{الفصل الثاني}
ظلت تنظر حولها في صدمة ودموعها تجري بتلقائلية علي وجنتيها المحمرة بشدة.
حتي قالت بصوت متقطع: احنا فين وجينا هنا ازاي وانت مين
ثم بهستيرية واضحة وهي تضرب علي صدره بغضب أعمي وتشهق عالياً وهي تركع علي الأرض بعد ان خارت قواتها وتضع يدها علي وجهها وتتحدث بإنهيار: انت مين وعايز مني ايه ...جيت لحياتي ليه.. حرام عليك
أسرع بجذبها إلي احضانه ولكن نفضت ذراعيه بغضب وهي ترفع إصبعها في وجهه بنبرة قوية: لازم أعرف انت مين وعايز مني ايه.
نظر إلى صدرها الذي يعلوه ويهبط من شدة الغضب والخوف وهو يفترس وجهها وعيونها الدابلة من كثرة الدموع.
صدم قليلاً وقال بهدوء يخفي في طياته الكثير من الحزن علي حالها وان كان يخشي معرفتها بحقيقته : انا هحكيلك كل حاجة بس الاول لازم تعرفي إني بحبك جداً ومش هقدر اشوف حياتي من غيرك.
ثم ابتلع ريقه امام ملامحها الجامدة: انا أسمي يأمن مأمون أبن قائد عشيرة من عشائر الجن السفلى الكبري.
شهقت بصدمة بالغة ثم تابع بريبة مقلقة وهو يري بؤبؤ عينها يجحظ من الخوف : عرفتك عن طريق الكتاب اللي فاتحتيه لان الكتاب دا كان جزء من توراثنا وفيه معلومات عننا ، لما انتي فاتحتيه انا طلعت من الكتاب بس انتي اغمي عليكي فوراً .
عرفت عنك كل حاجة ، ثم قال بمشاعر صادقة: وحبيتك فعلا.
قطعت حديثه وهي تصرخ: بس بس مش عايزة اسمع حاجة تاني ثم نظرت له بعين واسعة وهتفت بغل: يعني انا حبيت جني؟
اؤمأ برأسه بإيجاب .
ضاق صدرها من شدة الألم من كلامه.
كانت نظراته حزينة وخائفة من هول صدمتها وخشياً من تركه بعز أن أحبها.
أسرع بمسك يدها فرفعت رأسها إليه وعيناها تنزف دمع : انا ليه بيحصلي كدا.
أسرع بالرد عليها وأستغل فرصة هدوئها قليلاً حتي قال بثبات وبنبرة متحشرجة: انا عارف ان الموضوع صعب بس انا هحارب العالم كله علشانك ، وانا قدامك اهو ، إنسان عادي ومش هختلف عنكم في أي حاجة ومستعد اقنع أهلي بأننا نتجوز وهروح لأهلك وهطلبك منهم كأني ذي ذيكم بالظبط.
رمقته بخوف : وانا ليه اعمل كدا.. ما ممكن اتجوز إنسان ذيي وخلاص.
لم يعلم أيفرح بلينها أم يحزن بفقدها الثقة في حبه.
أجاب بإبتسامة طفيفة :علشان بحبك ومستعد أقدم روحي فداكي وهحارب العالم كله علشان ولو حد اتعرضلك مستعد أموت نفسي أفضل ما حد يإذيكي.
أجابت بتلقائية وخوف حقيقي: بعد الشر عليك
ثم انهت كلامتها وهو يضحك عالياً علي خوفها عليه بالرغم مما حدث.
ثم أشاحت وجهها بعيداً فرفع وجهها إليه ثم اردف بحنان: جربي ومش هتندمي مش انتي بتحبيني؟
أضاعت إنتقامها وأرتجفت جميع خلاياها من فرط مشاعره وهي تقول بنبرة منخفضة:للأسف حبيت جِني.
فأسرع بضمها بقوة إلي صدره ، شعرت بالخوف في الأول ولكن سكنت بين أضلاعه وهي تشعر بأن هذا هو مكانها ولا أحد يشاركها فيه.
__________________________
ضرب بقبضته علي كرسيه النحاسي وهو يرمق النار بنظرة قاتلة جعلتها تنطفئ وتتحول إلي رماد في ثانية من الزمن.
_ شوفتي ابنك يا چيلان ، هو مفكر ان بكدا هرب مني لكن لا ، انا هجيبه هنا وساعتها هينسي الأنسية دي تماماً.
لم تقدر علي التحدث أمام غضب زوجها المأمون الذي يحرق الأخضر واليابس وهي تتمني الوصول إلى وليدها قبل والده لان حينها سيحدث مالم تحمد عقباه.
