Fatma Saad

شارك على مواقع التواصل


عند بائع الحلوى
وقفت تشاهد الأطفال من بعيد ، لم تجرؤ على الاقتراب أكثر، نظرت إليهم في تمعن وأعادت النظر إلى ذلك الجنيه في يدها ، نعم إنه جنيه واحد لا تأخذ غيره يوم العيد ، لم تكن محظوظة كثيرا فهي ليست بالكبيرة ليراها أحد ويعطيها أموال العيد ولا هي بالصغيرة آخر أخواتها لتأخذها أيضا .
لم تكن مشكلتها أنها تحمل جنيها واحدا أو أنها تريد شراء الكثير من الحلوى ولكن مشكلتها الأكبر أنها كانت خائفة ، خائفة للغاية ، تتقدم خطوة للأمام وتعود اثنتان للخلف ، قد يظن البعض أن هذه هي حال الأطفال لكنها كانت ذات أربعة عشرة ربيعاً، لم يذهب معها أحد ، فكرت أنها ستتقدم ، ستختار شيئا، تدفع ثمنه ثم تذهب ما أسهل الأمر هكذا قالت في نفسها ولكن عندما همت أن تقوم بفعل ما قالت عنه سهلا لم تستطع .
نظرت مرة أخرى وقالت فى نفسها " تبا لماذا الأمر صعب علي لهذه الدرجة ثم كيف لهؤلاء الأطفال أن يفعلوها بسهولة ، ترى الأفضل أن أعود للمنزل دون شراء شيء أو أجازف واذهب إلى ذلك البائع .
أغمضت عينيها بقوة وقالت مرة أخرى وهي تضع يديها على جانبها الأيسر "حسنا لنهدأ ، أنه ليس أبي ولن يأتي أبي إلى هذه البقة، سأبتاع شيئا ثم أقوم بأكله ولن يراني هو وبالتالي لن يكون هناك عقاب " ثم فتحت عينيها وجمعت شتات نفسها ثم ذهبت للبائع، وفي كل خطوة يناديها داخلها بالعودة وَتُصِّر هي على الاستمرار حتى وصلت إليه فسألها البائع "ماذا تريدين يا فتاة " فتجهمت وحدثت نفسها "آويه لم أتوقع هذا ، اللعنة لماذا يسألني ،لا أعرف ماذا أقول " ما إن فتحت فمها لتتكلم كان أحدهم قد أزاحها من مكانها ليبتاع هو أولا وبين جمع من الأطفال عادت للوراء حتى قررت العودة للمنزل لم ترغب بالمجازفة مرة أخرى .
نظرت لذلك الجنيه في يدها بعين مكسورة مُعلنة الهزيمة أمام خوفها ، عائدة للمنزل لتبحث عن ركن لا يراها فيه أحد وبخاصة والدها كي لا يعاقبها على وجودها مرة أخرى كما يفعل كل يوم ، وهنا تسللت أن كان شراء الحلوى بهذه الصعوبة ماذا ستفعل فيما بعد ثم لماذا كانت خائفة لهذا الحد .
قد يظن البعض أن الأمر مبالغ فيه وأنه كان من السهل جدا أن تطلب تلك الحلوى ولكنه لم يكن كذلك بالنسبة لها فهي لم تعرف شيئاً فى حياتها سوى إطاعة الأوامر وتعلمت شيئا واحدا وكيف تتقنه وهو الخوف ، تلك الهوة السوداء التي تشبه بئراً عميقة يقوم بابتلاع جزء منها كل يوم، رغم أنها كانت تمتلك عملة معدنية فخمة لكنها لم تكن تمتلك الجرأة لتصرفها .
عند بائع الحلوى توجد فتية وفتيات كثير ،بعضهم يمتلك مالا أكثر من غيره والبعض الآخر لا يمتلك سوى عملة واحدة أو اثنتين ،لكنهم بالتأكيد جميعهم يمتلك نعمة الوجود، وجوده وإحساسه بكونه إنساناً يملك الرغبة في شراء الحلو، وعنده من الجرأة لفعل هذا ، أما هي فقد امتلكت مالا ولكنها لم تملك الشجاعة لتصرفه .
1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.