Fatma Saad

شارك على مواقع التواصل

توقف عن الطعام فجأة وقال أحمد بكل هدوء :

سأغادر المنزل صباحاً.

صُعق الجميع وكأن قنبلة وقد أعطت تحذيرا للانفجار ، ترك الجميع ملاعقهم وعمّ الهدوء السفرة ، حتى قطعت أمه الصمت قائلة :

" إنّ أحمد يحب المزاح كثيرا رغم أنه قد بلغ سن الرشد لكنه ما زال يمزح " .

 وهنا وقف أحمد من على كرسيه وقال بصوت واضح وقوى وهو ينظر في عيني والده هذه المرة وللمرة الأولى :

 "أنا لا أمزح ساترك منزلكم هذا غدا ولن تروني مجددا "

هنا وقف الوالد وهو يضرب الطاولة بكفه ويقول بصوت حاد وقاطع :

"لا تستطيع".

  رد أحمد سريعا :"بل أستطيع ، لقد سمعتها ،لقد بلغت سن الرشد ويمكنني فعل ما أريد ".

قال الوالد وصوته يملؤه الغضب وقد بدأت الأجواء في التوتر حقا :

 "وما تريد يا سيد أحمد "

رد أحمد بصوت أعلى من صوت والده وكأنه يصرخ في وجه الجميع :

"أريد أن أكون حرا ، ألا ترى هذا السجن الذى تسميه منزلا ، نحن لسنا عائلة ، نحن نضحك على أنفسنا لا أكثر ".

 وهنا تدخل أخوه الأكبر وقال بحزم:

 " ما الذي تهذي به يا أحمد ، أصمت وأصعد إلى غرفتك الآن"

رد أحمد فى غضب أكبر من غضبه الأول وقال:

 "لن أصمت ولن أذهب ولن توقفني كلماتك بعد الآن يا أخي هذا الرجل .."

 وأشار إلى والده بيده وأكمل:

" لم أعد أريده أن يكون والدي بعد الآن ، هل يعجبكم حالكم هذا ، هل هذه حياة بالنسبة لكم ، أن كنتم تحبون العيش هنا فى هذا السجن فلا بأس أما أنا سأذهب "

ما أن أنهى أحمد كلمته الأخيرة حتى وجد يد والده مرفوعة في الهواء لتسقط على وجهه ولكنه أمسك بذراع والدة  قبل أن تضربه بقوة وقال بصوت يملؤه الحدة ويوحى بالتحذير:

 "لم أعد صغيرا أو قاصرا ليكون من حقك ضربي ولم تعد يدك تخيفني كالسابق " .

أنفجر الوالد غضبا مما حدث ، كان أحمد يعلم أنه سيقوم بإخراج وحش كبير من والده بمجرد إعلانه للعصيان ولكنه قد أتخذ قرراه ولن يتراجع عنه ، قال الوالد بغضب شديد

 "أنا أبوك" .

قال أحمد قاطعاً جملة الوالد :

"أنت لست أبي ولا يمكنك أن تكون أبا لأحد ، أنت والد فقط ولست أكثر من ذلك ".

 وهنا قرر سرد الحقائق التي أثقلت قلبه ومشاعره وكانت تأكله من الداخل لتستطيع الخروج :

" هل تظنهم سعداء بالعيش هنا ، انك مخطئ ، أنهم يخافون لا أكثر، يخافون الحياة دون عائلة و دون أموالك ، يخافون الفقر والوحدة ولكن لا احد منهم يحبك ، هل تريد دليلاً علي ذلك ، حسنا أنظر اليهم ، أنظر الى أبنك الأكبر وقد أجبرته على الزواج بفتاة لا يريدها مع أنه أراد الزواج بأخرى ، وأبنك الثاني تعلم التعليم الذى أردته مع أنه أراد أن يصبح رساما ، أما عن امي فبالله عليك كيف ستحبك بالليل وانت تضربها بالنهار "

ساد الصمت المكان ولم ينطق أحد ببنت شفة ، أما عن الوالد فأنه بركان مشتعل يكاد ينفجر وأما عن الأخوة فقد ظلوا صامتين طوال حياتهم فكيف يتكلمون الآن ، وأما عن صاحبنا أحمد فأبى إلا أن يكمل ما بدأه فأكمل حديثه بعد أن أخذ نفسا ليقول الحقائق المظلمة عن ذلك الرجل على طاولة العشاء :

" ألا تتذكر أبنتك الوحيدة التي ضربتها مراراً وتكراراً ، حرمتها من التعليم وجعلتها حبيسة المنزل ولم يكفك ما فعلته بها ، لكنك ودون رحمة  وبرغم أموالك الطائلة و  دونا عن نساء العالم قمت باغتصابها"