______________________
مر شهر وكان يأمن مُقيد بسلاسل من النار ، لم تستطع فكها لان هذا أوامر قائد العشيرة وهو والده.
تمني لو يستطع الوصول إلي ياسمين حتي يبلغها بماحدث وخصوصاً أن اليوم موعد ذهابها إلي بيتها وكان من المفترض أن يوصلها ويتقدم لخطبتها من والدها ولكن اعترض رجال أبيه طريقه وأتوا به في عالمهم.
_انتي بتقولي ايه ياخالتي چيلان يعني يأمن موجود في الزنزانة السرية
هتف أخزم بهذة الكلمات بذهول بعدما قصت عليه چيلان بخطف يأمن من قِبل أبيه ووضعه بسرية تامة حتي لا يعلم أحد بهذا.
وبالصدفة الباحتة سمعت چيلان زوجها وهو يتحدث مع رجاله بعدما خطفوا يأمن.
هتفت والدموع تغرق وجنتيها بنبرة متحشرجة:هو دا اللي حصل يا أخزم ، احنا لازم ننقذه ياما عمك مأمون ممكن يأذيه.
(أخزم: صديق يأمن المقرب منذ الصغر وهو يتمتع بميزة تُميزه عن باقي رجال العشيرة بأنه يتحول كلياً إلي ذكر حية ويسيطيع أن يحول أي شخص أخر إلي حية مختلفة الحجم.
أجابها أخزم بلا تردد: حاضر يا خالتي هعمل اللي اقدر عليه بس انتي عارفة ان قوتي مش هتكفي ولا هتصد قدام قوة رجال عمي مأمون.
مسحت چيلان دموعها وهو تهتف بثقة: قوتي هتتحد مع قوتك وقوة يأمن كمان
وهقولك خطة علشان تمشي عليها ونبعد يأمن من بطش ابوه.
ثم هتفت بحنان الأم بتصميم: اهم حاجة سعادتك يابني.
_______________________
عم السكون الأجواء المحيطة
ويأمن حزين يفكر في محبوبته وفي المأزق الذي وُضع فيه.
الامل ضعيف في الخروج من هذه الجدران اللعينة.
والده وضع عليه مجموعة كبيرة من الجان ولا ملاذ بالفرار.
حتي قطع تفكيره ظهور حية عملاقة كأنها ابتلعت عدد كبير من الأشياء أم الكائنات .
لم يعرف ماهذا الشئ ولكن السؤال الاهم كيف دخلت إلي هنا.
رمقها يأمن بنظرة ثاقبة وهو لم يعرف ما تحاول إيصاله إليه ، بينما هو تابع نظراتها فقط.
حتي تحول كل هذا إلي صديقه أخزم.
حتي جحظت عيناه في دهشة من القنبلة التي إنفجرت علي رأسه.
نبش أخزم مقدمة رأسه في إحراج ثم تابع بإبتسامة : اسف يا صاحبي إني سيبتك في محنتك.
أطلق يأمن قهقهة عالية ثم ردد والضحكة لم تفارق ثغره بعد: متقولش كدا ياصاحبي ، في ايدك ايه تعمله.
رتب أخزم ملابسه بغرور مضحك ثم لوح بيده الي القيود التي تُحيط يأمن فإنفكت بسهولة.
فتح عينه علي وسعها بدهشة شديدة وإنبهار من قوة صاحبه وقبل أن يتحدث
قال أخزم بنبرة منخفضة بعض الشئ: مش وقت إندهاش دلوقتي ، كل اللي اقدر اقوله ان خالتي چيلان اديتني قوة فوق قوتي علشان أقدر اخرجك من هنا وبالنسبة للحراس اللي برة ، بلعتهم كلهم
وبفضل خالتي قدرت افك قيودك بس يلا بسرعة لازم تمشي من هنا علشان لو عرف عمي مأمون مش هيحصل كويس أبدا.
هرع يأمن إليه وهو يحتضنه بسعادة ثم تحدث بإبتسامة عريضة: متشكر ليك ياصاحب عمري وكان نفسي أسلم علي امي بس بلغها أنها احسن أم في الدنيا.
ربت أخزم علي ذراع صاحبه بحنان: دلوقتي لازم تمشي حالاً ولازم أسلمك كل قوتي علشان تعرف تخرج من هنا.
وبالفعل خرج يأمن من العالم السفلي ومعه كل ما يحميه متجهاً إلى بيت محبوبته.
____________________
(مر أكثر من 4 أشهر)
جلست في غرفتها وظهر الحزن البالغ علي قسمات وجهها.
مرت أشهر ولا تعرف عنه شئ حتي يأست من رؤيته.
في هذة اللحظة دخلت والدتها عليها فمسحت دموعها بسرعة حتي لا ترأها.
