Marwakabbani

شارك على مواقع التواصل

صوت الموسيقى الكلاسيكية المُنبعثة من الصالة الرئيسية جعلَت الظِلال تتراقص فوق الجدران العالية و المطلية بالأبيض الناصع، نهضتُ من فوق السرير أحاول تذكُّر الأحداث الأخيرة التي حصلت معي أو كيفية دخولي إلى هذه المستشفى.
لم أرَ سوى أطياف عابرة تقفُ من حولي، دموع شقيقتي الصغرى، ويد أمي تُعانق كتفي و تُربِّتُ على قلبي!
ثُمَّ اختفى كل شيء وكأنني انبعثتُ من المجهول نحو هذا المكان، في رأسي فجوة كبيرة لم أستطع ملأها بأي أحداث تخيَّلتها أو نسجتها لمعرفة الأحداث التي مررتُ بها.
وقفتُ أمام النافذة المُطلَّة على الحديقة الداخلية المحيطة ببناء المستشفى لأجد الكثير من الناس ومن مختلفِ الأعمار.
البعض يركض بهدوء حول المنطقة، شابة تمشي إلى جانب الطبيبة النفسية تحني رأسها نحو الأرض وهي تستمع إلى تعليماتها، ربما تشرح لها – وضع أحد أقاربها- والعديد من الكبار في العمر جالسين فوق المقاعد المتناثرة على أطراف الطريق.
لفتَ انتباهي وجودُ ظل شاب يجلس خلف الشجرة العملاقة ويحفرُ التراب إلى جانب الورود الملوَّنة، وحينما التفتَ نحوي كان يحملُ شاهدة قبرٍ مكتوبٌ عليه اسمي!
تراجعتُ للخلفِ وأنا أضع يدي فوق فمي والدموع تنهمرُ من عيوني، غير مصدقة ما رأيته للتو.
انتفض جسدي في اللحظة التي شعرت بيدٍ تمتدُّ لتلامس كتفي، لم تكن ملامح الممرضة طبيعية عينيها المتَّسعة الأحداق والمُمتزجة بالدم والابتسامة المُرعبة التي كانت مُجرَّدة من المشاعر الإنسانية، وشعرها الأسود الطويل والمُلتف حول جسدها.
تحملُ بين يديها قطعة قماش ضخمة باللون الأبيض وهي تقترب مني بخطوات مائلة تعرجُ قدمها اليمنى بمقدار ثلاثون درجة نحو اليمين.
صرختُ بأعلى صوتي وأنا أركضُ نحو الخارج هرباً منها، أيقنت تماماً كونها اتفقتُ مع صاحب الظل من أجل قتلي ودفني في تلك الحفرة.
وجدتُ نفسي فجأة أقف أمامه وجهاً لوجه والممرضة خلفي تماماً، تجمَّد جسدي فلم أعد قادرة على الحراك أو حتى مقاومتها وهي تُلبسني ذاك الثوب الأبيض لتربِّط جسدي بقوَّة.
حملني بيدٍ واحدة وقام بقذفي نحو الحفرة الكبيرة، وإهالة التُّراب فوق جسدي المُرتعش، حاولت طلب المساعدة والصراخ لكن صوتي اختفى تماماً، أما أنفاسي ونبضات قلبي كانت تقلُّ مع مرور الثواني الأخيرة، حتى جزمتُ أنها نهايتي.
وحدها يدُ أبي التي أمسكت بي هي من أنقدتني، دفعتني نحو الخارج إلى الحياة مجدداً، بملامحه الهادئة والممتلئة بالمحبة.
شعرتُ بالدفء يسري في أعماق قلبي وروحي، نبضات قلبه كانت الموسيقى التي جعلت جسدي يطمئن، في اللحظة التي احتضنني بقوة وهو يحاول إخباري أن كل شيء سيصبح على مايرام قريباً.
فتحت عيني ببطء شديد لأجده يجلس أمام السرير وهو يقرأ آيات القرآن بسكينة ووقار، هذه المرة لم يفزعني وجود ذاك الرجل الغريب الأطوار أمام الجدار، بل ابتسمتُ بهدوء لم أعتد عليه فمنذ حينها قررتُ محاربته حتى النهاية.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.