلة سوى السُّكْر، وكان ذلك
يقتصرعلى تايفون ودونه فرد واحد أو اثنان. بالرغم من ذلك، فبينما أنسب إليهم فضائل
لا نشهدها على الأرض إلا فيما ندر لسوء الحظ، فإنَّ أمانة القول تحتم عليَّ أن أضيف
أنَّني وجدتهم رفاقًا مملين، وقد كنت سعيدًا حين عرفت بسر المخرج من صديقي الطيب
مولوخ، ووقفتُ مرة أخرى تحت شجرة البلوط الأحمر في مرعى رودني برينس.
بدا كلشيء أسود وميتًا بعد ما رأيته من ألوان مضيئة ولامعة تُلَوِّن كهف الاسبلرجلز.
غير أن التباين لم يكن صارخًا كذلك التباين الذي أرهقني حين بدأت في التعامل مع البشر
مرة أخرى. الرشوة والفساد في التجارة، والحقد الحقير المنتشر في المجتمع، وانحدار
البشرية، كل ذلك اتخذ لديَّ شكلًا جديدًا منفِّرًا؛ فأصبحت أشارك بيلزباب رثاءه وأسفه
لفسادنا الأخلاقي