جلست والدتها بجانبها وهي تخبرها بأن هناك عريس يتقدم لها.
قالت ياسمين بنبرة منفعلة للغاية: لا مش هتجوز ياماما.
رددت والدتها بتعجب: ليه يابنتي هو في حد تاني في حياتك؟
كانت تنظر إليها بتوتر وتقطر عرق من سائر جسدها: لا ياماما مفيش طبعا
وهنا صدرت هذه الكلمات من والدتها كأنها سهم أصاب قلبها : يبقي حضري نفسك علشان العريس هيجي النهاردة بالليل.
_______________________
(ليلاً)
دخلت إلي غرفة الجلوس الذي يجلس فيها العريس بعيون دامعة ولكن ماباليد حيلة
وأخذ كفيها في الارتعاش بصورة كبيرة وهي تنظر إليه بعينين جاحظتين و بؤبؤ عينها في صدمة.
نعم أنه هو بوسامته المعتادة بل أنه زاد أكثر.
يجلس بجانب والدها ويتبادلوا الحديث ولكن كيف أنه جِني.
هتف والدها وهو يحثها علي الجلوس : تعالي يا ياسمين سَلمي علي البشمهندس يأمن جاي علشان يتقدملك.
جلست دون ان تنبت ببنت شفة .
فطلب من والدها ان يتركهم لدقائق.
شرح لها الظروف التي حدثت له.
وان منذ الأشهر الماضية وهو يعمل بشمهندس في القرية ونال العديد من الاحترام وحب الناس وانها لا تعلم لأنها لم تخرج من غرفتها منذ زمن.
وان قوته أصبحت كبيرة ولم يقدر أحد علي إيذائهم وبالنسبة لأهلها أقنع والدها بأنه جلب شقة بجوارهم وأن اهله متوفيان ولم يتبقي له أحد فوافق والدها لانه شاب وسيرته جيدة.
ثم أخيراً قال لها بحب: بحبك وغصب عني البعاد بس لازم كنت أكون نفسي علشان أقنع أهلك... تتجوزيني
أنفرجت أسارير وجهه وهو ينظر إلي لمعة الدموع في عينها .
اؤمات بالايجاب بخجل.
بينما تصافح الجميع وحددوا موعد الزواج مباشرةً دون خطوبة بسبب ان يأمن وحيداً ويريد زوجة تُعينه علي إكمال مسيرته بأسرع وقت.
وبعدها انطلقت الزغاريد من فم والدتها.
_____________________
جاء اليوم الحاسم بالنسبه لهم بفستانها الابيض وتاجها الامع وهي تستعد لامكوث مدي الحياة مع حبيبها.
كان الزفاف يمشي بطريقة هادئة حتي حدث مالم يتخيله أحد.
إنقلب كل شئ في غمضة عين إلي كارثة وكتلة من الرماد.
اندلعت النيران من حولهم حتي ظهرت رجل عملاق بهيئة غريبة وشكل مُفزع وهو يسحب يأمن من يد ياسمين بعنف وطار به.
جلست ياسمين علي الأرض والنار في كل مكان حولها والصريخ يملئ المكان وهي تنادي بأعلي صوت : يأمن
حتي سقطت من أعلي الفراش وإنتابها حالة من الدهشة وهي تنظر بعنين متسعتين وهي تهتف : فين النار.. الفرح.. يأمن
رددت تلك الكلمات وهي تقف علي قدميها وهي تهرول إلي الخارج حتي تجلس صديقتها وهي تشرتشف الشاي.
فإنتفضت حبيبة من منظر ياسمين ثم قطبت ما بين حاجبيه : مالك يا ياسمين حصل ايه ، انتي لسه تعبانة من إمبارح .
_ فين يأمن والناس اللي خطفوه
التوت شفتيها بإستنكار وهي ترمق صديقتها بطرف عينها حتي قالت: انتي الظاهر بتخطرفي من السخونية بتاعت إمبارح ، اما اروح اجبلك مسكن.
مسكت ذراع صديقتها وهي تقول بتعجب: هو ايه اللي حصل .
تنهدت حبيبة وهي تقول: انا روحت الشغل وسيبتك تقرأي في كتاب بتاع الجن دا ولما رجعت لاقيتك نايمة علي الكتاب وسخنة جدا وبتخترفي وبتقولي حاجات غريبة.. يأمن.. متسبنيش.. العالم السفلي.. بحبك
وبعد كدا عملتلك كمدات ونمتي ودلوقتي صحيتي وبتقولي كدا برضو.
جلست علي الاريكة بصدمة وهي تردد بنبرة مرتعشة : يعني كل دا كان حلم
تمت بحمد الله
23/21/2018