 وهنا صُدم الجميع صدمة أكبر من صدمتهم الأولى وقالت الأم في استغراب :

"ماذا تقول "

 فأكمل :

 "نعم يا أمي لا تستغربي كثيرا ، لقد أخبرك إحساسك الحقيقة ولكنك للأسف لم تصدقيه أو أخترت ألّا تفعلي ،  لقد رأيته وكان عمري لا يتجاوز العاشرة كنت أظنه يضربها كالعادة ولكنه فعل أسوأ ما قد يفعله رجل بامرأة ولم يكتف بذلك ولكنه كان يريد حبسها بالمنزل  وقام بحرق كل ما يخصها مدعياً أنها زانية وتركها لصدمة لا تعرف عنها شيئا لأنه حرص كل الحرص ألّا تفعل "

 

وهنا ملأ الحزن  صوته وقال في أسى :

"أما بقية الحكاية تعرفونها جيدا ، ماتت بعد  دهس سيارة لها وأن كانت قد ماتت من قبل بسبب الألم والقهر النفسي الذي سببه الوالد العظيم ، وأدعى أنها هربت بعد أن رآها مع أحدهم  وانتحرت خوفا من العقاب "

 وهنا تدخل الأخ الأكبر وقال :

" أنت تكذب كيف تقول هذا الكلام الفارغ "

قاطعه أحمد قائلاً :

" لم يعد يهمني أن يصدقني أحد ، أنا ذاهب كما أخبرتكم ولست مهتما بتصديقكم لي "

وهنا قال الوالد في غضب يشبه غضب التنين الذي ينفث نارا

" أخرج من بيتي ولا تعد مجدداً ، اذهب ولا أريد رؤية وجهك العاصي هذا مرة أخرى واعلم أن الله لن يسدد خطاك ما دمت عصيت أباك مهما فعل "

 وهنا تحرك غضب أحمد من جديد وقال

" وأنت ألم تعصِ الله عندما تركتني دون طعام سوى بضع كسرات خبز لمدة شهر كامل وعندما قمت بكسر ذراعي ألم يكن هناك رباً يسمع ألمي، لقد امتلكت المال والجاه والسلطان و الأبناء ولكنك لم تكن إنساناً فكيف لك أن تكون أباً ، تركتني جائعاً وتركت هذا (مشيرا إلى أخيه الأوسط ) دون مأوى ووضعته مكان الكلاب وقتلت ابنتك الوحيدة من القهر ، أنت لست سوى مختل عقلي ،و صدقّني حين أقول لك إن جهنم لن تكون كافية لأمثالك  ، سوف تدفع ثمن أفعالك هذه غاليا ، سأترك هذا المنزل الآن الظالم أهله ، ( وهنا هو محق فلقد ظلم الوالد الجميع وظلموا هم أنفسهم عندما اختاروا أن يكملوا رغم القهر والخوف ) ولكني سأعود ، أخبرتك منذ قليل أنكم لن تروني مجدداً وظننت أن هذا عقاب لك ولكنّي سأعود لأراك تتعذب سأعود بعد أن أتم علاجي النفسي الذي أخوضه بسببك وأصبح مستقلا ، سأعود لأثبت الحقيقة و  سأجعلك تدفع الثمن  غالياً "

انتهى من والده وقال كل ما أراد أن يقوله في وجهه وترك تلك الطاولة التي تحمل قلبا لا يعرف الرحمة وقلوباً اختارت أن تظل في كنف الظلم متجاهلين مشاعرهم حتى أصبحوا بلا مشاعر ولكن قبل أن يغادر قال لإخوته

" إنه ليس أباً كي تقوموا ببره وإن كان قاسيا معكم ، لأنه لم يكن قاسياً بل كان مجرما ، أنتم من تختارون أن تكملوا في أرض ظاهرها أنها جنة ولكنها جنة ظالمة أو أن تدخلوا جحيما و تحققوا به بعض العدل "

وأُسدل الستار فى هذا المشهد أسدل على بشاعة فعلة الأب وإساءة ظاهرة من ابنه الذى لم يشعر يوم أن له أبا يحتمي به ولكن شعر دائما بفقدانه لأبيه الذي ما زال على قيد الحياة وأنه يعيش مع شخص فقد ضميره وقلبه ،عاش حياته كاتماً غضبه حاملا ذنباً لم يرتكبه معتقدا أنه شريك في جريمة ليس له فيه يد.

 

 

1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.